
“كارب ديم” … اغتنم اليوم دون القلق على ما سيأتي به الغد
يوسف بولجراف
تفاعل الإنسان مع الزمن!
قيمة الوقت تحدثنا عن قيمة الإنسان ووجوده فلا قيمة للوقت دون إعطاء قيمة للإنسان، كل واحد منا لا يقدر بثمن و الذي يزيد هذه القيمة هو تعاملنا مع بعضنا و حسن أخلاقنا، في الاحتكاك ببعضنا البعض تبادل لتجارب، لا حكم و لا رفض و قبول الآخر هو إغناء لعلاقتنا و تعاقداتنا الإنسانية المبنية أساسا على الحب و الاحترام، وهذا هو أساس الدفء الإنساني الذي يثري الإنسان من الداخل. إذا كنا نحن نقدر بعضنا البعض سوف نفعل المستحيل من أجل تنمية مجتمعاتنا التي هي تنمية لذواتنا أصلا وكل شيء سوف يكون سهلا إذا كان مركز الاهتمام هو الإنسان نفسه حين تكون المصلحة الأولى و الكبرى في تنميته ، نحن الثروة الحقيقية إذا كنا نحب، نتعامل بحب ، العملة الاساس في علاقاتنا، حياة الإنسان تأخذ شتى ألوان الحياة بالابتسامة و الكلام الطيب و المروءة في التعامل و فعل الخير… كل ذلك يأتي من القيم الإنسانية العليا التي هي أسمى، هي أولى ، و أسبق من القوانين الوضعية المسطرة ، القانون المنبعث من القيم الإنسانية لا يموت لأنه ينبع من صميم التفاعل الانساني و ارتباطه وتماسكه بكل القيم النبيلة التي تكرم الإنسان ، عملته الاهتمام بالإنسان كإنسان لا غير! دون النظر إلى السن، الجنس، أو الوضع الاجتماعي أو أشياء أخرى هو مصدر غنى لا يمكن مقارنته بأي مصدر آخر من الثروات الموجودة على الأرض لأنه ببساطة لا قيمة لأي ثروة مادية دون وجود الإنسان! إن كل ما هو كائن البسيطة فأصلا الإنسان نفسه من يحدد قيمته وجمالياته التي تنبع من رؤيته الجمالية إلى هذا العالم.
مخطئ من يعتقد أن الغنى هو كل شيء ماعدا الإنسان! الإنسان المادي، هو إنسان قبل أي شيء لكنه يجهل قيمة الإنسان نفسه، يملك أشياء مادية ويفتقد نفسه، هذا الإنسان المادي في ضعف رؤيته، أو انعدامها يأخذ سبل وطرق مسدودة وهشة في غالب الأحيان، وحين يصل إلى آخر محطة من الإدراك، يعلم أنه كان ليس فقط مخطئا، بل في جهالة و جاهل لحقيقة نفسه و كيف أنشئت..
اليوم قوة الشعوب وقوة المجتمعات في تآزرها، التئام كل مكوناتها، وفي القيمة التي تعطيها لأفرادها، قوة اليهود مثلا رغم وجودهم شعب مشتت عبر العالم فهو ملتئم مع بعض، قوتهم تكمن في إعطائهم قيمة للإنسان، كل فرد منهم أينما كان لا يقدر عندهم بثمن، هذا هو سر تطورهم تفوقهم و اكتساحهم كل الميادين، أين نحن من كرامة الفرد فينا و بيننا! لم يسبق في أي زمان ومكان أن رأينا يهودي يتقاتل مع يهودي آخر بسبب أي نعرة كانت، بل على العكس كان بينهم التآلف و المساعدة في التجارة و جمع الأموال و التواصل الاجتماعي الحميمي! وقد عرف اليهود منذ الأزل بالعمل التجاري والاقتصادي عبر العالم، تفوقوا ا و اكتسحوا العالم عبر الشركات المساهمة العالمية و الأدهى من ذلك عرف اليهود بمبدأ المصلحة مع الآخر، و الحب و التآزر بينهم، و نشاطهم الاقتصادي كان يتماشى مع طريقة تفكيرهم، قوتهم كانت و لازالت هي فكرة الإنسان أولا داخل الطائفة ، هم الآن الأقوى رغم قلتهم ونحن ضعفاء مشتتين أطيافا و طوائف، مللا، أفكارا عدائية و حدودا رغم الكثرة و رغم أن ما نملك من سلاح يوجد في ديننا الحنيف ، دين يكرم الإنسان و يدعو للوحدة ، الأخوة التآزر ، نبذ العنف ، حب الآخر ، كنا سنملك العالم بالحب ونفرض كل مبادئ الخير فيه ، و القضاء على كل ما يمكن أن يشتتنا في ظل حب الإنسان ، كرامته ومكارم أخلاقه لو عرفنا قيمة ما نملك ولو ابتعدنا عن الكفر و الجهالة ، لقد انتبه من يحكم العالم اليوم لما نملك ، فأخذ منه كل المبادئ الإنسانية الراقية صرفها قوانين وضعية التي عليها تسير مجتمعاته اليوم ، و ترك لنا الخبث ، المكر، الخديعة الكذب النفاق ، الحسد ، الطغيان التكبر ، حب و تقديس الأموال و طعمنا بالخرافات و تعميم الجهل في إفساد الأخلاق …؛متى نستفيق و إلى متى سوف نظل هكذا!؟…لازال هناك أمل ولا زلنا في إطار الزمن نحلم بغد جميل لكن في إطار حاضر كيفما وجد يجب استغلاله، و لنحدو بذلك حدو ألمانيا و اليابان بعد الحرب العالمية الثانية و رغم تدميرهما كليا قاما و أصبحا اليوم من القوى العالمية ، كل شيء يبدأ من اللحظة من الحاضر، و الماضي يبقى درس نتعلم به أساس البناء ! هكذا اللحظة الحاضرة هي أفضل شيء متوفر لدينا و كثيرا ما تمر دون الشعور بها لتصبح أمس، نوستالجيا نحن إليها و نتذكرها كأجمل و أحلى الأوقات متجاهلين أيضا اللحظات الآنية التي نعيشها فنفتقد بها طعم الحاضر ، ليصبح كذلك في الماضي و نقول مرة أخرى كان جميلا … ، و نحن نساير الحياة لا نلمس التغيير إلا بفعل الزمن في تفاعلنا مع الوقت و معايشة الأحداث إلا أنه أحيانا تحدث حالة فوضى داخلنا نتيجة تراكم عوامل أو نتيجة أحداث معينة تربك ساعتنا البيولوجية تجعلنا ربما نحس بهذا التغيير و بإحساس يختلف عن الآخرين أو بإحساس بسرعة مجريات الأحداث أو بطئها وهنا يكمن مربط الفرس حين نكتشف بعدها تغيرنا أو ينتبه محيطنا إلى نوع التغيير الذي طرأ علينا ، كل التغيير حدث فينا ونحن في غفلة عن أنفسنا ولو أننا نطلع على وجوهنا كل يوم إلا أن رؤيتنا لم تنبهنا و الوقت في كل هذا بريء هو نفسه منذ أن بدأت الأرض تدور حول نفسها ، مقياس الزمن لم يتغير . إن نظرنا إلى محدد سرعته نجده واحد فما يحدث هو طبيعة تفاعل كل واحد منا مع الوقائع من حوله فيحدد بطريقته الخاصة الشعور الزمني بعد إسقاطه داخل ساعته البيولوجية فيكون الحكم على الوقت إما بالبطيء أو بالسرعة، وكلما ابتلعتنا الحياة في إطار المكان توقف الإحساس بالوقت و عطل ساعتنا الداخلية و هو شعور طبيعي يلازم الإنسان بالنظر إلى تفاعله مع كل ما يحدث من حوله و غالبا يكون الإحساس مختلفا كقولنا أن الأوقات السعيدة تمر بسرعة أو لا نشعر بها، كيف مر الوقت؟ وكلما أخذنا من الحياة أجمل الأوقات إلا وأخذها منا الوقت لتصبح في الماضي؛ كلنا لا يشعر بالزمن في إطار مكان يجد فيه راحته أو حيث يكون مغتبطا منشرحا ليمر الوقت بسرعة الضوء .لكن من الممكن أن نستعيد ذاكرة الزمن حين نعيش لحظة من الماضي في الحاضر هذا الحدث يكون نتيجة التغيير المفاجئ في ذاكرتنا إتر صدمات أو أحداث في الحاضر مشابهة لتلك السابقة فينتج عن ذلك إعادة برمجة تلك الفترة الزمنية في الفترة الحقيقية أو الفعلية هذا الحدث يعتبر اضطرابا نفسيا مرحليا يربك حتى منطقية الإنسان ويجعله يتصرف على أساس الفترة الماضية بكل ملابساتها و لا ينتبه إلى ما طرأ من تغيير في محيطه ، وهي أشبه بفترة دخول اللاوعي في الوعي أو استيقاظ الذاكرة الماضية و نوم تلك الحاضرة و هذه الحالة تقع كثيرا عند الأحداث الاليمة و ليست مرضية إذ سرعان ما تزول بزوال الاسباب المؤثرة.إن عامل الزمن هو رفيق الإنسان وهو واحد في المنظور الشمولي و متعدد في المنظور الخاص و إذا كانت اللحظة هي واحدة و هي نفسها عند أي شخص فلماذا لا نستغلها وكيفما كانت ظروفنا لأشياء تجعلنا نحب كل اللحظات فقط لأن لا شيء يدوم سواء حزن أو سرور و هي تمر سواء قضيناها حزنا أو فرحا ولكل منا اختياره إما شعور بالملل أو شعور بالانشراح كيف ما كان المكان فالزمن واحد لتحدثنا الاطلال الشاهد على تاريخ الإنسان عبر كل الأزمان ، كومة حجارة عاصرت أقواما و حضارات ، مرت عليها حروب و نزاعات أكل عليها الزمن ولازالت تتحدث عن تاريخ مضى عبر الزمن هو تاريخ الإنسان بكل لحظاته .