سياسة

في تعميق مفهوم التفكيك

د. وجدي كامل

يثبت حاليا، وبما لا يدع مجالا للشك صحة كافة المواقف النقدية الراديكالية التي نشأت، وقامت تجاه اللجنة العسكرية الامنية بعدم جدوى الشراكة معها.  لقد ثبت ان الشراكة لم تكن أكثر من اهدار، وضياع وقت كان عزيزا ومهما تورطت في انتاجه قوى سياسية للتغيير يمكن وصفها بعدم حرارة استجاباتها لنبض الثورة ومستحقاتها بان ظلت محدودة القدرات في صلتها بنظرية ورؤيا الثورة وواجبات الهيكلة اللازمة. فمن ضمن ما اورثتنا له الحاضنة الاصل، والحاضنة المحدثة ازمات تكاد نيرانها تلتهم فضاء السياسية والاقتصاد بعدم عملها واشتغالها بأسس التفكير النظري الثوري المطلوب لتصفية الانقاذ.  ان تفكيك سياسات الانقاذ واستراتيجياتها الامنوقراطية، كما نقد عقلها هو ما كان ينتظر، ويظل ينتظر لجنة التفكيك بتواز مطلوب مع لجان (التفكيك) العلمية والثقافية التي لم تنتبه لأهميتها الحرية والتغيير في تنسيقتاها ومركزها.  تلك واحدة من اوضح الاخطاء السياسية المرتكبة، والمربكة بمرحلة ما بعد الثورة للانتقال السياسي والحكم المدني التنفيذي.

فعدم تضمين مهام التفكيك الثقافي والاعلامي ادى لديمومة المرض المزمن، والداء العضال ببقاء الانقاذ بكل ابنيتها الادارية والتنفيذية. وما كان ليحدث ذلك لولا استمرار موقف القطيعة والنبذ، والاستبعاد للمفككينً العلميين والثقافيين والاعلاميين وكل قوى التفكير النقدي التي تحتاجها عملية تفكيك الظلام السياسي العام الذي ليس بكاف مواجهته بلجنة تفكيك واحدة ذات طابع سياسي واقتصادي فقط. لقد ثبت ان ذلك سوف لن يؤدي الى دحر ومكافحة التفكير الامنوقراطي والاستبدادي الذي يحيق بالثورة ويتربص بها ويعمل جاهدا على افشالها وقطع طريقها. نتوقع، لقد كان مهما ان يتم إطلاق التفكير وتأسيس مراكزه التفكيكية الاخرى من ثقافيين واعلاميين وأكاديميين وفكريين يعملون لتصفية الميراث المعرفي للاتجار بالدين وتوريطه بالسياسة وتوريط السياسة فيه. فالإنقاذ أكثر من غول سياسي واقتصادي. انها غول اجتماعي وثقافي واعلامي بامتياز ايضا وتستدعي بذل النضال دون هوادة لأجل تحرير العقول والثقافة من خزعبلات وأساطير استطاعت ترسيخها ونشرها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاعلامية بحيث لا يمكن فصل هذا عن ذاك. فالكوزنة غدت ظاهرة تكتسح وعى الناس دون ان يستطيعوا اكتشافها والتمكن من قراءة ما بين سطورها فئ مسلكهم العام. وما من مهمة مقدسة دونها خرط القتاد اصبحت امام الجميع سوى مكافحة الوعي الضال والضار بثورته عن طريق تفكيك الثقافة وهيكلة الاعلام بغرض انتاج وتفعيل خطاباتها.  الانقاذ لم تكن تمكيننا سياسيا واقتصاديا فقط، بل ثقافيا وإعلاميا موازيا ومنتجا لمحتوى الوعي المؤيد لها ولبقائها مما يستدعى قيام الهيئة الشعبية والاهلية لإنتاج وترسيخ ثقافة الديمقراطية. فالقيام بذلك سيعني الكثير، والمزيد من التحرر وتحرير محتوى الوعي للمجتمعات السودانية في معركة التنمية. ومن اهم معلومات تلك المعركة انها معركة ستكون في غاية الخشونة والتعقيد إذ انها ستستهدف انهاء سلطة ثقافة الاتجار بالدين ومؤسساته الاجتماعية مما سيثير فزع مصالحها التاريخية ويجعلها تتشبث بالسلاح والقتل احيانا للمحافظة على الدولة الريعية ومحاولة اعادة اقتسامها على نحو مستمر ومتناسخ.  الدولة الريعية بدورتها الخبيثة لن تستسلم، والثقافة الريعية ستقاوم بما ما تملك لإعاقة التغيير وتبديل المعادلة لصالح الثورة. ولكن فالقوة الثورية الموازية يصبح عليها المواظبة دونما هدنة او تهاون للدفع التفكيكي بتكتيكات متعددة، متنوعة الاشكال، والاساليب ومنها العمل بالتفكيك الثقافي والاعلامي والاجتماعي لظاهرة السحق والتنمية المضادة للتنمية. فالتفكيك الثقافي والاعلامي يلعبان الدور المفتاحي للتغيير وهما ركيزته وعماده بما يوفرانه من خدمات تصب بصفة مباشرة في مهمة هيكلة وصناعة الوعي الجديد، والدولة المغايرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق