ثقافة وفن

قراءة في كتاب الباطنية بين الفلسفة والتصوف للدكتور محمد البوغالي (1/2)

أحمد الونزاني

الباطنية كلمة مرتبطة بكل ما هو مكنون في دواخلنا و خاص بنا و لا يمكننا مشاركته مع الآخرين إلا ضمن نطاق ضيق أي من الشيخ إلى المريد. لذا فالمفهوم نفسه ملتبس ونجد كثير من المثقفين يحيطونه بهالة من التصورات والانطباعات الذاتية أحيانا و المتباينة لما يكتسيه هذا المفهوم من غموض. و الكلمة نفسها تكتسي دلالات غرائبية وحمالة لتأويلات عديدة. وقد تتعدى الدلالة الاجتماعية والدينية ليحمل المفهوم أي كلمة الباطنية بعدا سياسيا كتنظيم أو حركة سياسية تشتغل في الظل ولها غايات سياسية محضة، ولهذه التمثلات والتصورات نصيب من الحقيقة تعززه كثير من الوقائع التاريخية والشواهد والنصوص، والباطنية كظاهرة وحركة أثير حولها الجدل أينما وجدت فهي مطاردة ومتهمة وملتبسة ومشبوهة لطبيعة خطابها ومنهجها في التأويل و الاستدلال.

وتموقعها هذا داخل المجتمعات بين التقية والأفول تارة وبين الانبعاث والظهور للعلن من جديد، مما أكسبها تميزا وخصوصية أهلها للدرس والبحث عن أشكالها وأنواعها وتقاليدها وأسرارها عبر التاريخ، ومن هنا يمكن ان نلاحظ كما استنتج ذلك الكاتب (د. محمد البوغالي) بأن موضوع الباطنية يشكو من التداخل و الخلط بين خطابين بطبيعتين مختلفتين ومتناقضتين : خطاب علمي تفسيري وتحليلي وخطاب أخلاقي أو دعائي، والخطاب الأخير جعل كثير من الباحثين يسقطون في التعميم وينظرون للباطنية من وجهة نظر ضيقة : الباطنية المتآمرة والشريرة والخارجة عن الملة دون النظر إليها من زاوية معرفية تقربنا من جذورها عبر التاريخ الإنساني وبالتالي فهم تأثيراتها على كل الباطنيات بما فيها الباطنية الإسلامية : أي الغنوص والهرمسية والإشراق والثيوصوفيا والتصوف والفكر الخيميائي والتنجيمي والسحري وهذا ما ذهب إليه الكاتب (د.محمد البوغالي) بحيث جعل بين أيدينا دراسة وافية عن الباطنية أصلها وتقاليدها في كل ثقافة وحضارة .

وفي دراسة وافية في كتاب الباطنية بين الفلسفة والتصوف والذي تم تقسيمه إلى أربعة فصول تتطرق بالدرس والتحليل لظاهرة الباطنية من وجهة نظر معرفية بعيدة عن إصدار أحكام جاهزة تصادر البحث في خصوصية هذه الظاهرة والتعرف على خصائصها وظروف النشأة والأهداف ومآلاتها عبر التاريخ الإنساني، كظاهرة كونية عرفتها جل الحضارات والثقافات وخصوصا في الشرق.

ما هي الباطنية : هي حركة مرتبطة عقيدتها بكل ما هو سري و تأويلي و هذا الارتباط بالألغاز والخفايا من أهم أدواتها لفهم الحقائق الإلهية و الظواهر الكونية و الإنسانية. أو بصيغة أخرى علم الباطن أي علم السرائر و الخفيات. ومن هنا يمكن ان نرى الأشياء المألوفة و البسيطة بشكل مغاير عما يراه عامة الناس. فهي تحمل دلالات و رموز تخفي حقيقتها. ومن هنا كان ارتباط الباطنية بنظرية التأويل                . L’HERMÉNEUTIQUE وهو الطريق لكشف السر الباطني وولوج عالم الحقائق، والأسرار معرفة متميزة تنصب على حقائق مقدسة و رفيعة ينبغي عدم اذاعتها على العامة. و هذا ما ذهب إليه لالاند بحيث أطلق مجازيا مصطلح الباطنية على كل تعليم محصور في حلقة ضيقة من المستمعين المعروفين والمختارين بدقة على أساس عقلهم وأخلاقهم، وهذا الذي يجعل من الباطنية مرادفة للاخفائية occultisme أي العلم الخفي المستور والذي غالبا ما ينتقل بشكل مباشر من فم إلى اذن أو عبر الخطاب الشفهي البعيد عن كل تدوين أو كتابة، وهذا التكتم الشديد وحرمة إفشاء أسرارها خارج مؤسساتها جعلها في ارتباط وثيق بعناصر ثلاثة: المعرفة والسر والصمت.

وخلاصة القول فالعقيدة الباطنية تتشكل أساسا من تفسير خاص للعالم وهو محفوظ داخل دائرة مغلقة فقط يتم تداولها بين أعضاء الأخوية لتمريريها لخاصة منهم مؤهلين لحمل هذا الإرث وضمان استمراريته كمعرفة خفية ومستورة. و على هذا الأساس يرتفع وجود الباطنية إلى عصور تاريخية قديمة قدم الإنسان نفسه من خلال حركات سرية و جمعيات و اخويات أخذت على عاتقها مهمة تناقل السر الكوني. ومن هنا يمكن ان نقتفي أثر الباطنية في المجتمعات البدائية عبر استحضار طقوسها الخاصة و التي هي طقوس تتوارثها الأجيال ك تقليد عبر نقل و تمرير و توصيل الأسرار المقدسة، ويعد التقليد أول الأسس المعرفية المعتمدة عند الباطنية كمرجع للتوصيل وتمرير المعرفة مما يخلق نوع من النسب الروحي بين الشيخ ومريده تشبه الإلهام و تلاصق الأرواح.

ومن هنا ف فكرة التقليد تربط بين فكرة المسارة وفكرة التمرير أي نقل لب المعرفة السرية من معلم إلى متعلم عبر قناة محكمة ومسار واضح المعالم، ولهذا نجد أن المعرفة الباطنية ثابتة أما الأحداث التاريخية والروحية فهي دائمًا متغيرة، وتبقى فكرة التقليد المشترك بين جميع الباطنيات وكأساس يوحد بين المضمون العرفاني للمعرفة السرية على امتداد العصور. و داخل منطق التقليد تشكلت فرقة الإسماعيلية كحركة باطنية جمعت بين ثنائية الظاهر والباطن  وثنائية العامة والخاصة حسب الظروف التاريخية التي عاشتها الحركة، ويذهب بنا الكاتب ليكشف لنا أن فكرة التقليد مرتبطة بثلاثة علوم تقليدية وهذه العلوم مرتبطة فيما بينها ارتباطا وثيقا وذلك باستعمالها نفس الادبيات من رموز وطقوس المستعملة من طرف الباطنية وهذه العلوم التقليدية هي : الخيمياء Alchimie والسحر Magie والتنجيم   .Astrologie

إن عملية التحول التي تخضع لها المعادن هي عملية في غاية الخطورة و السرية لذلك فهي حرفة خاصة بالكيمياءيين فقط و أسرار هذا العلم تنتقل بسرية فائقة وفي نطاق ضيق و من معلم لمتعلم من فم إلى أذن، ومن هذا المنطلق نجد ذلك الارتباط القوي بين الخيمياء والفلسفة الباطنية.

وهذا الارتباط القوي يكمن في استعمال الخيميائي نفس أساليب الكتمان والسرية والأساطير والمسار في نقل المعرفة السرية للأجيال القادمة التي هي من صلب العقيدة الباطنية و من هنا يمكن أن نستنتج بأن الفكر الخيميائي يرتبط بنظرية الخلاص الباطنية وبالغنوصية وبفكرة التطهير وبالتصوف.(التخلية والتحلية) وإذا كان الخيميائي رجلا مطلعا على أسرار مخصوصة وأن معارفه لم تكن علما بل مجرد أمانة مقدسة يتوجب عليه حفظها و نقلها بسرية تامة إلى من يحافظ عليها فكذلك المعرفة السحرية والتي لها ارتباط بالتقاليد الباطنية لأن السحر مرتبط أساسا بتلك الطقوس السرية و العجائبية الخاصة والتي لا علاقة لها بالطقوس الدينية أو العبادات، وهذه الممارسات قائمة على الاعتقاد بوجود علاقات منظمة بين قوى الطبيعة والتي تحتكم إلى قوانين التجاذب و التنافر بين العناصر الأربعة لأصل الكون : (الماء والتراب والهواء والنار، ) ومن هنا يمكن القول بأن السحر الذي يجد أهميته في نسق الباطنية هو ذلك الذي يعني المعرفة و التحكم بشبكة التجاذبات Sympathies والتنافرات .Antipathies وليس السحر الأسود أو سحر الدجالين.

ويبقى الأساس التنجيمي من الأسس المعرفية للباطنية لأنه ك علم مستقل يعتمد على التنبؤ وتأويل مظاهر السماء و ظواهرها و ارتباطها الوثيق بالأرض و ما يقع فيها أي أن الأعلى يتحكم في الأسفل أو بمعنى آخر أن ما يتم في العالم السفلي الأرضي هو صورة باهتة و أرضية لما يحدث في العالم السماوي الخالد. وقد اعتبره ابن حزم بالعلم الوهمي لأنه يعتمد بالاستدلال بالنجوم لتفسير ما يحدث في العالم الأرضي. وهو علم يهدف إلى تحديد أثر النجوم على حياة الإنسان عبر تفسير أوضاع الأفلاك والكواكب وتأثير تلك القوى في حياتنا خيرا كان أو شرا، وهذا ما تجمع عليه أغلب التقاليد الباطنية كالغنوصية والهرمسية وغيرهما، بحيث هنالك إجماع على أن ما يحدث في الأسفل ما هو إلا انعكاس لما يحدث في الأعلى بل يذهبون إلى الحديث عن خاصية المطابقة التامة بين الأعلى والأسفل، ومن هذا المنطلق يشكل التصوف والخيمياء والسحر والقواعد التنجيمية نسقا باطنيا يعتمد على مسار يشتغل بسرية وفق طقوس تلقن للمريد وتشكل هذه العناصر الأربعة الأساس الابستمولوجي النظري الذي يقوم عليه الفكر الباطني بشكل عام.

وبما أن الباطنية ظاهرة متميزة بأنساقها النظرية المعقدة وكثرة تجاربها وبتنوعها و بوجودها في مختلف الثقافات الإنسانية يمكننا ان نستنتج بكونها كونية كذلك بالرغم من اختلاف بينها فرضته طبيعة تلك الثقافات نفسها، إلا أن سماتها وعلاماتها ومواصفاتها تبقى العامل المشترك بينها، ومن أهم هذه المواصفات نعثر على فكرة السر وفكرة المطابقة والخيال والوسائط وفكرة الطبيعة الحية وغيرها، وهذه الأفكار تشكل مجتمعة جوهر الباطنية و تقاليدها عبر التاريخ، ومن أهم ملامح الباطنية مفهوم السر الذي يعد عنصرا أساسيا في تشكل الشخصية الباطنية و ما تفرضه هذه السرية من تمايز و استقلالية للفرد بل وإحساسه بكيانه و انتمائه إلى عالم خاص مما يجعله بسلوك و مشاعر مختلفة عن محيطه العام، ويمكن ان نقول بأن نشأة الجمعيات السرية كان لدواعي و حاجات إنسانية صرفة من وجهة نظر علم الاجتماع. إلا أن السرية مع الباطنية فإنها تتحول إلى إطار للحياة و شعار للمعرفة و اختيارا و منهجا لرؤية العالم والذات  ولهذا فإن الكاتب )د. محمد البوغالي) قربنا من مستويات السرية في التعليم الباطني والتي تنقسم إلى ستة مستويات من حيث قيمتها الاستسرارية وهي :

– السر الشكلي أو السر الواهب للقيمة.

– السر الطبقي أو السر المانح للسلطة.

– سر التأدب.

– سر الخوف.

– سر الخاصة.      

-السر اللامدرك أو المستحيل.

وإذا كان السر يدخل في صلب المعرفة الباطنية ويؤطرها و يمنحها جاذبية أكبر بحيث تعطي للمتعلمين ذلك الإحساس بالتميز لحد الاختلاف عن باقي أفراد المجتمع و يرفع من قيمة المريد، مما قد يؤدي إلى سمو مرتبة المريد التراتبي إلى حد الزعامة و هذا السمو عائد بالأساس إلى سمو المادة السرية المستأمن عليها الشيء الذي قد يخولهم الوصول إلى نوعين من السلطة : الأولى عرفانية متمثلة في الهيمنة على وظيفة تأويل باطن الشريعة والثانية سياسية متمثلة في التحكم في الوجود المادي. و يبقى سر التأدب إجراء تربويا لتعويد المريدين على التحكم في زمام رغباتهم الداخلية المتعلقة بالكلام بقهر النفس و التحلي بكفاءة سلوكية يمتنع بموجبها عن البوح بالأسرار. وهذه طقوس و ممارسات نعثر عليها في كثير من تقاليد الصوفية والغنوصية وعند بعض الجمعيات الفلسفية المنفتحة ك الفيثاغورية. وتعتبر هذه الحركات المسارية الصمت مبدأ أساسيا في منهجها التعليمي فالصمت يمنح المريد القدرة على التأمل والقدرة على التعرف على الطريق الخفي للجواهر، كما أن الصمت يمنحهم القدرة على الاحتفاظ بالأسرار طي الكتمان حماية لأنفسهم ولأسرارهم في نفس الوقت لذلك نجدهم يتخذون من أسلوب التقية شعارا لهم خوفا من الاضطهاد و المطاردة و من العنف الموجه ضدهم من قبل الناس أو السلطان. وأما سر الخاصة فهو مرتبط بالكفاءة العقلية و العلمية و رحابة الأفق الفكري والنضج لدى بعض المريدين و المتعلمين.وهنا نتحدث عن التفاوت في ادارك الدلالات العميقة للقضايا الباطنية بالنسبة للعقول واستيعابها دون عقول أخرى. وهذا ما تعكسه الحكمة الفيثاغورية الشهيرة : إننا لا ننقش هرمسا في أي خشب كان، وهذا يعني استيفاء شروط التأهيل المعرفي و العقلي لاستيعاب تلك الأسرار.

فالأسرار تؤخذ كما هي دون أي محاولة لعقلنتها أو حتى فهمها، لهذا فإن الحركات الفكرية ذات التوجه السري غالبا ما تكتنف كتاباتها غموضا كبيرا لا يمكن فك رموزها بسهولة خصوصا بالنسبة للعامة. ولذلك نجد أغلب تلك الحركات تقف موقفا سلبيا من الكتابة و تفضل أن تتواصل عبر المشافهة أي من فم إلى أذن لتحافظ بذلك على أسرارها في الأذهان. ومن هنا يتميز السر في هذا المستوى بخاصية لا يمكن نعتها إلا بالسلب فهو لا مدرك ولا معبر عنه وغير قابل للتوصيل ولا يمكن التخابر ولا التواصل بشأنه (incommunicable ). وبالتالي تصبح الأسرار موعودة لكنها لا مدركة، إنها أسرار هاربة لا يمكن القبض عليها و هذا ما يجعلها في تصور الباطنية معارف مقدسة تعتمد لغة الألغاز و الرموز و الحكايات الرمزية ك استراتيجية لستر المعنى و حجبه عن العامة و تمريره إلى سلسلة المريدين عبر الأجيال. و من هنا استنتج الباحث والدكتور محمد البوغالي بأن الخطاب الباطني يضمر السر ويحفظه باعتباره معنى مستورا متواريا خلف المعنى السطحي أو الحرفي الذي يفهمه العامة وهذه ازدواجية الدلالة في الخطاب، فمن لا يملك شيفرة النص لا يمكنه الوصول إلى رمز المعنى بالرغم من وضوح المعنى نفسه. وبالتالي فالسر هنا لا مدركا ولا معبرا عنه في نفس الوقت، فالسر أنه لا يوجد سر و يصبح السر مرادفا للأسر، إذن فالسر هو ما نتلقاه بصمت ويحظر علينا الحديث عنه كما يصعب علينا كشفه حتى لو أردنا لطابعه العصي عن الإدراك.

أما الملمح الثاني للباطنية فهو فكرة الثنائية ثنائية المعرفة و الجهل، الظاهر والباطن، العامة والخاصة، الحياة والموت…إلخ وثنائية الظاهر والباطن خاصية أساسية ومشتركة بين كل الباطنيات وتتجلى هذه الخاصية في الجمع بين التصورات ونقضيها إلا أن هذا التعارض الظاهري لا يمنع من تكاملهما وتجانسهما واقعيا، ولهذا دواع و مبررات كثيرة من أهمها التحرر من قيود النص إلى حد التمرد عليه ابتغاء مزيد من العمق في الآراء التي يحتويها وعدم الإكتفاء ب ظاهر النص. وإذا كان أفلاطون يقر بوجود معنى خفي و مستور يسمو على المعنى الظاهري للأشياء، فقد اعتبرته الباطنية معلمهم ومرشدهم في هذا الاتجاه بل الأصل المفترض لظهور فلسفة التفسير و التأويل الرمزي المطبق على النصوص. ولذلك فالباطن مرتبط بالحقيقة و بالمعنى الحقيقي لكل الايحائيات فالمعنى باعتباره حقيقة و جوهرها فهو في نفس الوقت روح الحقيقة. ولهذا فالاختلافات الحاصلة بين الباطنيات بخصوص إدراكها للمعنى الباطني أي الروحي إنما هو اختلاف في كيفية الاقتراب من المعنى ليس إلا، وقد تمت معالجة هذه العلاقة بين الظاهر و الباطن عند الحركة الإسماعيلية بأن الظاهر زوج الباطن، فكل الأشياء تخضع لمبدأ المزاوجة إلا الله وحده أو الباري كما يوصف عند الإسماعيلية. ولما كان كل ظاهر مجاز وكل باطن حقيقة، فإن من عرف الباطن فقد سقط عنه عمل الظاهر فمن انتهى إلى المطلوب أي التوحيد و المعرفة فقد رفعت عنه الاغلال والأصفاد أي إقامة الظاهر، (عن جعفر الصادق كما زعم المفضل بن عمر الجعفي عندما سأله عن درجات العرفان).   ينتقل المرء في الباطنية بالتدريج من المعرفة إلى الفهم على قدر استيعابه للمعرفة و بالتالي ففهم الأسرار يتوقف كذلك على قوة في شخصية المريد و من هنا نشأت ثنائية العامة والخاصة فليس كل الأشخاص لديهم الاستعداد و القدرة على الفهم و الاستيعاب و هذا متاح لأقلية معدودة و بشكل حصري في الخاصة أو الخبراء و هذا التمييز في الباطنية بين الخاصة والعامة يركز على عنصر المعرفة الغنوصية والالهامية والكشفية التي تجد أسبابها في المسارة و الصفاء الأخلاقي والروحي وفي امتلاك السر والقدرة على الاحتفاظ به طي الكتمان والقدرة على الاستيعاب والسعة وهذا هو الذي يميز الخاصة عن العامة، وبعدم استحقاق العامة لقصورهم عن إدراك كون المعرفة سرا. لأن امتلاك السر مرتبط بامتلاك ملكة السر وهذا لا يتأتى إلا للخاصة الذين لديهم قدرات مميزة على الاستيعاب والفهم المباشر لمضامين الأسرار العلوية، وبالتالي فحجب المعرفة عن العامة هو مشترك بين جميع الباطنيات في التصور الهرمسي والغنوصية والتصوف وذلك لتفادي السخرية والخوف من ردة فعل العامة ولإبعاد ضرر العامة لأنهم بدون المعرفة أقل خطرا، وبما ان من أهم تقاليد الباطنية التقليد السري فقد استطاعوا تشكيل خاصة داخل المجتمع الذي يعيشون داخله، وبما أن الخاصة لا تتحدد إلا بالعامة فقد سعت كل باطنية إلى تشكيل هرم تراتبي يظهر مكانتها في النسيج الاجتماعي أو الفكري الذي تنتسب إليه وهذا موقف نخبوي صرف يجعل من ثنائية العامة والخاصة تسقط في الخرافة التي تقول بالخلاص للخاصة والهلاك أو الجحيم للعامة.

بما أنه من خاصيات الكون التعقيد و التعدد في التركيب والتمظهر والتفاوت في بعض التفاصيل فإن الطبيعة تحتل مكانة أساسية داخله و لهذا فإنها في التصور الباطني كالكتاب الذي يجب قراءته لاكتشاف أسرارها و عجائبها الكامنة وراء الحياة التي تسري في كل أجزائها. وإذا كانت الطبيعة تتميز بكل مواصفات الإنسان وأن الروح تسري في كل تفاصيل الطبيعة وجزئياتها فإن الفكر الباطني يقوم على نفس النظرية التي تقول بأن الحياة في كل شيء من هذا الكون. وبما أن الحياة صفة من صفات المطلق فإن الحياة هي تعبير عن هذا المطلق.

وإذا كان الزمن في التصور الظاهري ذو طابع خطي مستقيم و منظم و أحداثه لا تعيد نفسها فعلى العكس فإن زمن الباطنية ذو طابع انكساري بحيث يلغي فيه اللاحق السابق. ومن هنا جاءت فكرة الفيض عند بعض الفلاسفة و المتصوفة إلا أن الزمن في التصور الباطني ذهب بعيدا إلى حد نعته بتلك النتيجة التعيسة لهذا الكون لعالم مادي صادر عن طريق الخطأ و لهذا فقد جاء مفعما بالشرور و الألم و الآثام و هو عبارة عن انفصال لأرواحنا عن الإله المتعالي و بالتالي يعتقد الباطني بأنه منفي في هذا العالم و على أرواحنا المجاهدة من أجل الانعتاق من أسر هذا العالم و العودة إلى الإتحاد مع روح الإله المتعالي من جديد. هذه بعض ملامح الباطنية التي تطرق إليها الباحث (د. محمد البوغالي ) و في الفصل الثالث سيتطرق إلى غيرها ك المماثلة و التمثيل و المطابقة و الخيال والوسائط والمسارة والتحول وهي كلها ملامح للباطنية و تشكل وحدة لا تقبل التجزئة و لا الفصل، إلا أنه من خلال ارتباطها بهذه الملامح يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أنواع من الباطنيات : باطنية موضوعية و باطنية ذاتية و باطنية جوهرية أو ميتافيزيقية.

(من يتشابه يتجمع و بين المتعارضين لا توجد محبة) بهذه الحكمة لهرمس نبدأ الغوص في الفصل الثالث من كتاب الباطنية بين الفلسفة و التصوف للباحث و الدكتور محمد البوغالي و يتطرق فيه إلى منهج وأدوات الحركات الباطنية بشكل عام . و هذه المناهج و الأدوات هي التي من خلالها يمكننا التقرب إلى خطاب و أفكار و ذهنية و معارف الباطنية و فهم الفكر الباطني و لو بشكل سطحي لأنه فكر يصعب بل يستحيل فك رموزه نظرا للسرية التي تغلفه، وتعتمد هذه الآلية التي هي نتاج عملية الجهد الباطني التأويل لسبر غور الموضوعات المرئية و اللامرئية الأرضية والسماوية، الإلهية والانسانية، اللغوية والطبيعية…. إلخ، وذلك لإنتاج المعرفة المصنفة ضمن الأسرار والغامضة. وتعتبر المماثلة  والمطابقة من أهم الآليات المستعملة و المفضلة عند الباطنية لإنتاج خطابها والدفاع عن أفكارها. وبالرغم من التقارب الواضح من حيث الدلالة للمصطلحات التالية (المماثلة و المطابقة و التناظر و المشابهة ) إلا أن لها معنى حسب موضوع استعمالها و سياقه، إلا أن ما يهمنا هنا هو سياقها و دلالتها في الفكر الباطني. وتبقى المطابقة الباطنية والمماثلة العرفانية هي الآلية والأداة الناجعة للتأويل الرمزي في الفكر الباطني ومن هنا يمكن ان نشير إلى أن المماثلة و المطابقة أثمرتا في الباطنية نظرية متكاملة وهي نظرية المتطابقات و هذه النظرية تحولت إلى مذهب وعقيدة ترى أن العالم مركب من عدد معين من الممالك المماثلة تتطابق عناصرها واحدا واحدا وبالتالي يمكن لهذه العناصر التأثر  التأثير على بعضها البعض بطريق التعاطف، فالمطابقة هي الوجه الرمزي لوجود ذلك الترابط بين مجموعة من العوالم : العالم الإلهي للعلل والعالم العقلي للأفكار والعالم الحسي للظواهر. وبالتالي فالعنصر الأساس في المطابقة هو المشابهة، ومن هنا يمكن التمييز بين عدة استعمالات لكلمة تطابقات و ذلك حسب سياقات استعمالها ك (مشابهة و تناظر و متعادل ).

فنظرية المطابقة هي القول بأن الكون مركب من عوالم متماثلة تجمع بين عناصرها المتقابلة مطابقة تامة. وبالتالي تنقسم المطابقة إلى نوعان رئيسيان : المطابقة الرمزية بين المرئي و اللامرئي بحيث يكون كل عنصر من عناصر أحد العوالم رمزا لما يقابله من عناصر العوالم الأخرى. و نجد عند الإسماعيلية هذا التصور القريب من المطابقة في المثال التالي : لما كانت طبقات السموات سبعا فإن ما يطابقها هي الجواهر السبعة عند الإنسان : المخ و العظام و العصب و العروق و اللحم و الجلد و الشعر. ثم المطابقة الرمزية بين الطبيعة و اللغة .في التفكير الباطني يتم عقد مطابقة بين الطبيعة و النصوص المقدسة المكتوبة و بما ان هذا العالم المحسوس ما هو إلا تعبير عن ذلك العالم الغير مرئي و بالتالي فإن كل كائن ما هو إلا تجل للإله أي للعلة الأولى. كما أن اللغة تأخذ معنى سريا لقدسيتها و رمزيتها و لا يمكن فك رموزها إلا عبر إقامة تماثلات وترابطات بينها وبين هذا الكون. ونستنتج بأن كل المطابقات الكونية تجد لها معنى مطابقة داخل اللغة المقدسة.

إذا كانت المطابقة خاصية باطنية صرفة إلا أننا نجدها تحضر داخل تيارات فلسفية و دينية و يتم توظيفها حسب سياقاتها داخل الحقل المعرفي و ذلك باستعمال مرادفات لها تصل إلى معنى مساو لمعنى المطابقة.

وبالتالي فإن المطابقة هي جوهر الباطنية و منطقها قائم على التناظر Homologie بين الإنسان والعالم. وهنا يركز الباحث على أن الباطنية نقصد بها كل المذاهب و الاتجاهات الفكرية التي تجاوزت التفسير إلى التأويل و التي ترى أن اللفظ أو الظاهرة رمز و ان هذه الرمزية تؤسس لعلاقات غير اصطلاحية بين الدال و المدلول (كل شيء يوجد في كل شيء ). وهذا التداخل و التلاحم بين موضوعات وأشياء العالم هو ما يفترض مبدأ الوحدة الجوهرية بين الكائنات المرئية واللامرئية. إن المطابقة هي ما يتم التعبير عنه من خلال النظرة الهيرمينوطيقية أي التأويل. تأويل كل عناصر هذا الكون من طبيعة وإنسان والعالم عبر إقامة تطابقات ومماثلات بين عناصره المختلفة وفك رموزه الخفية روحية كانت أو أخلاقية أو مادية. وبالتالي تتحول كل مشابهة إلى مماثلة ثم تتحول كل مماثلة إلى مطابقة إلى حد الإتحاد كما نجدها في نظرية وحدة الوجود عند الصوفية، فالتأويل لا حدود له فهو ينطلق من المماثلة والمطابقة ليتعداهما إلى الحلم و إشاراته عن وجود عالم روحي مختلف عن العالم الطبيعي و لا تعدو تكون هذه الإشارات التي يقوم بها الجسد وحركات العضلات إلا تمثيلات لموضوع النفس و بالنظر إلى اتفاقها فهي متطابقات و بالتالي يمكن إخضاعها للتأويل و فك شيفرتها.

ويصل بنا الباحث إلى خلاصة مفادها أن المطابقة بفروعها و أدواتها من مماثلة وتناظر وتناسب…إلخ أصبحت برهانا و بديلا عن مبادئ العقل المعروفة و بالتالي الإستغناء عن العقل والتحرر من أحكامه.

وهذا ما استنتجه الجابري في كتابه (بنية العقل العربي) حين لاحظ ذلك الإرتباط الوثيق بين الخضوع لمبادئ العقل التي تعطل آلتي المماثلة والمطابقة بموجبها وأنه لكي تشتغل هاتان الآليتان الباطنيتان ينبغي تعطيل والإستغناء عن العقل والتحرر من أحكامه. ومن هنا تحظرنا الحكمة الصوفية القائلة بأن العقل حجاب أمام المعرفة الكلية والتأويل، وهو جوهر المعرفة الباطنية، ويبقى مبدأ المطابقة في نظرية السيميوزيس الهرمسية يفيد مماثلة التناسب أو تشابها باطنيا أي داخليا. وبناء على هذا الأساس يمكن فهم آلية المطابقة بشكل أدق استنادا إلى يدعوه (امبرتو ايكو) بالسيميوزيس الهرمسية بأنها هي التي تحدد مضمون المماثلة لإبراز أهمية تأثير النظير في النظير و الشبيه في الشبيه بشكل لا متناهي حتى في من حيث الدلالة. و بالتالي فالمماثلة الباطنية انزلاق بالمماثلة بوصفها مشابهة في العلاقة بين بنيتين إلى حد المطابقة بينهما بحيث تجعل الواحد منهما مرآة للأخرى و هذا لافتقادها لذلك الحد الأوسط المعتمد في باقي الأنشطة العقلية ك الرياضيات وغيرها.

وقد تتخذ المطابقات أشكالا تأويلية مركبة فتتحول إلى نظرية تفسيرية أو تأويلية تامة. فيصبح التأويل محتويا على علاقة بين نسبتين أي أنه يتجاوز العلاقة بين حدين، ويمكن ان نستشهد في هذا المجال بالحكم الفيثاغورية التي تعتبر أكثر غموضا في المثال الآتي في قولة فيثاغور : (لا تحرك النار بالسيف) فيتاولها فيلون على الشكل الآتي :(لا تثر رجلا سريع الغضب بأقوالك) فتصبح المماثلة في النسبة على الشكل الآتي : تحريك النار بالسيف مماثل لإثارة الغضبان بالكلام. أما على مستوى الحدود فالنار تطابق الغضبان و السيف يطابق الكلام المثير. و من أهم الأدوات الفعالة التي تتوسل بها الباطنية لتنجز مهامها الوجودية : الخيال و هي أداة داخلية و جوهرية فعالة و خلاقة لا يستغنى عنها في المعرفة الباطنية. ويعتبر الخيال بوجه عام تلك العملية الذهنية التي تتولد عنها الصور، ويحتل الخيال ك أداة للمعرفة الباطنية مرتبة رفيعة للوصول إلى المعاني و الدلالات و الحقائق الخفية و بدونه تبقى هنالك عدة فجوات قائمة بين الإنسان والمطلق بين العقل الإنساني والمعرفة الكشفية بين العالم المحسوس وعالم المعاني والحقائق المجردة ولهذا يرتبط الخيال بالوسائط تلك الرابطة بين العالم الروحاني والعالم الطبيعي، وذلك بالكشف عن ما هو جوهري وجعله مرئيا وقابلا للمعرفة باستخدام مبدأ المطابقة والمماثلة أساس بناء المعرفة الباطنية.

والمقصود بالخيال هنا تلك القوة النفسية التي بفضلها يقيم الإنسان رابطة معرفية رؤيوية مع عالم بين بين، عالم متوسط أي عالم الخيال كما يسميه هنري كوربان (Mundus imaginalis حيث يظهر التأثير العربي في الفكر الغربي )ابن سينا والسهروردي وابن عربي) كنموذج ، ويتأسس هذا الرأي على القول بأن الخيال قوة من قوى النفس على فكرة أفلاطون في النفس والتي يترتب عليها عند ابن عربي في نظريته عن الخيال : أن النفس جوهر عاقل بسيط لا تركيب فيه و ذلك بخلاف الجسم . وهذا الأخير تعتريه تغيرات طيلة الحياة بينما تبقى النفس على حالها. ولهذا فحقيقة الإنسان أنه روح قبل أن يكون جسدا، إن ما يعطيه الحلم للبعد الخيالي للأشياء ليس فقط أنه بعيد عن واقع العالم الملموس – الذي يمكن أن يكون هو الآخر أحد أشكال الحلم – و لكن بإمكانه أن يعطي المفاتيح المحتملة للخيال نفسه.

إن قوة الخيال تسبق الإدراك الحسي و تصوغه لهذا فهي تحول معطيات الحس إلى إشارات و رموز. و بما ان الخيال هو ملكة الإدراك الشهودي عند الصوفية فإنه كذلك ملكة التأويل النبوئي عند الباطنية. و هذه الملكة ما هي إلا قوة الخيال عند ابن عربي. و في التصوف الإسلامي يرتبط الخيال بكل المقومات التي تتأسس عليها التجربة الصوفية التي اعتبرت الخيال سفرا أي سفر نفسي إلى الله اعتمادا على وسائل وأدوات مخصوصة تساعده على الترقي إلى حين اندماجه في المطلق و فناءه في الذات الإلهية.

ومن خلال كل هذه الأدوات المنهجية التي تساعد في فهم الذهنية الباطنية و كيفية اشتغالها و انكفاءها على ذاتها من أجل فهم أفضل لنفسها و للعالم. لا بد لنا من الإشارة إلى ملمح هام و جوهري في الباطنية والذي تنسب إليه كل الكمالات والفضائل التي بها يصير الباطني باطنيا وهي المسارة التي هي آلية تهيئة الفرد أو المريد كي يصبح قادرا على تحمل السر عبر سلسلة غير منقطعة زمنيا و روحيا ضمن شروط محددة و هي التأهيل الكامل و التلقي المنتظم و التحقق الذاتي و وفق معايير يجب توفرها في المريد و هي : صفاء الجسد ونبل المشاعر واتساع الأفق الفكري وسمو الروح. وكل هذا تحت إشراف شيخ مؤهل يقوم بدور الأب الروحي داخل المسارة لتهيئ المسار أو المريد لذلك التحول أو الولادة الثانية. أي المرور من مستوى لآخر و تعديل في طبيعة الشخص الذاتية لحد الانسلاخ (Métamorphose ) ، وهذا هو التحول الأكبر والجذري في شخصية المريد والذي هو عبارة عن ميلاد جديد يسعى إلى تحقيق هدف روحي كبير إلى حد الحلول عند الهرامسة .

وهكذا يتضح أن المنهج الباطني يتضمن ثلاثة مستويات أو طرق أولاها طريقة الوصول إلى الدلالة الباطنية باعتبارها محصلة الجهد الباطني من تأمل في اللغة و العالم و الانسان و فك رموز هذه العناصر و إيجاد الصلات بينها عبر استخدام آليات قياسية من مماثلة و تطابق و تناظر…إلخ. أما المستوى الثاني فيعتمد على الخيال باعتباره قوة من قوى النفس. يقيم الباطني بفضلها روابط معرفية و رؤيوية شهودية مع عالم وسيط بين ما هو روحي ومادي حسي، أما المستوى الثالث فهو تنظيمي صرف لضمان استمرار الظاهرة الباطنية من الماضي إلى المستقبل. و يتطرق الباحث (د. محمد البوغالي ) في الفصل الرابع والأخير إلى أهم مشكلات الباطنية.

تتمثل المشكلة المركزية للباطنية في أنها لا تثير الخلاف والجدال حول تاريخها و موضوعها و مناهجها فحسب وإنما كذلك حول وجودها و حقيقتها و معناها أيضا. لماذا يسعى الكل إلى محاكمتها و إدانتها و اتهامها هل لطبيعتها و غموضها و آليات اشتغالها و منهجها أو لعدم عقلانيتها مما يجعل البعض ينزع عنها وضع المعرفة و العلم و المادة العلمية. لماذا هي بين القبول تارة و الرفض بشكل كلي، بل لماذا هي مضطهدة و لا يسمح للباطني بالتعبير عن باطنيته، لماذا هناك رغبة في القضاء على الباطنية ذاتا و موضوعا و يتساءل الباحث عن مكانة الباطنية في المجتمع و كيف ينظر إليها داخل المجتمع و هل هي ظاهرة ثقافية أم ظاهرة اجتماعية . لماذا علاقة الباطنية متشنجة مع كل ما هو ثقافة رسمية، مما يجعل من الصعوبة التعبير عنها لطبيعة خطاباتها المشفرة والرمزية. وهنا تكمن المشكلة الخامسة والتي هي معضلة السر، أي أن موضوع الباطنية سر محكم لا يمكن اختراقه أو حتى الإقتراب منه. و يمكن القول بأن الباطنيون يجتهدون في تحصين مواقعهم و معارفهم و لذلك يجد الكثير من الباحثين صعوبة في الوصول إلى فهم حقيقة تعاليمهم مما يسقط بعضهم في اللاموضوعية و الأحكام الجاهزة، يحيا الباطني في السر و بالسر. فلا هو مصرح به ولا هو مضنون به  إنما هو معبر عنه في صيغة رمزية تدل على معنيان : الأول ظاهري للعامة و الثاني باطني للخاصة. إن عالم الباطنية يسير في الطريق المعكوس إنه ينطلق من الخفي لكي يصل إلى المعلوم.

ترتبط الباطنية بالحكمة ارتباطا وثيقا وهي ظاهرة كونية، ظاهرة مثيرة للجدل حيثما وجدت فهي مطاردة ومتهمة ومشبوهة لطبيعة منهجها و سرية عملها و معرفتها التي تعتمد على آليات و أدوات تأويلية ورؤية تفسيرية غامضة للعالم بكل مكوناته.

وهذه الدراسة كما قال الباحث د. محمد البوغالي إنما هي محاولة متواضعة رامت تأمل موضوع الباطنية و استكشاف بعض موضوعاته و استشكالها و فتح التفكير في موضوع ظل مهجورا لاعتبارات مختلفة (سياسية ودينية) والصلة الوثيقة للظاهرة بالتصوف أو الفلسفة أو بهما معا كظاهرة ذات بعد اجتماعي وسياسي وذات بعد معرفي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق