سياسة

سفينة بَوْح

فقط وبكل بساطة ...!

هيثم الفضل

في خِضًم هذا الإندهاش والإستغراب الذي شغل السودانيين والعالم ، والمُتعلِّق بماهية وطبيعة (مُخطَّط) البرهان وطغمته الإنقلابية حول (تأمين) البقاء في الحُكم رغم ما يحدث من وقائع معلومة النتائج للحُصفاء من أولي الألباب ، ينتابني إحساس أن تلك (الخطة) لا بُد وبالضرورة قد إحتوت (مُعالجات) ناجعة لإيقاف جذوة النضال الثوري في الشارع ، وذلك من باب أن الأحزاب والتنظيمات السياسية المُعارضة مقدورٌ عليها ، ويمكن السيطرة على 90 % من مخاطرها على الإنقلاب بمُجرَّد إعتقال قياداتها والفاعلين من نُشطائها ،  ليظل الشارع الثوري بالنسبة لهم هوالمعضلة الحقيقية والصخرة التي تأبى الإنكسار ، مما يدفعنا لنعود مرةً أخرى مُتسائلين : ما هي خطة البُرهان وطُغمته في معركة تركيع  الشارع وكيف كانت نصائح وإرشادات معاونيه ومُستشاريه من النفعيين (الجُدد) والقِدامى ؟ ، إذ أن المنظور العاطفي والأخلاقي والإنساني في الموضوع قد أكَّد إنعدام وجوده في قيَّم ومباديء الإنقلابيين ومَنْ شايعهُم من فلول ومنتفعين ، فما عاد للموت حُرمةً في أدبياتهم ، ولا للدماء في أسواقهم القذرة من ثمن ، ولا للحياء من الوطن والمواطن في دنياواتهم وجودٌ  ولا قيمة.

هل كانت خِطة البرهان والطغمة الإنقلابية  أن تواصِل التوغُّل عبر (أدواتها) المُسلَّحة  من ( جيش وأمن وشرطة وكتائب ظل وجنجويد وأطراف أخرى) في مُستنقع سفك دماء السودانيين الشُرفاء  حتى يصيبهم الذُعر والخوف من الموت المبذول في الشوارع فيتراجعوا ويوقفوا حراكهم الثوري إذعاناً لأمرٍ واقع تفرضهُ البندقية ؟! ، أم أن الخطة تستهدف القضاء (كُلياً) ونهائياً على شريحة الشباب الثوري في السودان تطبيقاً  للفتوى السابقة التي أهداها بعض علماء السُلطان المُرتشين ، والتي تفيد  أن بإمكان الحاكم قتل ثُلثي الشعب (ليستمتع) سعادته والثلث (الميت الحيّْ) بهذ الوطن الذي أضناه غدر الطامعين من أبنائه الذين لا يستحقون شرف الإنتماء إليه وإلى تاريخه النضيد بالمكارم.

فإذا فرضنا أن خطة الإنقلاب كانت مُعتمدة على التعامل مع ثورة الشارع بالقتل والسحل والإختطاف للتخويف والإرهاب ، فهل هم الآن وبعد ما يزيد عن شهرين من عمر الإنقلاب المشئوم لم يستبينوا بأن هؤلاء الشباب المُضمَّخين بحب الوطن والمأسورين في عوالم أمانيهم في الحرية والسلام والعدالة ، لن يتراجعوا قيد أنملة ، بل أن شرف الإستشهاد يزيدهم عزيمةً وإصراراً ،  وكما قال الشهيد محمد يوسف إبن ود نوباوي الصامدة : إن الموت في سبيل الوطن (قد أصبح غاية) أو شيئاً من (المُسلمات الطبيعية) اليومية التي صرنا نتعامل معها عبر التعوُّد بتلقائية ، حتى بِتنا نخشى إستمراء مثولها في الأفئدة ، ألا يرى الإنقلابيون ذاك الإصرار وتلك العزيمة التي تبرُق في حدقات عيون هؤلاء الشابات والشباب اليُفع ؟ ، ألم يتيَّقنوا بأنهم قاب قوسين وأدنى من فكرة (التصالُح) مع الموت ؟.

أما إذا كانت الخطة الدنيئة للإنقلابيين تستهدف القضاء التام على الشارع الثوري بالقتل المُمنهَّج وبـ ( الأقساط) المُريحة ، أو الإبادة الجماعية بلغة القانون الدولي ، فهل يعتقد الطُغاة أن الأقلية الصامتة في البيوت ستصُم الآذان وتكُف الأيدي وتبخل بما لديها من طاقات لنُصرة فلذات أكبادها الذين ترعرعوا في أحضان (حوش) البيت الكبير و(نفاجات) التواصل العاطفي والعقلاني والإنساني بين أصحاب المواجع  والجيران والأقارب والأصهار وزملاء العمل والدراسة والأصدقاء ؟ ، هل ما زال يُراهن هؤلاء على تشتيت الجهود الثورية في  مقاومتهم عبر رفع راية القبلية والعنصرية والجهوية ؟ ، والواقع يُثبت في  كل مليونية أن وجودهم مُناهّض ومرفوض ومُقاوَّم في الخرطوم ومدني والجنينة والفاشر وسنار وكوستي والدويم والنيل الأزرق وجبال النوبة وبورتسودان وكسلا وطوكر وحلفا ودنقلا ومروي والمناقل وود العقلي ، ترى هل يعقلون ؟! ، أخشى أن ما يخوضون فيه من دماء يحدث بلا خطة ولا تكتيك !! ، فهل هم مدفوعون بلا وعي للتورُّط في كل هذه الدماء ؟ ، هل هم مثلنا (محكومين) قسراً وإستعباداً بقوى خارجية كما يقولُ البعض ؟ ، أم أنهم (فقط) وبكل بساطة خرجوا من دائرة الإنسانية وإستفاضوا في لوثة حُب الذات والأنانية وفوبيا الإستبداد والطُغيان ؟!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق