ثقافة وفن

قصة قصيرة

ضغط الكتابة

سفيان البراق

خضت مغامرة جدية في الكتابة، وكانت بدايتها سنة 1989م. راسلتُ هيئة تحرير إحدى المجلات ذائعة الصيت، بلباقة راجياً منهم أن تجد المواد المُرسلة طريقها إلى النّشر. طال الانتظار ولم أتلقَ ردّاً يفيدُ بقبول المواد من عدمه. أجّج الانتظار بداخلي القلق، وصرت أشتم نفسي وما أكتب، لأطرح على نفسي سؤالاً لم أجد له جواباً شافياً: ما جدوى الكتابة؟ أكتب بعض الترهات المُكتظّة بالهفوات اللغوية والعبارات العرجاء، وبأسلوبٍ مبتذل. هل أكتبُ لأنال رأي ناقدٍ مغمور قدّم بعض القراءات لروايات تتأرجح بين الجيّدة وبين من نالت هالة كبيرة وروّج لها القراء الذين قرأوها لشيءٍ واحد هو أنّ صاحبها تصدّى للطابوهات بجرأة وثبات دون أن يولي كل العناية للغة وتضاريسها؟ كلّها أسئلة تبادرت إلى خلدي حتى خلتُ ذهني سيثبُّ خارج جمجمتي.

نسيت أمر تلك القصص التي بعثتها لهيئة تحرير المجلة حتى تصادفت ذات صباحٍ برسالة تشجيعية منهم يؤكدون فيها تمتعي ببراعة أدبية رغم حداثة سنّي، وزعموا أنني قابل للتطور إذا ما بقيتُ مواظباً على القراءة، وقد أرفقوا الرسالة بمبلغٍ ماليّ محترم. تجشأتُ فرحاً، وشكرتهم بحرارة على جميلهم وثنائهم. منذ ذلك اليوم لم أكتب ولم أبعث لهم بأي جديد.

مرّت سنة تقريباً على رسالتهم المحفّزة التي تقبّلتها بكسلٍ وخمول. انكببتُ مجدداً على كتابة قصّة قصيرة موضوعها مستهلك، والفكرة مكرّرة، بيد أنني أوليتها عنايةً خاصّة، وقد آمنت بها أنّها ستنشر كسابقتها. أرسلتها وكلّي أمل في أنّها ستجد طريقها للنّشر، وأنّها ستقرأ من طرف كاتبٍ يتبوّأ مكانة متميزة في المشهد الثقافي العربي وستنال استحسانه، وربما سيحتفظ بعدد المجلّة في خزانته لأنّ القصّة نالت إعجابه. انتظرتُ مجدداً، لكنني لم أنسَ أمرها. توصّلت برسالة حرّكت خزّان الأحزان وجعلتني أبتعد عن هذه المغامرة كلياً. كتبت سكرتيرة التحرير ما يلي: «ارتأى رئيس التحرير أن يبعث لك المكافأة رغم أنّ القصة، للأسف، لم تُجز للنّشر لأسبابٍ يطولُ شرحها».

لم أستوعب شيئاً من رسالتها المقتضبة، والمكتظة بالغموض، التي كانت كفيلة بتركِ هذه التجربة الجدية. مرّة أخرى عبرت فكرة نصّ قصصي ذهني، وسارعت بكتابته، وفكرتُ ملياً في إرساله للمجلة على أمل أن يُنشر. راسلتهم مجدداً، وانتظرت عدّة أشهر، قبل أن أتفاجأ بخبر إقبار المجلة إلى الأبد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق