ثقافة وفن

قراءات

الله جل جلاله (3)

محمد المنتصر حديد السراج

في أدبيات الاعتقاد وعلم الكلام ومبادئ الإيمان في الإسلام خاصة، أن الإيمان فرع التصور، فإن كان التصور القائم على الفهم الصحيح موافقا لمراد (الله) في النص المقدس غير المحرف، والذي بقي على أصالته التي أنزل بها وأرسل بها، وعلى أصالة لسانه ولغته التي جاء بها، قبل أن تناله أقلام المحرفين والمزيفين الذين صاغوا غالب النصوص المقدسة في التوراة والإنجيل على هواهم، وتصوروا (الله) الخالق كيفما أرادوا.

ونقف هنا عند قول مايلز: (في المعتقد الديني أن الله خلق الإنسان على صورته، ذكرا وأنثى.)، ويفهم من كلام مايلز أن الله خلق الإنسان على صورته أي صورة الله، وهذا هو التصور والفهم الخاطئ، الذي يجعل الله تعالى يتجسد بشرا، وليس هذا مراد الله تعالى خاصة في الإسلام لأن التوحيد يقوم على التجريد الكامل والتنزيه لذات الله تعالى أن يكون له مثيل أو شريك أو زوج.

و هناك نص في حديث رسول الله محمد صلى الله عليه و سلم، ند عني موضعه شبيه بقول مايلز، يقول: (إن الله خلق آدم على صورته)، هذا النص و جهه و شرحه بدقة العلامة اللغوي أحمد تيمور باشا، و قال ما نصه أن الهاء في صورته عائدة لآدم و ليست لله، و توجيه الحديث أن الله خلق آدم على صورته التي خلقه عليها بشرا إنسانا و بعد أن سواه نفخ فيه من روحه، ولأمن اللبس هنا أيضا أن الروح ليست بعض من الله لأن الله تعالى فرد صمد أحد لا يتبعض أجزاء، و لكن و في القرآن الكريم خاصة هناك مخلوقات لله تعالى لها خصوصية قصوى عند خالقها فينسبها دائما لنفسه سبحانه و تعالى، مثل الروح عامة، وروح القدس جبريل عليه السلام، و ناقة صالح في قومه ثمود، حيث عبر الله عنها ب (ناقة الله) و هكذا .

فهذا التصور والفهم الخاطئ الذي جعل في الإنسان بعضا من الله تعالى هو سبب كثير من كوارث الإنسانية على مر السنين، ويعترف بذلك جاك مايلز بل يؤكده من خلال (سيرة الله) بحسب الارث اليهودي والمسيحي وروافده الرومانية واليونانية الوثنية، ولذلك يقول مايلز: (سعى الأوربيون رجالا ونساء ومن بعدهم الأميركيون، الى صوغ أنفسهم على غرار هذا الإله، منصرفين الى هذه المهمة بحمية وحماس، معتقدين أن المحاولة المتكررة سوف تمكنهم من التوصل الى صور يتزايد اقترابها من الأصل الإلهي. فمحاكاة الله، مقولة أساسية في الإيمان اليهودي شأنها شأن محاكاة المسيح، أو الإله الذي تجسد بهيئة البشر، التي هي مقولة أساسية في الإيمان المسيحي.).

وهكذا جعل مايلز الله تعالى شخصية درامية رئيسة في أحداث التاريخ التراجيديا والكوميديا، وبالتالي جعل الغرب كله يتصرف عبر التاريخ كإلهه الذي تصوره، خالقا ومدمرا وصديقا ومحررا، ومشرعا وفاتحا وأبا وحكما، وجلادا وقدوسا ومشيرا وضامنا، وربما شيطانا ونائما ومتفرجا وناسكا، وقديما وربما فاقدا للاهتمام.

هذا هو تصور الغرب لله تعالى وكل تصرفات الغرب بحسب مايلز هي نتاج محاكاة هذه الصورة المتناقضة الجوانب.

يقول جاك مايلز: (يميل التناول الديني للكتاب المقدس الى التركيز بصورة أساسية وصريحة على صفات الله الحسنى. فاليهود والمسيحيون هاموا بالله بوصفه أصل الفضائل جميعا، ومنبع العدل والحكمة، والرحمة والصبر، والقوة والمحبة. لكنهم، بصورة هامشية وضمنية، نشأوا طوال قرون أيضا على اعتياد ما يمكن أن ندعوه قلق الله، وعلى التعلق بهذا القلق. فالله كما أحاول أن أبين في هذا الكتاب، هو مزيج شخصيات عديدة في خلق واحد. والتوتر القائم بين هذه الشخصيات يجعل من الله أمرا عسيرا يصعب التوصل إليه، كما يضفي عليه أيضا طابع القوة الجاذبة القسرية، بل ويخلق حياله حالة من الإدمان. وخلال محاولة الغرب الواعية محاكاة فضائل الله، تمثل دون وعي منه ذلك التوتر المثير للقلق بين وحدة الله وتعدديته.).

وهذا هو الغرب كما يراه مايلز.

ولنا عودة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق