سياسة

سفينة بَوْح

هيهات لن يكون ...!

هيثم الفضل

بالرغم من كل شيء دعونا نُعطي الذين وقفوا حائطاً صلداً في وجه مبدأ رهن الإنتقال الديموقراطي بشراكة وهمية مع أعضاء لجنة المخلوع الأمنية وتحمَّلوا في ذلك ما لا يُطاق من إتهامات وضغائن بصبرٍ الحُكماء وعزيمة القابضين على جمر القضية ، وفي مقدمتهم الشهيد الراحل علي محمود حسنين الذي نصح حين كان النُصح يُجدي وحين كان إتبَّاعهُ يُفضي بلا ريبة إلى تحقيق ثورة ديسمبر المجيدة لأهدافها ومطالبها المشروعة والممهورة بتضحيات الشعب ، وفي مقدمة هؤلاء نرفع قُبعات التحايا والإجلال ممهورةً بنياشين الحكمة وبُعد النظر لعبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور ، اللَّذين عنوَّنا رفضهما للمُضي قُدماً في الإتفاق على سلام جوبا (بالترفُّع) عن التواثُق مع مَنْ كانوا يُشكِّلون مضماراً صلداً لحماية وصون النظام البائد ، بل كانوا جلاديه وأياديه التي تغتصب الأرواح والحق في العيش الكريم ، يكفي هذا المنظور المبدئي لفهم أن فلول الإنقاذ البائدة ومُنتفعيهم من الذين يسعون اليوم للحصول على (بيان إنقلابي) على ما يعتقدون أنهُ أنقاض الثورة الديسمبرية المجيدة ، أثبتوا إستعدادهم (الفطري) للمُتاجرة بكرامة الأبرياء والبُسطاء ، وكانوا قد فعلوها عندما راهنوا على الرِدة بإصطناع الأزمات الإقتصادية عبر مؤامرات عديدة وبغيضة إعتقاداً منهم بأن تجويع هذا الشعب وخنقهُ في زنزانة العوز والحاجة وقلة الحيلة سيدفعهُ للخروج مُستجدياً إياهُم أنْ تعالوا وأشبعوا جوعي ولو على أواني يُزخرفها الذُلُ والهوان والتركيع ، وها هُم اليوم وعبر حشدهم المُثقل بتثاؤبات أطفال الخلاوي المغلوبين على أمرهم وبعض الذين قهرتهم أسباب الحاجة ، يُعيدون الكرة ويشترون إرادة البُسطاء بالمال والطعام والفواكه الرخيصة ، في إشارةٍ لا تقبل الشك أنهم ما زالوا يُصرِّون على إحتقارهم وتقزيمهم لإنسانية المواطن السوداني وقُدرته على الزود عن إرادته وكرامته وآماله وتطلُّعاته المُستحقة في الإنعتاق.

الشراكة العرجاء بين العسكر في مجلس السيادة والمكوِّن المدني الذي يُمثِّل قوى الحرية والتغيير صاحبة الإمتياز والعلامة الوطنية المُسجَّلة لإدارة شارع الثورة حين كان شرارها يُخيف الطامعين ، هي في الحقيقة لم تكن سوى محاولة (مُستميتة) لدفع من لا يرُجى فيه أن يتعلَّم الدرس ويحصد النجاح في إمتحانٍ كُتبت مُقرَّراته بدماء الشهداء والجرحى والعديد من التضحيات الجِسام ، تم إصطحابهُم في هذه المسيرة المباركة حقناً للدماء وقتها ، وإستعجالاً لتخَّطي ما تبَّقى من عقبات كانت تقف في طريق تدشين مؤسسات بناء السودان الجديد ، لكن يبدو أن مبدأ (ما بُني على باطل فهو باطل) ، ظل شبحاً يُطارد كل محاولات التوافُق التي تُفضي إلى تحوُّل ديموقراطي ، ويوصمها في كل يوم بأنها لن تساوي في مسيرتنا الصامدة هذه سوى أنصاف الحلول.

المخاطر المُحدِّقة بالتحوُّل الديموقراطي يجب أن تُجتث جذورها من ذات الشجرة التي نستظل بها بإسم الحرية والسلام والعدالة ، ولا خيار سوى المواجهة التي تستهدف إبعاد ضباط اللجة الأمنية للمخلوع من مجلس السيادة ، وإستبدالهم بمن يؤمن بالتحوُّل الديموقراطي ويكتفي بما حدَّدتهُ له الوثيقة الدستورية من إختصاصات ، إن فعلنا ذلك فلن يجد المُنتمين تاريخياً لآيدلوجية الغدر والتمرُّد والإختلاف من أجل الإختلاف ومن تبعهُم من (النفعيون الجُدد) فرصةً أو منفذاً يحتمون به ليمارسوا هواية التوغُّل في مستنقع مُقارعة الشعب السوداني في إرادتهِ الحُره وتطلَّعاته المُستحقة نحو تأسيس دولة الكرامة والعدالة والمؤسسات والقانون والتعايُش السلمي والتنمية المُستدامة ، لا حزب لنا ولا مؤسسة تمُثلنا منذ الآن وحتى مثول المطالب الثورية المُتفَّق عليها في الوثيقة الدستورية سوى شارع الثورة  وقوى الحرية والتغيير وحكيم الأمة عبد الله حمدوك.

باطل مُزركش بثوب الحق …!

فلول الإنقاذ البائدة كانوا (رُوَّاداً) في إكتشاف نظريات وأساليب جديدة في إسباغ الحق بالباطل في شتى مٌساجلاتهم ومنافساتهم مع مَنْ عارضوهم أو فضحوا نواياهم التي لا علاقة لها دائماً بشعاراتهم وما يُفصحون ، تلك النظريات والأساليب لا تعرف عنها جموع السودانيين أو فلنقُل السواد الأعظم منهم شيئاً إذا نظرنا لما في جُعبة هذا الشعب الأبيّْ من قيِّم وأخلاقيات ومباديء (مُكتسبة) ومتوارثة جيلاً بعد جيل ،  وهي محل إتفاق جماعي لا خلاف حولهُ مهما تبايَّنت الأعراق والقبائل واللُغات والثقافات ، ذلك أنها بالفعل كانت عُصارة ما تواثقت عليه الإنسانية جمعاء من قيِّم وأخلاقيات ومباديء عبر قرون مديدة من التجارُب التاريخية المُثقلة بالإنتصارات والهزائم والوقائع والأحداث ، من أهم تلك الأساليب التي برِع فيها الكيزان وإستطاعوا أن يستثمروها في صراعهم مع هذا الشعب الذي (ضعُفت مهاراته فيها) هو عدم الحياء  من معظم ما يستحي منه السودانيون من أفعال وأقوال ، لذلك لم أستغرب يوماً سؤال الأديب الراحل الطيِّب صالح الذي أصبح بمثابة مثل مُتفَّق عليه في باب غرائب الأحوال والأفعال والأقوال (من أين أتى هؤلاء؟!) ، هل كان يخطُر على بال كل الذين سبقوا في حكم هذه البلاد وفي مقدَّمتهم مؤسسي الشموليات العسكرية كاللواء عبود والمُشير جعفر النميري بكل ما فيهما من جبروت وطُغيان ، أن يبيعا السكة حديد وسودان أير ومشروع الجزيرة وشركة الصمغ العربي ومُقرن النيلين ، من أجل توفير ميزانية تؤمِّن لهما البقاء في الحكم ؟ ، هل يخطُر على بال سفَّاحٍ يستولى على الحكم في بلاده ويغلبهُ كابح الحياء بالدرجة التي تدفعهُ إلى تشريد وطرد وتغريب ما يفوق الخمسين ألف موظف وعامل من مؤسسات الدولة والخدمة المدنية بأمر قانون (الطالح العام) تمكيناً لأتباعهِ من فاقدي الأهلية الأخلاقية والمهنية ليتحوَّلوا إلى غولٍ جائع ينهش بلا رحمة في جسد البلاد والعباد ؟.

ما سبق ذكره أوردتهُ فقط للتذكير بأن ما يحدُث الآن من محاولات لوأد إرادة الشعب السوداني وإعادة بناء صولجان الطُغيان والجبروت والظلم المؤدلّج ، ليس غريباً بالنظر إلى إيماننا بتفوَّقهُم غير المسبوق في السباحة ضد تيار الحق والحقيقة ومؤالفتهم المُختبَرة لمستنقعات الباطل ، كيف لكم أن تستغربوا مِنْ مَنْ يُنادي بحل الحكومة وهو أبرز أعضاءها مُتهِّماً إياها بالفشل في القضاء على معاناة الجماهير وهو المُتحكِّم الإستراتيجي في نمائها الإقتصادي بإعتباره وزير ماليتها ، إنهُ إخوتي المستغربون مُجرَّد عدم الحياء الذي ما زالوا هُم فيه بارعين ، كيف لحاكم أكبر الأقاليم في السودان ، وفي ذات الحكومة التي يُنادي بحلها أن يُبرِّر فعلهُ هذا بإستهدافهِ (توسعة) قاعدة المشاركين في الحكومة الإنتقالية بما فيهم فلول الإنقاذ البائدة ، وفي ذات الوقت لم يزل يتبَّاهى كل يوم في الفضائيات بأن شعب دارفور تعرَّض للمجاذر والإبادة الجماعية من ذات الفلول التي كانت على رأس النظام الغاشم والذين يتخذهم اليوم (حُلفاء) في مواجهة الشعب السوداني وبنات وأبناء دارفور مُتخطيَّاً بذلك أيضاً كل ما تبَّقى من سُتر (الحياء) ، لا أستنكر أبداً على أعضاء المجلس السيادي من العسكريين إذا (طمعوا) في قلب الطاولة على مُمثلينا من المدنيين أياً كانت مستويات أداءهم وتوجُّهاتهم وأحزابهم  ، ما دامت ثورتنا للآن لم تستطع أن (تُسكت) الذين لا يستحون من السودان وشعبه لأنهم ببساطة لا يؤمنون بالسودان الذي نُريد ولا يحترمون عقل ووعي هذا الشعب المُتطلِّع بكل إصرار وعزيمة للإنعتاق ، لن نسمح مرةً أخرى أن تعتلي ظهورنا جحافل المُحترفين في سوءة عدم الحياء والمُناداة بالباطل مُزركشاُ بثوب الحق.

التشويه والتشويش …!

مواصلة لما بدأناهُ في مقالٍ سابق عن (ريادة) الكيزان في إبتكار الأساليب المُنتنة لمُقارعة الخصوم إنطلاقاً من (إحترافيتهم) في مضمار عدم الحياء من كل ما يُمكن أن يستحي منهُ مُجمل الشعب السوداني كالكذب والنفاق والتلفيق والتزوير والتدليس  وغيرها من الصفات التي لا يتورَّعون عن الخوض فيها وإستعمالها ضد المنافسين تحت شعارات برَّاقة على رأسها نُصرة الإسلام ، نضيفُ اليوم إسلوباً جديداً باتوا يستعملونهُ بكثرة في الآونة الأخيرة بعد أن أفل نجمهم وتضعضعت قواهُم وزال جبورتهم وصار بالنسبة إليهم أضعف الإيمان وأقل ما يمكن أن يمارسونه من خُبث سياسي في واقعهم المُنذر بالضياع والخروج الأبدي من ساحة الفعل السياسي السوداني ، هذا الإسلوب في الحقيقة عجزتُ أن أجد له عنواناً أو إسماً سوى إن جاز التعبير(التشويش والتشويه) في مضامين المصطلحات والتلاعُب بمعانيها ، إستهدافاً لإغتيال شخصية خصمهم وإشانة سمعتهِ وتأليب الرأي العام عليه ، وهذا ما لم ينجحوا فيه عبر مُجمل محاولاتهم بالنظر إلى مستويات الوعي السياسي العالية التي باتت تتحلى بها جماهير الشعب السوداني ، وآخر مثال لإستعمالهم هذا الإسلوب ، تفسيرهم لما قالهُ الأستاذ / وجدي صالح عضو لجنة إزالة التمكين وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو في ندوة أقيمت مساء أول أمس بودمدني ، حيث قال وجدي متحدثاً عن الفلول وأذيالهم من النفعيين (أنهم يشبهون بعضهم في مآلاتهم وأقوالهم وأفعالهم ونواياهم ، وهم لا يشبهوننا) ، وإعمالاً لمبدأ التشويش والتشويه فسَّر المُغرضون ما قالهُ بأنه يتحدَّث عن السحنات والعرقيات والتبايُّن القبلي ، وأشاروا بأن ما قالهُ فيه إشارات عُنصرية ، في محاولة لجر الرأي العام إلى التعامي عن قصدهُ الحقيقي المُتمثِّل في كون الفلول وأذيالهم لا يشبهون الشعب السوداني في أخلاقياته ومبادئه وآماله وتطلُّعاته ، طالما أنهم يقفون حجر عثرة في سبيل تحقيق إرادته الحُرة ويبذلون ما في وسعهم من طاقات من أجل محاربة ثورته وتقزيم تضحياته الجِسام من أجل الإنعتاق وتأسيس دولته المدنية الديموقراطية الباسلة.

ذات الإسلوب المُعنوَّن بالتشويش والتشويه للعبارات والمصطلحات ، واجهتهُ لجنة إزالة التمكين في كل مُخاطباتها ، إنطلاقاً من مُسماها نفسهُ المُتمثِّل في عبارة (تفكيك مؤسسات نظام الثلاثين من يونيو) والتي يصُر الفلول والمُنتفعين من فساد الإنقاذ البائدة ووجود شخوصها على رأس تلك المؤسسات ، أن الثورة  وعبر لجنة إزالة التمكين تسعى إلى تفكيك مؤسسات الدولة وفي مقدمتها المؤسسة العدلية والعسكرية وغيرها من المؤسسات النظامية ، في إشارة إلى مُهدِّدات وهمية ستطال البنية المؤسسية للدولة عبر أعمال التفكيك التي تضطلع بها اللجنة ، مُتجاهلين المضمون الحقيقي للعبارة التي لا يفوت على عقل حصيف أنها تعني (تفكيك) تلك المؤسسات من الشخوص الذين دخلوها وسيطروا عليها بلا أهلية ولا وجه حق سوى إنتمائهم إلى المؤتمر الوطني المحلول ، بالقدر الذي دفع الأخ / عروة الصادق في لقاء تلفزيوني بقناة الحدث العربية مُقارعاً ذاك المسخ الأمني الكيزاني المدعو الخبير الإستراتيجي حنفي عبد الله ، لأن يصرخ بأعلى صوته (لسنا أغبياء ولا مخبولين) حتى نُفكِّك مؤسساتنا العسكرية والأمنية والشُرطية وخدمتنا المدنية ، كل ما سبق يستهدف به الكيزان وهم يمتطون صهوة عدم الحياء إغتيال شخصيات ومؤسسات بعينها لأنهم يعتقدون بل متأكِّدون من خطورتها على مساعيهم الجادة والمتواصلة لعرقلة مسارات ثورة ديسمبر المجيدة ومطالبها وشعاراتها التي تُخيفهم وتزعزِع مضاجعهم وفي مقدمتها هُتاف (حُرية ، سلام ، عدالة).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق