آراء

كوكاسيات

شجن عاشق للوطن

عبد العزيز كوكاس

“يمكن لعصفور أن يُقيم علاقة عشق مع سمكة، لكن المشكل هو أين سيبنيان عشهما” مثل أمريكي

لن تكون بلادا تلك التي حميناها برموش العين وبأهداب القلب الرُّعاف، فرمتنا بسهام ترسم للريح خطى الدم في قلوبنا… لن تكون بلادا تلك التي نسجنا بأضلاعنا سقوفها وزيَّنَّا سماءها بلآلئ مآقينا، وحرسنا أزهارها من ثقل قطرات الندى والفراغات الجارحة، فأعدَّت الأكفان للطيبين منا، وحولت الجلادين إلى نائحات في ليل مآسينا.. ندما على ما تبقى من حقنا في الفرح والحُلم.. وقليل من نسمة الحياة!

لن تكون بلادا تلك التي حصدنا الجمر في منتصف الطريق إلى ضفائرها، فحوَّلت جدائلها إلى مشانق لعشاقها، ورسمت أمام خُطانا جدولا من محن وتعب.. لن تكون بلادا تلك التي علَّقنا على أَسْقفها سماء من حلم، وقمرا يحمي الساهرين على حدودها من الغمام وصدى الحسرات، فجعلها الأوغاد والمفسدون نياشين من مجد الهباء، يتاجرون بها في معارض لعاشقين يجمعون الصور! أو في أرصدة بنوك أجنبية منتفخة حدَّ القيء!

لن تكون بلادا تلك التي ظللنا ننتظر ابتساماتها ونحن نرعى الأنجم حتى لا تغمض رموشها فأبت إلا أن تعتصر برتقال أحلامنا ورحيق آمالنا المُنَمْنَمَة..

لن تكون بلادا تلك علينا أن نغادرها ونلتقيها بالانكسارات نفسها وبالتمزقات ذاتها!

كيف تأبى هذه البلاد أن تبتسم لنا، أو تُريح رأسها على صدرنا، في الوقت الذي تمنح السيف والميزان للخائنين والحالمين ببيع جسدها بالجملة، أو بالتقسيط المريح على بطائق البريد التي تُعرضنا مثل قرود في محافل الرقص  أمام عدسات السائحين؟

لن تكون بلادا تلك التي تَزن لقاءنا بانتظارات قاسية، بعد أن نقدم لها كل القرابين الممكنة والمستحيلة، فتُتَّوِّج مغتصبيها على ابتهالات مآتمنا ونخيل حنيننا المبلل بالدم والدمع.. لن تكون بلادا تلك التي تستأجر قوارب البحر، نعوشا لأطفالها الحالمين، لأنها تبخل عنهم بالكفن، بعد القوت ومقاعد المدرسة وأقراص الدواء، وتمنح الأحصنة والبنادق لقتل الحَمام الذي يعشق أن يغرِّد لحنه خارج أنغام لم تعد تُطرب الوطن!

لن تكون بلادا تلك التي حَوَّل اللصوص سماءها، بحرها، رملها، ناسها، وكواكبها… إلى فضاء خصوصي مسيَّج بالبوم وحراس الليل وخفافيش الظلام!

ترى إلى أي شاطئ جميل سنحمل باقي أيامنا وهشاشتنا وما تبقى من قُبَلٍ.. فحين نعتاد موجات الألم، تصبح كل الأمكنة فضاء محتملا لاحتضان جراحنا.. ليست بلادا هاته التي تطارد الحُلم والعشاق والعصافير.. ليست بلادا هاته التي نمد لها يدنا لنحميها من انكسار الريح الموجِع فتقطعها أو توجِع مفاصلها.. ليست بلادا تلك التي خُلقنا لأجل حراسة أحلامنا، فرمتنا إلى أقبية لا ينبت على ظلها ربيع، ولا تُشْتهى فيها قُبلة أو حُلم أو حياة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق