
المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية والطموح المناخي الرفيع المستوى
محمد بنعبو
يعتبر التغير المناخي فرصة اقتصادية للأفراد والمجتمعات وللقطاعين العام والخاص لنهج سلوكيات التخفيف والتكيف مع حدة الظواهر المناخية المتطرفة، وفي هذا السياق أطلقت المملكة العربية السعودية مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي يرجى منها خلق وظائف نوعية وتعزيز الابتكار في المنطقة، مبادرة خضراء تأتي قبل أيام من انعقاد قمة مجموعة العشرين في روما، وتسبق أيضا مؤتمر الأطراف السادس والعشرين للمناخ في غلاسكو وتأتي مباشرة بعد إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة الحياد الكربوني في أفق 2050، مبادرة تهدف إلى رسم خريطة إقليمية لحفظ الحياة ورفع جودتها في المنطقة في بادرة تقدمها المملكة العربية السعودية لصنع الفارق العالمي في حفظ الطبيعة والإنسان والحيوان ومواجهة تحديات التغير المناخي، مبادرة عربية بطابع عالمي لتنسيق الجهود تجاه حماية البيئة ومواجهة التغير المناخي، ولوضع خارطة طريق لتقليل الانبعاثات الكربونية في المنطقة بأكثر من عشرة بالمائة من الإسهامات العالمية، وزراعة خمسين مليار شجرة في المنطقة، وفق برنامج يعد أكبر برامج زراعة الأشجار في العالم، ويساهم في تحقيق نسبة خمسة بالمائة من المستهدف العالمي للتشجير، مبادرة عربية تسعى إلى إنشاء منصة تعاون لتطبيق مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، وتأسيس مركز إقليمي للتغير المناخي، وإنشاء مجمع إقليمي لاستخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه، وتأسيس مركز إقليمي للإنذار المبكر بالعواصف، وتأسيس مركز إقليمي للتنمية المستدامة للثروة السمكية، وإنشاء برنامج إقليمي لاستمطار السحب، تأسيس صندوق للاستثمار في حلول تقنيات الاقتصاد الدائري للكربون في المنطقة، في أفق خلق مبادرة عالمية تساهم في تقديم حلول الوقود النظيف لتوفير الغذاء، لأكثر من 750 مليون شخص بالعالم وتأسيس مؤسسة المبادرة الخضراء لدعم أعمال القمة.
تنطلق اليوم قمة المناخ في نسختها السادسة والعشرون بغلاسكو بالمملكة المتحدة، في حضور قوي للولايات المتحدة الأمريكية وفي غياب محتمل للتنين الصيني والدب الروسي، قمة من المرتقب أن تعطي فيها هيئة الأمم المتحدة تجسيدا لاتفاقية باريس نظرة عامة على ما يمكن أن يجعله ممكنًا لإنجاحه، حيث فبعد مرور خمس سنوات سيتعين على القادة قبل كل شيء أن يظهروا أنهم يوفون بوعدهم بالحفاظ على الاحترار العالمي “أقل بكثير من 2 درجة مئوية” مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، حيث يبقى الهدف من اتفاق باريس جرد المساهمات المحددة وطنيا على اعتبارها خارطة الطريق المناخية التي يجب على البلدان تحديثها كل خمس سنوات على الأقل، ومع ذلك فإن هذه تشكل كما هي “تذكرة ذهاب فقط إلى كارثة” حسب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ففي تقرير نشر يوم الثلاثاء أشارت هيئة الأمم المتحدة إلى أن 121 فقط من 191 طرف موقع على اتفاق باريس قاموا بتحديث المساهمات المحددة وطنيا، مما وضع الكوكب على مسار + 2.7 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، هذه المساهمات المحددة وطنيا الجديدة التي سيتم تقديمها خاصة من قبل أكبر المصدرين سيتم فحصها عن كثب في حين أن التوقيف لا يزال كليا من جانب الصين أو الهند أو تركيا أو المملكة العربية السعودية، بينما ينتظر أن تشكل قمة مجموعة العشرين المجتمعة يوم أمس السبت 30 أكتوبر 2021 بالعاصمة الإيطالية روما دفعة قوية لقمة غلاسكو، قمة تبرز أن أغنى 20 دولة وحدها مسؤولة عن 80٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، حيث إن الإعلان عن تدابير طموحة من شأنه أن يضع مؤتمر الأطراف على المسار الصحيح، موضوع مهم جدا سيتم طرحه على طاولة المفاوضات في قمة غلاسكو ألا وهو حشد التمويل العام والخاص لمساعدة بلدان الجنوب على التكيف مع تغير المناخ، بلدان الجنوب التي ستأتي إلى مؤتمر الأطراف وهي تشعر بالاشمئزاز من الافتقار إلى التضامن الدولي في حين أن العديد من الوفود واجهت كل المتاعب في العالم لتقديم برنامج متكامل، وفي هذا السياق فإن تحويل 100 مليار دولار سنويا بين عامي 2020 و 2025 الموعود منذ أكثر من عشر سنوات هو وعد محفوف بالمخاطر كما حذر رئيس مؤتمر الأطراف ألوك شارما خلال خطابه إلى منظمة اليونسكو في 12 أكتوبر الأخير حيث تظهر أحدث التقييمات أنه لن يتم الوصول إلى الهدف حتى عام 2023، بينما سيتم تكليف المفاوضين بمناقشة النقاط الفنية ولكن الحاسمة في اتفاقية باريس مثل إنشاء سوق عالمية للكربون والتي من شأنها أن تسمح للبلدان بتداول حصص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ومن أجل حماية المنظومات البيئية الهشة الساحلية منها والجبلية والواحات، آخذا بعين الاعتبار اتفاق باريس التاريخي للمناخ تم تحديث المساهمات المحددة وطنيا في المغرب كجزء من نهج تشاركي رفع المغرب من درجة طموحه المناخي بنسبة 45.5٪ بعدما كانت المملكة المغربية قد التزمت قبيل تنظيم المؤتمر الثاني والعشرين للأطراف حول المناخ في مراكش بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2030 بنسبة 42٪ والتي كان هدفها غير المشروط 17٪، مع تنزيل أهداف تكيف استراتيجية لقطاعات المياه والزراعة ومصايد الأسماك وتربية الأسماك والغابات وتخطيط استخدام الأراضي والإدارة الحضرية والصحة،ويغطي مشروع المساهمات المحددة وطنيا 61 مشروعا لتخفيف حدة التغيرات المناخية، 27 منها مشروطة بدعم دولي، هذه المشاريع التي تغطي سبعة قطاعات منها الطاقة بما فيها إنتاج الكهرباء والصناعة بما في ذلك إنتاج الفوسفات والأسمنت الإسكان، النقل، النفايات، والفلاحة بينما تتضمن المساهمة المحددة وطنيا المحدثة.
وبفضل الإرادة القوية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده تمكن المغرب من الإنخراط في سياسة بيئية واضحة تروم تحقيق التناغم بين السياسات العمومية والتزاماته المناخية العالمية وعلى أعلى المستويات، سياسة رائدة ترمي إلى تطبيق المغرب لالتزاماته في مجال أهداف التنمية المستدامة 2030، حيث بفضل تظافر جهود الجميع من فاعلين ترابيين و جمعيات المجتمع المدني نجح المغرب في تحقيق تقدم ملموس في تنزيل الأهداف السبعة عشر، ويبقى كسب المغرب لرهان تذويب أهداف التنمية المستدامة في المخططات الوطنية والاستراتيجيات البيئية والتنموية رهين بانخراط والتزام جميع الفاعلين على أساس تضامن وثيق وبناء، مما سيساهم في الحفاظ على كوكب الارض وضمان موارده لأجيال المستقبل، وكان المغرب سباقا في تقديم المشاريع على المستوى العربي والدولي فيما يخص البيئة و التنمية المستدامة، إذ أنه قبل الإعلان الأممي سنة 2015 عن برنامج أهداف التنمية المستدامة 2030، اعتمد المغرب مفهوم التنمية المستدامة في استراتيجياته التنموية عبر تعزيز التوازن بين أبعادها الأربعة: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وذلك بهدف تحسين نوعية إطار عيش المواطنين، وتعزيز التدبير المستدام للموارد الطبيعية وتشجيع الأنشطة الاقتصادية التي تحترم البيئة.