ثقافة وفن

في حوار مع الكاتبة والباحثة واﻹعلامية المغربية رجاء قيباش حول كتابها الجديد تباريح الوباء: أوراق سوسيولوجية

تباريح الوباء: درة أدبية سوسيولوجية في زمن الجائحة

رجاء قيباش من مواليد مدينة مكناس العريقة، كاتبة وشاعرة وباحثة وإعلامية مغربية وتعتبر من أبرز الباحثات في علم الاجتماع بالعاصمة اﻹسماعيلية للمملكة ،حيث صدرت لها مؤخرا كتاب تباريح الوباء أوراق سوسيولوجية وهو بوح بنكهة سوسيولوجية في زمن الجائحة والذي أثث المشهد الأدبي والفكري والمعرفي في مجال البحث السوسيولوجي، من خلال قلمها اﻷنثوي الفياض ولغتها الأدبية الساحرة التي تحمل في طياتها جماليات شعرية وسردية وتسافر بنا على بساط عوالم تفكيك الظواهر السوسيولوجية في زمن كوفيد التاسع عشر، للكاتبة رجاء قيباش عدة إصدارات أدبية قيمة كديوان صرخة قلب محتضر وديوان نبض من غياهب الصمت ورواية نمارق في هذا الحوار ستتحدث لنا الكاتبة والباحثة واﻹعلامية المغربية رجاء قيباش عن أبرز ما جاء في إصدارها الأدبي الجديد تباريح الوباء أوراق سوسيولوجية كما ستتحدث لنا عن تقييمها لواقع الأدب الاجتماعي بالمغرب والعالم العربي، إضافة إلى تسليطها الضوء على محاور أخرى رئيسية مرتبطة بكتابها موضوع الحوار.

حاورها عبد الحي كريط

> تباريح الوباء أوراق سوسيولوجية هي آخر إصداراتك الفكرية ما هو الدافع الرئيسي الذي دفعك إلى إخراج هذا الكتاب السوسيولوجي؟

< بعد تحية ملؤها المحبة الصادقة لعشاق الحرف و متذوقي المعنى الصادق، أستهل حواري معكم بشكري الجزيل لمنبركم الإعلامي على منحي فرصة تجديد اللقاء بالقراء و فتح نافذة وصال وود مع أرواحهم الراقية، راجية أن يجد بوحي الشفيف في قلوبهم موطنا.

كتاب ” تباريح الوباء: أوراق سوسيولوجية ” هو إصداري الأدبي الرابع بعد امتداداتي الثلاث: أضمومتين شعريتين، ” صرخة قلب محتضر ” سنة 2016، و ” نبض من غياهب الصمت ” سنة 2018، ثم ” نمارق: قصة حياة ” سنة 2020.

هو بوح بنكهة سوسيولوجية في زمن الوباء، عبارة عن سلسلة مقالات من مراجعة وتقديم الأستاذ ” هشام برجاوي، أستاذ جامعي بجامعة القاضي عياض بمراكش.

في البداية انبثقت فكرة كتابة “أوراق سوسيولوجية”، من خلال احتكاكي اليومي ككوتش أسري و تربوي من ناحية ، و كباحثة في علم الاجتماع من ناحية أخرى، بعدة أفراد من مختلف الفئات العمرية ، محاولة رصد و معالجة  معاناتهم اليومية جراء تفشي الفيروس ، و ما خلفه من أضرار على صحتهم النفسية ، و تأثيرات سلبية على علاقاتهم  ، سواء الأسرية أو مع مكونات بيئتهم المجمعية ، و كذلك بعد تجربتي الشخصية حينما كنت حاملة للفيروس لفترة ليست بالهينة، فكانت عبارة عن مقالات في مجال الأدب الاجتماعي ، منتقاة بدقة ، تروم تتبع حجم وأثر جائحة “كوفيد “19 على الإنسان كفرد وكعضو في جماعات، مفرزة أهم التبدلات الاجتماعية و النفسية و الاقتصادية التي واكبت فترة هذه الأزمة ، و نظرا لتجاوب المتابعين مع محتواها ، سواء باحثين مختصين في المجال أو مهتمين ، ارتأيت تجميعها في هذا الكتاب . فكما أقول دائما ، لكل منا سلاح يدافع به عن حريته، ذاك الخضوع الواعي لنواميس الكون والأعراف والديانات، تطبيق لواجب بهدف التحرر من تسلط بعضنا على الآخر، تحليق بلا قيود، دون فرض ولا إجبار يمكن أن يُمارس على الذات البشرية، فالمبدع له بصمته الخاصة، هُدنة بوح عوض حرب تحديات سلوكية لا تليق ببياض حبره، يتوكأ على عصا أفكاره لتكون موجّها لكل ضرير يعجز عن إبصار بصيص ضياء  في غياهب الأزمة، يسافر بقرائه حتى آخر الطبيعة، يكتشفون من خلال كلماته سماء ثامنة لا يعرفها سوى عشاق الحرية والجمال، يمتطون صهوة المجاز ويسافرون عبر لهيب المعاني  ليطفئوا شعلة الغضب المتمددة على مساحة ابتساماتهم الشاحبة والتي تحمل معاني الرضا والقبول والتسليم بوضع ظرفي أكيد سيمر، لكننا نريده أن يمر بأقل الأضرار والخسائر، الغرض منه التنقيب عن واقع أفضل، ليختبر المرء لذة التحول من الفرد إلى الجماعة ومن الواحد إلى الكل تضامنا حتى نتخلص من بطش الجائحة.

> كيف رصدت أثار الوباء في كتابك على الإنسان كفرد وكعضو في جماعات؟

< الإنسان يخاف من الموت كما يخاف من الحياة، نهابه وهو يحاصر أنفاسنا، فهو منتهى كل حي يُرزق من الدنيا حُلوها ومُرها، رعب من ضبابية الطرف الآخر للوجود، دوامة مخاوف تقرع عقل الإنسان وتزلزل سكينة قلبه منذ الأزل، ففي خضم تشبتنا بغاية اﻹستقرار، صرنا  في غفلة منا نعيش عصرا تتوحد فيه أصوات أجراس الكنائس وآذان المساجد، تهتز فيه الأرواح على أصداء الصلوات خشوعا وتضرعا للمولى بهدف خلاص البشرية من أسر الحجر وبلاء الوباء، تتوحد رسالة الأديان ونية الملل في دين واحد موسوم  بالمحبة والسلام،   طوائف مسيحية، صيام رمضان، قيامة مجيدة  وغيرها من طقوس  الصفح والغفران تزيد القلوب إيمانا وصمودا نكاية في بطش كوفيد التاسع عشر و ظلم عهده، ونحن السجناء بلا قضية ولا دليل، حياتنا اليومية أصبحت زنزانة  قضبانها أرقام وفايات وإصابات ومخاطر عدوى تزداد صلابة يوما بعد يوم، حُوكمنا لسبب مجهول وحُفظت قضيتنا على ذمة الحجر الصحي إلى أجل غير محدد. فقد شكل استشراء فيروس كورونا انقلابا فجائيا وصادمًا عن روتين المعتاد اليومي، حول أفكارنا إلى كتلة ثقافية صماء، قوامها تباعد اجتماعي كشف عن خبايا الطابع المركّب لسّلوكيات فردية قابلة للتعايش وللتّصادم في آن واحد، قد تفضي إلى قطيعة سلوكية وذهنية، باعتبارها تجسيدا لمتانة الحس المدني والسلوك العقلاني لدى الأفراد من ناحية، وخوفا من النتائج الوخيمة لعدم الالتزام بالضبط الاجتماعي الذي فرضته حالة الطوارئ الصحية من ناحية أخرى.

إن رصد الواقع الاجتماعي الشديد التركيب الذي فرضه علينا كوفيد 19، أكد أن الانتماء الاجتماعي وإقامة العلاقات تحكمه عدة دوافع وحاجات نفسية وفق الإيديولوجيات السائدة، فرغبات الذات الإنسانية لا يجب أن تكون تعبيرا عن الفردية ضد المجموع، بل عن الفرد خدمة لمصالحه ولمصالح الجماعة في آن واحد.

إن جدلية العلاقة بين مفهومي الالتزام والحرية شكلت على الدوام محور جذب ونقاش، فسؤال الحرية يتجدد باستمرار بدلالة الأزمنة والوقائع، وفي الغالب يتراوح بين قطبين قصويين أحدهما الفرد والآخر الجماعة، ويمكن لهذين الطرفين أن يطورا مساحة مشتركة أو حالة تعايش وهذا ما أقرته نظرية الأنساق الإيكولوجية التي تقوم على فرضية عامة مفادها أن الأفراد يستطيعون التكيف مع بيئاتهم التي يعيشون فيها لتحقيق التوازن في حياتهم.

نفهم من هذا السياق أن الحرية بالنسبة للجماعة تعني التكامل والالتزام والانضباط لما يسمى بحقوق جماعية مبنية على حقوق الفرد وفق ضوابط العقد الاجتماعي المتفق عليه.و تأسيسا على ما سبق، فاتخاذ الدولة قرارات مصيرية وحاسمة مكنت المغرب  من تجاوز الفترة الحرجة  للأزمة والتي كانت لصالح المواطنين بالدرجة الأولى واعتماد السلطات العمومية بعدها للمقاربة التدرجية خلال  رفع الحجر  الصحي ببلادنا يعتبر تمرينا تطبيقيا لمدى استدماج الأفراد للقيم التي كانت سائدة خلال فترة تطبيقه، والمتجلية أساسا في الالتزام  بمختلف مظاهره، فهناك للأسف من تعامل  مع  قساوة ظروف العزلة الصحية  وليس مع الأزمة، أي مع العرض وليس المرض، وعوض البحث عن حقيقة الأمور اهتم بالتنقيب عن نقط الاصطدام  بينه وبين عدو خفي وهو فيروس كورونا المستجد.

حري بنا ونحن نناقش مسألة تدبير الأزمات أن نقدم تأطيرا سوسيولوجيا لها باعتبارها ظاهرة اجتماعية ونفسية تمر بدورة حياة مثلها مثل أي كائن، فالأزمة باعتبارها   موقف أو حدث أو مجموعة أحداث متوقعة أو غير متوقعة لها بداية ونهاية، تتسم بالخطورة والعمق واتساع التأثير، يجعل من الصعب السيطرة عليها، فهي تفوق مستوى المشكل لتقترب في وقت وجيز من خط أحمر فاصل بين القضاء عليها أو الوقوع ضحية استهتار وسوء تدبير يقودنا إلى مرحلة أكثر حدة وتعقيدا وهي مرحلة الفوضى، وذلك بسبب تسارع الأحداث وحدتها ومجهولية تداعياتها مع تفاقم كلفتها الاقتصادية والاجتماعية الخاضعة لعدة سياقات وحيثيات تصنفها إلى أزمة اقتصادية، بيئية، اجتماعية،  نفسية تستوجب حتمية  استثمار مختلف الرساميل سواء كانت اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، بشرية وكذلك نفسية لتدبير أزمة الجائحة.

لن ننكر أيها القراء الأعزاء، أن العزلة الصحية جعلتنا نعيش انفعالات التغيير عوض التعامل معه كمشروع عقلي وخطط استراتيجية قائمة على ظروف زمنية ومكانية وقدرات عقلية وظروف اجتماعية، فالخلل يكمن أساسا في التفكير في التغيير دون وضع استراتيجيات عامة له وآليات تطبيق قابلة للقياس كقواعد ومنطلقات تعتمد ركائزا أساسية.

> كتب د هشام برجاوي عند تقديم كتابك أن اللغة التي كتبت بها تباريح الوباء هي لغة تمتح بين الحقلين الدلاليين الأكاديمي والأدبي، هل إصداراتك الأدبية السابقة كنمارق وغيره كانت كفيلة في تشكيل هذه الملكة اللغوية التي نفتقدها في علوم الاجتماع؟

< في نظري ،عين المبدع  في نظراتها حياة نكاية في قساوة الظروف، ألف سؤال وسؤال، فوضى أحاسيس تغتال كيانه وهو يراقب ما يجري حوله، ليس كما يتهمه البعض أنه يترقب الأحداث من فوق برجه العاجي، وأنه مجرد كائن مُسلي  يكتفي بالكتابة عن العشق، ويختفي خوف حروفه جبنا وخوفا من مرارة الواقع، لا يُدركون أن المبدع كومة أحاسيس تمشي على الأرض، كائن من نور ينثر الأمل أينما حل وارتحل، وُلد والقلم أصبعه السادس يخط به سطورا بعبق البهاء، ينثر الضياء لينير عتمة الوقت، لن يتمكن الغياب من حظر تجوال الأمل بقلبه، ولن يمنع انتقال عدوى الصمود بينه وبين عشاق حرفه، ذاك السكون الذي يترنح في المسافات أرحم لديه من كلمات تبكي قراءه وهي مبتسمة. حينما تتراكم الأوجاع في مساحات الواقع الضيقة، ويعجز القلب والعقل على تحملها، ينفجر حرفه وسط زحمة عمر لم يعشه بعد، يأبه أن يتنازل عن تفاصيل من حوله، يقدر أشياءهم الصغيرة، يتحسس جلد مشاكلهم بأنامله المرتعشة من صقيع وظلم ما يعيشونه، وجوه افتراضية تنتقل عبر الحروف، تنتظر ثورة لتستعيد حياة  حُرمت منها جراء وباء لعين، حتى صار التباعد الاجتماعي عنوانا للكينونة الوجودية، وصرنا مجرد شخصيات تستوطن الفضاء الأزرق، تتواصل خلف شاشات الهواتف والحواسيب، رسائل رقمية كجثث هامدة، جسد بدون روح، كلمات  نشتهي تقبيلها وأرواح نتوق إلى ضمها، جمل ملامحها حزينة نتمنى أن تكذب علينا لتنتشلنا من كآبة المجهول، صداقة وحب مع إيقاف اللقاء. وهذا ما أشار إليه كذلك الدكتور “هشام برجاوي” في تقديمه للكتاب قائلا:

” موازاة مع تجربة متألقة في الكتابتين الشعرية والسردية، إذ سبق لها أن أصدرت ديوانين شعريين ورواية، تنتقل الأستاذة رجاء قيباش إلى مضمار الأدب الاجتماعي من خلال تتبع حجم وأثر جائحة “كوفيد “19على الإنسان كفرد وكعضو في جماعات، مفرزة لقيم انضباط مشترك، من قبيل الأسرة والمدرسة والدين وغيرها. وبلغة تمتاز بالسلاسة، وتمنح من الحقلين الدلاليين الأكاديمي والأدبي، تستجوب الأستاذة رجاء قيباش، بمهارة لافتة، تداعيات جائحة “كوفيد “19من زوايا نظر مختلفة، تمزج بين علم الاجتماع وعلم النفس، مبرزة أنها أفضت إلى اعتمالات مائرة، شملت جميع أرجاء العالم، وتراوحت شدتها بين التأثير على تفاصيل المعتاد اليومي من ناحية، والدعوة العارمة إلى إرجاع البصر في الأسس الصلبة للعلاقات الدولية من ناحية أخرى.

ضمن باقة منتقاة، بعناية فائقة، من المقالات المركزة، رصدت صاحبة رواية “نمارق. قصة حياة”، بلا “إسهاب واجهاتي”، مؤثثات منشأ الجائحة، إذ قبل الإعلان عن استشراء فيروس يقض أحلام البشر، كان هؤلاء قد نسجوا، طوعا أو كرها، علاقة مستقرة حينا ومتشنجة حينا، رفقة متناقضات المجتمع الرأسمالي، حيث يتعايش الثراء مع الفاقة، وحيث تتعرض الديمقراطية، عبر مختلف شواخصها، لسيل متواصل من الاحتجاجات المطالبة بأنسنة صيرورات صناعة المعنى والثروة.

وعند حلول الفيروس بين ظهراني البشرية، تتبعت الباحثة في علم الاجتماع والخبيرة المعتمدة في التنمية الذاتية، باهتمام شراحي، تناسب الخفوت المؤقت لغضب الشارع، اطراديا، مع تفاقم النزاعات داخل الأسر، خصوصا بعد إنفاذ شرعية استثنائية قيدت ممارسة الحقوق والحريات، وأجبرت الملايين على لزوم منازلهم والامتثال لتدابير الحجر، سعيا إلى الحفاظ على النظام العام الصحي.

وأضاف كذلك: ” وفي السبيل المحفوف بالشك والخوف والمؤامرة نحو التعافي، بينت كتابات الأستاذة رجاء قيباش، أن البشرية أعادت اكتشاف” مناقب العلوم الاجتماعية، والأدب الاجتماعي، فما بين التشريح الأكاديمي للزمن الوبائي والتشخيص الانطباعي لارتداداته على الحدود المتكلسة تارة والمرنة تارة أخرى بين الفرد والجماعة، أنشأ حرف الأديبة رجاء قيباش رئة ثالثة، لم ينل الفيروس التاجي منها، وفتحت للوجود نافذة إغاثة نحو اقتفاء أثر الأمل.

إن قوة الانطباع المتهاطل من وقائع منظر اجتماعي تعتصره لواعج متضاربة، وبوصفه رصدا إنسانيا لآلام عالم أنهكه التضييق الوبائي، فسحة لتعزيز فضيلة التوازن والتطلع نحو ما بعد الأزمة الخانقة، وهذا ما تسافر بنا إليه الباحثة المغربية رجاء قيباش، في لفيف راقي الطراز، من مقالات مركزة وحيوية مزجت، باقتدار وجدارة، بين المنابع السوسيولوجية والنفسية والتأملية.”

> هناك دراسة سوسيولوجية تقول إن الحجر الصحي في حد ذاته هو اجراء سياسي وحتى الآن ليست هناك دراسة علمية محكمة تمكن من تقييم تأثيره في الحد من انتشار الوباء رغم أن السلطات تزعم دائما على أنها تستند في إجراءاتها على رأي العلماء، مارأيك؟

< بكل موضوعية، لن نتمكن من التغاضي عما أحدثته جائحة كوفيد 19 من تبدلات في أنماط سلوك الأفراد والجماعات، فالعقلانية التي كانت توجه السلوك في مسار الحياة اليومية، وإن كانت نسبية تعرضت للارتباك خلال وقت قصير.

هذا المخاض تولد عنه غضب ذاتي أفرز شعورا بالخوف والقلق، والذي بقدر ما هو إحساس مشروع ومشترك بين الجميع، لكن تبقى له خصوصية نفسية ذاتية، وحيث أن البشرية أضحت مرغمة على التعايش مع أحد أخطر فيروسات الألفية الثالثة، تم تشديد حزمة تدابير احترازية لضمان الأمن الوجودي لكل الشرائح العمرية وخصوصا الأطفال، حيث تم تعليق الدراسة في مختلف الدول. لكن، من المعلوم أنه خلال أوقات الأزمة يروج خطاب المؤامرة، وينتشر بسرعة، لأنه يقدم تفسيرا جاهزا ومعلبا لا يحتاج إلى تفكير، وهذا ما أثبتته عدة وقائع في التاريخ، أما أنا شخصيا، أعتقد أن تدبير الحجر الصحي إجراء متوازن، قامت به الأغلبية الساحقة من الدول، سواء المتقدمة أو التي في طور النمو، رغم الخسائر الاقتصادية الجسيمة التي تكبدتها، إضافة إلى الأوجاع السوسيونفسية التي واجهتها كل المؤسسات الاجتماعية، كالأسرة، والمدرسة وغيرها، وذلك حفاظا على الأمن الصحي للمواطنين وحقهم في الحياة.

مما يعرج بنا إلى الحديث عن “ثقافة وطنية” كما جاء في مقال: ” هل التنشئة السياسية هي طوق النجاة؟ “، إذ يستمد منها الشعب تصوراته لقرارات الدولة وبواعثه على السلوك، حيث تمكنت هذه الأخيرة (الثقافة الوطنية) كإحدى الإيديولوجيات السياسية والهويات القومية، من تحديث المجتمعات وضمان استمرار ثورتها باستماتة نحو التقدم والتغيير، رغم أنها ليست وحدة متجانسة، بل تضم أنساقا متعددة ومتنافرة، شاهدة على تنوع الطبيعة البشرية واتسامها برصيد إنساني مشترك جوهره الانتماء.  لقد حاولت من خلال هذا المقال الإجابة على السؤال: ” هل يمكن اعتبار ضعف منسوب الوطنية، والانتماء المهزوز، والالتزام الهش، عوامل تنذر بإخفاق خطة التصدي لتداعيات الأزمة؟”، إذ يتضح من تصفح الواقع، أن التأصيل الفكري لمفهوم الانتماء بمختلف أنماطه، سواء الانتماء القومي، الطبقي، الطائفي، الديني، السياسي، واقترانه بالعديد من المفاهيم كالتطابق الاجتماعي، والمسؤولية الاجتماعية وغيرها، يؤكد على أنه العمود الفقري لجماعة الشعب، وبدونه يختل توازنها، ويتوهن تماسكها، وتتفاقم حدة درجة الانفصال وضعف منسوب الوطنية بين أعضائها.

إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل بعزم مسيرة توطيد وتقوية مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.”

ولا يخفى على كل مهتم بالشأن الدولي، أن العالم خلال القرن الواحد والعشرين، عرف عدة تطورات سياسية وجيوسياسية محليا وكونيا، مع ما ينجم عنها من ردود أفعال سلوكية وتوعوية، وما لها من انعكاسات غالبا ما تكون سلبية على جوانب أمنية مختلفة كالاستقرار والوعي القانونيين، مما يُحَتّم إدراك ضرورة تقوية علاقات التعاون والتشارك بين الدولة والمواطن، وتلاحم مقومات الهوية الوطنية، لضمان السلام الوطني.

فأدعو القراء للاطلاع على مقال “المشككون في لقاح كورونا: هل يجب إعادة النظر في بنود “عقد الثقة” بين المواطن والدولة؟ والذي تطرقت فيه لموضوع سؤالكم بتفصيل أكثر.

> كباحثة سوسيولوجية هل يمكن القول إن دينامية انتشار الوباء هي أيضا دينامية اجتماعية” وليست فقط طبية بحتة؟

< كما يقول المثل الانجليزي: “الرِّجْلُ المكسورة لا تُعالج بِجَوْرَب من حرير”، فقد رصدت هذه الفكرة من خلال مقال، تجدونه في الكتاب، تحت عنوان: “”التسامح مع المرض: مضاد حيوي نفسي لمناهضة الوباء، إليكم مقتطف منه:

” في مساق مناخ اجتماعي استثنائي يشكل محفزا كبيرا للاهتمام العلمي، من المعروف أن الإصابات المرضية لدى الإنسان تؤدي إلى تغيرات جذرية في سلوكه مسببة أعراضا مزعجة تعكر صفو مناخه الحياتي، تُعرَف ب “سلوكيات المرض”، كالخمول، والاكتئاب، والقلق، وضعف التركيز وغيرها، إذ تفرض عليه بروتوكولا صحيا دخيلا، يروم  صيانة الأجهزة الحيوية للجسم  وتعزيز قدرته على المقاومة، فيعمل من خلال عُصابه (و الذي يعتبره “مارتن هايدغر Martin Heidegger”  بمثابة سؤال يضعه الوجودُ أمام الذات ويُفقدها ثِقتَها بنفسها بارتباطه بدافع الموت) على التكيف مع الفيروس، فمرض الإنسان يُوَلِّد لديه شعورا باستعجال الشفاء، لكن في كثير من الأحيان، يخفق في تحقيق ذلك بسبب  رده المناعي الذي يحرض الجسم على  “التأهب” كنوع من “الاستعداد الدفاعي” المتضمن لردات فعل متعاقبة ومتسارعة، ليلجأ – في حالة الإصابة – إلى  دفاعات نرجسية تستر فتوره وتحجب عنه الحكم المنطقي، وهذا ما تطلق عليه  المحلّلة النفسيّة “ميلاني كلاين Melanie Klein ” إسم “الدفاع الهوسي”، والذي تكون له نتائج وخيمة على الصحة النفسية للمصاب، فعلى رأي “ابن سينا Avicenna “: ” إنَّ قوة الفكر قادرةٌ على إحداث المرض والشفاء منه “. بالمقابل، هناك شريحة أخرى من المصابين – وأنا منهم – تتبع خطة علاجية مستحدثة نسبيا على مستوى التعامل السريري، وتسمى ب«التسامح مع المرض»، يمكن اعتبارها استراتيجية نفسية – دفاعية يستعملها الجسم بصورة تلقائية تروم إهماد حدة التجاوب المناعي من خلال التزود بجرعات قوية من المضادات الحيوية النفسية كآلية للدفاع النفسي والتحكم في الضرر، مع الإنصات لرسائل الجسم وفك شيفراتها، وأجرأة حمولتها النفسية، وترجمتها إلى أفكار وأفعال  إيجابية ميسرة للعلاج.

إن الإصابة بالكوفيد – عند الأغلبية – تزيح الستار عن أعراض أوبئة أخرى خفية لا تقل مشقة عنه، ك “وباء الفزع” كَرَدِّ فعل غريزي لاستيعاب التهديدات المتصورة وتمثلات الأفراد عن مدى جسامة الفيروس، فهو خليط من القلق والتوهم يغذيهما الإحساس بالعجز والهوس بعادات غير مألوفة.

لذلك، بلور علم النفس التطوري مفهوم «جهاز المناعة السلوكى»، ذرع وقائي نفسي يعتمد فكرة أن جهاز المناعة البيولوجى لدينا ليس كافيا لإعانتنا على تجنب العدوى أو التعافي في حالة الإصابة، بل لابد من „مضادات حيوية نفسية” – كما سبق وذكرنا – صميمها الثقة في مُكنَة الجسم على التحمل والمكافحة، فقد أنمى البشر، عفويا، ذخيرة سلوكية تعكس مدى الرضى الوجداني، وتُبَدِّل الأزمات إلى فرص لنيل الخبرة وإيثاق النسيج المجتمعي، مُشَكِّلة خط الدفاع الأول ضد الأمراض.

أيضا، لن ننسى وباء “انعدام الثقة”، حين يشعر المصاب بالقيود المفروضة على حريته الشخصية في ظل التباينات المتأصلة في المجتمعات، والخصاصة إلى الاستنطاق والشفافية، مما يعمق الهوة بين مؤسسات الدولة والمواطن.  نجد أنفسنا، بالنتيجة، وجهاً لوجه أمام هشاشتنا البشريّة، محجورون في أفكارنا، فلكل منا نظام إنذار داخلي، عليه تشغيله تأهبا لمواجهة امتحانات الحياة التي لن تنتهي، وعلينا أن نؤمن بقدرتنا المطلَقة على المجابهة داخل السياقات الاجتماعية المتعددة، فالتماهي بين الفعل الإنساني والحتمية القدرية يغدق على الذات أَزْرَ امتصاص ضرارة المحنة، كي لا يظل المصاب أسير انحيازات معرفية لاعقلانية ترتكز أساسا على التأثيرات العاطفية والاجتماعية.”

أيضا، يستفاد من خلال التحليل السيكولوجي لشخصية وعاطفة وسلوك وإدراك الأفراد، أننا للأسف، صرنا نتداول، مصفوفة لغوية تعج بمصطلحات العنف والظلم كلغة تدبير للواقع اليومي، تُكرس خطاب الكراهية والعداء والتنافر بين الأفراد … نحن، إذن، في مأزق الاهتداء إلى سلام داخلي يرمم الشرخ الغائر الذي تكابده هويتنا الدينية والأخلاقية …

> كيف رصدت في كتابك أثار الوباء والحجر الصحي في تفاقم الأزمة الأسرية بسبب الإجراءات القهرية التي فرضتها الحكومات والتضييق على الحريات؟

< من السهل رفع “لافتات إشهارية” تُسَوق منتوجا فاسدا ندعي جودته وصلابة مقاومته للتحولات المجتمعية الجذرية والمتسارعة التي نعيشها، لكن يصعب جدا، الاعتراف بالتنابذ بين ما نرومه وما حققناه بالفعل في خضم أحداث تخضع لنواميس “الفقر الأخلاقي” بكل ما تحمله العبارة من “اختناق قيمي”، يتبلور، يوما بعد يوم، داخل حقل اجتماعي يعاني من الجفاف الفكري والتربوي … فالحاجة أضحت ملحة، إذن، بعيدا عن أي انتماء إيديولوجي أو “سياسوي”، إلى الإقرار بأهمية “التفاوض الذاتي” ورفع الوعي بالمسؤولية، كميثاق ضمير بين قناعاتنا وسلوكاتنا.

وبعيدا عن شعارات التوازن الأسري والاستقرار العاطفي التي تزين الواجهة والمقاومة الصامتة التي تئن تحت وطأتها العديد من الأسر، كان للحجر الصحي الذي فرضه انتشار وباء كورونا دور بارز في إزاحة الستار، بقسوة وبوتيرة متسارعة، عن الواقع المضطرب والمهزوز الذي تعيشه بعض الأسر المغربية والمتجسد في تفشي تحديات سلوكية وبروز أفكار وتصورات وعواطف وعلاقات غير الصحية لدى أفرادها.

لقد كان للوباء وقع ثقيل على التمثلات و السلوكات الفردية والجماعية، نتج عنه ضغطا نفسي متعاظم على الأسر، شكل اختبارا مصيريا لمتانة الروابط داخلها، خصوصا تلك التي تجمع بين الأزواج، كما أكد إصابتها بفيروس التشتت العائلي الذي تجلت أعراضه  في حمى العنف  بمختلف أصنافه، تفاقم التباعد العاطفي  علاوة على وجع الاغتصاب الزوجي.

تجدون تفاصيل الإجابة على هذا السؤال بين طيات عدة مقالات من تباريح الوباء ، على سبيل الذكر ، مقال “عن نصف المجتمع أتحدث…” ، حيث سلطت الضوء على المجتمع المغربي كمجتمع ديناميكي يسعى إلى الحداثة والتحديث، كغيره من المجتمعات العربية، يمر بمرحلة انتقالية عنوانها العريض هو اختراق الحداثة بكل حمولاتها لمكونات المجتمع بهدف مواكبة دينامية التغيير المجتمعي والتحكم في التحولات القيمية التي تمس بشكل مباشر كل أنساقه الاجتماعية، وبشكل أساس ،مكوناتها الجوهرية، حيث يتأرجح بين الحداثة والتقليد لمواجهة قضايا مصيرية كالمرأة والأسرة.

كذلك مقال: ” كوفيد 19 والأسرة المغربية بين القرب الزوجي الاضطراري والمقاومة الصامتة” ، فقد لقد كان للوباء وقع ثقيل على التمثلات  والسلوكيات الفردية والجماعية، نتج عنه ضغطا نفسي متعاظم على الأسر، شكل اختبارا مصيريا لمتانة الروابط داخلها، خصوصا تلك التي تجمع بين الأزواج،  كما أكد إصابتها بفيروس “التشتت العائلي” الذي تجلت أعراضه  في حمى العنف  بمختلف أصنافه، تفاقم التباعد العاطفي  علاوة على وجع الاغتصاب الزوجي.

إن البيت الذي كنا نعتبره، فقط ،مكانا للنوم، ولا نمارس فيه أدنى مقومات التواصل الإنساني، حيث كنا نقترب من بعضنا فيزيائيا وليس اجتماعيا، أضحى في زمن الجائحة حلبة صراع  بين الرجل والمرأة، وبدل أن يكون درعا منيعا ضد فيروس كورورنا، تحول إلى بؤرة وبائية تنتقل داخلها  عدوى القلق والخوف والغضب بصورة أسهل وأسرع، وهو ما تؤكده عدة مؤشرات أولية لتأثير فترة العزلة الصحية على العلاقات الزوجية، فقد سجلت العديد من الدول ارتفاعا مقلقا في عدد النزاعات الزوجية وكذا حالات العنف الأسري المتمخضة عنها، هذا بالإضافة إلى معطيات وطنية صادرة عن النيابات العامة بالمغرب يستفاد منها أنه خلال الفترة الأولى من فرض حالة الطوارئ الصحية  جرى تسجيل أكثر من 892 شكاية حول مختلف أنواع العنف ضد النساء، سببها الأساسي تراكمات مشاكل من الماضي فاقم من حدتها عدم الاستئناس بالقرب الزوجي الاضطراري الذي ترتب عن إنفاذ حالة الطوارئ الصحية .

وهنا لابد من التذكير بأن المادة 23 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اعتبرت الأسرة بمثابة وحدة جماعية طبيعية وأساسية في المجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة،

ثم مقال: ” الطفل المغربي ورقمنة التعليم وقفة تأمل” القراءة الموضوعية لهذا الأمر لا تتوقف بنا فقط  عند الكبار، بل تمس الأطفال الذين يعيشون حاليا وضعا نفسيا مقلقا ومضطربا بسبب تداعيات الحجر الصحي، فكلماتٌ مثل «الخوف» و«القلق» و«التوتر»، ليست سوى عناوين بارزة لمكنونات  الحالة النفسية الشخصية لكل طفل مع اختلاف بيئته  الاجتماعية و فئته العمرية  وانتمائه السيكولوجي، فتصبح بمثابة سياج مهترئ نطوق به أهم أمراض الجسم الاجتماعي، وذلك من خلال بروز مجموعة من السرديات الرامية إلى تغيير رؤيتنا المعيارية السائدة فيما يخص الصحة النفسية لأطفالنا، وأبعد من ذلك، قد تكون سببا في عدة معضلات اجتماعية جد حادة أساسها حالة الانغلاق النفسي لديهم المفضي إلى  تعميق درجة الانكسار الذاتي وتقوية الاحساس بالضعف وعدم السيطرة على السلوك، وبالتالي العجز عن إيجاد حلول للتأقلم ولكسر الحواجز المختلفة للتفاوت بشتى شواخصه  في ظروف استثنائية فرضها علينا تفشي الوباء.

بالإضافة إلى مقال: ” منسيون في زمن الجائحة: التلاميذ في وضعية إعاقة ورهان تكافؤ الفرص”، والذي من خلاله تطرقت لموضوع غاية في الأهمية، وهو الوضعية النفسية والاجتماعية للأطفال في وضعية إعاقة، سواء كانت جسدية، أو حسية حركية، أو عقلية، وإمكانية إدماجهم في الحياة الاجتماعية والمدنية، وتيسير تمتعهم بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع.

ومقالات أخرى صعب ذكرها كلها … لذلك أدعوكم لقراءة الكتاب للتعمق أكثر في تفاصيله.

> ماهو الاتجاه الأدبي الذي اعتمدت عليه في فك طلاسم تباريح الوباء سوسيولوجيا؟

< لو سمحت لي، سألخصه لك في العبارة التالية: ” هو مدرسة الحياة ” بكل ما تحمله من تحديات و آمال و رهانات و رغبة في التغيير…

> ماهي منظومة القيم التي تناولتها في تباريح الوباء؟

< قبل أن نحاول الإجابة على  هذا السؤال ، لا ضير من تذكير القراء الأعزاء بمفهوم ” المخيال الشعبي”  باعتباره الرحم الحاضن للثقافة الشعبية، لأنه خزان رمزي شاسع من التمثلات الاجتماعية المرتبطة بالبعد التاريخي والجغرافي والنفسي والاجتماعي من ناحية، وبمسألة الاعتقاد كآلية لها تأثير في طمس الخصوصيات الشخصية المحلية،  ناهيك عن تثبيت الهوية الوطنية أو بروزها بشكل واضح وملموس، متحكم فيه من خلال  خلفية اجتماعية تحرص على مراعاة الايديولوجيات السائدة والمد التاريخي لمصادره من ناحية أخرى ، مما يؤثر بشكل ملموس على  منظومة القيم باعتبارها مجموعة من القواعد الحاكمة و المعايير الراسخة في العقل المجتمعي للأفراد ، و هي من اللبنات الأساسية في قيام صرح أي مجتمع ، بغض النظر عن توجهاته الدينية و السياسية و العرقية و الثقافية و غيرها ، و التي تعتبر بمثابة دستور ضابط لمعتقدات و سلوكيات الفاعلين المجتمعيين. وهذا يعني أن المجتمع المغربي كباقي البيئات الفكرية ” المحافظة ” على هويتها الدينية وانتمائها الثقافي في العالم بأسره، تتدحرج عجلة حياتها بطريق النمو، وتسقط بمطبات وأزمات تختلف مواردها بين ما هو مقدس روحاني يعتبره المغاربة فرصة للتخفيف من العجز الوجودي وأداة للتفريغ النفسي والاجتماعي عن الضغوطات التي يعانون منها، وما هو دنيوي، منفعي، عملي، يعتبر مصدر لقمة العيش وضرورة قصوى لضمان البقاء.

> مذهب الفردانية كان حاضرا بقوة في إحدى فصول كتابك، وكان مقياسا لقياس منسوب الأنانية المفرط الذي ضرب المجتمع الدولي في زمن كوفيد 19، من أي زاوية تناولت هذا الموضوع في تباريح الوباء؟

< الجواب على هذا السؤال يحيلنا إلى مدى حاجتنا للقيم الاجتماعية موازاة مع ما تقتضيه فكرة الفردانية من ممارسة الحرية والإقرار بالأهمية القصوى للحقوق الفردية في حياة الأفراد والجماعات على حد سواء.

وكما سبق وذكرت، مقالات تباريح الوباء هي باقة مشكلة من المواضيع تفوح بعبق الواقع بكل حيثياته، ففي نظري، التعميم يشوش على المعنى، لذلك أقترح تأجيل هذا الحكم مع عدم تأكيده أو نفيه، إلى ما بعد اطلاع القراء الأعزاء على الكتاب، ولهم طبعا الكلمة الأخيرة في هذا الصدد.

> ماهو تقييمكم لواقع الأدب الاجتماعي أو السوسيولوجي في المغرب بصفة خاصة وبالعالم العربي بصفة عامة؟

< الأدب هو جزء من الواقع الاجتماعي و ليس فقط مجرد انعكاس له ، من خلال تسليطه على الواقع بأبعاده السيكولوجية و الدينية و الثقافية و السوسيولوجية ، فأجمل ما في الصعوبة هو تحويلها إلى فرصة، أن نحول اليأس والإحباط إلى إيمان وأمل، لقد تثاقلنا على الأرض وكانت الكورونا رحيمة بها لتتنفس الصعداء من جديد، جرثومة منحت البشرية فرصة لإعادة ترتيب أوراقها، ومنحت الكائنات والأرض فرصة لتتنفس بعد تلوث مناخ العيش الذي كان يخنق أنفاس نبضها، فيروس جبروته  جعل البشرية تحصد سنابل عمر الكثير من الناس في ربيع تاريخي جسّد أوجاع كل الفصول،  منح العالم ضمة موت ولكننا سنهديه قبلة حياة على جبينه لعناق غد بملامح أنقى.

نعود لسؤالكم، لن يكون تقيما، بقدر ما هو اعتراف بأهمية الإصدارات الأدبية الوازنة التي تزخر بها الساحة الفكرية المغربية والعربية خلال السنوات الأخيرة.

> كلمة ختامية

< أخيرا، أدعو الجميع إلى التسلح بالأمل، فعوض تشكيل لوحة سوداوية للواقع، علينا رصد المعطيات الفكرية والنفسية والعلمية من ناحية، ورفع سقف الثقة اتجاه الجهات المسؤولة من ناحية أخرى، لتعزيز الاستجابة الفعالة، كواجب وطني في خضم الارتجاج الحتمي الذي يسجن بعض المغاربة داخل زنزانة أقاويل وإشاعات فضفاضة لن تستر عورة جسم مجتمعي عليه ترويض المشهد الواقعي المكتظ بالارتباك والأنانية الفردية.

إن الترويج لاندلاع قيامة الموت أو حتى العاهات المستديمة بعد التطعيم ضد كورونا، وجه آخر لعملة الجهل الاجتماعي والنكوص الثقافي، والتي لا تصلح إلا كصكوك غفران لقوى خفية تعاتب المجهول، فعلينا الارتقاء إذن، بحس المبادرة باعتباره أكبر محرك للتغيير والتعود على السلوك الاستباقي أمام المواقف الحياتية عوض الاستجابة الميكانيكية فقط، فمن يعارض عليه باقتراح البديل، كما قال ” جول هوفمان”: ” فقد الثقة في العلم يهدد البشرية بخطر حقيقي… “.

وأتقدم إليكم ولقراء المدائن بوست الأعزاء بوافر امتناني على سعة صدركم، وأتمنى أن أكون قد قربتكم من محتوى إصداري ” تباريح الوباء: أوراق سوسيولوجية “مع أصدق الأماني بالهناء والسعادة، رفع الله عنا هذا الوباء.

تحياتي الوارفة مع عميق المودة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق