ثقافة وفن

التشكيلي منير العيد

يشكّل اللوحة بسذاجة معبّرة وبرؤية عميقة

بشرى بن فاطمة

يوازي منير العيد بين القصة والموضوع ويستشرف تفاصيله الحسية في السرد البصري أبعد نحو الخيال، لذلك يفعّل كل عناصره التشكيلية لطرح موقفه بصريا، بشكل مرح وملوّن وبأسلوب تشويقي وممتع، فهو يتماهى مع كل عمل مثل طفل يكتشف العالم المتداخل للصور ويداعب الألوان بنضج وبحكمة فرض عليها التعايش مع الطبيعة وتناقضاتها المتوازنة بتآلف وتبصّر وتأمل يستميل كل الحواس لديها ولدى عناصره البصرية
يستلهم العيد حكمته البصرية من خياله ومن مخزونه المشهدي فهو يعتبر أن الفن الذي يقدّمه يحدّد وجوده ويستميله أكثر للاستمرار أبعد حيث العوالم التي يتنقل فيها صاخبة باللون وصخبها البهي قادر على تركيع الواقع المُعتم واستدراج تفاصيله في الاشراق بالحياة التي تليق بالإنسان وبحثه الدائم عن الأمان والأمل، فهناك يرى اللون بعمق قادر على احتواء الموضوع والمفهوم والعناصر، لأنه يترنّح مع الفكرة في عمقه ليساكن البساطة والمرح الظاهر فيها ويسرّبه للمتلقي فيتفاعل معه ويتواصل بكل حواسه.

فالأعمال التي يقدّمها لها طرافة الحضور لأنه يبالغ في استنطاق مكامنها وعمقها الشعوري في الشكل والصورة وعلاقاتها فيما بينها حيث تكون قابلة للتحاور والتحوير وفق المساحات اللونية التي يسمح بها ويتحكّم فيها والتفاصيل الحسية التي تظهر بتلقائية صريحة في تلك الألوان وفي الشكل لتحاكي الانفعالات التي يتفرّد بها في تناغماته العامة ألوانا ومشاهد وواقعا وخيالا في تفاصيلها المتداخلة بين هدوئها وصخبها، وهو ما يخلق لديه التفرّد والتميّز في طرح مواقفه الفنية من خلال شخوصه وثباتها وامتثالها لوجودها.
فالفن العفوي شكّل محورا دارت في فلكه شخوصه ببساطة استطاعت أن تحرّضه على التعبير وفقها كمنهج طيّع ومُطيع للتوافق والتآلف والتكامل الحر مع الصيغ البصرية ذات المعاني المتمرّدة والصادقة والإنسانية المُعبّرة.
لقد أحكم منير العيد توليفاته التكوينية للعناصر المشكّلة للوحته بين الأمكنة والأزمنة حيث مكّنها من مجاراة ذاكرته وتراثه البصري الذي بدا من خلال الزخرفة والنقوش الداخلية التي كوّنها سواء بخاماته اللونية أو عن طريق الكولاج الذي رتّب رؤيته للعمق الفني للوحة في الخطوط ومنحنياتها الباحثة عن مسارات الأمل في الحرف وتشكّلاته الحسية ومدى تثبيته للهوية والانتماء حتى يكتمل بالوعي والحس القادر على تمكينه من استقبال مشاعره وفق الآليات التي يصيغها بها، وهو ما خلق ألفة بينه وبين الحالات التي يعبّر عنها.

فمهما كانت حالاته غارقة في سوداويتها وعتمة القهر المحيط بها يحاول جهدا أن ينتشلها ويتجاوز عنها السواد ويتقمّص معها حضورها في عمق الكون، خاصة وأنه يستطيع بين لون ولون صياغة الغرابة التي قد تتحكم في الأحجام والحضور والتمركز بتوظيف أسلوبه الفني الذي قد يضخّم الوجود الفرح في الحياة ويقزّم العقبات ويستنطق العلامات بالحرف والزخرف حتى تتكوّن لديه اللوحة بكل ما فيها من توافق حسي.

*الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق