ثقافة وفن

يوميات ديور الصابون 2

1978 تشكيل أول فريق رياضي شبابي لكرة القدم ... أجاكس الصابونية

أحمد الونزاني

كان معظم شبان ديور الصابون يمارسون  رياضة كرة القدم. الرياضة الشعبية آنذاك. و كان معظمنا يشجع الفرق المحلية لمدينة مراكش ك الكوكب المراكشي و فريق الميلودية و كذلك على الصعيد الدولي ،هنالك من يشجع الفرق الألمانية ك الباييرن و الفرق الهولندية ك أجاكس و بالنسبة للدول كانت مجموعة منا تحب الفريق الألماني و مجموعة أخرى الفريق البرازيلي و البعض الفريق الهولندي، نظرا للنتائج و لأسلوب هذه الفرق العالمية من حيث الأداء و الفرجة و التكتيك و من حيث السلوك الرياضي المتميز بالأخلاق العالية.

و لهذا فقد كان فريقنا يضم مهارات كبيرة تتميز باسلوبها  الفني  الرفيع  داخل رقعة الملعب و بتناسق كبير في أدائها الجماعي و حتى الفردي.

قررنا أخيرا تأسيس فريق لحومة ديور الصابون، بعد طول تجربة و خوض مباريات أثبتنا فيها جدارتنا و استحقاقنا و توفقنا على معظم الحومات المجاورة. كما شاركنا في عدة منافسات و دوريات فزنا في بعضها باستحقاق كبير.

تأسست فرقة أجاكس الصابونية أو فرقة الطاروا و أصبحنا مضرب المثل في كل المدينة الحمراء، فبدأ التهافت على اللعب ضد هذه الفرقة العتيدة و القوية و التي لا تقهر. و خضنا مباريات عدة تلك السنة فزنا في معظمها و تعادلنا في بعضها و لم ننهزم إلا نادرا. ذاع صيتتا في نواحي مراكش و أصبح فريقنا يتلقى الدعوات تلو الدعوات لإجراء مباريات حبية خارج مدار مراكش و النواحي ك ايت اورير و اوريكة و المحاميد و دوار شعوف و تمصلوحت وغيرها من الدوارير المحيطة بمراكش.

كان معظم شبان الفريق من درب الخربة ودرب سيدي مخلوف و من طوالة ديور الصابون و كانت التشكيلة الرسمية تضم: البوطي ومصطفى كوميه و القصاب و الدنداني وخالد نماط و لقايمي و خراص  و بلكريمي وتيكيدة و الناصري و الصحراوي و الونزاني أحمد. و آخرين كانوا في الإحتياط ك الناقي و جمال و عبد المالك و التحق بهذا الفريق شبان آخرين بعد انسحاب البعض الآخر لأسباب كثيرة  (ظروف العمل و الحياة) .

كانت سنة 1978 متميزة بفوز الأرجنتين  بكأس العالم لأول مرة في تاريخها الكروي، بحيث تميزت بفريق حيوي و قوي بدأت معه رحلة الأسطورة مارادونا في عالم كرة القدم.

في صيف سنة  1982 كان العالم على موعد مع مباريات كأس العالم لكرة القدم التي ستجري في الجارة إسبانيا. لكن فريق أجاكس الصابونية كان على موعد مع مباراة العمر في ظهر ليلة افتتاح مباريات كأس العالم لكرة القدم والتي كانت ستجري بين بلجيكا و الارجنتين على الساعة الثامنة مساء من نفس اليوم الذي كانت لنا فيه مباراة فاصلة بين فريقنا ضد فريق سيدي الزوين العتيد و في ملعبه و بين جماهيره.  علمت المجموعة بالخبر و أجرينا بعض التمارين التحضيرية لذلك، استعدادا للمواجهة القوية. كان الحاج كمال هو المدرب الرسمي لهذا الفريق، و قد اختار العناصر الجيدة و المستعدة لتقديم أفضل ما عندها. انقسمنا إلى ثلاثة مجموعات من سبعة عناصر وقررنا تدبير أمر تلك الخرجة من الناحية المادية أولا وتوفير المأكل ثانيا وكل المستلزمات الرياضية و خصوصا أحذية مناسبة و واقيات من الصدمات و الكدمات المحتملة.

كانت الطنجية المراكشية خيارا مشتركا لكل المجموعات. في الصباح الباكر أخذنا مقاعدنا في الحافلة المنطلقة نحو سيدي الزوين و الذي يبعد عن مدينة مراكش بحوالي أربعين كيلومترا أو أكثر.  كانت رحلة غريبة و عجيبة، و ممتعة في نفس الوقت، لم نشعر كيف مر الوقت حتى وصلنا إلى سوق الأحد بسيدي الزوين. 

كان يوم الأحد هو اليوم الذي ينظم فيه السوق الأسبوعي لسيدي الزوين. استمتعنا قليلا بحماسة الناس و اكتضاض السوق للحظات قبل أن يظهر المدرب و المسؤولين عن الفريق الكروي لسيدي الزوين. فعلا كان الإستقبال حارا، كما أن الضيافة فاقت التوقعات. فقد كان الفطور جاهزا و بعد الفطور بساعة تقريبا جاء دور الغذاء و الذي هو كذلك كان فوق ما تصورنا. كان الكرم والجود حاضرا و هذا من شيم المغاربة الكرام.

جاءت نصيحة مدربنا الحاج كمال في وقتها، فقد أوصانا بعدم الإسراف في الطعام والشراب و أخذ القليل منهما لأن مباراة مهمة تنتظرنا و علينا أن نكون في غاية الخفة و اللياقة البدنية. و نصحنا كذلك بترك الطناجي المراكشية إلى حين الإنتهاء من المباراة و كذلك فعلنا.

أخذنا قسطا من الراحة نظرا لموجة الحر الشديد في ذلك اليوم.

في الساعة الثالثة بعد الزوال، أخذنا أمتعتنا و قصدنا الملعب الكبير في سيدي الزوين. كانت الحرارة مفرطة، بدأنا بالقيام بالتسخينات اللازمة للاستفراغ أولا ثم للتأقلم مع ذلك الجو، و خصوصا ذلك الملعب الكبير جدا بمقاييس عالمية، و الذي كانت تجري عليه مباريات القسم الثالث من الدوري المغربي.

عند الساعة الرابعة عصرا، انطلقت صفارة البداية، امتلأت جنبات الملعب بمشجعي الفريق المحلي لسيدي الزوين، جماهير غفيرة. لعب فريقنا بخطة دفاعية تعتمد الهجمات المرتدة

السريعة، و شكلنا بذلك أكبر خطورة على مرمى الفريق المحلي. كان لدينا مهارات فائقة جماعية و فردية، كما كانت المجموعة تتسم بالانسجام التام بين أفرادها و بالتكامل كذلك. استطعنا بهذا الأسلوب أن نربك خط الدفاع عند الفريق المنافس، و ما هي إلا دقائق معدودة حتى استطعنا تسجيل أول هدف في المباراة. ساد الصمت على جنبات الملعب و خلقنا ارتباكا وخللا في نفسية لاعبي الفريق المنافس. استمرت المباراة بقوة كبيرة و اندفاع الفريق الخصم لكن كل هجماتهم كانت تجد دفاعا متماسكا و حارسا أسطورة زمانه. كانت المرتدات قوية و سريعة مما أتاح لنا الفرصة لتسجيل هدف ثاني و في آخر أطوار الشوط الاول سجلت الهدف الثالث. كانت ثلاثية لا أنساها علقت في الذاكرة الجماعية لأبناء و شبان حومتنا إلى الآن.

سار الشوط الثاني بنفس القوة و الإصرار على الحفاظ على النتيجة، إلا أن إصرار الفريق المنافس بدأ يتطور شيئا فشيئا ليأخذ أبعادا غير رياضية بتاتا، فقد انتقلوا إلى سياسة اللعب الخشن و حتى الضرب، كما رأينا بعض التدخلات العنيفة في حق لاعبينا و الضرب بالحجارة من طرف بعض المشجعين على حارس مرمى فريقنا. كان الحر شديدا و كنا في أمس الحاجة لبعض الماء. كان قد تطوع لهذه المهمة بعض ممن رافقنا لحضور هذه المباراة. و كان من بينهم لقبايبي و جمال السلمي و اللوائي عبد الغني.

بدأو بجلب الماء من إحدى نافورات السوق و من أقرب دوار بجوار الملعب، كانت المسافة كبيرة، لكنهم نجحوا بالقيام بالمهمة على أحسن حال.

كان وطيس المباراة بدأ يشتد و بدأ اليأس يصيب كل تلك الجماهير التي جاءت لنصرة و تشجيع الفريق المحلي. و بالرغم من كل هذا استطاع أبطالنا من تسجيل الهدف الرابع و الهدف  الخامس و بدأ جمعهم ينفض و الجماهير تغادر المكان بعد الهزيمة الثقيلة و النكراء التي تلقاها فريقهم المحلي. لم يتبقى سوى 10 دقائق على نهاية المباراة، لكنهم بسبب التراخي و الجهد الكبير الذي بذله أبطالنا استطاعوا أخيرا من تسجيل هدفين، بعدما زاد حكم المقابلة أكثر من عشرة دقائق أخرى.

تلقى فريق سيدي الزوين أكبر خسارة على أرض ملعبه و في حضور جماهيري كبير. كانت فرحتنا كبيرة فقد أثبتنا جدارتنا و قوتنا و أذهلنا الجميع بطريقة لعبنا و صلابة عزيمتنا.

كانت الساعة السادسة والنصف مساء. أخذنا قسطا من الراحة و تفرقنا إلى مجموعات ثلاث لأكل الطنجيات. قمنا بإشعال النار في الهواء الطلق لتسخين الطناجي المراكشية. انزونا في أركان الملعب و أخرجنا المعدات و بعض الخبز و تناولنا كل مجموعة على حدة طنجيتها. كان الليل قد بدأ بإسدال خيوطه. توجهنا صوب السوق للعودة إلى مدينة مراكش.

لا طكسيات و لا حافلات و لا أحد. كان رئيس فريق سيدي الزوين قد وعدنا بتوفير النقل لعودتنا إلى الحمراء، لكنه مع شدة و هول الهزيمة، تركنا للمصير المجهول، بل قال بعضهم لنا يجب ان تعودوا إلى مراكش مشيا على الأقدام. كانت غايتنا أن نصل في الوقت حتى لا نفوت مباراة الافتتاح الرسمي لكأس العالم بإسبانيا و التي كانت ستجمع الأرجنتين مع  بلجيكا.

الساعة السابعة والنصف مساء، و في خضم الإنتظار رأينا سيارتي بيكوب  قادمتين من داخل سيدي الزوين. تحدثنا مع السائقين و تم الاتفاق معهم على نقلنا إلى مدينة مراكش و ايصالنا حتى الحي الشتوي بجليز عند بجكني. لأن وجهتم كانت مدينة الدار البيضاء. فعلا وصلنا إلى مقهى بجكني بالقرب من سبيطار سيفيل  (ابن سينا ).و بالرغم من وعتاء السفر فقد اجتزنا كل الطريق حتى ديور الصابون بأسلوب العدو الريفي. لم نستطع مشاهدة الشوط الاول من المباراة الافتتاحية لكننا تمكنا من مشاهدة الشوط الثاني بأكمله، و انتهت المباراة بالتعادل بين الفريقين.

رحلة سيدي الزوين، رحلة خالدة في الذاكرة بأبطالها و شخوصها  الفذة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق