سياسة

قراءات

عوامل تكوين إسرائيل (9)

محمدالمنتصر حديد السراج

يواصل بن جوريون حديثه عن الصهيوني والصهيونية، ففي نظره أن الصهيوني الصحيح هو اليهودي الذي يعود الى دولة إسرائيل ويشارك في إعادة بنائها. ولا يتضمن هذا التعريف، من ناحية المبدأ، تحولا عن عقيدة الصهيونية العملية كما تطورت قبل قيام الدولة. فالفكرة التي يعبر عنها بن جوريون هنا تعكس حاجة الثورة القومية اليهودية الى توسيع رقعة استعمارها في فلسطين. وهكذا تحتل فكرة الدولة ضمن البرنامج الصهيوني العملي المنزلة نفسها التي احتلتها مسألة الحصول على براءة(رخصة) الاستيلاء على الأرض في السابق. فالصهيونية العملية تعطي هذه النواحي السياسية أهمية ثانوية: بدأ الاستعمار في فلسطين قبل الحصول على البراءة، وكذلك لا يعني تحقيق الدولة وضع حد لعملية الاستعمار. هكذا نجد الصهيوني العملي بن جوريون يقول في 13 آب أغسطس 1948: (إنني اعتبر المقدمة الكبرى الرئيسية في صميم تفكيرنا بأجمعه. لا بل حركتنا بكليتها وسياستنا ما يلي … بأن الدولة ليست هدفا في حد ذاتها، بل هي وسيلة الى هدف، والهدف هو الصهيونية).

إن حرب بن جوريون إذن تنحصر في الدرجة الأولى مع الصهيونيين السياسيين الذين تصوروا أن دورهم قد انتهى حالما تمت إقامة الدولة. إنه الصراع القديم بين الصهيونية العملية والصهيونية السياسية يظهر في شكل جديد. غير أنه يبدو بأن الصهيونية العملية ما زالت هي التي تقرر مضمون الحركة ومحتواها وتسعى لضمان استمرار الثورة في ظل الشعار نفسه: الهجرة والعمل الرائد. وقد جعلت حكومة إسرائيل من واجبها المشروع أن تجمع يهود العالم في الأرض التي ادعتها. وعبرت رسميا عن قصدها هذا في إعلان الاستقلال. كذلك تم استصدار (قانون العودة) وتنفيذه للغرض نفسه.

هكذا تصبح قضية (تجميع المنفيين) بمثابة هدف الحكومة الأسمى الذي يعتمد تحقيقه على عملية الاستيعاب الاقتصادي. وبما أن مهمة القيام بذلك تتعدى نطاق قدرة دولة إسرائيل، تبرز أمامنا قضية من قضايا الثورة القومية اليهودية الثابتة: و هي الاشتراك مع المنظمة الصهيونية العالمية لتحقيق ذلك الهدف.

على الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية والمنظمة الصهيونية العالمية تؤكد كل منهما على تعلقها بالمهمة الصهيونية الرئيسية القائمة (حينها)، فإن الأولى هي التي تأخذ على عاتقها مسألة توجيه الحركة الصهيونية بشكل حاسم. وتم وضع زعماء المنظمة الصهيونية العالمية في مكانة تسمح لهم أن يعلنوا بأن تأييد الحكومة الإسرائيلية قد أصبح شرطا أساسيا لنجاح مجهودهم في بناء الصهيونية. وتحقق في ضوء هذا التطور ذلك المفهوم الذي تبناه هرتزل عن الوكيل المفوض Negotiorum gestio. فأصبحت حكومة إسرائيل (وكيل) اليهود، بينما تمثل المنظمة الصهيونية العالمية أكثرية (الشعب المفوض) Dominus  negotiorum .

هكذا جعل إعلان الاستقلال كلا من الحكومة والإسرائيليين ومواطني إسرائيل في المستقبل مسؤولين عن تدعيم الثورة وترسيخها. وأصبح، على العموم، المجهود الصهيوني بالتالي أكثر تحديدا بصورة نسبية. ويتضمن وضع من هذا النوع اتجاها للعمل المتطابق، كما يتضمن إمكانية الفوضى في آن واحد. فالظروف الخارجية، فيما يتعلق بإسرائيل، تمارس تأثيرا كبيرا على أجهزة الحركة.

مع أن العمل العسكري أوجد الدولة السيدة. فإن ذلك حصيلة طبيعية للفلسفة الصهيونية. فقد كتب هرتزل في يومياته مثلا (وهو يوافق هنا سرا على مشروع تريتش المتعلق بقبرص).. كتب يقول: (سوف نتجمع في قبرص ثم نتوجه منها …نقفز … يوما ما الى أرض إسرائيل لكي نستولي عليها بالقوة كما أخذت منا منذ زمن طويل).

إن الغزو والاستيلاء في الصهيونية هو حليف للاستعمار والاستيطان. وبالإضافة الى ذلك يرى الصهيونيون في قوتهم العسكرية صيغة من صيغ الإحياء التاريخي وبعثا لتراث قديم. فقد كتب حاييم ليبرمان، من هيئة التحرير في صحيفة (جويش ديلي فورورد) عن الجيش الإسرائيلي ما يلي: (إن جيش إسرائيل يختلف عن سائر الجيوش في العالم. في النسب والتقليد العريق والروح والعظمة والمفاخرة … أي جندي في العالم يمكنه أن يضاهي جندي دولة إسرائيل؟ ما من أحد. إن جيش إسرائيل فتي ولكنه في الوقت نفسه أقدم جميع الجيوش. فالجيش الإسرائيلي لا يبدأ تاريخه مع تأسيس الدولة. إنه يعود الى زمن سحيق في القدم. من تعتقد أنه كان أول قائد للمحاربين اليهود؟ حاخامنا موسى؟ أم علينا أن نبدأ من أبينا إبراهيم؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق