سياسة

قراءات

عوامل تكوين إسرائيل (10)

محمدالمنتصر حديد السراج

في الجزء التاسع من هذه القراءات وقفنا عند ما كتبه حاييم ليبرمان في صحيفة (جويش ديلي فورورد) عن الجيش الإسرائيلي وأنه يختلف عن سائر الجيوش في العالم لأنه يتأسس على إرث تراثي قديم يتم إحياؤه في التاريخ فهو يعتمد على إرث منذ زمن سحيق، وتساءل ليبرمان عمن كان أول قائد للمحاربين اليهود، وأجاب متسائلا: حاخامنا موسى، أم علينا أن نبدأ من أبينا إبراهيم؟

ولننظر حقيقة بإعجاب كيف يؤسس هؤلاء اليهود بدأب ومثابرة لكل ما يعملون بربطه بأصول عقائدهم وتراثهم سواء كان حقا أو باطلا، وسواء كان صحيحا أو مشوبا بكثير من الأخطاء والمغالطات.

ويواصل ليبرمان فيما كتبه: (الأب إبراهيم وحاخامنا موسى، يشوع بن نون و ديبورا النبية، للملك داوود، المكابيون، بار كو حبا … هؤلاء كانوا القادة اليهود. من الذي لا يعرف أسماءهم؟! حتى أولاد الأجانب (الأمم) في مهدهم يعرفونهم. كان هناك قادة حرب شهيرون بين الأجانب. والتاريخ يحفل بسجلات أعمالهم. أعمالنا مسجلة في (تناخ) التوراة. قادتهم أصحاب شهرة. قادتنا تم تكريسهم. كلما كانت التوراة مقدسة كان محاربينا مكرسين (دينيا). والانتماء الى جيش كهذا هو (امتياز مقدس)، و كناية عن (متزفا) (فعل ديني) بأعمق معنى روحي . فهناك (وصية إلهية) وضعت في التوراة الى أبد الآبدين تقول:( لأن الرب، إلهكم، سائر معكم لكي يحارب عنكم أعداءكم ليخلصكم. لتكن حربكم مقدسة.

هذه هي التوراة الجديدة التي تخرج اليوم من صهيون.

هكذا نجد أن عنصر القوة يمثل جزءا لا يتجزأ من الصهيونية. ولذلك كانت إقامة الدولة عن طريق الحرب مسألة جوهرية وليست عرضية في الحركة الصهيونية. وإذا كانت دولة إسرائيل على الدوام في حالة حرب، فإن ذلك يرجع الى كون إسرائيل في الواقع دولة حرب. وليس المفهوم المتطور للمستوطن.. الجندي، مثلا، سوى إحدى الوحدات التي تمثل عملية الاستعمار الصهيوني بأجمعها. بينما لا تعدو سياسة تجميع المنفيين كونها دعوة لتكثير وحدات المستوطنين.. الجنود ومضاعفة عددها. وقد خاطب ليفي أشكول، رئيس الوزارة، أعضاء المجلس الصهيوني العام المنعقد في القدس في آذار مارس 1964، قال :( ينبغي علينا منذ الآن أن نرسم الخطط للمليون الرابع والخامس. من أين ومتى يأتون، وماذا سيكون مصير الشعب اليهودي في الشتات؟ …ولكي تتمكن إسرائيل من الاستمرار في تأدية رسالتها يجب أن يكون هناك توسع دائم في سكانها. غير أن المسألة ليست مجرد إيجاد ثلاثة ملايين أو حتى خمسة ملايين يهودي في الدولة، مهمتنا لا تنتهي عند هذا الحد، وهذه ليست نهاية الرؤيا الصهيونية …إن رسالتنا التاريخية تتحقق بالوجود والقوة).

هكذا تغدو مسألة تحقيق (الرسالة الصهيونية) وتأديتها مشروطة بالوجود والقوة، الاستيطان والقوة العسكرية، وهي التي تعتمد بدورها على معدل الهجرة.

إن المعضلة الصهيونية والحيرة التي يقع فيها زعماء الحركة تكمن في اتجاه الصهيونية الغريزي نحو إيجاد قوى متناقضة. غير أن الأمور تبدو في ظاهرها وكأنها مجرد مشكلة أمن ليس إلا. مما يشكل موقفا نقيضا مفارقا حيال طبيعة الوضع الحقة. فالأمن الصحيح في سياق التفكير والعمل الصهيونيين يتضمن الاعتبارات التالية:

حماية ما تم تحقيقه، أي حماية دولة إسرائيل كما هي.

تجريد القوى الخارجية من تأثيرها لكي تمضي عملية الاستيطان في سيرها الصاعد.

توفر الظروف الخارجية.

إيجاد العوامل الإنتاجية التي يحتاج إليها العمل اليهودي، كما تبرزه الصهيونية، لكي يتفاعل معها.

الأمن عموما، وهذا ما يدعم التوسع العضوي للأيديولوجية الصهيونية الموحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق