سلايدرسياسة

أيرنة لبنان وراء تداعي هيبة حزب الله

علي شندب

بلحظة دراماتيكية خاطفة، إنهار كل زرع حزب الله. وتداعت كل جهوده في رسم صورة مخيالية مجلّلة بهالة من القداسة لمقاومته. وبهتت صورة مقاوميه رغم كل محاولات زعيم حزب الله مكيجتها بإضفائه عليها عبارات مثل المجد والكرامة والشرف والتضحية بالدماء دفاعا عن لبنان واللبنانيين.

بلحظة دراماتيكية حصل كل هذا وانهار دفعة واحدة. فما حصل في شويّا رغم عصفه ودويه داخل العقل العميق لحزب الله فضلا عن بيئته المأزومة أيضاً، لم يكن مفاجئاً للبنانيين. والأخطر أن واقعة شويّا لم تكن متوقعة من قيادة حزب الله الذي يمتلك الكثير من مراكز الدراسات والبحوث المشهورة والمعروفة خصوصا بقدرتها على قياس توجهات الرأي العام وفحص أمزجته المتقلبة والثابتة، فضلاً عن السرايا الإلكترونية الجاهزة لإطلاق صليات العمالة لاسرائيل. وقد بيّنت واقعة شويّا أن على الرؤوس الباردة في حزب الله الركون لاجراء المراجعات الجادة التي تقف وراء الأسباب العميقة لتحوّل جمهور لبناني كبير عنه بل ومخاصمته.

وعندما قرّر السيد حسن نصرالله تقريب موعد خطابه لمناسبة عدوان تموز لأسباب عاشورائية، كانت واقعة خلدة التي سقط فيها نحو 4 قتلى للحزب في اشتباك مع العشائر العربية والتي يصرّ الحزب على وصفها بالكمين، هي التي تقف وراء قراره في تقريب موعد خطاب تمّوز، وليس احتفالات عاشوراء، وذلك بهدف إسقاط انتصارات تموز تهديداً لعشائر خلدة ومن على شاكلتهم. وبدل أن يتسم بالحكمة والتعقّل والعمل على سحب فتيل الثأر من عرب خلده وتسليم قاتل فتى العشائر للقضاء تمهيداً للصلح والمصالحة. كابر نصرالله معتقداً أن عشائر العرب لن يتجرؤوا على الأخذ بالثأر من قاتل ابنهم والذي تحوّلت تداعياته الى مقتلة سقط فيها نحو أربعة عناصر لحزب الله، ووضعت تهديد نصرالله المعروف والمكرّر والمقترن برفع إصبعه ونبرة صوته “كل يد تمتد على سلاح المقاومة سنقطعها”، أمام اختبار سقوط الهيبة التي صنعتها الناس للمقاومة وأجهز عليها نصرالله نفسه عندما حوّلها الى أداة تخويف وتهديد ووعيد للنّاس.

إذن، الهيبة المهتزّة بسبب تجرؤ عشائر العرب، هي التي دفعت نصرالله لتخصيص نحو ثلث خطاب تموز لواقعة خلدة. ليفرد الثلث الثاني من الخطاب لواقعة شويّا التي ذكرت بكيفية تعاطي بيئة حزب الله نفسها مع الفدائيين الفلسطينيين، كما وذكرت بكميات الأرز التي نثرت على جحافل الغزو الإسرائيلي خلال إجتياح 1982.

وفيما شكلت واقعة خلدة تجرؤاً على مسلحي حزب الله في الداخل اللبناني، فقد شكلت واقعة شويّا تجرؤاً غير مسبوق على مقاومي حزب الله وراجمة صواريخه بعد إطلاقها نحو عشرين صاروخا. إنّه التجرؤ الذي مسّ هيبة مقاومة حزب الله وسلاحها ومقاوميها دفعة واحدة، تحطيما لزجاج الراجمة وتهديدا للمقاومين وإهانتهم. وهو التجرؤ الذي ينبغي على الرؤوس الباردة في الحزب العمل على فك شيفرته بدءاً من لجم جيوشهم الإلكترونية وهي تطلق صليات العمالة لإسرائيل ذات اليمين وذات اليسار، فضلاً عن إجراء مراجعة ضروية تجيب على سؤال الضرورة الملحّة لماذا تجرّأ الناس علينا، ولفظونا من إحترامهم وإحتضانهم وتقديرهم والأهم من ثقتهم ووجدانهم؟.

بعض الخطاب استغرقه نصرالله في الكلام عن قصف الصواريخ بهدف تثبيت قواعد الإشتباك ورد العدوان الإسرائيلي، وهو الكلام الذي لم يستحوذ على الإهتمام المطلوب. فقد كان الإهتمام منصبّاً على محاولة قياس حجم غضب نصرالله وارتباك عباراته وكأنّ الدهر توقف معه أمام المصيبة التي حلّت بمحازبيه وراجمة صواريخه.

مفاعيل كلام نصرالله عن تثبيت قواعد الإشتباك مع إسرائيل، تزامن مع كلام واضح لقائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي خلال لقائه الرجل الثاني في حزب الله نعيم قاسم، وفيه “أن الهجوم الذي شنّه حزب الله أمس من جنوب لبنان، أظهر لرئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت أن المعادلات يتم تحديدها في مكان آخر وأنّه لم يتغير شيء.. وأنّ الأرضية مهيّأة الآن لإنهيار الكيان الصهيوني، ويكفي أن يصدر منه خطأ ما، لتنطلق الحرب القادمة والتي ستكون حرب موته”. وتابع سلامي “أن الإسرائيليين يدركون أنهم سوف يضطرّون إلى الإنسحاب من الأراضي المحتلة ومواجهة أزمة معنوية كبرى إذا تمّ تشغيل محرّك حزب الله”.

بهذا الوضوح ينظر الإيرانيون لحزب الله. فهو محرّك يشبه آلة تعمل بصيغة OFF/ON. إنها الصيغة التي تقف وراء قرار شرائح لبنانية واسعة ووازنة في الإرفضاض عن حزب الله، وقد باتوا لا يرون فيه إلّا أداة إيرانية طيعة تخدم أجندة إيران، وتقامر بلبنان واللبنانيين ومستقبلهم وأمانهم لأجل مصلحة إيران العليا وما فوق العليا. وقد بدت تهديدات حسين سلامي ولسانه اللبناني حسن نصرالله متطابقة لتهديدات رئيس الوزراء الاسرائيلي نيفتالي بينيت، إنه التطابق الذي يسعى لمزيد من التخادم ولو عبر قواعد اشتباك جديدة ربما تقتضيها التهديدات الاسرائيلية والغربية بالرد على إستهداف إيران لسفينة إسرائيلية في الخليج إضافة لتضاريس المفاوضات النوويّة في فيينا.

لم يدرك حسن نصرالله حجم الخطأ الذي اقترفه عندما عمل على تجيير الإحترام الذي حاز عليه وحزبه (خلال عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي) لمصلحة إيران ووليّها الفقيه. كما لم يدرك نصرالله حجم خطأه عندما وصف خامنئي بـ “حسين العصر”. إنه الوصف الذي أحدث أيضاً زوبعة رفض كبرى في أروقة المراجع الشيعية العربية ومقلديهم رغم عدم تناقض بعضها مع إيران.

أمور كثيرة ساهمت في هزّ هيبة حزب الله وزعيمه حسن نصرالله، وقد بلغ المسّ بهيبة الحزب وزعيمه ومقاومته وسلاحه ذروته في واقعة شويّا التي نحّت جانباً هالة القداسة التي كانت تغلف المقاومة الحزبلّاهية.

يعلم حزب الله أن دولاً وامبراطوريات كثيرة سادت ثم سقطت. وأن أوّل علامات سقوطها كان في سقوط هيبتها. وثمة أمور كثيرة بإمكان حزب الله فعلها حتى يتجنّب عدم بلوغ المسّ بهيبته نقطة اللاعودة. ولعلّ أهم ما يمكن أن يفعله هو “لبننة الحزب، بدلاً من أيرنة لبنان”، وأغلب الظن أن الحزب لن يفعل ومهما بلغت التضحيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق