آراء

كوكاسيات

رحيل مفكر عميق

عبد العزيز كوكاس

رحل عنا المفكر حسن حنفي الذي كان صاحب مشروع فكري ضخم كرس له كل جهوده، أهم سمات هذا المشروع: الشمولية، العمق، الاتساع والتنوع.. ثم التبشيرية أي تحويل الفلسفة ليس إلى أداة لتفسير العالم بل إلى تغييره أيضا… وأعتقد أن هذا مشروع كان يجب أن يقع على عاتق مؤسسات ضخمة، أكثر من أن يكون مشروعا فكريا لمفكر واحد، وهذا في حد ذاته أحد مآزق وأعطاب الحداثة العربية، لأن الشمولية توقعنا في غياب الدقة وفي الاختزال والقفز على بعض المفاصل الملتهبة من قضايا شائكة لوحدها تتطلب تفرغا أكاديميا..

قام المفكر الراحل بمجهود جبار وضخم في دراسة التراث العربي الإسلامي بكل ملله ونحله، بكل تياراته الفقهية والأصولية وعلم الكلام والفلسفة وما جاورها.. ثم أبحاثه حول الفكر الغربي الزاخر بتموجاته وتعدد مدارسه وتنوع تياراته الزخمة.. من هنا بعد الانتقائية أي اختيار ما يخدم مشروعه الفكري في الراهن العربي والإسلامي، وأيضا بعد الاختزال في تناول قضايا مثيرة تحتاج إلى العمق والتخصيص.. لذلك انتقى من هذا التراث ما يخدم فكرته حول الإسلام التقدمي أو اليسار الإسلامي الذي ظل يبشر به، فانتقى فيخته وسبينوزا وفلاسفة التنوير والكاثوليك الذين اهتموا ببعد التجديد الديني، بغرض أساسي هو تحويل التراث إلى أداة دفع وإلى قوة إيديولوجية.

كان أول حجرة زاوية في هذا المعمار الفكري الباذخ للمرحوم حسن حنفي هو البدء بالأصول، حيث جعل «علم الأصول» موضوعا للدكتوراة في باريس عام 1956، ثمأعماله وهو كتاب «المعتمد في أصول الفقه» لأبى الحسين البصري عام 1964، ثم القراءة الجدلية للتراث العربي والإسلامي وللتراث الغربي، وصولا للتفسير أي إلى للتأثير في الراهن، أي واقع المفكر السياسي والاجتماعي والتاريخي.. وما أسماه علم التفسير، الذي جاء محكوما بسياق تاريخي لهزيمة 1967 وما تلاها..

تقع أبحاث الدكتور الراحل حنفي في نفس الإشكالية الثنائية التي شغلت مفكري النهضة العربية حتى نهاية القرن الماضي: التراث والتحديث، التقليد والحداثة، الأصالة والمعاصرة… وهذا يبرز حتى من خلال عناوين كتبه، مثل مشروعه حول التراث والتجديد والموقف من التراث، ثم «من العقيدة إلى الثورة»، بالإضافة إلى دراسته حول علم الاستغراب، في رد على ما أثير حول الاستشراق، حيث عكس الآية، من النحن إلى الآخر، بدل من الآخر إلى النحن.

يجب التمييز في مسار الراحل حنفي بين مرحلة الانتماء لتنظيم الإخوان الذي كانت له جاذبيته وتأثيره على فئات عديدة وسط مصر وخارجها.. وكيف نجح في فك الارتباط مع التنظيم الإخواني، وتحول إلى ما أصبح يدافع عنه اليسار الإسلامي،  ويقوم مشروعه على خلاصة أساسية لدى حسن حنفي وهي أنه «حاولنا أن نقيم مجتمعات ثورية من دون وعي ثوري»، وهي مستجلبة من الإيديولوجية الماركسية التي كان لها إشعاعها يومذاك، من هنا كتابه «من العقيدة إلى الثورة»، أي توظيف التراث الغربي بهدف تثوير التراث العربي والإسلامي.. ويكفيه فخرا هذه الجرأة في التناول والاطلاع الموسوعي على التراثين العربي والغربي.. والقدرة على حمل مشروع فكري ضخم عاى عاتقه ظل وفيا له رحمه الله حتى وفاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق