ثقافة وفن

أديب الدعاية المزيفة

سعدية  مفرح

هل تكمن قيمة الإبداع بذاته وحسب؟ أم أن العوامل الخارجية الإضافية قد تُعلي من قيمته الأولية؟ وهل على المبدع أن يكتفي بدوره في الإبداع وحسب، أم أن من المستحسن أن يعمل لاحقا على تسويق إبداعاته وكتاباته باعتبار ذلك جزءا من العملية الإبداعية نفسها؟ هل يتأثّر القارئ بماكينة الدعاية والإعلان في ما يتعلق بقراءته هذه القراءات وتقييمها؟ وهل يتكرّر ذلك التأثر لاحقا إن نجح في المرة الأولى؟

أسئلة على هامش سلوكيات انتشرت في الآونة الأخيرة، تساوقا مع الاهتمام بمعارض الكتب وحفلات التوقيع وصعود نجم وسائل التواصل الاجتماعي ومنصّات النشر الفردية. وهكذا أصبحنا نرى مبالغة بعض أدباء هذه الأيام في الحفاوة بأعمالهم وكتبهم، معتمدين في ذلك على ما يملكونه من شبكة علاقاتٍ عامة، بالإضافة إلى نفوذ رسمي مستمد من وظيفة عامة أو منصب أو وضع اجتماعي أو سياسي، فيبادرون إلى استغلال كل ما يملكونه من علاقاتٍ ونفوذ، لتجييرها لصالح الدعاية المجانية لأعمالهم. ولو كانت تلك الأعمال تستحق تلك الدعاية وذلك الانتشار، لرأينا في ما يفعلونه سلوكا يبعث على النفور من أعمالهم الجميلة، فماذا لو كانت تلك الأعمال رديئة القيمة فعلا؟

من المناسب إذن أن نذكر مجدّدا أن الموهبة الحقيقية لا تخفى على أحد، والكاتب الحقيقي لا يحتاج الى هذا النوع من السلوك الدعائي المزيف والرخيص، لينفذ به إلى القارئ. ثم إن القارئ ليس بهذا الغباء المفترض من هذا النوع من الكتاب الذين قضوا أعمارهم الكتابية تقريبا في محاولة صناعة هالة نجاحٍ حولهم، بعد أن أعيتهم مواهبهم الناقصة، وخذلتهم آراء القرّاء والنقاد الحقيقيين في ما يكتبون وينشرون، كتابة بعد كتابة ورواية بعد رواية.

وعلى سبيل المثال، والأمثلة على هذا الصعيد كثيرة، لاحظت، وكثيرون لاحظوا معي، أخيرا، الخطة البائسة التي نفذها أحد الروائيين الكبار عمرا لترويج واحدة من رواياته الأكثر بؤسا، بطرائق أغلبها رخيصٌ ومفتعلٌ ومكشوفٌ، وبعضها غير أخلاقي، حتى أنه اعتدى بجرأةٍ غير مسبوقة على مواقف اعتبارية لغيره من الروائيين الكبار والصغار عمرا، ليحتلها بمجرّد أنه امتلك نفوذا ساعدة على تنفيذ خطته التي نجح من خلالها بترويج روايته إعلاميا واجتماعيا، ليبدو فرحا بذلك البريق السريع والذي لم يلامس، حتى الآن، وجدان القارئ المحترف، ولا غير المحترف. وبغض النظر عن الأسباب التي دعته إلى ذلك، وجعلته يستسلم لفكرة النجاح الرخيص والسريع، فإن ما قام به، ونتيجة لإلحاح فيه ومهارته في تنفيذ خطواته، قد يشجّع آخرين من الشباب الموهوبين المقبلين على النشر فيقلدونه، ما يجعلهم ينشغلون عن تجويد كتاباتهم، والاعتماد بدلا من ذلك على ابتكار خطط تسويقية، تتكئ على معلوماتٍ مزيفة. وبعيدا عن الأسباب التي دعته إلى ذلك، وجعلته يستسلم لفكرة النجاح الرخيص والسريع، فإن ما قام به، ونتيجة إلحاحٍ فيه ومهارته في تنفيذ خطواته قد يشجع آخرين من الشباب الموهوبين المقبلين على النشر فيقلدونه، ما يجعلهم ينشغلون عن تجويد كتاباتهم، والاعتماد، بدلا من ذلك، على ابتكار خطط تسويقية، تتكئ على معلوماتٍ مزيفة وادّعاءات كاذبة، أو على الاقل مبالغ فيها جدا، وإن كانت تقبل من قبل الآخرين نقادا ومؤرخي أدب وقرّاء، فإنها لا تقبل من الأديب نفسه.

ما يقوم به هذا الأديب المدّعي لا يضرّ سمعته الشخصية أو الإبداعية على المدى البعيد وحسب، بل يضرّ التاريخ الأدبي كله في المنطقة التي تتحرّك فيها ماكينته الإعلامية المزيفة… وهذه مناسبة لتوكيد قوة الموهبة وقيمة الإبداع، ومكانة الكلمة في تاريخ الكتابة كله.

(٭ نقلًا عن العربي الجديد)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق