ثقافة وفن

مسلسل لعبة نيوتن والطلاق وحلف الفضول!

حسين السيد أبو حسين 

لست متزوجًا، وإن فعلتها يومًا وطلقت زوجتي المستقبلية –الله لا يقدر- فسأخبرها قبلها، وإن نويت ردها، فسأستطلع رأيها، ومدى رغبتها في العيش معي من عدمه، لأني أعتقد بشكل شخصي أن من تمام مروءة الرجل ألا يفرض نفسه على زوجة لا تريده، على كل حال هذه قناعات شخصية أردت تسجيلها في البداية لأقول لقارئي العزيز أني لا أريد أن أحسب على أي تيار من تيارات الجدل الدائر حول الطلاق الشفهي، والطلاق الموثق، ورد الزوجة بعلمها، وردها بدون علمها، هذا الجدال الصحي الذي أثاره مسلسل “لعبة نيوتن” للمخرج تامر محسن:

قد يقول قارئي النابه، إذا كنت لا تريد أن تحسب على أحد -أيها الشملول- فلماذا تتحفنا إذًا بهذا المقال وتضيع أوقاتنا الثمينة؟

ولأن بيني وبين السيد القارئ عشم ومودة، فسأطلب منه أن يصبر على قليلًا، وأن يشاركني كتابة هذا المقال كلمة بكلمة، لأني فيه أنوي طرح الأسئلة، لا تقديم الإجابات، أنوي دعوة سيادته للتفكير معي، بحكم العشرة والصداقة في مسألة تؤرقني، ولا شك تؤرقه..

***

يروي ابن هشام في سيرته أن رجلا من زبيد في اليمن قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص بن وائل، أحد سادات مكة، لكنه ماطله في أداء الثمن، فوقف التاجر المظلوم عند الكعبة مستجيرًا، داعيًا ذوي المروءة لرد الظلم عنه، فقام له الزبير بن عبد المطلب، ونادى في القوم: “والله ما لهذا من مترك”، وإثر هذه الحادثة اجتمع بنو هاشم، وبنو المطلب، وبنو أسد بن عبد العزى، وبنو زهرة بن كلاب، وبنو تيم بن مرة وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته، وعن هذا الحلف قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا، ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت”

***

على هامش الجدل الذي أثاره مسلسل لعبة نيوتن حول مسألة الطلاق والرد غيابيًا دون علم الزوجة، على هامش المبارزات الفكرية والفقهية، والآراء التي لا أفهم فيها كثيرًا، لفتت انتباهي حكايات خرجت تتحدث عن الأزمة على الأرض، رجال تجردوا من كل مروءة أو شرف يستخدمون ورقة الطلاق للضغط على زوجاتهم، فيطلقون شفويًا، ثم يذرون المرأة معلقة، لا هي متزوجة، ولا هي مطلقة بشكل موثق، يثبت لها حقوقها الشرعية، أو يمكنها من الزواج من آخر، سنوات طويلة من الضياع يمكن أن تعيشها فتاة ما، لأن أحدهم قرر أن يضعها أمام خيارين كارثيين، إما أن تبريني من كل حقوقك، ومن كل واجباتي أمام أبنائي، أو أذرك هكذا لا متزوجة ولا مطلقة، وإن فكرت الزوجة المسكينة في اللجوء إلى المحاكم، فمحاكمنا حبالها طويلة، ويديك ويدينا طولة العمر، ناهيك عن الأعباء المالية الكبيرة للقضايا، والتي لا تستطيع غالبية النساء -في شعب يقع أغلبه تحت خط الفقر- تحملها.

وإن نجت من مطرقة الطلاق غير المثبت، فإنها يمكن أن تقع تحت سندان “الرد” غير الموثق أيضًا، وإن كنت تعتقد عزيزي القارئ، أنني أبالغ في تصوراتي هذه، فإني أولًا سأعاتبك على هذا الظن السيئ في، فالمفترض أننا أصدقاء وبيننا ثقة متبادلة، وسأحيلك ثانيًا إلى فتوى أصدرتها دار الإفتاء المصرية قبل 15 عامًا من اليوم، ردًا على امرأة أخبرها طليقها بعد عامين من الطلاق، وبعد زواجها من رجل آخر، أنه كان قد ردها إلى عصمته دون أن يبلغها طوال هذه المدة الزمنية!

وكما قلت لك سابقًا يا صديقي، أنا غير معني بشكل كبير بالجدال الدائر على وسائل التواصل الاجتماعي، لا ناقة لي ولا جمل فيه، ولا أؤيد فريق على فريق، أنا فقط أريدك أن تحل معي هذا اللغز: إن كان هناك طرف مظلوم، إن كان لدينا ملايين الزوجات ما بين معيلات لأسرهن وهن على عصمة رجال، أو نساء هجر أزواجهن منزل الزوجية بلا طلاق، ودون أن تعرف المغلوبة على أمرها للزوج طريق جرة، أو مطرودات إلى بيوت أهلهن، أو نساء طلقن دون أن يستطعن أن يثبتن هذا الطلاق، أو مردودات دون إثبات للرد أيضًا، إذا كان كل هذا الظلم قائم وموثق وموزع بنسب بين الحالات المختلفة، وإذا كانت قريش –قبل الإسلام- قامت كلها نصرة لرجل واحد، وتعاهدت كلها على ألا يكون في مكة مظلوم، فماذا فعلنا نحن لرد الظلم عن ملايين من النساء؟! ما هي الإجراءات الناجزة والقوانين العاجلة التي اتخذت في هذا السبيل؟!

هناك حراك سياسي لا ينكر لحماية المرأة، أصدرنا منذ أيام قليلة قانونًا جديدًا لتغليظ عقوبات ختان الإناث بتوجيه رئاسي مباشر، وأعلم أن الرئيس مهتم بشكل شخصي بقانون جديد لحماية الفتيات من الزواج المبكر في سن الطفولة، هذا جيد، لكن السؤال هل هذا كافي؟

لا تنتظر مني إجابات عزيزي القارئ، أنا اتفقت معك منذ البداية، أني سأطرح الأسئلة فقط هنا، وسأطلب منك التفكير معي في الحل، أنا بشكل واضح –حتى لا أفهم بأي صورة خاطئة- لا أريد من أحد تجديد فقهي، ولا تغيير في ثابت ديني، ولا أريد أي اشتباك مع أحد، أو أي كسر لأي تابوه، أنا وبشكل مهذب وبسيط، أقول لشيوخنا الأفاضل هناك إناث واقع عليهن ظلم بين، هذا الظلم يتعارض مع دين الله، يتضاد مباشرة مع الإسلام، وأنتم أهل الدين والغيرة عليه، فماذا أنتم فاعلون؟ ما هي خطتكم للمواجهة؟ ما هي القوانين التي ستقترحونها على مجلسي النواب والشيوخ؟، وبالمثل أقول للفريق الآخر من السادة المفكرين والمثقفين، ما هو الحل الذي تقترحونه لرفع الظلم؟ أعتقد أن هذه أرضية مشتركة يمكن أن يلتقي عليها الجميع، لا رأيي ولا رأيك ولا رأيهم!

ببساطة شديدة، الحل الذي اقترحه الدكتور علي جمعة، بأن ندعو جميعًا على الظالم المجرم الذي يرد زوجته دون علمها، إذا اعتبرناه واحدًا من الحلول –تعظيمًا لشأن الدعاء-، فنحن لا نزال نحتاج إلى حلول أخرى، حلول عملية، وواضحة وقاطعة، وإلا فإن مروءة المشركين كانت أقوى، ورغبتهم في رد الظلم كانت أمضى!

(٭ نقلًا عن المحطة)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق