ثقافة وفن

فيلم To Be Or Not To Be: فن السخرية من النازيين

عمرو عدوي

بينما كان العالم في خضمّ أخطر حرب في التاريخ الحديث في 1942، وهجوم ألمانيا النازية على الاتحاد السوفيتي والاقتراب من موسكو، في نفس وقت هجوم اليابان على الولايات المتحدة، ودخول أمريكا الحرب العالمية الثانية رسميًا، وفي وقت الخوف والقلق وغموض مستقبل العالم.

قرر المخرج Ernst Lubitsch مواجهة الإبادة الجماعية والمجازر وألم الحرب، بما يفلح دائما في التخفيف عن الناس وشغل أذهانهم عن مآسي العالم ووحشية الصراع، وخرج بفيلم كوميديّ ساخر “To Be or Not To Be” يقوده طاقم على رأسه أسطورة الراديو والكوميديا Jack Benny.

في 99 دقيقة نجح فيلم To Be or Not To Be في الانتصار على النازية بالتهكم والتقليل من رأس الدمار والخراب، أدولف هتلر، فهو كما يصفه الفيلم في أحد المشاهد، بأنه نباتيّ، ولكنّه لا يلتزم دائمًا بنظامه الغذائي، فيقوم بالتهام الدول.

هتلر في الشارع!

كانت بولندا وهي دولة صغيرة في شرق أوروبا، ويعيش بها عدد لا بأس به من يهود أوروبا، كانت تنعم بازدهار المسرح والفنون والموسيقى، وتعيش في سلام ورغد، حتى الاحتلال النازي في 1939.

يبدأ فيلم To Be or Not To Be بحدث يصعق الحياة الطبيعية الهادئة في وارسو عاصمة بولندا، حيث لا جديد يذكر في الشوارع، ثم يصل أدولف هتلر إلى عاصمة بولندا، يتوقف الناس في ذعر، وينظرون إليه في تعجب، ماذا يحدث وكيف جاء إلى هنا؟

يمشي وسط الجمع بلا أي حراسة أو مرافقين، غير مبالٍ بما أثاره وصوله المفاجئ والبلدين ما زالا في سلام، يقف بين الناس شامخًا، بينما ينقلنا راوي القصة إلى مكتب ‘الجستابو’ وهو الشرطة السرية التابعة للنازية، حيث تبدأ الكوميديا.

لم ينتقل هتلر لبولندا بل هذا ممثل يطمح في إثبات نفسه للقيام بالدور في إحدى المسرحيات، المخرج يريد مسرحية دراما قوية، ولكن يبدو أن طاقم الممثلين يرغب في دفع العمل إلى الكوميديا، ويضيفوا إلى نص المسرحية بدون إذن من أجل إثارة الضحك، مما يؤدي إلى غضب المخرج، الذي يرى أن ممثل دور هتلر لا يؤدي الدور كما ينبغي، ولا يشبه هتلر، بحجة أن الممثل يبدو كرجل عادي بشنب صغير، فيرد أحدهم عليه ‘وكذلك هتلر!’.

وبعد نقاشات طويلة واستعدادات لعرض مسرحيتهم ضد النازية، يأتيهم أمرٌ من الحكومة بوقف المسرحية خوفًا من إغضاب ألمانيا، فيعرضوا ‘هاملت’ بدلًا منها.

الحرب في هوليوود

يتبع مخرج الفيلم أسلوبه العذب الظريف في معالجة الأمور والمشاكل بشكل كوميدي، فهو معروف بالسخرية واستخدام الكوميديا في التطرق لمواضيع صعبة مثل الجنس والخيانة والضعف البشري، فيقوم بالهرب من الوضوح الذي يمكن أن يلومه عليه الناس، إلى تصوير السهل الممتنع يفهمه المشاهد ويهضم معانيه، وفي هذا ما يصوره الفيلم تجاه الحرب.

موضوع شائك وحزين يصاب الناس بالإحباط والخوف من ذكره، بالرغم من ذلك تعشقه هوليوود بعدد لا محدود من قصص الحرب وصناعة الأبطال، والاعتماد على العنف والقتل والاحتفاء بوحشية البطل، بينما تذم عنف العدو.

لكن To Be or Not To Be على عكس ذلك فيلم حرب بلا مشاهد حرب ولا قتال، لا عنف يذكر، بدلًا من التوجه إلى طريق تصوير النازيين كوحوش مخيفة وكائنات رهيبة تثير الذعر وحفيظة المشاهدين، هم أشخاص سُذّج تميزهم التفاهة وقلة الحيلة، غارقون في الأعمال البيروقراطية والنفاق والخوف، والتسابق لإعلان حبهم للقائد المفدّى، كذلك هم ضعاف النفوس يصيبهم الوهن، ولا قبل لهم بإخضاع البشرية ولا الانتصار على الحرية.

شكل جديد للأفلام الحربية

عمد المخرج إلى تغليف كوميديا الفيلم بنفحات من الشاعرية وقصص الحب، بالرغم من بساطة الفيلم، إلا أنه قصة غنية تشمل قصتي حب وحرب ومقاومة وطائرات وصراع شهرة وطموح عالي ومسرحيات وإخفاقات ونجاحات.

مع الاستعانة بالرمزية الساخرة والتشويق الكاذب، فالجميع يعلم النهاية منذ بداية الفيلم، والأحداث شبه عادية، لكن برغم ذلك لا مجال للملل ولا تكاد تستطيع أن ترفع عينيك عن الفيلم، لا حوار هزيل مبتذل أو مشاهد تافهة لا تفيد ويغيب تأثيرها في القصة، حتى أصغر شخصيات الفيلم لها دور مباشر في القصة، وكل تفصيله تقود إلى نتيجة حتمية لا تتم بغيرها.

كذلك لا أحد مثالي، سخر الفيلم من النازيين وكذلك من الممثلين والمقاومة، فالأبطال ليسوا ملائكة كما تصورهم أفلام الحرب دائمًا، فجوزيف تورا الممثل لا يشغله الخوف والتهديد المستمر في كل لحظة، عن إظهار غروره وذكره المستمر أنه ‘ممثل عظيم للغاية’ في كل مشهد له تقريبًا، وأيضًا أصدقائه من الفرقة هم تجسيد العشوائية والتحذلق.

وميزة أخرى تحسب للمخرج، هي أن الجنس هو أحد محركات القصة وسلاح في وجه النازيين، حيث تستمر ماريا في إغراء القادة والمسؤولين، بالرغم من ذلك فقد نجح الفيلم في الحفاظ على التحفظ وقواعد الأدب بعيدًا عن المبالغة، كما كان لا يمكن التعبير عن ذلك بالشكل الحالي في تلك الفترة، مع التأكيد على دور الشهوة تلك الآفة البشرية في خروج الفيلم بصورته النهائية.

بين نقد فيلم To Be or Not To Be

وتقليد تارانتينو

لاقى الفيلم بعض النقد اللاذع عند صدوره، واتهمه بعض الناس بالانحياز التام ضد ألمانيا النازية (في وقت كان جزء كبير من أمريكا متعاطفين معهم قبل المشاركة في الحرب)، ولم يقبله عديد من النقاد لكونه مهينًا وغير مناسب، وأيضًا بعض الجمل أثارت غضب بعض الناس ومنها إيحاءات لشكسبير.

رفض المخرج التخلص منها وأصر على الحفاظ على رمزية فيلمه في وجه النقاد، لكن بعدها بسنوات عاد النقاد لمدح الفيلم، وأدركوا ما لم يستطيعوا فهمه من حسن تصوير صورة النازيين، وعبقرية اختلاف الفيلم عن أي فيلم حرب آخر، ويعتبر حاليًا من أفضل الأفلام التي صورت النازيين على الإطلاق.

لكن لم يكرهه الجميع، فمثلا تارانتينو من عشاق الفيلم، أو على الأقل حصل على إعجابه، بقوله “أنا أسرق من كل فيلم شاهدته”، ورصيد كوينتن تارانتينو من مشاهدة الأفلام الكلاسيكية، فيمكن القول أن ‘تارانتينو’ استلهم مشهد المسرح في نهاية Inglorious Bastards من هذا الفيلم.

فهو تقريبًا نفس الصورة، جمع من القيادات والجنود النازيين في مسرح، يستعدون لمشاهدة فيلم تسجيلي، فيدخل عليهم الزعيم الألماني ويلوح بتحيته المعروفة.

لكن الكفة ترجج طبعًا ل Inglorious Bastards، والمشهد الختامي الأسطوري، لأنه مشهد طويل وممتد، ويمثل حدث أساسي في الفيلم، بينما To Be or Not to Be، كانت لقطة قصيرة غير مؤثرة تقريبًا.

(نقلا عن المحطة)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق