ثقافة وفن

مدائن المعرفة

ماذا نعرف عن الفلسفة؟

بقلم: خديجة منصور

لقد صارعت الفلسفة من أجل بناء صرح معرفي متين، وكسرت كل الآليات التي تظلل مسارها وعملت على إيضاح مقاصد الفكر الفلسفي، فرغم اختلاف أساليب التعبير يبقى الهدف الأسمى الوصول إلى العمق الفلسفي.

هذا العمق يجعلنا نقف عند الحضارة اليونانية التي تربت في كنفها الفلسفة حيث ارتبطت بالتفكير في الوجود الإنساني، أي بالمعنى الأرسطي في الأسس الأولى والإنسان تتولد لديه عدة تساؤلات ،أهمها “ماهية الوجود” ،فالمجتمع اليوناني ساهم في بلورة الفكر الفلسفي و القطع مع الأسطورة “الميتوس”، ليصل العقل “اللوغوس” ذروته مع الفلاسفة القدامى هؤلاء أعادوا الاعتبار للتفكير العقلاني، وانطلقوا من موضوع التفكير في الإنسان هذا الكائن الاجتماعي الذي يعيش في مجتمع منظم وفق قوانين ،وهنا نستحضر الفيلسوف أرسطو الذي اعتبر أن الإنسان حيوان سياسي ،بالنظر إلى اهتمام اليونان   بالسياسة باعتبارها مجموعة من القوانين المتحكمة في العلاقات داخل المجتمع ،يتأسس من خلالها الدستور من هنا نتساءل كيف يتشكل القانون ؟

يمثل القانون عصب الحياة الإنسانية، منذ العصور القديمة، عندما ركن الإنسان إلى الزراعة والاجتماع (التجمعات البشرية)، ظهرت صراعات حول الأرض والماء، فرضت على الإنسان سن قوانين عرفية لتنظيم العلاقات الإنسانية. وقد كانت الحضارة الأشورية بقيادة “حمو رابي” أول من وضع القانون ببلاد الرافدين حيث كان السوماريون يوثقون بيوعهم على الجدران.

وبظهور مفهوم الدولة بالحضارة اليونانية القديمة، برزت دساتير وأنظمة الحكم المختلفة أعطت الحق للمواطن بالمشاركة في شؤون المدينة بساحة “Agora”، إذن فهناك انسجام وروح جماعية سادت المجتمع اليوناني، فكان لتأسيس الفكر الفلسفي نحت مفاهيم جديدة كالعدل، الحرية، الديمقراطية، إذ ساهمت كمبادئ أساسية لدسترة أنظمة الحكم. وللقطع مع الأنظمة الفاسدة، فبعد اكتساح النظام الثيوقراطي بعض الحضارات (الفرعونية، اليهودية) عمل اليونان على القطع مع هذا النوع الأنظمة.

أما في العصر الوسيط فقد عاشت أوروبا “عصر الظلام “حيث كانت السيطرة للكنيسة ، وظلت أنظمة الحكم  معطلة ،وسرعان ما ستتغير الأوضاع بظهور فلسفة الأنوار، التي كانت بمثابة رافعة للحياة السياسية والاجتماعية الجديدة مع فلسفة العقد الاجتماعي جون لوك وروسو وتومس هوبز ،وروح القوانين مع مونتسكيو توجت بأجرة دساتير جديدة لتنظيم العلاقة بين الحاكم و المحكوم ،تفعلت على أرض الواقع في الثورة الفرنسية سنة 1789 و بالتالي ظهور الأنظمة الجمهورية إلى جانب الملكية وظلت هذه الدساتير تعرف تحولات جذرية بين الظروف السياسية و الاقتصادية والاجتماعية التي سادت أوروبا خلال القرنين 19و20، إذن فإعادة تأسيس الدساتير جديدة رهين بتحولات اقتصادية و اجتماعية وسياسية ومدى فعالية النخب الثقافية والسياسية ،ولعل عصر النهضة وعصر الأنوار خير دليل، فانتفاضات الشعوب والثورات التي شهدها ولازال العالم (الحرب العالمية الربيع العربي) ما هي إلا أساليب لإعادة تعديل الدساتير في ظل التفاوت الطبقي وتدخل الرأسمالية في الحكم وغيرها، فالشعوب تطمح لدستور عادل يساوي بين جميع الطبقات.

فاختياري لمفهوم الدستور لم يأت عبثا بل جاء في سياق تاريخي من خلال ما تعيشه الظرفية العالمية، وهو ما يعتبر الركيزة الأولى في مؤسسات الدول لهذا فهدف هذا البحث استخراج القواعد الأساسية في تأسيس الدستور من خلال الفكر السياسي الأرسطي، وما حققه هذا الفيلسوف في نظريته للدولة والدستور، فهو أكثر الفلاسفة استقطابا للدراسة ومرجعا أساسيا في الفكر السياسي. وعن الأسباب التي حفزتني لمحاولة انجاز هذا البحث هناك أسباب موضوعية وذاتية:

فالأسباب الموضوعية تتجلى في كونه أسس لفكر فلسفي خاص به ولأفكار ونظريات استمد منها الفكر الغربي والعربي مقوماته في مجالات مختلفة (المنطق الموسيقى، الشعر السياسة).

أما عن الأسباب الذاتية فإعجابي بهذا الفيلسوف المبدع وبآرائه في السياسة والأخلاق واهتمامي بتاريخ الفكر اليوناني لأنه القاعدة الأساسية للتحليق في عالم الفلسفة كما تكمن الأهمية البارزة لهذا البحث في إلقاء الضوء على الظروف التاريخية التي أحاطت بالمجتمع اليوناني من خلال تأسيس الدستور.

أما الإشكالية الرئيسية التي سنحاول تناولها في هذا البحث هي: ما الأسس التي اعتمدها أرسطو لتأسيس الدستور؟

وفي محاولة منا للإجابة عن هذه الإشكالية وقفنا على عدة محطات تاريخية وسياسية واجتماعية وعلى منهجه الأساسي في نشأة الدولة والدستور من خلال الاستعانة بكتاب أرسطو “السياسيات „، وقد جزأت البحث إلى فصلين مهمين، الفصل الأول مجزأ إلى محورين: الأول لمحة تاريخية والثاني فلسفة أرسطو وتجلياتها على الجانب السياسي.

أما الفصل الثاني: فهو كذلك يضم محورين الأول قدمت عرض موجز لنشأة الدولة عند أفلاطون وبعدها أرسطو، وكان الهدف الوقوف على مفهوم الدولة والقيم التي تتأسس عليها، المحور الثاني يناقش مفهوم الدستور وأهم ما جاء فيه وأنظمة الحكم السياسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق