سياسة

عشية “مليونية” مجلس للانقلابيين … يُفاقم العزلة ولا يكتسب الشرعية

محمد المكي أحمد

(مجلس السيادة) وهو مجلس المتآمرين، الذي أعلن تشكيله قائد الانقلاب العسكري في السودان الفريق عبد الفتاح البرهان، 11 نوفمبر 2021، سيُكرس هيمنة الانقلابيين على مفاصل الحُكم.

المجلس وُلد من رحم انقلاب وقانون طوارئ، وهو نتاج انتهاك لوثيقة دستورية، وصفها البرهان في يوم الاحتفال بتوقيعها في 17 أغسطس 2019، ووسط حضور إقليمي ودولي، بأنها (إنجاز للوطن). وكان البرهان، وصف في ذلك التاريخ، قيادات (قوى الحرية والتغيير) التي انقلب عليها الآن بأنهم (شركاء في الوطن، وفي الإصلاح والتغيير). هذا يؤكد مجددا، أنه يقول كلاما ويفعل ما ينسفه تماما، في إطار التضليل، والبحث عن شرعية، لكنه لن يحصل عليها، إذ لم ينجح في نيل الشرعية، الرئيس المخلوع بإرادة الشعب، عمر البشير، على مدى ثلاثين عاما. تشكيل مجلس للانقلابيين، جاء، عشية مليونية السبت 13 نوفمبر 2021، ما يضفي على التظاهرات، في هذا اليوم، أبعادا حيوية، ومطلوبة بقوة. المليونية تساهم في تشكيل وتحديد مسار المشهد السياسي في السودان، اليوم وغدا، وتستقطب دعما إضافيا، حاسما، من الداخل السوداني، ومن دول بالإقليم والعالم ضد انقلابيين يبحثون عن شرعية، ومظلة تأييد دولي، بعيدة المنال. قرار البرهان بتعيين نفسه رئيسا لـ (مجلس السيادة) يؤكد أن من أهم أسباب انقلابه على (شركاء) الأمس، رفضه و(المكون) الانقلابي تسليم رئاسة مجلس السيادة، الشرعي، للمدنيين، حيث عزل ممثلي (قوى الحرية والتغيير) من مجلسه الجديد، لأنه أطاح تفاهمات و(شراكة).  تفاعلات الأحداث ستكشف أن (مجلس السيادة) الجديد – وهو مجلس للانقلابيين- سيكون أعضاؤه مسلوبي الإرادة، وسيديره البرهان وبقية (المكون الانقلابي) وبمعنى أدق سيتحكم في إدارة دفة الحكم قيادات من نظام عمر البشير، أي أنه يعيد (التحالف العسكري – الإخواني) وقد بدا ذلك جليا في تعيينات أصدرها البرهان الأيام الماضية. أما على صعيد الشارع فان خطوة البرهان الجديدة، ستوسع حجم ونوع الشوارع الرافضة للانقلاب، وستزيد الحصار المفروض على الانقلابيين ومؤيديهم، محليا وخارجيا، ما يجدد التأكيد أن الانقلاب أضر وسيضر بالسودان والسودانيين أضرارا فادحة، إذ أنه أعاد السودان إلى أجواء القمع، والقهر، والتنديد، والمقاطعة الدولية. الانقلابيون سيواجهون حتما هبات شعبية، قوية، ورغم أن الانقلابيين قطعوا الانترنت والاتصالات، للحؤول دون التواصل بين الناس، وخصوصا الشباب، فان (المليونية) في 21 أكتوبر وفي 30 أكتوبر 2021، نجحتا نجاحا باهرا، وستنجح مليونية 13 نوفمبر 2021. نبض الشوارع يرفض الانقلاب وعودة نظام الرئيس المخلوع عمر البشير (الفلول) لإدارة البلد بسياساته القمعية التي دمرت السودان، وأذلت شعبه، وعزلت الوطن عن العالم.

هوية مدبري وداعمي الانقلاب معروفة. لعديد السودانيين، وستدرك دول العالم، وخصوا دول في الإقليم هُوية من يُحرك الانقلاب، ويدعمه، ما يرجح فرضية أن ينقلب على البرهان من استنصر بهم، في أي وقت، وربما يلجأ الطرفان مرحليا إلى ابرام تحالف الضرورة، والمصلحة المشتركة، إلى حين. من الحقائق التي يعكسها تعيين مجلس للانقلابيين برئاسة البرهان أن الانقلابيين فشلوا في كسر الإرادة القوية والموقف المبدئي لرئيس الحكومة الشرعية دكتور عبد الله حمدوك، الذي رفض الانقلاب، وانحاز وينحاز الى صفوف شعبه.

حمدوك بات يشكل رمزا مضيئا للثورة السودانية، والحكم المدني، والرمزية التاريخية تضع على أكتافه مسؤوليات أكبر، ليواصل التمسك بموقفه المبدئي، غير القابل للمساومة، وعمليات الترهيب والترغيب، وفرض الإقامة الجبرية، لأنه بذلك يصنع تاريخا مشرقا، لنفسه وشعبه، ما يضعه في أنصع صفحات التاريخ. تماسك موقف حمدوك وقوى الثورة والتغيير، يضع في الوقت نفسه الانقلابيين، في أسوأ وأقبح وأردأ صفحات التاريخ، لأنهم تآمروا على خيار الشعب، وتسببوا بتآمرهم في عمليات قتل، واعتقالات، ومصادرة للحقوق ولأحلام وتطلعات الناس المشروعة، في سبيل غد أفضل. تعيين مجلس انقلابي، يفضح ادعاءات البرهان بأنه يدعم الانتقال الديمقراطي، وهذا يؤكد حقيقة معروفة، وهي أن الانقلابيين – في أي زمان ومكان – يمارسون الكذب والتضليل. نعيد للأذهان ما قاله البرهان بأن (حمدوك معي في منزلي ويمارس حياته بصورة طبيعية) ثم تحت ضغط العالم أعاده وزوجه من موقع احتجازهما وهو موقع للدولة وليس بيت البرهان الشخصي، إلى بيتهما، حيث فرض إقامة جبرية على حمدوك بعدما فشل في استقطابه وتطويعه. الكذب والتضليل يشكل عنوانا بارزا لتصريحات الفريق البرهان، ففيما يرى العالم كله أساليب القمع الوحشي والقتل لمتظاهرين سلميين، واعتقال سياسيين وصحافيين ومحاميين ومعلمين ومعلمات (الخ) فان قائد الانقلاب يتحدث عن احترام الحريات وحق التظاهر السلمي.

من الأدلة أن البرهان أنكر في حديث إلى قناة (الجزيرة) في التاسع من نوفمبر الجاري (2021) أن هناك 14 شهيدا قتلوا في تظاهرات سلمية، وقال إنه لم يسمع بذلك، وأن هناك شخصين قتلا في أم درمان. تعيين مجلس أو حكومة للانقلابيين ُيسيطر على قراراتها(المكون) الانقلابي، لا يلغي الحقيقة، وهي أن الانقلابيين محاصرون محليا ودوليا، وأن حلقات الحصار تتسع، تحت ضغط الشارع وقوى شبابية ومهنية وسياسية، وبسبب انتهاكات حقوق الإنسان. من الأدلة على الانتهاكات أن لجنة أطباء السودان وثقت جرائم القتل، والقمع، بعد الانقلاب، وتحدثت (هيومن رايتس ووتش) في التاسع من نوفمبر الجاري (2021) عن (الاعتقالات التعسفية، غير القانونية) و(التدابير العنيفة لقمع الاحتجاجات السلمية) وأن (“منظمة العفو الدولية” و”هيومن رايتس ووتش” وثقتا الاستخدام غير المبرر للقوة القاتلة على يد السلطات الأمنية، في جهودها لمواجهة الاحتجاجات العديدة التي اندلعت في الخرطوم، ووفق ” لجنة أطباء السودان المركزية” قُتل 14 شخصا على الأقل بالذخيرة في الخرطوم منذ 25 أكتوبر2021).

في خضم هذه التفاعلات فان أهم موقف اتخذته (قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي) عشية تعيين (مجلس سيادة)، يكمن في إعلانها (ألا تفاوض أو مساومة مع الانقلابيين) وجاء بيانها بعد تشكيل (مجلس سيادة) للانقلابيين معبرا عن وحدة موقف قوى الثورة والتغيير، ومشددا على اسقاط الانقلاب، والخروج في مليونية السبت 13 نوفمبر 2021. هذا موقف مهم وحيوي، لأن الانقلابيين حاولوا ويحاولون شق صف (قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي) والقوى المهنية ولجان المقاومة، بالحديث عن (حوار)، كما أشاعوا أن تقدما أحُرز فيما سموه محادثات البرهان حمدوك، ويأتي حديث الانقلابيين عن (حوار) للإيحاء المضلل للراي العام المحلي، ولدول كبرى، بأنهم يمدون إلى خصومهم غصن الزيتون. كل هذه التفاعلات تعني أن تشكيل مجلس للانقلابيين، أو اختيار رئيس حكومة ووزراء لحكومة الانقلاب سيُعقد الأوضاع، وسيزيد من قوة زلزال الشوارع، الساعية إلى اسقاط الانقلاب. ووفقا لمواقف دولية معلنة، لن تعترف دول كبرى، ودول بالإقليم بشرعية مؤسسات ما بعد الانقلاب، ما يعني عزلة في كل الاتجاهات. وكانت الأمم المتحدة أعلنت أن (ما يقوم به ممثل الأمين العام الخاص في السودان السيد فولكر بيرتس من اتصال مع سلطة الأمر الواقع لا يمثل اعترافا بشرعية الانقلاب العسكري).

وزير الخارجية الأميركي السيد أنتوني بليكن جدد موقف بلاده في اتصال هاتفي مع الفريق البرهان، قبل أيام، إذ دعا إلى استعادة الحكومة المدنية، وجاء اجتماع سفراء دول الترويكا (أميركا وبريطانيا والنرويج) مع البرهان في التاسع من نوفمبر الجاري (2021) لينقل رسالة (تحذير) كما جاء في بيان الدول الثلاث، وهو تحذير جماعي غير مسبوق. بيان سفراء دول “الترويكا” قال (حذرنا من الإجراءات الأحادية) و(أكدنا ضرورة إعادة الوثيقة الدستورية وعودة رئيس الوزراء حمدوك) و(قمنا بالحث الفوري على الإفراج عن جميع المعتقلين منذ 25 أكتوبر) 2021 وهو تاريخ الانقلاب. بدا واضحا أن (الترويكا) متمسكة بموقفها الرافض للانقلاب وتدعوالانقلابيين إلى حوار مع المدنيين لإعادة العمل بالوثيقة الدستورية، وهذا لا يصب في مصلحة الانقلابيين، لأنهم بالانقلاب وتشكيل مؤسسات أكدوا مجددا أنهم نسفوا الشراكة، نسفا تاما، ما يعني أن تشكيل ما سمي (مجلس سيادة) من طرف واحد سيواجه حتما بمواقف دولية منددة.  في سياق كل هذه التفاعلات فان التظاهرات (المليونيات) ستؤكد أن الطريق مسدود، سودانيا، أمام الانقلابيين، وأن عزلتهم تزداد معدلاتها، يوميا، سواء شكلوا مجلسا أو حكومة. هذا كله يؤكد أن مليونية السبت 13 نوفمبر 2021 تعني أن الشوارع، بقواها الشبابية والمهنية والسياسية، التي رفضت الانقلاب، مصممة على اسقاطه، وفي هذا الإطار تلعب لجان المقاومة، بشبابها الباسل من الجنسين، الدور الريادي، الحيوي، والمؤثر، والقادر على رسم خارطة طريق المستقبل. أسقاط الانقلاب بات هدفا لقوى شبابية ومهنية و(قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي) ولكل دعاة الثورة والتغيير، في سبيل العودة إلى الحكم المدني. وهذا يعني – كما قلت في مقال سابق- أن تخاطب (قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي) السودانيين والعالم بلسان واحد، ومطلوب أيضا أن تنسجم بيانات ومواقف (تجمع المهنيين) وهو يلعب دورا حيويا وقياديا، مع مواقف وبيانات (قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي) كي يتم إرسال رسائل موحدة الهدف والمضمون، من كل قوى الثورة والتغيير، إلى الداخل والخارج.

المعركة السياسية الناجحة هي في البداية والنهاية معركة إعلام مهني، رصين، مواكب للتطورات، يتمتع بصدقية، ومتفاعل مع نبض الشوارع.

أي لا صوت يعلو هذه الأيام على صوت الشوارع، التي تتحدث بصوت مرتفع عن (اسقاط الانقلاب) ما يعني أن سقف الهدف الكبير مرتفع، وأن لا مستقبل لانقلاب البرهان وبقية أعضاء المجلس الانقلابي، طال الزمن أو قصر، لأن الهدف يكمن في بناء دولة مدنية، تحترم حقوق الإنسان السوداني. 

برقية:

تظاهرات 13نوفمبر 2021 رد على تشكيل مجلس انقلابي، وانتصار للحُكم المدني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق