آراء

كورونا … طاعون العصر؟!

د. منى الخيّال

m.alkhayal@skopholding.com

ماذا يعني أن تعلن منظمة الصحة العالمية بالأمس (الأربعاء الحادي عشر من شهر مارس) أن فيروس كورونا أضحىوباءعالميا. كلنا على علم يا أحباب بما يطرق الأبواب هذه الأيّام من هلع وزعر، من كرّ وفرّ، من تخبط وتسارع في التدابير والتعابير، وكل حكومات العالم ليس لها إلا هدف واحد: أن توقف الزحف الصحراوي لهذا الفيروس الفتّاك! ربما يتساءل المرء منّا وتطرأ عقله المتدبر علامات استفهام عدّة: أنحن أمام طاعون العصر؟ هل البشرية في طريقها للانقراض؟ لا سيما وأننا ندرك أن الفيروس يشابه في مورفولوجيته وخَلِيقته أخيه الماثل في ثوب فيروس الإيدز. أسئلة كثيرة تتطاير وتَتَطَيّر وتَطِير عبر الأسير وفي حدقات القلوب وأنواء الذِّكَر

كلنا واقفون أمام حقيقة مرّة ونرى أن المرض لا يزال يستشري في اضطراد مذهل بمختلف بقاع العالم مادّاً ذراعيه، قاضيا على كل أخضر ويابس بين الأمم. ونرى الناس تتسابق كالنمل في مدننا الكبيرة، الدمّام، الرياض وجدّة  إلى الحوانيت والمحال التجارية لشراء المعلبات والمواد الناشفة فامتلأت بهم وبها آلاف السوبرماركت وكأن يوم الحشر قد أتى أو قاب قوسين أو أدنى، نعم، يوم يفرّ المرء، بسبب الخوف المتفاقم، من  أخيه، أمِّه وأبيه وصاحبته وبنيه، حسبي الله، يوم كورونا أهو يوم الحشر الدنيويّ؟

إن طاعون العصر يا أحباب لعين، فهو صلب صلد كالحجر، يتفشى ويتنفس الصعداء في كل لمحة ونفس، بات وباء مستشري وأعلنت لذلك منظمة الصحة العالمية أنه جبّار لم يتمكن العلماء إلى الآن من السيطرة على فتكهِ، إذ تضاعفت في الأسبوعين الأخيرين أعداد الإصابات خارج الصين بثلاثة عشرة مرّة ونيّف وبطبيعة الحال يتضاعف عدد البلدان التي أرسى بها خيوله، يُمنِي نفسه أن يبني بها بيتا وخيمة. فعندما نسأل ما هي الأعداد الصحيحة، يقولون: العلم عند الله! لأن ما خُفِي أعظم وأضعف الإيمانحسب المنظمة المذكورة أعلاهأن الإصابات تبلغ في مختلف أنحاء العالم حوالي مائة وست وعشرون ألف حالة، والحقيقة المخفيّة والمختفية لا يعلمها إلا علّام الغيوب، على كل في نفس الوقت ازداد عدد الوفيّات وفاق الأربعة آلاف حالة ونيّف. فالطاعون يمشي بل يعدو بخطى ثابتة، فعلينا أن نعي الأمر ونؤمن أنفسنا منه.

إن كورونا، هذا المارد الغشيم، يا أيّها الأحباب ليس وليد اللحظة أو وليد اليوم أو قل ابن الأسابيع الماضية فحسب، فعندما نتدبر محيطنا الصغير بحكمة وتمعن ونرنوا لمن وما حولنا بصبر الثواني الخمس الضائعات، نجد كورونا يَمثُل في لباس الظلم والاضطهاد، فقد فتك بعباد الله في كل البريّة، نعم، نَسفَ بديناميته على كل أولئك الذين قضوا نحبهم في سبيل الله دون أن يغترفوا إثما يذكر. فلنفتح أعيننا جميعا، وأنا الأولى بينكم أحبتي، وأن نرى بأُمِّ حدقاتنا ما وماذا يجري في عالمنا العربي الصغير ومحيط عالمنا الكبير، ألم تكن كورونا أصلا موجودة على شاكلات أخرى؟ ألم تفتك، تقتل، تسلب، تغتصب وتدمّر وتزجّ بالناس في العراء، دون مأوى، دون مرقد، دون لقمة عيشة تسد الرمق؟ كورونا الطاعون، كورونا المارد اللعين قد ولد منذ الأذل وهو لا يفتأ يتجدد بنا ومعنا وفينا، أفي أنفسنا أفلا نُبصر؟!

الحقيقة يا أحباب أننا جميعنا معرضون لهذا الطاعون الخطير، لم ولن يقتصر زحفه على دول العالم الثالث كما ندّعي ويدعي الاعتقاد الشعبيّ، ضاربين المثل حينما انطلقت عدوى مرض الإيبولا وأمراض أخرى معديّة. هذا الطاعون يعاملنا يا أحبتي كما يعامل النّاس يوم الحشر. أقصد: إنه لا يفرق بين فقير وغني، بين كبير القوم وصغيرهم، بين الأمير والخفير، بين النائب والراهب، إذ يدق بعصاه كل الأحجار، الكريمة منها والبخسة، أفلا تتدبرون.

ليس لدينا منى ولا سلوى في المحال أو نجوى بجواهر الخيال إلا أن نقول نور على الدينا بنور الله ذاكرين: (قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا). إن الإيمان الحق يا أحبتي يتمخض في ألا نرمي بأنفسنا إلى التهلكة، وأن نتخذ التدابير الجادة التي هي بين أيدينا، وأن نعرّف من حلونا، بالمصيبة التي ربما لا يدركون أبعادها، عبر التوعية المستقيمة والمستدامة، تلك التي لا تفرق بين الطبقات والأجناس والهويّات، فالفقراء في المملكة لا يمتلكون نواصي وسائل التواصل الاجتماعي المتاحة لنا، فعلينانحنأن نصل إليهم بكل السبل وأن نعبرَ كل الطرق، نحجّ إليهم ونطوف بهم وأن نلتمس الجرح على أحجارهم السوداء وأن نريهم مقام إبراهيم الخليل كأخلاء لهم إذ قال الله اجعل هذا البلد آمنا. وفي نهاية المطاف: (قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله).

اللهم أحمينا واحمي الإنسانية من هذا الطاعون الجبار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق