ثقافة وفن

سورة القلم والإنسان الكامل!

بدر الدين العتاق

حين أتطرق لتأويل سورة القلم؛ تلقائياً تتضح فكرة الإنسان الكامل بدون فلسفة أو حذلقة أو تعقيد؛ فالمقام الآن مقام السورة الكريمة جملة والتي يمثلها قمة هو نموذج الإنسان الكامل في ذات النبي محمد؛ عليه السلام؛ لا لتعصب عقدي أو ميول عاطفي أو مما يدور في فلك العامة من ذوي الفهوم؛ بل لأنَّه من ذات التمحور والتجسد والفكر والمعاملة والإنسانية البحتة المحضة تجده يتصدرها بلا منازع ومن حيث ذاك المقام والكبرياء المتواضع المتموضع في شخصية النبي محمد؛ عليه السلام؛ والذي يندب البشرية جميعها للسير في طريقه نحو السير المطلق لرب العالمين تحقيقاً في اللحم والدم مجسداً في الحقيقة الوحيدة الكاملة وهي الإنسان الكامل يكون تأويل السورة.

من مستويات المعرفة في سورة القلم لك أن تعرف أيها الإنسان الكريم إن السورة تتحدث تلخيصاً في أمرين اثنين هما بلغة العصر الحديث: الرأسمالية العالمية والبروليتاريا السفلى أو البرجوازية الصغيرة والمتوسطة؛ وأنت تعلم الفارق العظيم بين الطبقتين مما يجعل المقارنة بينهما مستحيلة وهما. . هما أساس المشاكل في كوكب الأرض وأصل الصراعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بين القطيع الآدمي بلا استثناء ولا إقصاء لأحد في المجموعة البشرية المعاصرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

نعلم أن الرأسمالية العالمية تتحكم في رأس المال العالمي والاقتصاد الكلي للدول والأفراد على السواء وهي جعل المال في يد القلة القليلة من بعض المسميات التي تقود القافلة الإنسانية وتتحكم في أمورها الداخلية والخارجية على نطاقي الفرد والجماعة ( الفرد هو الذي يملك المال على مستواه الشخصي لإدارة حياته اليومية العادية؛ والمجموعة هي المتمثلة في الشركات أو المؤسسات أو الدول أو بين اثنين فأكثر ) وتدير العالم وفقاً للمنظومة الاقتصادية العالمية من طريقي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على أعلى تقدير؛ مما جعل بطبيعة الحال الصراع قائماً بين الذين يملكون مفاصل الإنتاج والقوة المالية وبين ( الذين لا يملكون ) العاملين في القطاع الحكومي أو الخاص أو الذين لا يملكون القدرة على الحرية والتحرر والإنتاج من قبضة الرأسماليين حتى لا يتحكموا فيهم ويكونوا أداة سهلة وطيعة في يد من يملكون النفوذ المالي و السياسي والعسكري والفكري والثقافي والاجتماعي والاقتصادي وغير ذلك؛ كما كان بطبيعة الحال أيضاً محاولة القلة التي لا تملك ولا تمتلك الخروج والهروب من قبضة الرأسماليين بحال من الأحوال حين أن الرأسماليين يقاتلون من أجل الحفاظ على هذه المسافة بينهم والعمال أو قل:  الفقراء في العالم ونعرفها اليوم بدول العالم الثالث أو ما شاكلهم ممن لا يملكون قرارهم السياسي أو الشخصي لإدارة شؤونهم الخاصة بطريقة ما؛ ليظل الصراع قائماً لا يخفى على ذي عينين وهذه الفقرة الأخيرة يمكننا أن نصطلح عليها بالبروليتاريا السفلى في أحد المستويات أو البرجوازية الصغيرة والمتوسطة سواء بسواء.

معنى كلمة “القلم: ” 

وهي اسم السورة الكريمة التي نحن بصددها؛ ومما يسوق العقل البشري قاطبة ومباشرة لفهم معنى كلمة: „القلم” هو ما قدمنا عالية من تبيين الطبقتين: الرأسمالية العالمية والبروليتاريا السفلى؛ إذ كل طبقة تختلف اختلافاً جذرياً عن الثانية على النقيض منها تماماً؛ فلا يمكننا معرف طبقة ما لم نعرف الأخرى نقيضتها بطبيعة الحال ومثاله: أصحاب المال والنفوذ يقابلهم أصحاب الفقر والضعف؛ أهل الخير والصلاح يقابلهم أصحاب الشر والفساد؛ وهكذا؛ فالقلم هو تلك المتناقضات المختلفات جداً؛ قال الشاعر: 

فالوجه مثل الصبح مبيض

والفرع مثل الليل مسود

ضدان لما استجمعا حسناً

والضد يظهر حسنه الضد

القلم يعني: الضديات

  حسناً!  بصورة ثانية؛ من صفات الرأسماليين:  الصلف والتكبر والطغيان والغرور وحب الأنا  – EGO  – الذات الصرفة وكثرة الحلف فيما يستحق وما لا يستحق بجانب الصفات الأقرب للشر وانعدام الأخلاق منها إلى الخير والصلاح؛ وفي المقابل للرأسماليين؛ البروليتاريون الأسفل بمفهوم الطبقة الرأسمالية وكذلك صارت بفهم الطبقة العالية من كان دونهم هم بروليتارييين وبرجوازيين أراذل الرأي وكانت الصفة للأخيرين لمن هم أعلى منهم شأناً رأسماليين أو أصحاب نفوذ وتسلط ( كلا الطبقتين وصفت أختها على النقيض منها لما يروه من بعضهم البعض بطبيعة الحال ) وتجدهم / أي:  البروليتاريون الأسفل أو البرجوازية الصغيرة والمتوسطة سواء بسواء / أقرب إلى التواضع والبساطة وسبل الخير والصلاح والبر منهم إلى الصلف والغرور والتكبر،  في حالهم لا يسألون الناس إلحافاً – بالتحديد البروليتاريا -؛ ويعتبر البعض أن هذا توازناً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً يجب أن يظل كما هو لإدارة الحياة من قبيل الطرفين وفي ذلك سنت القوانين واللوائح والقرارات المنظمة لحياة الإنسان في صورة الأمم المتحدة وميثاقها الدولي؛ وهذا الأمر في ظاهره الخير وفي باطنه الشر وليس هنا موضع التفصيل.

دعني أقول باختصار شديد:  الرأسمالية العالمية لن تدوم طويلاً بحال من الأحوال على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الدول لسكان المنطقة الكوكبية لأنَّ هذا ليس مراد الله تعالى؛ ومراده إن شاء الله هو التمثل الأخلاقي الكبير الأشمل ( نموذج الإنسان الكامل / محمد عليه السلام ) لجعل البشرية جميعها في طريق المساواة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية على قدم وساق؛ فمتى ما تقدمت الأخلاق على الماديات كان الطريق أقرب لتحقيق إنسانية الإنسان؛ وهذا الطريق المطروق الآن بلغة العصر الحديث هو الاشتراكية في أدنى مستوياتها وأعلى مستوياتها على قدم وساق لتمحو الفوارق الطبقية بين القطيع الآدمي بلا استثناء ولا إقصاء.

وعند تحقيقها تتحقق الحرية والعدالة والسلام والكرامة الإنسانية في كل أرجاء المعمورة بطبيعة الحال أيضاً.

أنا لم أتطرق لتأويل سورة القلم بعد من ناحية الآيات القرآنية لكني لخصتها تلخيصاً أقرب ما يكون إلى المراد منها إن شاء الله.

   ورد هذا المصطلح مؤخراً في القرن العشرين أول عهده بالسودان وكان أول من استخدم هذا المصطلح هو الأستاذ / محمود محمد طه؛ (1909 م – 1985 م) المفكر الإسلامي الإنساني السوداني الكبير؛ وما يهمني هنا من خلال تأويل السورة الكريمة هو النموذج الذي ذكرته من أنَّه مجسد في اللحم والدم في الذات المحمدية؛ عليه السلام؛ لأسباب رأيتها من التأويل وهي:

إن النبي محمد؛ عليه الصلاة والسلام؛ لم يكن يميل إلى الطبقة الرأسمالية العالمية في كل العصور / في القرن السابع الميلادي وما يليه من قرون بحكم الأخذ منه في أصول التشريع السماوي القاعدة العامة للإنسان حيثما كان /؛ كذلك؛ ولا ينتمي إلى الطبقة العاملة البرجوازية الصغيرة والمتوسطة أو الفقيرة بحال من الأحوال – لم يثبت عن النبي الكريم أنه كان فقيراً بل مكتفياً في جميع أحواله على أقل تقدير – فهو أكبر منهما قدراً ومقاماً وكبرياءاً حتى بعد أن يرث الله الأرض ومن عليها إذ لم تكن في قلبه مثقال ذرة من كِبْر أو شر من نوازع الضمير الميت المائل إلى نوازع الشر أو نواهضه ولن يكون / بل كان خيراً محضاً؛ جاء في الأثر:  كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس؛ وأجود ما يكون في رمضان /؛ وهذا مثال بشري نادر لا يوجد له ضريب شاكله من الناس قديماً أو حديثاً أو مستقبلاً وهو ما أشار إليه القرآن الكريم في الآية:  ‭{‬ ودوا لو تدهن فيدهنون ‭}‬ فالمداهنة هي:  ميل نحو الغرائز البشرية السالبة المتلونة على حسب نوع الحدث تتكيف معه وبه وتصانعه حتى تنقشع ظلاماته وما أن تنتهي دورته حتى يدخل في أخرى دواليك؛ وهذا ما لم يحدث في حياته ولا في ذاته ولن يحدث في ترجمة سيرته الذاتية على واقع الحال الإنساني فتقول مثلاً:  داهن محمد في أمر كذا وكذا!  لتحاكيه قدوة فإنَّك لن تجد وإلا لضاع محمد والدين والأمانة ونفر الناس عن طريق الله؛ تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً؛ وحاشاه أن يقع؛ صلوات ربي وسلامه عليه؛ ثم إنَّك واجد بلسان الحال تجسيده الخير والبر والصلاح المطلق معاملة وسلوكاً ومنهجاً وطريقة وحقيقة في اللحم والدم حتى تراه يقول:  ‭{‬ تخلقوا بأخلاق الله فإن ربي على سراط مستقيم ‭}‬ ويقول:  ‭{‬ أدبني ربي فأحسن تأديبي ‭}‬؛ ثم هو في المال ليس له إلا بمقدار ما يكفيه يومه طعاماً وشراباً فلا يدخر ليوم غد شيئاً ولا يشغله مستقبله عن حاضره ولو للحظة؛ زد على ذلك توجهه الصارم الذي لا يرائي ولا يداهن ولا يصانع فيه ولا معه ولا عليه، وحدة واحدة،  في طريق دعوته التي بُعث بها للناس كافة لا يثنيه عنها ثان ولا غفلة عين ولا انتباهتها ولا أصغر من ذلك ولا أكبر؛ مما جعله بين أهله غريباً أو كالغريب  ‭{‬ ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم ‭}‬ راجع تأويلنا لسورة يونس.

وكلنا يعرف الحديث المأثور عن أمنا عائشة رضي الله عنها لما سُألت عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: [كان خلقه القرآن] وقوله هو عليه السلام: ‭{‬إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق‭}‬ وكأن بعثته ليست غير الأخلاق دعوة وسبيلاً وهو أحق الناس بها.

رجع الحديث: 

  أصحاب الجنة في السورة الكريمة يمثلون بلغة العصر الحديث الرأسمالية العالمية القابضة لإدارة حياة الناس؛ وضرب الله مثلاً بها اليوم وغداً وبعد غد إلى أن يشاء الله؛ وأخبر عن مصيرهم المصروم إذ ذهب بمالهم ورؤوسهم؛ ومثل البروليتاريين الأسفل والبرجوازية الصغيرة والمتوسطة سواء بسواء هم المساكين والفقراء والمحتاجين / دول العالم الثالث أو الرابع أو الأقل نمواً اقتصاديا أفراداً أو جماعات / الذين يطلبون حد الكفاف من أهل القوة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية حقاً لا فضلاً؛ فقال:  ‭{‬ إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين * ولا يستثنون ‭}‬؛ بلوناهم تعني:  أدخلناهم في تجربة حياتية مستمرة في شكل الصراع القائم بين المفهومين والغرضين والفريقين لقضية واحدة وهي قضية ( المال العام والاقتصاد العالمي للأفراد والجماعات النعل حذو النعل ) العطاء واستغلال النفوذ المالي على الأقل درجة إنسانية واجتماعية وثقافية وسياسية واقتصادية؛ فكلما زادت هيمنة الرأسماليين نقصت في المقابل لها في مقبل الأيام من ناحية الاشتراكية لكل المستويات الإنسانية الحياتية وأكبر دليل على صحة هذا الأمر هو نموذج الاشتراكية الصينية المعتدلة ‭{‬ قال أوسطهم ألم أقل لكم لو لا تسبحون‭}‬  والدليل الثاني الأزمة المالية العالمية التي حدثت سنة:  2008 م؛ وانهيار الاقتصاد الوطني الأميركي والعالمي على السواء ونجاة بعض الدول ذات الميول والاتجاهات المالية المعتدلة التي جنبتها من الإفلاس – اليونان نموذجاً – والانهيار الاقتصادي،  بمعنى أيلولة الاقتصاد العام نحو الاشتراكية الفردية والجمعية في كل المستويات الحياتية، راجع سورة النصر .

يقول النبي الكريم: (إنكم لن تسعوهم بأموالكم ولكن سعوهم بأخلاقكم) مما نعيد به الكرة من جديد وهي سعة الأخلاق الإنسانية التي تعلو على كل الفهوم المادية والتجريبية والتي يمثلها قمة وقدوة واحتذاءا هو النبي محمد؛ عليه الصلاة والسلام، لذي يقول الله تعالى في حقه: ‭{‬وإنك لعلى خلق عظيم * فستبصر ويبصرون * بأييكم المفتون‭}‬ فهو يجسد الحقيقة الوحيدة الكاملة والنادرة للإنسان الكامل وهي الأخلاق (كان خلقه القرآن) وبها فقط عند إعمالها في حياتنا اليومية ونقلده فيها تحل كل المشاكل المادية والتجريبية.

‭{‬قال أوسطهم ألم أقل لكم لو لا تسبحون* قالوا: سبحان ربنا إنا كنا ظالمين‭}‬ حينها ينتهي الصراع التقليدي بين الذين يملكون والذين لا يملكون لتذوب الفوارق الطبقية بين القطيع الآدمي بلا استثناء ولا إقصاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق