آراء

كوكاسيات

اللهم ارزقنا داء الفرح

عبد العزيز كوكاس

«اضحك يا رجل، فالموت يمازحك مادام يخطئك كل مرة ليصيب غيرك»          أحلام مستغانمي

أحتاج، إلى ذلك الدواء القوي الذي وضعته هيلانة الحسناء في كؤوس نبيذ المدعوين لحفل تلك السهرة الجارحة التي قادت إلى حرب طروادة، دواء سحري قدمته فلودَمنا زوجة الملك ثواس في مصر، حيث تنبت الكثير من العقاقير الصالحة للخير والشر كما يؤكد هوميروس، كان اليونانيون يسمون هذا الدواء مزيل الغصة، لأنه يجعل من يشرب منه يكف عن البكاء ذلك النهار وينخرط في الفرح، حتى ولو مات أبوه وأمه، ولو ذبح أحد أخاه أو ولده أمام عينيه…

لو وجد دواء «مزيل الغصة» ببلدنا اليوم، لانقرضت الكثير من أصناف المهدئات والمنومات، ولأغلقت جل الحانات أبوابها، ولبارت تجارة الحشيش والقرقوبي وأصحاب البولة حمرا لأن المغاربة لم يعودوا يمتلكون القدرة على حماية قلوبهم العليلة من اليأس المتراكم من حولهم ولم تعد لهم القدرة على ترميم أمانيهم السريعة الانكسار الذي يحيط بهم أينما ولَّوا وجوههم.

ولو كان لدينا هذا الدواء السحري، دواء «مزيل الغصة» الذي يجعلك تضحك دوما حتى لو ذُبح أمامك الوطن، وليس فقط أبوك أو أمك، أمام عينيك كما تقول «أوديسا» هوميروس، لما وجدنا أمامنا مسؤولين ضاحكين لشعب يبكي ويئن.. أصدقكم القول إنني ذهبت بعيداً في حلمي، إلى درجة تمنيت أن أصبح صيدليا متخصصا في بيع دواء مزيل الغصة، وليس في الأمر أي خدعة، فالتجارة حلال وأعوذ بالله من علم لا ينفع، كما هو حال مهنة الوهم هاته، أقصد الصحافة في بلد كالمغرب.. لكني فجأة وجدتني أمام أسئلة تحد من طموحي الشخصي جداً، ألن ينصب أولو الأمر فينا، الذين لا يشعرون بأي غصّة مما يحدث بالبلد اليوم، عوائق جمركية أمام هذا الدواء، ليحتكروا الحق في الفرح لذواتهم كما احتكروا الحق في الانفراد بثروات المغرب وغنائمه، وطالبوا منا دائما أن نقتسم معهم ضرائب التنمية دون أن نتقاسم معهم فوائدها.

قد يفرضون قيوداً صحية بدعوى الخوف من انتشار عدوى الإدمان على الفرح لمغاربة يعاني معظمهم من إدمان الحزن والكآبة، قيوداً مثل عدم تسليم دواء مزيل الغصة، بدون وصفة طبية، ولأنكم تعرفون أكثر مني، أن لدينا مستشفى لكل 12 ألف مواطن مغربي وأن الميزانية المخصصة للصحة سنويا أقل من 932 درهم لكل مواطن مغربي، نصف المغاربة لا يزورون الطبيب و بعضهم يكتفي بالشعوذة والسحر، وآخرون ينقلون الأدوية التي وصفت لهم نجاعتها شفهيا من أقربائهم أو جيرانهم لآلام متشابهة دون أن يكشفوا على مرضهم لدى أي طبيب، وأن نصف الذين يزورون المستشفيات والأطباء العمومية، لا يأبهون بما ورد في وصفات الأطباء لجهل أو لعدم قدرة على تسديد فاتورة تكاليف الصيدليات… مع من سأبيع وسأشتري إذن؟

سأتوجه إلى المعطلين الذين مزقت قلوبهم البطالة وقلة حيلة اليد وانهيار أحلام قصور الرمال التي بنوها في لحظة من عمرهم، سأمنحهم الدواء السحري لهيلانة الحسناء، دواء «مزيل الغصة» الذي سينسيهم أحزان بطالتهم وفقرهم.. سأبيع وأشتري من غصت قلوبهم بالحرقة وهم يرون الزمن غير الزمن الذي أضاعوا من أجله زهرات عمرهم وحقهم في العيش كفتيان زمنهم بين شيطنة الطفولة وحضن امرأة نعد الأماني على أصابعها متى ضاق بنا العالم، الذي لم يكتف بالتحول عندنا إلى قرية بسبب الثورة التكنولوجية، بل إلى سجن صغير لأنه لم يعد يحفل بأحلامنا الصغيرة جداً والبسيطة عددا وتكلفة.. اللهم ارزقنا داء الفرح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق