ثقافة وفن

عبد المنعم عجب الفيا

قراءة في كتاب الشعر السوداني (الجزء الأول)

تقديم وعرض د. حامد فضل الله (برلين)

تعرفت على عبد المنعم للمرة الأولى، عند ما قرأت له منذ عدة سنوات، بحثا نقديا عميقا وضافيا عن الشاعر الراحل محمد عبد الحي في مجلة “كتابات سودانية”، التي كانت تصدر عن مركز الدراسات السودانية بالقاهرة، ومنذ ذلك الحين لم يفارق اسمه ذهني. لقد صدرتْ له العديد من الكتب لم أعثر عليها في مطبعة مدبولي بالقاهرة، فكان مدخلي له المجلات الاِلكترونية، خاصة سودا نايل، والراكوبة وأحيانا الحوار المتمدن. عبد المنعم ناقد أدبي متميز وباحث في الثقافة واللسانيات.

حمل لي البريد مظروفاً ضخماً، فتحت المظروف بشغف، وجدت فيه كتابين من الحجم المتوسط، الكتاب الأول في “الشعر السوداني”، والثاني “في نقد التفكيك”، لعبد المنعم عجب الفيا، لقد اعتبرتهما هدية عيد الأضحى المبارك (يوليو 2021)، من صديق أم درماني عزيز، فالهدايا نحصل عليها في العادة في عيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام ورأس السنة.

هذا المقال يتعرض بصورة مكثفة للكتاب الأول بعنوان: “الشعر السوداني، من مدرسة الاِحياء إلى قصيدة النثر، دراسة نقدية” الصادر عن دار مدارات للطباعة والنشر-الخرطوم. يضم الكتاب من القطع المتوسط (364 صفحة، الطبعة الأولى 2020 )، مقدمة وبابين و15 فصلاً وكل فصل يحتوي على عدة عناوين فرعية، وثم قائمة المراجع والمصادر.

جاء في المقدمة القصيرة “لو كانت هنالك ثورة في الثقافة العربية شبيهة بثورة كوبرنيكوس في علم الفلك، فهي الخروج على نظام القصيدة التقليدية التي ظلت متوارثة عبر الأجيال على مدى أكثر من ألف عام. وقد بدأت ارهاصات هذا الانقلاب بظهور ما سمي بـ “الشعر المنثور” … وغرض هذه الدراسة رسم خطوط عريضة لمسيرة وتحولات الشعر السوداني، من مدرسة الاِحياء مروراً بقصيدة وحدة التفعيلة وحتى قصيدة النثر، وهذا لا يكتمل إلا بالحديث عن ذلك في إطار منظومة الشعر العربي الحديث والقديم”.

الباب الأول

الفصل الأول: “الشعر العربي من التقليد إلى التجديد”.

“مع انفتاح العرب على الحضارة الغربية إثر حملة نابليون على الشام ومصر (1798 ــ 1801)، برز اتجاه إحياء الشعر العربي القديم من جانب شعراء بارزين في مصر، والسودان والعراق وسوريا وغيرهم من شعراء الأقطار العربية الأخرى، أن شعراء هذا الاتجاه النهضوي الاِحيائي العربي، لم يكونوا مجرد شعراء مقلدين، بل كانت لهم أصالتهم وشخصياتهم وفق متغيرات عصرهم”. ثم يتعرض الكاتب إلى المد الرومانتيكي وتجديد عمود الشعر، ويرى عكس كثيرين يظنون أن مدرسة (الديوان) بزعامة شكري والعقاد والمازني هي أول من رفع لواء التجديد في الشعر العربي الحديث، وإنما الشاعر اللبناني المجدد خليل مطران، وان كل مدارس التجديد اللاحقة، قد خرجت من عباءته. ويشير إلى دور الأديب والناقد السوداني معاوية محمد نور (1909 ــ 1941) في نقده للرومانتيكية وتطبيق نظريات الحداثة النقدية الأوروبية، على الشعر العربي آنذاك من خلال مقالاته في كبرى الصحف والمجلات المصرية الرائجة في ذلك الوقت. ويبرز عبد المنعم ما وجهه معاوية من نقد إلى شعراء الحركة الرومانتيكية العرب ومدى إدراك معاوية لضرورة التجديد ومدى استيعابه العميق والمبكر لتيارات الحداثة الشعرية.

الفصل الثاني: “قصيدة وحدة التفعيلة العربية

ويبدأ بالإشارة إلى نظام القصيدة العربية، الذي يقوم على وحدة البيت، ويتكون من شطرين ثم القافية والوزن ويعقد مقارنة بين الشعر العربي والشعر الأوروبي ويبرز خصائص كل منهما. وان شعر التفعيلة هو شعر موزون يلتزم بقواعد العروض الخليلية في بحوره المختلفة والكتابة على نظام الشطر الواحد على نسق الشعر الأوروبي. ويقول بأن الشاعرة العراقية نازك الملائكة، هي أول من حاولت التأسيس لقصيدة (التفعيلة)، ثم السياب، صلاح عبد الصبور، أحمد عبد المعطي حجازي وأخرين … وأطلقت عليه مصطلح (الشعر الحر) للشعر الجديد، قبل أن تتبنى بعد ذلك مصطلح (شعر التفعيلة ــ قصيدة التفعيلة. ويرى الكاتب، أن  صفة (شعر حر) و مصطلح (شعر مرسل)، لا ينطبقان على هذا الشعر، ولا مندوحة من الاكتفاء بـ (شعر التفعيلة) اسماً على هذا النوع من الشعر.

الفصل الثالث: “الخصائص الأسلوبية لقصيدة الحداثة

ويقصد بقصيدة الحداثة كل من قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، ويتحدث أولاً عن بعض الخواص الأسلوبية، التي تنتمي إلى قصيدة وحدة التفعيلة. مشيرا إلى ألفاظ ولغة الشعر، والايحاء وتوظيف الصورة والرمز في التعبير عن الرؤى والأفكار الشعرية بطريقة غير مباشرة. وتعرف هذه التقنية عند تي اس إليوت بـ “المعادل الموضوعي”، أي خلق صورة في الخارج تعادل الشعور الذاتي للشاعر. وتوظيف الأسطورة، كما استخدمها الشاعر السوداني محمد عبد الحي، بتوظيف أسطورة (السمندل). وكذلك من خصائص قصيدة الحداثة، الاقتباس والتضمين أو ما يعرف حديثاً بالتناص، الذي برع فيه الشاعر الفذ أمل دنقل. ويشير إلى نقطة هامة، بوجوب التمييز بين مفهوم الاقتباس عند نقاد وشعراء الحداثة، الذي يعني عملية الاقتباس الواعي التي يقوم بها الكاتب لتوظيف النصوص الأخرى، ومفهوم التناص عند منظري ما بعد الحداثة، الذين يعتبرون أن أي كتابة أدبية، هي إعادة كتابة لا واعية لكتابات سابقة، مما يعني نفي الذات ونفي الاِبداع وأصالة المبدع.   

الفصل الرابع: قصيدة النثر العربية

ونشير هنا باختصار إلى ما جاء عن خصائصها: الوحدة والكثافة، أي تجنب الاستطراد والايضاح والشرح، المجانية، بمعي بفكرة اللازمنية، أي لا تقدم نحو غاية أو هدف كالقصة أو الرواية، ويشير إلى أهم المنظرين، أدونيس وانس الحاج وللمنظرين الأوروبيين، والتفريق بين النثر الشعري وقصيدة النثر. أما نازك الملائكة فترفض (قصيدة النثر)، فهي ترفض كل شعر غير موزون مقفى، ويناصر عبد المنعم قصيدة النثر، بقوله “إذا استشهدنا برأي نازك الملائكة عن فضيلة الوزن في الشعر، فأننا لا نتفق معها في موقفها الرافض لقصيدة النثر”.

الباب الثاني

الفصل الأول: الشعر السوداني والاتجاه الاِحيائي

بعد استعراض موجز لتاريخ العربية في السودان، وهو أسبق على دخول الاِسلام، فقد ظلت القبائل العربية منتشرة في سهول وصحاري السودان الشمالي في ظل حكم الممالك النوبية المسيحية والتحالف مع قبيلة (الفونج) إحدى المجموعات الأفريقية الأصلية وتأسيس المملكة الاِسلامية الآفروعربية التي حكمت  معظم أقاليم السودان الشمالي حتى الغزو التركي المصري للسودان بزعامة أسرة محمد علي باشا في 1821 م. ثم يشير إلى مدرسة الاِحياء في الشعر السوداني، والتطورات التي حدثت في المجتمع السوداني مع بداية العهد الاِنجليزي – المصري، وإدخال نظام التعليم المدني والتأثر بمدرسة الاِحياء في مصر، وبشعر شوقي وحافظ وعلي الجارم. ومن أبرز شعراء مدرسة الاِحياء السودانية: عبد الله محمد عمر البنا ومحمد سعيد العباسي وعبد الله عبد الرحمن الضرير وأحمد محمد صالح ومدثر البوشي وتوفيق صالح جبريل وأخرين، لقد حافظوا على أغراض القصيدة القديمة، ويقدم نمازج جيدة من دواوين الشعراء، عبد الله محمد عمر البنا ومحمد سعيد العباسي واحمد محمد صالح.

الفصل الثاني: بدايات التجديد في الشعر السوداني

بدأت معركة التجديد عندما فتحت جريدة (حضارة السودان) صفحاتها للأدباء والنقاد، والهجوم الكاسح للناقد الشاب الأمين علي مدني، واصفا الشعر السوداني بالجمود والتخلف والتقليد وغياب روح التجديد، ثم الاِشارة إلى الشاعر والناقد المجدد حمزة الملك طمبل والتأسيس للسودانوية، وقد كان جريئاً في طرح آرائه وأفكاره التجديدية، ودعوته إلى أدب سوداني يحمل مكونات الاِنسان السوداني وخصائصه الثقافية والاجتماعية والجغرافية والتاريخية. والهجوم الذي تعرض إليه من الناقد عبد القدوس الخاتم، وقد تعجب عبد المنعم كيف لا يدرك عبد القدوس الخاتم كناقد طليعي، القيمية التجديدية والتأسيسية لحمزة الملك طمبل. ويشير إلى مقالات محمد عشري الصديق ووضعه الاِطار النظري الذي قامت عليه النهضة الأدبية السودانية في ثلاثينيات القرن الماضي، وحماس محمد أحمد محجوب إلى هذه الفكرة، والتي اصبحت محور اهتمامه الأدبي والنقدي والفكري، ويمكن القول بأن الدافع الأول لقيام جماعة مجلتي النهضة والفجر، هو تأسيس لأدب قومي سوداني. ويختتم الكاتب هذا الفصل ــ الذي أتسم بنقاش موضوعي وتخلله هجوم صارخ احياناً ــ  بكلمات مضيئة “علينا إذاً أن نقرأ تاريخ بلادنا الأدبي والثقافي والفكري في كليته وتكامله الديالكتيكي الصاعد المنفتح، وألا ننظر إليه كجزر منعزلة لا رابط بينها، أو كنبت منبت بلا أصل ولا جذور. وعلينا أن نتخلى عن عقلية: إثبات وجودي رهين بأقصاء ومحو الآخر. فهذه نظرة عدمية غير علمية وغير تاريخية وغير واقعية، لا تفضي إلى شيء”.

الفصل الثالث: التجاني يوسف بشير

يقدم الكاتب دراسة نقدية وافية (71 صفحة) وعميقة، مستعرضا مسار هذا الشاعر العظيم، الذي أختطفه الموت مبكراً، تاريخ أسرته والتحاقه بالمعهد العلمي الديني بأم درمان، ثم مفهومه للشعر، الذي عبر عنه في حفنة من المقالات الأدبية والنقدية والثقافية بالصحف والمجلات، وشارحا بنية القصيدة وموسيقى الشعر، ويمزج التجاني في شعره بين الرومانتيكية كما نجدها عند كبار الشعراء الغربيين، وبين الصوفية العرفانية في تجلياتها الاسلامية عند الغزالي وابن عربي وعبد الغني النابلسي والسهروردي. ونزعته الانسانوية. ويستشهد بالعديد من قصائده ومشتبكا مع نقاده مثل د. عبد المجيد عابدين، د. محمد عبد الحي، ومحمد محمد علي. ويرى عبد المنعم،  بأن التجاني تأثر بالشاعر التجديدي حمزة الملك طمبل، عندما يقارن عناوين قصائده وبرؤاه الشعرية، وبأسلوبه وموسيقاه وقوافيه المقيدة (الساكنة). ويشير إلى جناية المطابع على ديوان إشراقة منذ صدور طبعته الأولى، أغلاط مطبعية كثيرة لا يمكن للغة الشعر وموسيقاه التسامح فيها أبداً، ويشير بأن الباحث والناقد النابه د. عبد الله علي إبراهيم، قد تنبه وأشار إلى هذه الأخطاء أيضاً.

الفصل الرابع: النهضة الأدبية والفكرية في السودان.

ونشير هنا باختصار شديد: بدأ المشروع النهضوي بسلسلة مقالات طمبل بعنوان (الأدب السوداني وما يجب أن يكون عليه) بجريدة (الحضارة) السودانية في غضون العام 1927، ثم تكوين جماعة مجلتي النهضة والفجر (أولاد الموردة وجماعة أبي روف) وظهور الكتاب الذين شملت كتاباتهم وبحوثهم مختلف فروع المعرفة من الفلسفة وعلم النفس والاجتماع والتاريخ إلى الأدب والنقد والشعر والقصة والإشارة من جديد لمعاوية محمد نور كمثقف عضوي.

(يتبع)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق