سياسة

المغرب للجزائريين حبيب

مصطفى منيغ

الغَضَبُ يُقَوِّي عَدَمَ التَّراجع إلاّ بحذف الأمرين، أن تكفَّ الجزائر عن تدخُّلها الشَّرس في شؤون قضيتي المعرب المُهمّتين، حجمهما على مستوى ميزان الكفَّتين ، لا تراجع عن المُنجَزِ ثقل يُمناه ، ولا تقهقر عن مبدأ الاحتفاظ به في يسراه ، بشرفِ وعهدِ وميثاقِ الجملتين ، الصحراء مغربية في وطن محدَّد شماله كغربه ببحرين ، أو لتتحمل تلك الجزائر الرّسمية مسؤولية ما قد يحصل من مواجهتين ، لا مكان لما يدعيه نظام الهواري بومدين وما قد يأتي بعده على الصعيدين ، الحق ذهب لأصحابه بوسيلتين ، قضاء عادل لمحكمة “لاهاي” الدولية ومسيرة خضراء مفرزة النتيجتين ، طرد الاسبان ورفع العَلم المغربي خفاقاً وسط “العيون” بانتصارين ، أولهما أساسه العودة لأرض الأجداد سلمياً دون إراقة لا قطرة دمٍ واحدة ولا قطرتين ، وثانيهما البقاء فوقها لغاية انتقال الوجود لآخرة الدارين . ما سجَّله “ميكرفون” إذاعة طنجة بما اختاره “خالد مشبال” لذاك البرنامج الناجح اسم “منبر الحقائق” بصوت “عمي صالح الجزائري” طيلة عشرة أيام يؤرخ لمرحلتين ، موقف المملكة المغربية الشريف وما قابله من انتكاس العناد الجزائري الرسمي السّخيف أنيا كمرحلة أولى والثانية على امتداد المُتلاحقة من السنين وليس لسنة أو سنتين ، أن الصحراء بمساحتها الأصلية باقية فوقها أجيال من الجنسين ، صحراويات تنعكس على وجوههن شمس المغرب الدائمة الشروق مع أي فجر يصحو على استقرار الهدفين ، التطور والتقدم في المجالين ، المعرفي والمعيشي بما يضمن للفاضلات منهن سعادة الحياتين ، الفانية والدائمة باجتياز أمام الخالق الوهاب الحسابين . وصحراويين لا يعترفون بغير مغربيتهم ولا يطيقون حتى رائحة الانفصاليين ، الذين استبدلوا نعمة الحرية بعبودية الخضوع لحكامٍ جزائريين ، خسروا المليارات من الدولارات بلا نتيجة غير تبديد ثروة كل الجزائريين في حلم تافهٍ آخره هزيمتين ، أولها التي نحن الآن بصددها إعلامية والثانية مُختصرة في أبعاد وأعماق مفهومين ، الصحراء مغربية رغم كيد الكائدين .

طالما زرتُ طنجة مرات عديدة لكنني هذه المرة وجدتها عروس الشاطئين ، المتوسّط المقابل أوروبا العجوز والأطلسي الواصل فتوَّة الأمل بتحقيق الحُلمين ، الاستثمار الأضخم المساير لطموح الراغبين ، في انبعاث رفاهية الصحراء  المحررة وازدهار الداخل بشماله ووسطه بالمُستحقّ عن جدارة واجتهاد بالصبر والتضحية على قاعدة الفوز المؤكد مَبْنِيَتَيْن .     

في طنجة انتبهتُ أنَّ هناكَ معرب آخر الكثير بل الأغلبيَّة من المغاربة لا يعرفونه ، مغرب لا ينام لا ينطفئ ضوؤه فوق رؤوس  أناس بأرواحهم يحرسونه . مغرب يجتهد علما وفلسفة وابتكارا بما وبمن يطورونه ، ليكون قبل المقدمة وبعد انتهاء أية مهمة حيال من يحسدونه ، مغرب لا يبالي بالغد إن ضاع منه اليوم بل كل دقيقة قبل وبعد مرورها تخص من يطيعونه ، ليصبح على ما يُشاهد الآن قوة لا يخبوا مفعولها ممَّا جعل الخصوم يهابونه .

انتهت فيها العشرة أيام بزيارة السيد الذي حدتني عنه (السو..) ليخبرني بما يجب عليّ القيام به في الإذاعة الوطنية الكائنة بشارع البريهي ، حيث من المنتظر استقبالي من طرف “بنددوش” الراغب في التعرّف عليّ والإجابة عن بعض الأسئلة المتعلّقة بشخصية عمي صالح الجزائري ، ومن أين لي أغلبية المعلومات التي تطابق كلها حقائق واقعة ؟؟؟ ، بعدها سيكلف أحد مساعديه  السيد “بنحليمة” ليظل رهن إشارتي كلما أردت تسجيل حلقات البرنامج المندرج في “صوت الحق” المذاع مباشرة من وجدة ، بتنسيق مع “منبر الحقائق” الذي تبثه إذاعة طنجة الجهوية ، وقبل أن يفارقني ذاك السيد أرشدني حيث سأقيم في العاصمة الرباط ضيفاً على الدولة المغربية مُعززاً مُكرَّماً . أنهيتُ المأمورية بالمطلوب مني تماماً لأعود لقواعدي في العزيزة “وجدة” سالماً ، وقد ربحتُ بجواري امرأة مهما قلتُ فيها لن أوفي ولو نصف حقِّها ، تنازلت عن ارستقراطيتها لتكون كما لو قرأت في عقلي ما أريدها أن تكون ، دون أن أحدّثها في ذاك الأمر بتاتاً ، بل تركتها على سجيَّتها تختار بحرية مطلقة أي طريقة تريد أن تعاشرني بها ، الأقرب ما تكون للمودَّة المُفعمة بالاحترام المتبادل بيننا الندّ للندّ ، وجدتها امرأة متديّنة مؤمنة أشدَّ ما يكون الايمان ، تقف عند ما يمنعها الحلال من الجلوس ، وتجلس حالما يمنعها الحرام من الوقوف ، ذكيّة متى تعرّضت لموقف فتخرج منه والابتسامة لا تفارق محياها الذي كلمَّا تمعَّنتُ فيه بتركيز فعليّ ، يتجسد حيالي حي “الرْصِيفْ” منبع أصالة “فاس” ، ومقر هويتها غير المكرَّر مهما كان الاتجاه شرق أو غرب الكرة الأرضية ، فلا “الأندلس” ولا “تِلِمْسَان” يصل التشابه فيهما حد الكمال مادامت القضية أعمق من مقارنة وحسب ، ولكن هي أشياء تختصُّ بها “فاس” المميزة بمفاتنها الكثيرة الفروع ومنها جمال الأجساد والأرواح ، لأهلها الشرفاء الفضلاء العلماء ، الذين مهما تواجدوا تواجد الخير والرقي ، بعامل حضارة التصقت بهم ولا زالت إلى آخر عهد للدنيا بالبقاء .

وصل لعلمي أن “كومندوس” تسرَّب لوجدة بنية اغتيالي ، فأدركتُ كغيري ممَّن همَّهم الأمر، أن المخابرات الجزائرية بدأت التنقيب في مستنقع جريمة نكراء تدشّن بها خيبتها المباشرة على أرض المغرب ، لكن الأمن المغربي لمثل الأعمال المشينة بالمرصاد لإنهاء محاولات تدل صراحة عن فشل ذاك الزاحف ألاستخباراتي الجزائري في الظلام ، ليصطدم بمن يقذف به للعدم . بالتأكيد صواريخ “عمي صالح الجزائري” الصوتية ، بلغت مداها لتعكِّر مجاز هؤلاء الحكام الذين حرَّكهم اليأس من اصطياد مؤيديهم ، بخلاف المغرب الذي تمكَّن بسياسته الخارجية ، تضييق الخناق على افتراءاتهم ، وتمزيق خططهم الجدّ مكلّفة المدحرَجة نحو الهاوية والخسران المبين ، لم يكن “عمي صالح الجزائري” بالمكرّر نفسه إذ مع كل حلقة جديدة من أحاديثه المشوّقة يغذِّي عقول الجزائريين بمعلومات تتحوّل أحياناً لغضب عارم على قادة لا يفكرون إلاّ في مصالحهم الضيّقة بعيداً عن مصالح الشعب ، الذي بدأ يتجمَّع داخل شوارع العاصمة في مظاهرات حاشدة حاملاً شعارات معادية للنظام القائم ، مطالباًّّّ الاهتمام بالشؤون الداخلية للجزائر والجزائريين ، بدل الزحف الخاسر خلف قضايا خارجية تخصّ دولة جارة المفروض أن تبقى حليفة للجزائر ليس عدوة لها . انطلاقا من ذلك وحفاظاً على سلامتي ، ابلغني السيد “محمد الدبي القدميريّ” عامل اقليم وجدة ، أن بيتاً موضوعاً للسكنى رهن إشارتي ، موقعه فوق ربوة مطلة على مدينة “جْرَادَة” قريباً من نادي مهندسي وأطر منجم الفحم الحجري ، البيت تابع للدرك الملكي وتحت حراسته المستمرة سيكون ، طالبا مني إحضار أسرتي الصغيرة بكامل أفرادها للعيش تحت رعايتي داخله ، وهناك سيارة ستعمل على إحضاري للإذاعة ثم العودة بي لذاك البيت يوميا وفق توقيت أتفق في شأنه مع السائق .

مَرَّت الأيَام والتوتُّر يزداد حدّة بين الدولتين الجارتين، إلى أن حصل ما كان منتظراً أن يحصل، حيث شرعت الدولة الجزائرية في طرد أعداد من المغاربة نساء وأطفالاً ورجالاً بلع عددهم ما يفوق 45.000 نسمة ، بكيفية سبق أن شرحتها للمسؤولين المغاربة في وجدة ، تتعدى وحشية الحيوانات المفترسة ، تقترب لما فعلت ألمانيا النازية مع اليهود التي كانت تجمعهم في شاحنات كسلع فاسدة لتقذف بهم داخل معتقلات معدة مسبقا لتلك الجريمة التي لا زال التاريخ يذكرها لاعناً أدولف هتلر المسؤول الأول عنها ، كما سيفعل مع الهواري بومدين الآمر الوحيد بتشريد ألاف المغاربة وتجريدهم من حقوقهم مادية كانت أو معنوية ، ممّا سبب لعائلات كثيرة ما زالت تعاني منه حتى الآن جراحات نفسية خطيرة لم يستطع الزمن تغطيتها بالنسيان ، كنت هناك تنفيذاً للتَّعليمات التي تلقيتُها من عامل الإقليم نفسه ، القاضية بالتحاقي لنقطة “زوج بغال” لأراقب مِن هناك صحبة البعض من أفراد السلطات المحلية ، ورجال الأمن من مختلف الاختصاصات ، و التدخُّل المباشر لمحاصرة المتسرّبين من عملاء الأجهزة الجزائرية (وكنت أعرف البعض منهم) المستغلِّين ذاك الازدحام لتنفيذ مبتغاهم في الولوج للمغرب بطريقة غير شرعية ، لذا كنتُ شاهدا على الفظائع المُرتكبة في حق مغاربة أبرياء ، من طرف شرطة الجزائر ودركها ، اللذان حملاَ منذ تلك الوهلة الرهيبة ، وصمة عار على جبين كل واحد منهما مهما حلّ عبر مساحة الدولة ، التي حوَّلها الهواري بومدين منطلقاً لتصرفات لا دين يقبلها ، ولا ملة ترتاح لها ، ولا أعداء يتجرّؤون على ارتكاب ويلاتها ، لبشاعة أصناف التعذيب  الممارس دون رحمة أو شفقة ، على جموع بشر ذنبهم الوحيد أنهم مغاربة .

(يتبع)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق