ثقافة وفن

رواية السواد المر للكاتب محمد سليمان الفكي الشاذلي

محاولة تفكيك النصّ

إبراهيم سليمان

من وجهة نظرنا المتواضعة، وحسب تقييمنا الحر من أي قالب نقدي

ــــ مثل هذه الرواية المتماسكة إلى حدٍ كبير في مجملة، الضخمة نسبياً في كتلتها النصيّة، لا يمكن أنّ يصدر إلاّ من كاتب كبير، واسع الخيال، غزير المعرفة، متعدد مشارب الثقافة، بذل مجهوداً جباراً في الإلمام بمعالم الحيز الجغرافي، والوقوف على تعقيداته، إذ أنّ الراوي ليس من بلاد الشام، أو ارض الرافدين، وإنما سوداني مقيم في لندن.

ـــ الراوي متمّكن من سلاسة العبارة الوصفية، قادر على صنع “شربات من فسيخ الأحداث” دون تكّلف، إلاّ أنّ تكرار المبالغات الفنية، والإسهاب غير الضروري في مواضع جمّة، وعدم اتساق بعض المشاهد الدرامية، اضعف إلى حدٍ ما التماسك البنيوي للسرد في الكثر من جوانبه.

ـــ بما أنّ الراوي ليس من بلاد الشام أو من أرض الرافدين، قد يخّيل للقاري إما أنّه كان عنصراً ضمن الفرق الجهادية في تلك الأنحاء، أو صحافياً غطى تلك المشاهد ميدانياً، أو أنه استعان بأحد عناصرها. هذا من فرط دقّة وصف الحيز الجغرافي، ومنطقية مجمل التسلسل الدرامي، ودقة تفاصيل النشاط اليومي لمعاون الخليفة، وخرائط مخططاته العسكرية، أو أنهّ أعتمد على فيلم وثائقي دقيق التفاصيل.

ــ رغم ضخامة النص السردي، فإن محدودية شخوص الرواية ووضوح أدوارها ، وكذلك محدودية مسارح الأحدث، جعل الإمساك بخيوط الحبكة الدرامية سهلة وسلسلة.

ـــ العنوان مباشر، وكذلك المدخل، من الفقرات الأولى بإمكان القارئ التنبؤ بالمقصود من السواد، وتخيّل مضمون الرواية ومآلها.

ــ رغم تعدد المشاهد الدرامية، إلاّ أنّ الحوارات شحيحة في توزيعها، جدلية في الكثير طروحاتها.

ــ البناء السردي للرواية، على شاكلة الإعلانات الترويجية، يتوقف المشهد عند الذروة الدرامية (الداخلية)، ليستأنف بعد عدة فصول، مما قد يضطر القارئ الانتقائي للقفز فوق الفصول، لمتابعة تصاعد المشهد. فهو أسلوب ذو حدين، مشّوق، لكنه قد يشتت ذهنية القارئ.

ــــ تكرار هروب كاجين، كاد أن يحّول السرد إلي رواية شبه بوليسية.

ــ لم تخرج الرواية عن حيز المثلث التقليدي “الجنس والدين والسياسة” ويبدو أنّ ضلعا الجنس والدين متكافئين. الجنس عقدة التحول، والدين هو الوقود الأسود المر، معطون في الكراهية، والسياسة حلم معاون الخليفة.

ــ الحديث التقريري في ص. 19 على لسان الراوي، ويبدو كأنه قناعته الشخصية.

إبداعات وصفية

أمثلة:

ـــ “ونفض سامي حمدان رأسه كما ينفض الصقر رأسه من حب المطر.”  ص. 43

ـــ ” كانت السماء راضية دانية قد رفدتها أشعة البدر المكتمل الآن برعشة قاربت النشوة.” ص. 111

ـــ “وفي الفناء طارت من التلميذات شقاوة، فانداحت مثل سحابة جزلة بيضاء، وانعقد هرج ومرج مثل ضجة الزرازير في الصباح الباكر”.

ـــ ” اضطربت رموش الإمام والتقت أجفانه في سرعة وتباعدت، امتقع لونه، دارت حماليق عينيه ودارت تفاحة آدم في عنقه فصعدت ثم نزلت.”

ــ صوّر الراوي لوحات نصية زاهية للطفلة المفرّهدة كاجين وكلبها ماونت. الفصل الثامن.

ـــ “ويصدح حتى يجف حلقه جفاف حلق البلبل بين حب الرمل في الوهاد. كان رهيف الروح، رهيف الإحساس، قريبا من الله.” ص. 376

ـــ “وعلا صوت العندليب قد جفَّ حلقه من الغناء في المفازات القريبة، وبلغ آخر الواحة فخرج منها إلى ممر ضيق محروق لا هو من رمل ولا هو من تراب، تلك هي قطع القعب: أرض جفت ينابيعها فأقفرت من النواعير، من البساتين، من الحقول، فصارت آن القحط بلقعاً سبخاً ثم صارت رماداً أسودَ تسفه السافيات وتذروه الرياح!” ص. 390

هذا الوصف الإبداعي ما أروعه! وهذا التوظيف اللغوي ما أحسنه!

ـــ ” وسكت فارتفع صوت السراج يطقطق وهو يرشق بلسانه الأصفر جسم الظلام الذي غدا رهيفاً منذراً بنهاية السحر ودخول الفجر.” ص. 473 لها أكثر دلالة ودلالة.

مغالطات فكرية وسياقات فلسفية

الرواية مليئة بالعبارات الفلسفية والطروحات الجدلية.

أمثلة:

ــــ “والحياة في جوهرها متاع إلى زوال.” ص. 110.

ـــ المعروف أنّ الأفيون مخّضر، أما كنونه منشط جنسي، فهذا يعتبر تروج. ص. 122

ـــ “الأصولية ليست في الشرق، هي في الغرب أيضاً، هي القاسم المشترك، لأن الأصولية بكل أنواعها وشعاراتها ما هي إلا نزعة ثقافية» ص. 116

” «الماضي لا يدفن موتاه أبداً.” ص. 199

ـــ “إذا كان ثمة غريزة راسخة في الإنسان فهي غريزة الحرب”

نعتقد أنّ غريزة الحرب في الإنسان، متساوية مع غريزة السلام، فقد قال هابيل لأخيه قابيل ” لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ”.

ـــ ليست بالضرورة، أن يتعرّض الشاب لصدمة عاطفية، أو أن يعاني الفقر والتشريد، أو التنّمر ليكون متطرفا. ” الجزيرة التي شهدت قهري، الجزيرة التي ولدت حزني!” ص. 60

ـــ “يجهد إلى أن ينقي ذاكرته من شوائب البؤس ويرفعها إلى مستوى الجمال الفاشيستي”

ص. 42 ” «والفاشية، وإن لم يكن لها أي مبدأ أو عقيدة، إلا أن لها أسلوباً أكيداً في العنف والإرهاب.” ص. 155

هل حقاً للفاشستية جمال؟ أين هي بين العنف والإرهاب؟

ـــ “الإنسان حيوان تعيس” ص. 315

ــ “هه، الحياة تعطي مهما يطول الحرمان” ص. 350. تعميم يبدو جدلياً.

ــــ “نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم” ص. 366

ـــ ” آرنولد توينبي قال إن الجنس البشري بغل لا يقهر! لكن ما الذي جرى؟” ص. 439

مشاهد يتوقعها أو لم يتوقعها القارئ

ـــ من المتوقع أن يؤّذن سامي حمدان في الناس في الحرم المدرسي، وأن يواظب على صلواته علناً في المدرسة، بعد جنحه إلى الأصولية.

ـــ في بداياته، لم يذكر الراوي علاقة سامي بربه، فقد ركّز على علاقته بشيوخه وبالمساجد، لا نعلم شيئا عن صلواته، وخلواته وتضرعاته.

ــــ إطلاق الرصاص خلال الهبوط عبر الصخور الحادة الانحدار، الذي أفزعت البغال، كيف لا ترعب الصبايا الرقيقات (السبايا)؟ ص. 158

ـــ نعتقد أنّ سامي حمدان، لم يتلقَ الجرعة الروحية الكافية ليكون أصولياً. يفتقر الاستشهاد بآيات من القرآن الكريم وأحاديث من السنة المطهرة. “وتساءل في نفسه: ترى هل الأسباب التي ذكرها الشيخ وهدان كافية للقضاء على حياة هذا الرجل؟” ص. 179 مما يرّجح أن دافع كراهيته للندن (ترميز للغرب وثقافتها) ومع ذلك يحتاج إلى جرعات عن فقه البراءة والموالاة، أكثر تركيزاً من خطب صلوات الجمع.

ـــ شاب مصدوم عاطفياً، متشرد، وبلا مال، أثناء تنقله وسط لندن عبر قطارات الأنفاق، يتوقع أن يتصفّح جريدة Metro المجانية  أو The Sun شبه الصفراء وليست إندبيندنت.

ـــ يتوقع القارئ الوقوف على ملابسات تحول سامي حمدان من تنظيم القاعدة، إلى فكر داعش، كيف ومتى ولماذا؟

ــ يتوقع القارئ إلقاء الضوء ولو مختصراً عن كيفية العثور على كوجين، خلال هروبها الأول، ومعرفة العقاب التي تعّرضت لها مع رفقتها رندا بعد فشل المحاولة الثانية.

ـــ “سأثأر لك يا جيهان، سأثأر لك يا ماونت، سألحق الأذى بكل فرد منهم. جميعهم. حتى زائر الليل.” ص. 310

بهذا يبدو أنّ البطلة كاجين لم تتألم لفقد عذريتها، وانتهاك شرفها مرارا بصورة شاذة وسادية! من المتوقع أن يكون التأثر لشرفها ضمن قائمة محفزات انتقامها.

ـــ بعد أن أصبحت سبية معاون الخليفة، ودخلت الإسلام قسراً، المتوقع أن تطالب بكتب تكسر بها وحدتها، حتى إن كانت كتب سوداء.

ـــ في مثل هذه الأحداث الكبيرة، يتوقع أدوار أكبر لقادة ميدانيين حول معاون الخليفة، اكتفى فقط بكتيبة الميديا.

ـــ لم يتوقع القارئ، أن يذرف البطل الخارق سامي حمدان الدموع السخينة على ضياع أحلامه بدخول بغداد. يتوقعه أن يحتسب ويخطط للمناورة، سيما وأنّ رجاله من المحتمل أن يعيد لها عيون كاجين الخضراوين من أستيرا بأعالي جبال سنجار.

” سالت الدموع مالحة غنية بالألم” ص. 438

ـــ من المتوقع أن تتوقع كاجين ملاحقة رجال معاون الخليفة لها، وألاّ تظل مستكينة في بيت أهلها، بل أن تبحث عن فرص الحياة في أماكن غير مرصودة من قبل الدواعش. يمكن أن تقع بالصدفة في أيدي الدواعش، بمكان ما لمواصلة دورها الدرامي في السرد.

ــ “لم أحِض بعدُ.”

لم يتوقع أن تصدر مثل هذا التعليق من كاجين، ولا تزال نيران السياط لم تنطفئ عن جسدها المنهك. ص. 485

ــ بما أنّ الدواعش يعتبرون أنهم الفرقة الناجية، وأنّ خليفتهم هو خليفة المسلمين، من المتوقع أن يحلم معاونه سامي حمدان أن يضيف اسه لقائمة الفاتحين لبغداد بدلاً عن قائمة الغزاة. ص. 428

توصيفات لا داعِ لها

ـــ رغم الواقعية، لا نرَ داعي للتنميط الإثني. صوّر الراوي الجزائريين والآسيويين والعرب كإرهابيين، والجمايكيين تجار مخدرات. بإمكانه الاكتفاء بوصف الشخصيات، سيما وأنه قد حرص على وصف معظم شخوص الرواية وصفاً دقياً، طولاً وعرضاً، لون العيون ولون الشعر واللحى والذقون، وحتى الفكين والأسنان أحياناً “كان في نحو الستين من عمره لا يزيد طوله على خمس أقدام إلا بوصة واحدة أو ربما بوصتين، ولكن فمه الكامل الأسنان وجبينه الخالي من التجاعيد واستقامة ظهره واعتدال كتفيه”. ص. 116

ــــ التفاصيل الدقيقة لتحركات سامي حمدان في شبابه وسط لندن وكيفيتها غير ذات أهمية درامية.

ــ في الفصل الخامس، الحديث عن آدم سميث ونظرية الاقتصاد السياسي، والتحول الديمقراطي في أوروبا وأمريكيا، يبدو  مطولاً من غير مبرر. ص. 86

ـــ لا داعِ لتكرار مضابط تفوق سامي حمدان الدراسي على أقرانه.

ــ “يصيبان باليد اليمنى من طعامهما.” بديهي لا داعِ لذكرها. ص. 116

ــــ “خروجه من الصلاة بالسلام ذات اليمين وذات الشمال” لا داعِ لتكرار هذه العبارة لبديهيتها. ص. 457

مبالغات فنية

ـــ تصوير الراوي مدنية لندن كأنها تمطر 24/7؛ فيه تهويل المشهد المأساوي الذي صنع الإرهابي سامي حمدان. ” المطر الأزلي الذي لا ينقطع.” ص. 41.

ــ مشهد مقابلة المتشرد سامي حمدان للباترون، عكس الراوي مدينة لندن وكأنها عاصمة المافيا، ومركز الجريمة مثلها ومثل لوس أنجلوس وساو باولو. ص.

ــ ارتكاب سامي حمدان لجريمتي قتل في وسط لندن، وتمكنه من الهرب دون القبض عليه، مبالغة أخرى في النجومية، وفيها تشهير ضمني بفشل الأجهزة الأمنية والعدلية في لندن، وتصويرها على أنها مدينة الجريمة وغير آمنة. سيما أن الشيخ وهدان المحرّض على قتل الشيخ عاصم، تم تبرئة ساحته أيضا من قبل السلطات القضائية.

ــ لا نظن أن طفلاً في سن الروضة، ينظر بفضول إلى عورات النساء، ناهيك عن الاحتفاظ بصور مفاتنهنّ إلى ما بعد سن الثلاثين. شيء من المبالغة. ص. 53 إنطلاقاً من الآية 31 من سورة النور. ” أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ”

ـــ بما أنّ سامي حمدان هو القائد الميداني، عادة القادة لا يقتلون مباشرة عند المقدرة، وإنما يوكلون مهمة جز الرؤوس لأتباعهم، ما لما يكون هنالك دافع تشفي شخصي من شخص أو أشخاص محددين.

ــ لا نظن أن أصولي يقتدي بجيفارا الكافر في نظرهم (ص 40) يوازي بين الموصل وسانت كارا.

ــ في حالة الزعر المباغت التي تعّرضت لها الطفلة كاجين، لا ظن أنها ستهتم بإخفاء كتاب مهما غلى ثمنه في ملابسها الداخلية، وتتخذه كتميمة تقرأ منه نصوص في أهلك الظروف. ص. 155

ـــ إطلاق عمّار الداعشي النار لإخافة وإسكات تلميذات مهيضات الأجنحة. “اصمتن يا بنات، أنتما هناك، من تبكي منكما فسأجعل من رصاصي لها عَبرات، سأنشن على الحلق هل فهمتما»؟ ص. 186

ـــ لا نعتقد أن صبايا رقيقات ومنعّمات، باستطاعتهنّ المسير على مرتفعات صخرية لمدة ثلاث ساعات. “واستمرت المسيرة ثلاث ساعات”، كاجين كانت قد احتفلت بعيد ميلادها الثالث، أي أنها لا تزال وقتئذ في سن طفلة. عشر. ص. 187

ـــ ليس مثالياً، وشبه مستحيل أن يأتي رجلين امرأة في آنٍ واحد؛ أحدهما أعرج والآخر أعور وهي مكّبلة بالسلاسل في الأرجل وحلقة في العنق. ” أتاها الاثنان، واحد من دبرها وآخر من الأمام.” ص. 284

ـــ المتشرد، مروج المخدرات في وسط لندن سامي حمدان، يرفل في السواد، حتى قبل انضامه للقاعدة ومن ثمّ تنظيم داعش “وليس على جسمه المتورم إلا بنطال أسود وقميص أسود ومعطف أسود،”. ص. 204، وحتى الباترون زعيم العصابة سوداوي “وأبعد لوحة عريضة تملؤها زنابق سوداء” ص. 215، بهذه المبالغة، يجد الراوي مبرراً أن السواد ليس حكراً لأصحاب الراية السوداء (داعش) وحدهم.

ــ أن يتيه جميع أفراد الفرقة الجهادية في الإعصار الصحراوي المباغت، ويؤوب سامي حمدان وحده لموضع سيارة اللاندروفر، فيها مبالغة نجومية. ص. 382 والغريب وهو القائد لم يفّكر في مصير بقية المجموعة إلاّ بعد عدة أيام؟ أو حتى انه لم يتوقع أو ينتظر عودة بعضهم بنفس كيفية عودته بعد انجلاء الإعصار؟ يبدو بقية أعضاء الفرقة، كأنهم “كمبارس” في مشهد مسرحي هزيل السيناريو.

ــ لا نظن أنّ القاضي غبياً ليسأل الشيخ وهدان لماذا لم يختار العيش في مصر ضمن دول الأخرى وهو يعلم أنه مصري غير مرغوب فيه في بلده، وطالب لجوء. ص. 66

ــ الوصف السردي فيها تمجيد دعائي لبطل الرواية سامي حمدان، التركيز على طاقته الجسمانية، وذكائه وصفاء ذهنه، أكثر من تسليط الضوء على سوداوية شطحاته الفكرية والتضليلية وأفعاله المرة. ص. 70، هو البطل المغوار، وحيداً يحاصر الأعداء ويأسرهم، ويقيم لهم محكمة في كهف يحرسه دبابة بدون سائق. مبالغة في النجومية.

ـــ وصف الراوي لمنصور حارس ذات اليمن، في هيئة عبد مشقوق الشفة موشوم الجبين، فيها مبالغة لا يناسب السياق الزمني.

ـــ مبالغة في نوم سبية قلقة، ليلاً ونهاراً لدرجة أن تفتح زنزانتها، وتخلع سراويلها الداخلية وهي لا تزال في سبات.

” وهي لم تشعر به إذْ دخل! لم تشعر به إذ انحنى عليها! لم تشعر به إذْ رفع ملابسها! إذْ ذهب بيديه وبعينيه إلى أماكنها الحميمة فاشتم منها، على نحو ما، رائحة بعيدة بُعد لندن،” ص. 324

ـــ مشاهد سحل الأعداء لدى القاعدة والدواعش جراً على ظهور الخيول واللاندكروزرات حتى الموت، فيها محاكاة لمشاهد الكاوبويز (رعاة البقر) سابقا في أمريكا، يبدو لنا أنّ الراوي مهتم بمشاهد الآكشن أكثر من  الواقعية الدرامية.

ـــ تمر كافة الأحداث، من سبي الصبايا في قرية أستيرا على جبال سنجار، ثم محطة  سجن ذات اليومين، ومحاولتيّ هروب، ثم الترحيل إلى مقر القيادة في حمص، ثم محاولة الهروب الثالثة، والبطلة كاجين لم تتجاوز سن الثالثة عشرة، أي أنّ الأحداث مكّثفة حد الانفجار.

ــــ أعاصير الصحراء لا تأتي بغتةً، لها أشراط ومقدمات، وترى ظلها على بعد فراسخ. ص. 378

ــــ لا نظن أنّ إعصارا مهما بلغ عتوه، أن يفرق بتلك السهولة شمل فرقة جهادية جادة، جيدة التدريب، تحلم بتأسيس دولة الخلافة. ص.379 وكأنهم تفاجأوا بتلك الظاهرة الطبيعية المألوفة.

ـــ مبالغة أن يقطع معاون الخليفة رؤوس حرس منزله الخاص وكذلك العجوز عزيزة بجريرة هروب عيونيّ كاجين الخضراوين، إذ أنه لم يعاشرها حتى لحظة هروبها للمرة الثالثة، كان منتظراً لحظة نمو زغبها الأسود ليستمتع بإمعان النظر إليه.

ترميز فني موّفق

أمثلة:

ـــ دوروثي ما هي إلاّ “لندن المقيتة” وإنجلترا والغرب عموماً، والبطل سامي حميدان راغباً فيها وهي تمانع وترفضه، وما كاجين إلاً شبح دوروثي، أي كافرة وكيلة الغرب في بلاد الإسلام، وما قمر بعينيها السود إلاّ بلاد العروبة والإسلام، مبذولة له، وعقدة الانكسار العاطفي من دوروثي تشوش عليه، كلما عنّ له الاستمتاع بهنّ بكاجين وقمر.

“العالم يساوي طفلة اسمها كاجين، في غابر السنين كان اسمها دوروثي” ص. 330

ــ من خلال تبين عراقة مكتبة التحرير لصاحبها عوض في الموصل، وشغف التلميذة النجيبة كاجين بالقراءة والاطلاع، إقرار من الراوي بعلو كعب بلاد الشام في الحضارة والعلم والمعرفة.

ـــ ربط الإعصار بالدخول في الصلاة، فيه ترميز ذكي إلى ظلامية المذهب الفقي للدواعش.

ـــ “الأكواب الورقية الفارغة الملطخة بسواد الكوكاكولا” ص. 114.

إتهام حصيف من سامي حمدان للغرب بالسوداوية. “الأصولية ليست في الشرق، هي في الغرب أيضاً” ص. 116

ــ في النهاية يبدو أن الشر (السواد) انتصر مؤقتا على الخير (الخضرة)، بتزوج بالبطل من “قمر” بالبدوية ذات العيون السود. رغم أنّه مات مكلوماً ومطعوناً غيلة بطعنه من ذات العيون الخضر كاجين شبح دوروثي. الخلاصة، أنّ الخيرية في الغرب، انتصرت على السوداوية في الشرق، بمقتل معاون الخليفة على يد كاجين السبية اليزيدية، ممثلة الغرب في الشرق.

” استرق النظر إلى عينيها السوداوين فاضطربت ثم ابتسمت.” ص. 392

“قمر”، “اسم على مسمى. أنت جميلة جداً! سأتزوجك يا ذات العيون السود.” ص. 392

ــ العصابة التي احتوته، واحتفت به أيما احتفال، وزوجته ابنتهم قمر، ما هي إلاّ العصابات الجهادية المرابطة في الصحراء العربية، وحُمرة لسان الفتاة قمر، كناية عن الطرح التكفيري الدموي، والنبيذ والخمر، ما هي تأثير الفكر الظلامي السوداوي. تبدو الربكة الفنية في صابئية هذه العصابة، وربما قصد الراوي أنها فرق مسلمة (تقدس السبع وتؤثر الثلاث الأرقام الوحدانية) إلا أنها في نظر البطل زنديقة.

” نحروا سبعة جمال وثلاث نياق” ص. 393

ــ الكرم الحاتمي للضيف العابر، دلالة على بدائية العصابة وجاهليتها، والاحتفاء المبالغ به، دلالة على ضياع هذه العصابة وتيهانها والتعويل عليه.

ـــــ رمادية لون اللاندروفرات في ضاحية ألدرشوت بإنجلترا، وكذلك كأولى سيارة يدخل بها الصحراء العربية، قادماً من أفغانستان، متزعماً مجموعته. تعني الضبابية الفكرية.

” نعم، تلك كانت أول مرة يدخل فيها الصحراء العربية، كان في سيارة لاندروفر رمادية اللون”. ص. 376

ــــ الحلم المتكرر برؤية الملك فكتوريا في مخدعها وانتهاك خصوصيتها، ترميز عن تجدد روح الانتقام من لندن وإنجلترا، التي ظلت تراوده بسبب التمييز العرقي والديني ضده.

ـــ “أحس بالطائر الشرس يفرد جناحيه ويضرب في كبده ويطعن بمنقاره.” ص. 429

هذا الطائر الذي تكرر ذكره، يرمز إلى بذرة الشر، ونزعة التشفي والانتقام، وروح الكراهية التي بين جنبيه، والنائم اليقظان بين جوانحه.

عدم إتساق

ـــ اسم البطل سامي حمدان، كيف يسمو وهو القائل السفّاح؟

” يتذكر جيدا أن أخرج لسانه وراح عمدا يلعق من تلك الدماء.” ص. 43

ــ القائد الميداني الداعشي، يخلط بين تمجيد خالد بن الوليد وعذراء أورليان والقديس بول وبين هافانا وبغداد؟ رغم ازدواجية مشاربه الثقافية، بعد أن رمى الشوك والسكاكين من مطبخ والدته، وبعد أن رمى قسراً كتاب الملكة فكتوريا، يتوقع انحيازه لرموز البطولة الإسلامية.

ـــ غالباً لا يجتمع حب الأدب والموسيقى والجنوح للعنف في جوفٍ واحدٍ. “لا ريب أن الشعر والأدب قد ربَّيَا في مكان ما من نفسه القاسية الآن شوقاً للرومانسية يكاد يجنح إلى المحال.” ص. 193

ـــ مصادفة درامية مباللغة، أن يلتقي وجهاً لوجه بطل الرواية، مع مارتن زوج زميلته ” دوروثي” التي رفضته بإهانة لخلفيته العرقية، وفضلت عليه زميل إنجليزي. ص. 141

ـــ من المفترض أن تؤول أسلحة مجاهدي داعش لملكية دولة الخلافة، فلا يعقل أن تستخدم كقيمة عينية لاقتناء السبايا التي هنّ كذلك تعتبرنّ متاع الدولة وجزء من رأسمالها.

ــــ “موقف الرجل من المرأة كحالته بالنسبة إلى اللحم المشوي! كلما كانت الأسنان هرمة كانت بحاجة إلى لحم أكثر طراوة، لحم طفلة، هل تفهمين؟”

معاون الخليفة ليس هرماً، وإنما في ريعان شبابه.” ص. 330

ـــ حيلة فرار كاجين المرة الأولى لا تناسب طفلة عمرها ثلاث عشر ربيعا.

ـــ ليس مقنعاً أن يعرض معاون الخليفة الخلاص في الدنيا وفي الآخرة للمهمشين في مدن العالم الغربي. كان الأنسب أن يعرض عليهم العدالة الاجتماعية، والرفاهية المعيشية، والاعتبار الذاتي، والتشفي للظلم الاجتماعي والتمييز العرقي والديني. وهي ذات الدوافع التي جندته لتنظيم القاعدة ومن ثم لداعش.

“كل مؤمن بنا له الخلاص في الدنيا وفي الآخرة” ص. 432

ـــ ليس متسقاً أن يحرص معاون الخليفة ورجاله السفاحين على أداء الصلوات المكتوبة وحتى النوافل في مواقيتها، وهم لا يتورعون عن ارتكاب الكبائر وإتيان الموبقات وجز الرؤوس على وضوءٍ. ذلك “إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر”. ص. 440 ــــ448. يبدو أنّ هذا التناقض قصد به تجريم للفقه الداعشي.

ـــ ليس متسقاً أن يأكل عمَّار وأبو نورة التيس الجبلي وحدهما ويتجشآ عن شبع ولم يطعما أسرائهما كاجين سبية معاون الخليفة وعمها فراش المدرسة كامل وساعي البريد. ص. 448

ـــ ليس مثالياً أن يناجي معاون الخليفة سبيته المفضلة ويديها مقيدتين بالأصفاد داخل زنزانة، حتى إن كانت ترفضه. ص. 474

ـــ من المفارقة أنّ يكون ساعي البريد حمدين الذي ظل يرفد أهالي قرى سنجار بالكتب وشعل التنوير، يتخذ قسراً دليلاً للسواد المر لذات الشعاب، وقواداً للخراب والهلاك!.

ــــ “الحرب صبـــــــر واللقاء ثبات والمــــوت في شأن الإله حياة” ص. 426

هذا البيت من قصيدة لشاعر المهدية عبد الله البنا السوداني الجنسية، لا نظن أن معاون الخليفة قد سمع به، وكما لا نظن أن شهرة هذه القصيدة قد تخطت الأسوار لتصل الجاليات العربية في لندن أو المجاهدين في أفغانستان. هنا خلط بين ثقافة الراوي وثقافة معاون الخليفة سامي حمدان

وفقات عامة:

ـــ يفتخر البطل بانتصارات القاعدة في أفغانستان، وينفر منها، دون أن يوضح متى ولماذا انشق عنها!

” كونوا معنا وتجنبوا النصرة والقاعدة والسنة والشيعة” ص. 58

ـــ أشد ما يجذب الدواعش لدخول الجنة، المتعة بالحور العين. يصورهم الراوي على أنهم شهوانيين، هذا التصوير يتسق من سبيهم للنساء، خلافاً للجماعات الأصولية الأخرى.

“قفز منها رجل مهمل اللحية في جلبابه الأسود بقع طعام ومني وشراب.” ص. 135

” دماؤهم ونساؤهم وأموالهم حل لكم إن انتصرتم، وإن استشهدتم فلكم الحور ولكم الجنان” ص. 58،  الشيخ وهدان على وهدان متزوج من أربع نساء وهو مقيم في لندن، عراب بطل الرواية سامي حمدان. وكذلك صديقه أكمل الأفغاني صديق سامي حمدان، “نريد النساء سبايا والرجال أمواتاً.” ص. 141

ـــ ما وراء سطور الرواية، أنّ السواد ليس سواد الراية، أو سوداوية الأفعال ومرارتها فحسب، وإنما ظلامية الأفكار ومحاربة العلم والمعرفة ومنابع التنوير. إشارات ذلك تدمير معالم وآثار الحضارات الإنسانية، حرق مكتبة التحرير في الموصل، إصرار التلميذة كاجين على إخفاء كتاب نهروا في أهلك الظروف عن عيون الدواعش، وقراءة نصوص منها في أشد المواقف.

ـــ تفضح الرواية سوداوية الدواعش في غزوتها لليزيديين في جبال سنجار، ليس من أجل طرح فكرها عليهم، أو دعوتهم للإسلام الحق من وجهة نظرهم، وإنما من أجل سبي الصبايا الجميلات.

“من ضمن تلك الأوامر كان أمر الهجوم على قضاء سنجار واحتلاله وسبي النساء لبيعهن مع أوامر بإعدام الأهالي من الرجال.” ص. 95

ـــ لخّصت الرواية قبح السودان ومرارته في مشاهد سبي الصبية كاجين وزميلاتها تلميذات مدرسة أستيرا للبنات في جبال سنجار، ومقتل كلبها، ووالديها. الفصل العاشر.

ـــ لم يتمكن سامي حمدان التخلص من طيف زميلته وحبه الأول “دوروثي” وكأن تلك الانكسار العاطفي، هو المحرك لسوداويته الفكرية، ورغم ادعائه أنه يكره البيض، تمنى يوماً لو كان والديه إنجليزيان عيونيهما خضر.

ـــ مقارنة بين البطل سامي حمدان، والبطلة كاجين، كليهما وحيد أبويه، ومحبي القراءة والاطلاع، نحيفيّ البنية، واسعا العينين، البطل عينيه سوداوين افتراضا، والبطلة ذات العيون الخضر، والمقارنة بين عامر محمود وجيهان، صديقي البطلين الذين ماتا انتحارا.

ـــ المرارة ليست في سواد الدواعش فقط، وإنما في ماضي البطل سامي حمدان في لندن.

ـ”قسوة الماضي في إنجلترا، الماضي المر.” ص. 315

ــــ “العالم عندي عينان خضراوان وزغب نامٍ، إن هذا ليعدل حياتي وليفوق كل مجدي … لو أنك تفهمين.

هذه عقدة معاون الخليفة، الجميع بين خضرة العنين، وسواد الزغب، هذا يفوقان منصب معاون خليفة المسلمين. “وليفوق كل مجدي”.

ـــ يزداد البطل تعقيداً نفسياً بسبب رفض النساء له، وهو يعتقد أن حده ذكائه، وتفوقه الدراسي، ومنصبه الرفيع، يكفيان للنيل منهم متى وكيف أراد.

“أرق يلازمني منذ الصبا بسبب عينين خضراوين وزغب حي” ص. 331

ــــ الخاتمة

الهزيمة المتوقعة

” يبدو مشوشاً ضعيفاً متألماً من تجدد هزيمة غورت من جرح روحه الذي لا يندمل:

عينان خضراوان صرعتاه يافعاً والآن تعودان فتفعلان به الشيء نفسه” ص. 433

ليس مثالثاً أن تقتل سبية رجلاً مهيباً وهي ضعيفة البنية، مصفدة اليدين، داخل زنزانة لم تقتل ً شيئاً من قبل في حياتها. مشهد ختامي ضعيف، وغير مقتنع.

ـــ رغم مباشرة العنوان للمضمون، نرى أنّ العنوان المناسب لمحتوى الرواية، هو (سواد الكراهية) سيما وقد تكرر ذكر الكراهية مراراً، سيما في الفصل الأخير. ص. 476، ومن أمثلة التركيز على الكراهية:

“إنهم يكرهوننا”، “ونحن نكرههم”، «مقالة نقد طموح لكنها تنضح بالكراهية وتفيض بالحقد !» ص. 61، ” كانوا يُطلقون عليه: صائد العيون الخضراء، كان يكره تلك العيون أشد الكره، ويمقتها أشد المقت.” ص. 69، “من لم يكره الكفار فهو كافر” ص. 168، “«حد السكين يجعلهم يشعرون بمدى كرهكم لهم، يا أولاد إن لم نكره الأعداء فلن نحب أنفسنا” ص. 232.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق