سلايدرسياسة

من جيل الخيبات إلى جيل الثورات

أحمد الونزاني

كانت سنوات الثمانينيات حبلى بالقلاقل الاجتماعية، أدت إلى صعود نجم الإسلام السياسي و الحركي في آن واحد، فيما بدأ زمن  أفول اليسار العربي يتسارع بعد سقوط حصن النظام الشيوعي آنذاك : الإتحاد السوفيتي السابق و انهياره بصورة كاملة، و سقوط جدار برلين، و سقوط الأنظمة الشمولية في كل شرق أوروبا، ابتداء ب بولونيا و  انتهاء ب رومانيا .

كانت السودان على موعد تاريخي بتسلم جبهة الإنقاذ السودانية الحكم في البلاد بعد إزاحة و إسقاط نظام جعفر النميري. كما كادت انتفاضة الجياع أو الرغيف في مصر أن تطيح بالرئيس حسني مبارك في مصر، إلا أن الاجهزة الامنية تعاملت مع الانتفاضة الشعبية بقوة السلاح، لكن  الدولة في مصر استطاعت بعدها توفير رغيف الخبز للمصريين لتتفادى  الأسوأ في السنوات القادمة، كما أن الاحتقان السياسي و الاجتماعي بلغ مداه مع تعاظم قوة الفصيل الإسلامي، و مع تزايد نشاط الجماعة الإسلامية للدعوة و القتال في مصر، و الذي شكل أكبر تهديد للاقتصاد المصري، خصوصا ضرب قطاع السياحة بقوة.

كانت الجزائر، في امتحان لأول تجربة سياسية ديمقراطية على الإطلاق في العالم العربي، حيث فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالانتخابات المحلية و البرلمانية بنسبة كبيرة تؤهلها لحكم البلاد، لكن الإنقلاب على هذه التجربة كان محليا ودوليا و عربيا و افريقيا. فقد استطاع العسكر تقويض العملية السياسية و السيطرة على الحكم بقوة السلاح، عبر تصفية و قتل و نفي و سجن كثير من أعضاء و رجالات الجبهة الإسلامية للإنقاذ  و كثير من أبناء الشعب الجزائري الأحرار، كان الإقصاء و التصفية سلاح الثلة العسكرية المجرمة. أما في تونس فقد تم الانقلاب على بورقيبة و جيئ بنظام استبدادي بصيغة أمنية أكثر تشددا مع الحركات الإسلامية، و مع الهوية و اللغة.

أما في اليمن فقد كان الانقسام و الاقتتال. في سوريا الوضع يسير من السيء إلى الأسوأ، سياسيا و اقتصاديا، و كانت القبضة الأمنية في ظل الحكم الشمولي تزداد بطشا و جبروتا و لا أفق لأي إصلاح و لو بسيط. في لبنان الحرب الأهلية أكلت الأخضر و اليابس و زاد الطينة بلة احتلال الكيان الصهيوني للجنوب و مجازره التي لا تحصى، و آخرها و ليس أخيرها: صبرا و شاتيلا.

في العراق كانت الصورة مختلفة، تقدم صناعي و تكنولوجي و تقدم علمي في كل المجالات، نوع من الرفاه الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي، بالرغم من وجود نظام شمولي، لكنه كان وحدوي و غير طائفي و هذا جعله في مصاف الدول المتقدمة على الصعيد العالمي: قوة اقتصادية و رفاه اجتماعي و قوة عسكرية و تقدم علمي و تقني. بالرغم من ثمان سنوات من الحرب المفتعلة بين إيران والعراق.

كانت ليبيا الاستثناء الثاني من حيث الرفاه الاجتماعي، لكن لا تقدم علمي أو تكنولوجي يذكر. اقتصاد ريعي فقط يعتمد على مداخيل النفط والغاز في ظل نظام شمولي كذلك لكن بأفق ضيق و من غير رؤية تعتمد إعادة بناء و هيكلة الدولة على أسس صحيحة و الاستثمار في الإنسان و المعرفة. بل على العكس كان التضييق على الحريات و الفكر الأحادي هو القاعدة.

في بلادي، حكاية أخرى، الجفاف في كل شيء، سنوات عجاف اكلن الأخضر و اليابس، سنوات عجاف لا مطر و عجاف من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن بالرغم من ذلك ف العام زين. احتقان سياسي و اجتماعي و جفاف لا مطر، لكن العام زين. كانت سنوات إعادة الهيكلة قد عصفت بأحلام جيلين كاملين، بحيث سدت كل الأفق أمام الشباب: لا وظائف حكومية أو حتى وظائف في الإدارات العامة، لا وظائف خاصة لغياب الاستثمار الوطني و الأجنبي معا. كانت سنوات مست العطالة فيها كل العائلات المغربية. في هذه الظروف الصعبة و مع غياب أي حلول أو رؤية سياسية لإنقاذ البلاد، بدأت هواجس الهجرة غير الشرعية تراود كثير من الشباب بالخصوص و أنه تم فرض التأشيرة على دول شمال افريقيا بعد انضمام اسبانيا للاتحاد الأوروبي. كانت الوجهة المفضلة هي إيطاليا نظرا لخصوصية هذا البلد، و الذي كان في حاجة للعمالة الأجنبية و لاعتبارات إنسانية يتم استقبال المهاجرين دون أي مشاكل تذكر.

كان لسنوات الرصاص ظلال قاتمة على الحياة السياسية في البلاد، زيادة على تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي، لكن بالرغم من كل هذا ف العام زين، .

كان هذا هو الحال في الوطن العربي شرقا و غربا، و جاءت حرب الخليج الأولى لتزيد الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية كآبة و الأوضاع الإقليمية سوءا ،و تلقي بظلالها على المنطقة العربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق