سياسة

الإسلامويون والمناهج التدميرية للمجتمعات …!

خالد أبو أحمد

بادئ ذي بدء..ربما يتساءل المرء..من هم الاسلامويون الذين أعنيهم في كتاباتي..؟..

أقول هم الذين يتسمّون بالإسلام ويملؤون الفضاء المعلوماتي والاجتماعي بعبارات الدفاع عن الإسلام، والمطالبة الكاذبة بتحكيم الشريعة الإسلامية، هُم السُراق واللصوص والزناة، والعنصريون القُساة الذين يعيشون خارج الزمن، وهم ليسو من بني جلدتنا الإنسانية، جاءوا من ناموس غير ناموسنا، استمرأوا الكذب قتلوا الأنفس الزكية ورمّلوا الأمهات ويتموا الأبناء والبنات.

اشتهروا بالمكابرة والإصرار على السير في طريق إراقة الدماء، لا يعرفون حلولا غير الضرب والتنكيل والاغتصاب والقتل واهانة البشر، واستخدام الحلول الأمنية والعسكرية في كل القضايا حتى تلك التي تحتاج للتفاوض والحوار بالحسنى، وفي السودان لهؤلاء تاريخ أسود كُتب بدماء قانية حرقُوا القُرى والبيوت بأهلها اغتصبوا النساء واليفع ولم يسلم من بطشهم أحد.

وعندما نتحدث عن الحركة الاسلاموية السودانية التي حكمت البلاد، فلا بد من التأكيد على أنها ابدا لم تكن اسلامية بأي حال من الأحوال، وإن ممارساتها في الحُكم كانت أبلغ دليل على تجاوزها الإسلام، وفي هذا السياق

يحدثنا (مدير مكتب د. حسن الترابي السابق) الأخ صديق محمد عثمان  في مقالة له نشرتها صفحة (السائحون) على موقع (الفيس بوك) قبل سنوات، وأعيد نشرها في صحيفة (سودانايل) الالكترونية بتاريخ الأول من نوفمبر 2017م، اقتطف منها هذه الفقرات المهمة:

– ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻤﻞ ﻣﻄﺮﻗﺘﻪ ﻭﻣﺴﻤﺎﺭﻩ ﻟﻴﻐﺮﺳﻪ ﻋﻤﻴﻘﺎ ﻓﻰ ﺭﺍﺱ ﻧﻘﻴﺐ ﺍلأﻃﺒﺎﺀ ﻳﻮﻣﻬﺎ ﻭﻳﺘﺮﻛﻪ ﺟﺜﺔ ﻫﺎﻣﺪﺓ.. ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﻘﺮﺃ (ﺭﺃﺱ ﺍﻟﻤﺎﻝ) ﻟﻜﺎﺭﻝ ﻣﺎﺭﻛﺲ، ﺍﻧﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺘﻠﻮ ﺍﻟﻘﺮآﻥ ﻭﻳﺒﻜﻰ ﻓﻲ ﺻﻼﺗﻪ..

-ﻭﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻗﺘﻠﻮا ﺍﻟﻤﻬﻴﺐ ﻭﺷﻤﺲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺍﺑﻮ ﺍﻟﺮﻳﺶ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻳﻘﺮﺃﻭﻥ (ﻛﺮﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﺴﺠﻦ) ﻟﻐﺮﺍﻣشي، ﻭﺍﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻘﺮﺃﻭﻥ (في ﻇﻼﻝ ﺍﻟﻘﺮآﻥ) ﻭ(ﻣﻌﺎﻟﻢ ﻓﻰ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ) ﻭﻳﺼﻮﻣﻮﻥ ﺍﻻﺛﻨﻴﻦ ﻭﺍﻟﺨﻤﻴﺲ.

-ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﻃﻠﻘﻮﺍ ﺍﻟﺮﺻﺎﺹ ﻋﻠﻰ المهندس ﻋﻠﻰ ﺃﺣﻤﺪ ﺍﻟﺒﺸﻴﺮ أﻣﺎﻡ ﺯﻭﺟﺘﻪ ﻭأﻃﻔﺎﻟﻪ ﻭأﺭﺩﻭﻩ ﻗﺘﻴﻼ، ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻳﺘﺮﻧﺤﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻤﺮ ﻭأﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻰ ﺟﺒﺎﻫﻬﻢ ﻏﺮﺓ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﻣﺤﺠﻠﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺿﻮﺀ..

-ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻋﺬﺑﻮﺍ أﺑﻮ ﺫﺭ ﻋﻠﻰ ﺍلأﻣﻴﻦ ﺣﺘﻰ ﺗﻤﺰﻗﺖ ﻛﻠﻴﺘﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﺭﺟﺎﻝ (ﺍﻟﺴﺎﻓﺎﻙ) ﻭﻻ (ﺍﻟﻤﻮﺳﺎﺩ).. ﻭﺍﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻣﻦ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻉ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻯ.

-ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﻃﻠﻘﻮﺍ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺴﻄﺎﺀ ﻓﻰ ﺑﻮﺭﺗﺴﻮﺩﺍﻥ ﻭﻗﺘﻠﻮﺍ 29 ﺷﻬﻴﺪﺍ أﻋﺰﻝ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﺤﺰﺏ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻰ ﺍﻟﺮﻭﺳﻲ ﻭﻻ ﺍﻝ ( ……. ) ﻭﺍﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮ ﺍﻟﻮﻃﻨﻰ..

-ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻗﺘﻠﻮﺍ ﺷﻬﺪﺍﺀ ﻛﺠﺒﺎﺭ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﺭﺟﺎﻝ ﻛﺎﺳﺘﺮﻭ ﻓﻰ ﻛﻮﺑﺎ، ﻭﻟﻜﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺭﺟﺎﻝ ﻋﻤﺮ ﺍﻟﺒﺸﻴﺮ (ﺍلإﺳﻼﻣﻰ).

-ﻣﻦ ﺍﻃﻠﻖ ﺍﻟﺮﺻﺎﺹ ﻋﻠﻰ ﻃﻼﺏ ﺍﻟﻔﺎﺷﺮ ﻭﻧﻴﺎﻻ ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻗﺎﺩﻣﻴﻦ ﻣﻦ ﺣﺰﺏ ﺍﻟﻠﻴﻜﻮﺩ ﺍﻻﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻰ.. ﻭﺍﻧﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺭﺟﺎﻝ ﺣﺰﺏ ﻧﺎﻓﻊ ﻭﻋﻠﻰ ﻋﺜﻤﺎﻥ (ﺍﻻﺳﻼﻣﻴﻴﻦ).

-ﺍﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻥ ﺍﻟﺬﻯ أﺣﻞ ﺍﻟﺮﺑﺎ.. ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﺮﻟﻤﺎﻥ ﺍﻟﺠﺒﻬﺔ ﺍﻟﺜﻮﺭﻳﺔ، ﻭﺍﻧﻤﺎ ﺑﺮﻟﻤﺎﻥ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ (ﺍﻻﺳﻼﻣﻴﺔ) ﺟﻨﺎﺡ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮ (ﺍﻟﻮﻃﻨﻰ).

-ﻛﻞ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﺴﻴﻦ ﻟﻠﺰﻛﺎﺓ ﻭﺍأﻭﻗﺎﻑ ﻭﺷﺮﻛﺔ ﺍأﻗﻄﺎﻥ ﻭﺧﻂ ﻫﻴﺜﺮﻭ ﻭﻓﺎﺳﺪﻯ ﺍﻟﺘﻘﺎﻭﻯ ﻭﻭﻭﻭ..ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﻴﻦ ﻭأﻋﻀﺎﺀ ﺍﻟﺤﺰﺏ ﺍﻟﺸﻴﻮﻋﻰ أﻭ ﺑﻌﺜﻴﻴﻦ ﻭﺍﻧﻤﺎ ﺭﺟﺎﻝ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮ (ﺍﻟﻮﻃﻨﻰ).

-ﺍﻟﻄﻴﺮﺍﻥ ﺍﻟﺬﻯ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﺜﻨﻰ ﺍﻣﺮﺃﺓ أﻭ ﻃﻔﻼ أﻭﺷﻴﺨﺎ أﻭﺷﺠﺮﺓ ﻓﻰ ﺩﺍﺭﻓﻮﺭ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻃﻴﺮﺍﻥ ﺩﻭﻟﺔ ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ.. ﻭﺍﻧﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻃﻴﺮﺍﻥ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ (ﺍﻻﺳﻼﻣﻴﺔ).

-(ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻜﻨﺰﻭﻥ ﺍﻟﺬﻫﺐ ﻭﺍﻟﻔﻀﻪ).. ﻟﻢ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﻓﺎﺭﻭﻕ أﺑﻮﻋﻴﺴﻰ ﻭﻧﻘﺪ ﻭﻓﺎﻃﻤﻪ أﺣﻤﺪ ﺍﺑﺮﺍﻫﻴﻢ، ﻭﺍﻧﻤﺎ ﺍﻟﺒﺸﻴﺮ ﻭأﺧﻮﺍﻧﻪ ﻭﺍﻟﻤﺘﻌﺎﻓﻰ ﻭﻋﺒﺪﺍﻟﺒﺎﺳﻂ ﺣﻤﺰﻩ ﻭﺟﻤﺎﻝ ﺯﻣﻘﺎﻥ ﻭﻛﺮﺗﻰ ﻭﻭﻭﻭﻭ ﻛﺒﺎﺭ (ﺍﻻﺳﻼﻣﻴﻴﻦ).

-ﺍﻻﺳﻼﻡ ﺍﻟﺬﻯ ﻧﻌﺮﻓﻪ ﻭﻧﺆﻣﻦ ﺑﻪ ﻳﻜﻠﻤﻨﺎ ﻋﻦ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﺩﺧﻠﺖ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻓﻰ ﻫﺮﻩ.. ﻓﻘﻂ ( ﻫﺮة)، ﻭﺭﺟﺎﻝ أﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﻴﺮ ﻳﺘﻌﺎﻣﻠﻮﻥ ﻣﻊ ﺍﻛﺒﺎﺩ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺍﻃﻔﺎﻟﻬﻢ ﻛﺎﻧﻬﻢ أﻗﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻄﻂ.

-إﻋﻼﻣﻬﻢ ﻳﺤﺪﺛﻨﺎ ﻋﻦ (ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ) ﺗﺴﻠﻞ ﺍﻟﺠﺒﻬﺔ ﺍﻟﺜﻮﺭﻳﺔ ﻭﻧﺤﺪﺛﻬﻢ (ﻳﻘﻴﻨﺎ) ﻋﻦ ﻗﺘﻠﻬﻢ ﻻﺧﻮﺍﻧﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ، ﻭﺑﻄﺸﻬﻢ ﻭﺳﺤﻠﻬﻢ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﺑﺮﺻﺎﺹ الأﻣﻦ ﻭﺍﻟﺸﺮﻃﺔ.

-ﺍﻻﺳﻼﻡ ﺍﻟﺬﻯ ﻧﻌﺮﻓﻪ ﻟﻴﺲ ﺍﺳﻼﻡ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮ (ﺍﻟﻮﻃﻨﻰ)، ﺍلإﺳﻼﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺘﺤﻞ ﺍﻟﺮﺑﺎ ﻭﺍﻟﺪﻡ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ، ﻓﺎﺳﻼﻣﻨﺎ ﻳﻌﻠﻦ ﺍﻥ ﻣﻦ ﻟﻢ ﺗﻨﻬﻪ ﺻﻼﺗﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻔﺤﺸﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﻨﻜﺮ ﻓﻼ ﺻﻼﺓ ﻟﻪ.

بين الحق والباطل..

والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح شديد هل اقتنع منسوبي هذه الحركة بأن تجربتهم على مدار الثلاثين عاما فاشلة بل فاسدة ومدمرة وانهكت البلاد والانسان والحيوان..؟!، أم أنهم مُصرون اصرارا بليغا أنهم على حق وأن كل من يخالفهم الرأي على باطل، وأن ما تم ارتكابه من جرائم في نظرهم حق كفلته لهم الشريعة الاسلامية..؟!.

لا شك أن كلمات الكاتب صديق محمد عثمان في صدر هذا المقال تمثل دليلا دامغا على صواب قراءة الشعب السوداني في كراهيته لهذه العصبة الفاجرة، لأن الكاتب لا يُصنف لدى منسوبي الحركة (الاسلامية) من المارقين من أمثالنا كما تصفنا أدبياتهم، إن المعنى العميق الذي ركز عليه الكاتب يؤكد أن من فعلوا ويفعلون هذه الجرائم البشعة وهم في كامل تقمصهم للانسان المسلم، أنما يتلبسون الاسلام شكلا، وهم في الحقيقة يدمرون أهم قيم هذا الدين الحنيف، بل يرتكبون جرما فظيعا يضر بالمسلمين كما هو حاصل الآن في الكثير من بلاد العالم، من خلال تكريسهم لصورة القاتل المجرم في ذهنية الناس على أنه ينطلق من الاسلام في كل ما يقوم به، وتظهر على وجه غرة الصلاة واللحية ويصلي ويتلو القرآن حتى يبكي..!!.

النموذج الايراني

يخطئ من يظن أن ما حدث في السودان كان بمعزل عن باقي دول العالم، لكن الواضح أن الفكرة الاسلاموية التدميرية فكرة مشتركة لكل جماعات استغلال الاسلام -سُنة وشيعة- لتدمير بلادنا العربية والاسلامية، مثلا حركة (الاخوان المسلمين) في مصر والسودان أكثر من 80 عاما من الحراك وسط الناس، ومشروع الجمهورية (الإسلامية) في ايران أكثر من 70 عاما من الحراك، 40 عاما منها في السلطة، مشاريع باءت بالفشل الزريع على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هذه المشروعات التي وصلت لمرحلة السلطة لم تطبق أفكارا اسلامية البتة بل طبقت نماذج يمكن اعتبارها الأسوأ في تاريخ البشرية جمعاء.

في السودان تجربة الجماعة راح ضحيتها أكثر من مليوني قتيل، والآلاف من الجرحى والمعاقين، ومئات الآلاف من المشردين والمهجرين والمهاجرين من البلاد بسبب تعسف السلطات والطرد غير المباشر للكفاءات الوطنية المهمة التي تسهم حاليا في نهضة الكثير من الدول في العالم.

إذا نظرنا بتمعن إلى تجربة ايران (ولاية الفقيه) والتي نفذت في العراق ولبنان نجد أنها دمرت أكثر مما عمّرت وبنت وأنشأت، وضربت النسيج الاجتماعي في مقتل، وانتشرت في هذه البلاد الطائفية البغيضة والعنصرية والجهوية، وفي كل النماذج الاسلاموية في عصرنا الحالي تم تدمير كل البنى التحتية للإنتاج الزراعي والتجاري والصناعي والاقتصادي بشكل عام، كما تم تدمير القطاع المصرفي ومورست فيه كل أشكال الفساد والرعونة والشطط، للدرجة التي يذهب فيها المواطن للمصرف ليسحب من ماله الخاص لا يجد فيه مالا فيرجع خائبا منكسرا، والمفارقة ان حدث ذلك في كل من السودان وايران، وفي ذات التوقيت (2018-2019) خرجت التظاهرات تطالب بتوفير السيولة في المصارف..!!.

(الدولة) -(الجمهورية)..!!

عندما ننظر إلى الثورة التاريخية في السودان والتي شهد عليها العالم قاطبة ضد النظام الاسلاموي، وما يحدث في العراق وفي لبنان، وفي ايران منذ سنوات، نرى نضالات الشعوب تصنع الانتفاضات والثورات ضد نظام ولاية الفقيه وتصعد يوميا الأرواح الطاهرة إلى بارئها من أجل الحرية، فنحن في حاجة ماسة لدراسة قضية استغلال الدين الحنيف من قبل هذه الحركات، خاصة وأن هناك حقائق مهمة لا يتحدث عنها المفكرين والإعلاميين ولا القادة السياسيين الذين عانت بلادهم من تطرف بطش ودمار (الإسلاميين) (سُنة) كانوا أو (شيعة)، هذه الحقائق تتعلق بفشل مشاريع (الدولة) الإسلامية و(الجمهورية) الإسلامية، بعد عقود من التجريب والفشل الذي أنهك المقومات الاقتصادية الوطنية ودمرها أشد تدمير، علاوة على قتل الخصوم والمختلفين معهم في الرأي والفكر.

للأرقام أيضا حديث طويل فإذا رجعنا 20 عاما للوراء وحتى تاريخ اليوم فسنجد أن دول وانظمة المشاريع الاسلاموية كلها تأتي في ذيل القوائم الدولية في تقارير التنمية البشرية التي تصدرها منظمة الأمم المتحدة سنويا، وتقارير الشفافية الدولية، والحرية الاقتصادية، إلخ والمتابع لما يجري في ايران بوسعه أن يعرف كذلك الكثير جدا من الحقائق عن فشل مشروع الجمهورية (الإسلامية) على أرض الواقع، فهذا البلد الغني بالموارد الطبيعية قد وصل الحال المعيشى فيه درجات فاقت كل التصورات حيث تظهر التقارير الصادرة عن مركز الإحصاء الإيراني حول نفقات الأسرة والدخل، أن نسبة السكان المعرضين لخطر الفقر المدقع في إيران في 2020م قد ارتفعت إلى 50%.

أما صور الفساد على مستوى قيادات النظام أثار مخاوف الايرانيين من زيادة ثروات المقربين من رأس نظام ولاية الفقيه في ظل اتساع رقعة الاحتجاجات في البلاد بسبب تفاقم الأزمات الاقتصادية، وتكشق تقارير رصدتها وزارة الخارجية الأمريكية أن إجمالي ثروات المسؤولين الإيرانيين المتورطين بشبهات فساد تتخطى مليارات الدولارات، حيث كان آخرهم محافظ البنك المركزي الأسبق محمود بهمني المتهم بالاستيلاء على نحو 2.7 مليار دولار أمريكي من عوائد تصدير النفط الخام.

معاناة الشعب السوداني

في الوقت الراهن يتحدث الناس عن أوضاع مأساوية يعيشها الشعب السوداني ومعاناة شديدة في كل جوانب الحياة، هذا أمر مسلم به ونعاني منه جميعا، لكن البعض يريد أن يقول ان المعاناة هذه وليدة اليوم، في محاولة بائسة لتبريئة النظام البائد من التسبب في انهيار الدولة بالكامل، أصلا أن الحكومة الانتقالية لم تجد دولة بالمفهوم المعروف، بل وجدت انقاض دولة وحسب تحليلي الشخصي أن الدولة السودانية انهيارت فعليا قبل 15 عاما وطيلة الأعوام الماضية كانت الدولة الموجودة خيال مآته فقط..!.

إذا وددنا توصيف (الانهيار) على ضوء التعريفات السائدة ومقارنتها بالواقع المعاش، يمكننا القول بأن الأنهيار هو نهاية مراحل الفشل، بحيث يكون انهيارا كاملا ليس بعده من إصلاح إلا التغيير، وهذا ما حدث بالضبط، فإن سنوات الفشل والتردي استمرت لسنوات طويلة للأسف، حتى انهارت الدولة بالكامل، وفي كل المعاني والقواميس المعتمدة وغير المعتمدة فإن الانهيار يعني السقوط، والسقوط يعني الكثير في الواقع، سواء سقوط منظومة أو قيم أو دولة.

في الدراسة القيمة التي أعدها الباحث عبدالوهاب عمروش بمركز الأهرام للدراسات والبحوث في تعريفه للدولة المنهارة وأسباب الانهيار، يرى روبرت روتبيرج «الدولة المنهارة باعتبارها إحدى مراحل الدولة الفاشلة، هي الدولة العاجزة عن أداء وظائفها لفترة طويلة من الزمن»، وقد طور ويليامز ارتمان هذا التعريف، وأضاف إليه عناصر شملت «عدم فاعلية الحكومة المركزية، وتآكل شرعيتها، وتراجع سيطرتها الأمنية على إقليمها، وانتشار حالة من عدم احترام القانون ومن غياب النظام».

ويؤكد عمروش بأن «الدولة المنهارة تختلف عن الدولة التي تمر بأزمات عابرة، حيث تكون غير قادرة على إدارة النزاع الداخلي، أو توفير الخدمات الاجتماعية، لفترة قصيرة المدى، تكون مرتبطة بفترة الأزمة، ولكنها لا تزال تحتفظ بالسيطرة علي أجزاء مهمة من إقليمها.

فقدان السيطرة على الأوضاع

أعتقد أن ما قال به الباحث عبدالوهاب عمروش أعلاه يشبه للحد البعيد الواقع السوداني والانهيار الكبير الذي حدث للدولة السودانية في العهد البائد، فإن ما حدث في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، وفي انهيار الحُكم بالولايات المختلفة وعدم سيطرتها على الأوضاع الأمنية والاقتصادية يحاكي ما جاء به الباحث المذكور، فغياب الدولة في باقي البلاد جعل الناس تأتي للمركز الخرطوم (محل الرئيس بنوم والطيارة تقوم) للبحث عن العمل والأمن والأمان، ولا يخفى على أحد احتلال جزء عزيز من البلاد في الشرق شمالاً (حلايب وأبو رماد وشلاتين)، واحتلال جزء عزيز أيضاً بما يعرف بالفشقات شرق ولاية القضارف من قبل السلطات الأثيوبية، وجبال النوبة خارج سيطرة الدولة، وكان جزء من دارفور تحت سيطرة الحركات المسلحة.

كيف حدث انهيار الدولة السودانية..؟.

سنوات النظام الـ 30 وما حدث فيها من حروب وكوارث تمثل أحد أهم أسباب انهيار الدولة بيد الحركة (الاسلامية) -المؤتمر (الوطني) الذي يتحمل المسؤولية الكاملة فيه، لكن أعتقد أن الأسباب الجوهرية لانهيار الدولة تمثل في فساد القيادة والنافذين أولاً، ثم إشاعة كل أنواع الظلم السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي، وللأسف الشديد على الرغم من الانهيار المستمر للدولة كانت شعارات الإسلام حاضرة، وكانت الهتافات الداوية والقوية، وكانت الآلة الإعلامية تعلي من صوتها وتعبر عن تمسك الدولة بالإسلام وحاكميته، لأجل دغدغة مشاعر الناس.

إن أخطر ما مارسته تلك العصابة هو عمل القيادات الحاكمة في التجارة، وقد نشرت قبل سنوات بالأدلة الدامغة بأن وزير الخارجية آنذاك علي كرتي تاجراً كبيراً للأسمنت والسيخ ومواد البناء، وهو على رأس الدبلوماسية السودانية، وعندما سألته إحدى الصُحف أجاب بكل أريحية مؤكداً بأن ما نشر حول ممارسته العمل التجاري صحيح، وفي ذات الوقت كان السواد الأعظم من الوزراء الكبار والصغار هم تجار وعلى رأس الوظيفة (الحكومية)، مع العلم الاسلام قد حرم هذه الممارسة، وهي مسألة خطيرة للغاية تجعل الوزير والوالي والموظف في الدولة تاجراً جعل اهتمامه التجارة أما مصالح الناس الذين ولي عليهم لا أهمية عندهم..!!.

أعظم أنواع الظلم

إن نظام البائد لم يعمل رجالاته ونسائه في التجارة فحسب، بل ضيِّق على الناس في السوق باحتكار السلع الأساسية التي تهم المواطنين في حياتهم اليومية، فاصبح السوق التجاري حكرا على قيادات ومنسوبي الحزب الحاكم ولا أحد يتجرأ على الدخول في معمعته ما لم يكن نافذاً في الحزب، ويقول مؤسس علم الإجتماع الحديث ابن خلدون عن احتكار ولاة الأمر للتجارة «أنَّه أعظم ألوان الظلم الذي يؤدي إلى إفساد العمران والدولة»، والتسلط على أموال الناس بشراء ما بين أموالهم بأبخس الأثمان، ثُمَّ فرض البضائع عليهم بأعلى الأثمان بالغصب والإكراه في الشراء والبيع، أنَّ نتيجة ذلك يؤدي إلى كساد الأسواق، وتوقف معاش الرعايا، سبب لجوء الدولة أو السلطان إلى الاحتكار هو حاجتهما إلى الإكثار من المال بأخذهم بأسبابا لترف، فتكثر نفقاتهم فيرفعون الجبايات ولا يزال الترف يزيد والجبايات تزيد وتشتد حاجة الدولة إلى المال فتدخل في مزاحمة الناس في نشاطاتهم الاقتصادية وتجنح للاحتكار.

وبيَّن ابن خلدون حكم الشرع للاحتكار بتحريمه، وقد استند في ذلك على قول النبي صلى الله عليه وسلم (المحتكر عاص وملعون) وذلك لرفع الضر عن الناس ووقايتهم من المحتكرين في حبس الأقوات وغيرها من ضروريات الحياة، ونظرية «تجارة السلطان مضرة للرعايا مفسدة للجباية» أصبحت واقعاً في السودان لا تحتاج لكثير كلام ومغالطة، وفي ذلك إجابة للسؤال إن كان الإسلام يُحرِّم إتجار السلطان أو النظام الحاكم فكيف ينمو دخل الدولة؟.

من هنا يتأكد لنا بأن ما حدث من انهيار للاقتصاد السوداني كان سببه تلك العصابة لأن عجلة المال تدور في دوائرها فقط وليست في دوائر الانتاج وفي الأسواق وفي النظام المصرفي.

ارهاصات الانهيار

الكثير منا قد عاش ارهاصات الانهيار منذ وقت مبكر، وفي تلك الأيام في منتصف التسعينات تقريباً، كانت الدولة تعيش في حالة فوضى إدارية غير طبيعية، واتذكر كان العاملون بالوزارات ومؤسسات الدولة في حالة غياب عن مكاتبهم، وفي الفترة النهارية تتحرك السيارات بالوزير والموظفين والوكلاء إلى بيت فلان الذي وضعت زوجته لمناسبة (سماية)، وفلان جاء من الحج، وزواج بنت فلان.. إلخ، وكانت الدولة مشغولة بـ(العزومات) وشباب وشابات الحزب الحاكم ومؤسساته تكتظ بهم مطاعم السمك والدجاج في سوق الخرطوم (2) والعمارات، باستعراض السيارات الجديدة والمكاتب الفاخرة الوثيرة.

وفي الأمسيات حدِّث ولا حرج حيث بيوت المسؤولين لا تخلو من حفلات العشاء بالبوفيهات المفتوحة، والوزارات والهيئات الحكومية مشغولة بالصراعات في توزيع السيارات الجديدة، ومافيا الحشودات والتظاهرات ولقاءات الرئيس الجماهيرية التي أصبحت موردا ماليا كبيرا للكثير من القيادات الذين يدفع إليهم لجلب الحشود من طلبة وطالبات المدارس والجامعات من ولاية الخرطوم ومن الولايات الأخرى بالبصات الفخمة والقطارات وهناك مافيا المؤتمرات تجدهم في الفنادق وقاعة الصداقة ورئاسة الجمهورية*

دمار الخدمة المدنية..!!

*لا شك إن انهيار الدولة السودانية كانت له أوجه عديدة ذكرناها آنفا لكن من الأسباب الملموسة لدى جميع أهل السودان ما أحدثه النظام البائد من دمار متعمد للخدمة المدنية حتى يجد العدد المهول من الوظائف لعضويته ومنتسبيه من العطالة، مثلاً في السابق كل الأنظمة التي حكمت البلاد كانت وظيفة وكيل الوزارة وظيفة مدنية ومهنية، ليس لها علاقة بالنظام الحاكم، نعم يعين رئيس الجمهورية وزير جديد لكنه لا يمس كل عصب الوزارة، وفي عهد العصابة الحاكمة تم تفكيك الخدمة المدنية تماماً لصالح الحزب، وأصبح منصب وكيل الوزارة والمدراء، تعينهم المكاتب التنظيمية في الحزب الحاكم، وهو ما أسهم في دمار الخدمة المدنية التي أصبحت مؤسسة من مؤسسات النظام.

خلاصة القول أن الحركات والأنظمة الاسلاموية تستغل مشاعر المسلمين في عالمنا العربي والإسلامي في تكبير كياناتها، وتصعد على اكتافهم للسلطة فلا تقيم دينا ولا عدلا، انما تمارس كل أنواع التدمير للدولة ومؤسساتها وامكانياتها، والأهم من ذلك كله أنها تهين وتقمع الإنسان وتقتل فيه المروة والانسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق