ثقافة وفن

حكاية الفلسفة (7)

أبو بكر الصديق على أحمد مهدي

«…. الأمة التي ترضى بضياع حريتها واستقلالها، وتقبل أن تضع يدها في يد غاصبها، انما هي أحط الأمم وأدناها وأحقها بالزوال والفناء!»

مصطفى لطفي المنفلوطي

الفلسفة السياسية (Political Philosophy)

السؤال المتعلق ب «ما هي الفلسفة السياسية؟» يبدو وكأنه «ما هي الفلسفة؟» ليس لديه إجابة نهائية شافية ووافية. ويمكن أن تكون الإجابات متاحة فقط في الاختلافات، وفي الرضا أو الإذعان على مضض في العديد من المناقشات والمجادلات والحوارات.

لذلك، فإن الإحياء والنمو الحاليين للفلسفة السياسية، قد جعل فهم الفلسفة السياسية أكثر تنوعًا وتعقيدًا، وهو ما يظهر جلياً جريئاً في مثل المقالات التالية.

يوضح «المفهومان لفلسفة ماركس السياسية» الانقسام الذي حدث أو أخذ له مكان في معرفة مفهوم الفلسفة السياسية لماركس من ثنائية السياسة أو انقسامها.

ومن منظوره أو أفقه الشيوعي، يناقش ويجادل بأن هناك نوعين لمفهوم فلسفة ماركس السياسية، هما الفلسفة السياسية للصداقة، وفلسفة النضال السياسية.

وانطلاقاً من حركات الفلسفة والسياسة في المجتمع الحديث، فإن «الفلسفة السياسية، كالفلسفة الأولى» تقدم الاقتراح، واستنادا إلى أسلوب التفكير العملي ما بعد الميتافيزيقي، ينظر إلى الفلسفة السياسية، على أنها الفكر الفلسفي، للحياة المحتملة للمجتمع البشري. إنها، أي الفلسفة السياسية، تولد وتبتكر وتدافع عن الأفكار الأصلية للمجتمع البشري.

يحدد «تعريف» الفلسفة السياسية، ومعناها الحديث، المفاهيم المختلفة للفلسفة السياسية، من وجهة نظره، مثل موضوع البحث وطريقة التفكير. ويجادل هذا التعريف، أيضاً، بأن التمسك بالمعنى الحديث للفلسفة السياسية، هو وسيلة فعالة لمعرفة الفلسفة السياسية.

ويختم، بالإشارة إلى أن نظرية العدالة، هي شكل مشابه للفلسفة السياسية المعاصرة، وهي مختلفة تمامًا، عن الفلسفة السياسية الكلاسيكية التقليدية.

وهي تُعرف أيضًا بالفلسفة الاجتماعية أو الفلسفة الاجتماعية السياسية. وتصب جل اهتمامها على الاستفسارات مثل «ما هو أفضل شكل للحكومة؟»، و «ما هي طبيعة العدالة؟»

وتعتبر الفلسفة السياسية، فرع واحد من فروع الفلسفة المتعددة، وتهتم بمسائل العدالة والحكومة أو طريقة الحكم. وعلى سبيل المثال، فأحد أكثر النصوص الفلسفية شهرة، ك «جمهورية أفلاطون»، هو مناقشة موسعة للسؤال البسيط «ما هو العدل؟» هناك أسئلة أخرى يمكننا طرحها في سياق الفلسفة السياسية مثل:

«هل الديمقراطية أفضل شكل للحكومة؟»

وبينما قد نحاول التفكير بـ «نعم»، نجد أن هناك حجج قوية على عكس ذلك، وعلى سبيل المثال، بينما يكتب أفلاطون «الديمقراطية هي الأحلى، وهي الأمثل». نجده يجادل بدلاً من ذلك، بنظام حكم النخبة أو النخبوية أو النخب، والتي تتساوي فرص نجاحها مع فرص فشلها في الممارسة الواقعية.

ونادى أفلاطون في جمهوريته الخيالية التي أقامت مدينة مثالية، مؤسسة على تقسيم العمل، والتخصص، والمزايا بين طبقات المجتمع، ولكنه عمل على تغيير وتعديل هذه النظرة الحالمة السابحة في ملكوت خياله، في كتابه المسمى «القوانين»، وأصبح من حيث النظرة أقرب الي الواقع.

وأقترح ان يكون الحكم من نصيب طبقة الفلاسفة والحكماء، وهؤلاء يجب اخضاعهم لتربية خاصة، على حد قوله. ونجد النبلاء والمحاربون تم حشرهم حشراً في طائفة الحكام، ويعود ذلك لنسل النبلاء النبيل السامي، ولشجاعة المحاربين النادرة التي لا يشق لها غبار. أما العمال اليدويين والزراعيين والصناع كانوا يمثلون طبقة المحكومين.

ففيلسوفنا كان ينادي بإلغاء الملكية الخاصة، والميراث والأسرة، بالنسبة لطبقة الحاكمين، لضمان تمتعهم بالرغبة في مواصلة أداء الخدمة العامة، لأنه يعتقد بأن من أسباب انحراف البشرية وفشلها، هو حبها الشديد للملكية الفردية، وعشقها لفكرة توريث الأولاد.

ولكنه، في نفس الوقت، كان يشجع على الملكية الفردية بالنسبة للمزارعين والحرفيين، وذلك لأنهم ينشدون الي تحقيق الربح، وانجاز مصالحهم الخاصة، عكس الطبقة الحاكمة التي عليها الانصراف والتفرق والتركيز على حماية الصالح العام وتحقيقه على أكمل وجه، وبلا تباطء ولا تكاسل.

ويؤمن افلاطون ايماناً قاطعاً بضرورة الرق، وأهميتهم كعنصر فريد ودائم في الحضارة الانسانية، لا يمكن تجاوزه أو اهماله. وهو يعتبر العبيد المستولى عليهم في الحروب، هم أفضل العبيد على الاطلاق.

والان ظهر لنا ابن خلدون والنموذج الذي وضعه من أجل تطور المجتمع، والذي يقوم فيه السكان بدور مهم وبارز، اذ هم في نمو وتزايد بصورة طردية مع توسع وزيادة العمران، الي أن ينحتوا الحرف الأخير في نعش الدولة.

وهنا نتحسس شيء من صورة التشابه والتطابق بين أفكاره وأفكار المفكر الاقتصادي مالتس، وعلى حسب مالتس، فالرخاء يساهم في زيادة السكان، وتكون الزيادة بمعدل أكبر من نسبة الزيادة في المواد الغذائية، ولكن يعود التوازن مرة أخرى، من خلال نقص عدد السكان بسبب بعض الأزمات الاقتصادية.

ولكن الصورة تأخذ شكل مغاير ومختلف في حالة ابن خلدون وأفكاره، فنهاية الدولة، بالنسبة له، تحدث بأسباب مختلفة عن تلك التي حكاها مالتس، فهي تعود الي بعض الأسباب الاجتماعية، التي تنزل وتحط على جسد الدولة المنهك، وتؤدي الي تفككها، وضعف العمر الانتاجي بها – «ومن مفاسد الحضارة الانهماك في الشهوات والاسترسال فيها لكثرة الترف، فيقع التفنن في شهوات البطن من المآكل والملاذ…»

ونحب أن نحط رحالنا بعقد مقارنة بين العمالقة العظماء أرسطو وأفلاطون وابن خلدون ومكيافيللي. ولنا أن نقول – «إذا تفوق ارسطو في قولبت المعرفة منهجياً، تلك التي استندت على قوائمها وأعمدتها، منهجية الفكر والتفكير السياسي بصورة عامة، وتجلى ايضاً ايما تجلي في تمرير المنهج الاستقرائي على وجه الخصوص.

ولو نجح افلاطون في تزويد الفكر والتفكير السياسي بقدرة الخيال الخلاقة البنائية. وإذا أفلح ابن خلدون في اغناء واثراء الفكر السياسي بالمادة الموضوعية، وربطه برباط قدسي وثيق بعلم الاجتماع وفلسفة التاريخ.

فان مكيافللي (1469-1527) برز في رسم خطوط فاصلة بين الفكر السياسي والأخلاق، وأصبحت هذه الخطوط بمثابة طلاق باين، لا رده بعده، منذ تلك اللحظة، ولا أبالغ إذا قلت والي واقعنا المعاش.

واكتشف مكيافللي ايضاً تناغم السياسة واتساقها في قوانين ثابتة لا تتقلب ولا تتغير، مستنداً في ذلك على المنهج الموضوعي، مشتقاً مادته من نبش وتحليل ومراجعة التاريخ الروماني -كتابات المطارحات- ومن البيانات والملاحظات الخاصة والمرتبطة بسياسات الدول المعاصرة له -كتاب الأمير-.» 

… وبعد… يطيب لنا أن نأخذ قصد من الروح والريحان من عبير الحرية وكأسها ايليا أبو ماضي…

فَتَنَتهُ مَحاسِنُ الحرية

لا سُلَيمى وَلا جَمالُ سُمَيَّه

هِيَ أُمنِيَةُ الجَميعِ وَلَكِن

أَرهَقَتهُ الطَبيعَةُ البشرية

وَعَجيبٌ أَن يُخلَقَ المَرءُ حُرّاً

ثُمَّ يَأبى لِنَفسِهِ الحرية

وللحكاية بقية… وكمان نهاية….

المصادر

•اقتباسات.، 2020. مصطفى لطفي المنفلوطي: الأمة التي ترضى بضياع حريتها. [أونلاين]. متاح على: URL: https://adabworld.com / (تاريخ الزيارة: 17-12-2021)

•الببلاوي، ح.، 1995. دليل الرجل العادي الي تاريخ الفكر الاقتصادي. الطبعة الأولي. دار الشروق. القاهرة.

•الفرنسية، آر.، 2017. مقدمة في تاريخ الفلسفة والفكر والأفكار: سلسلة محاضرات الفلسفة، فيديو 1: فروع الفلسفة، 12 سبتمبر، [فيديو على الإنترنت]. متاح على: URL: <https://www.youtube.com/watch؟v=dPJYKL2ZeEw. (تاريخ الزيارة:20-11-2019)

•النفوذ للتعليم.، 2021. فروع الفلسفة. [أونلاين]. متاح على: URL: https://leverageedu.com/blog/branches-of-philosophy/ (تاريخ الزيارة: 9-12-2021)

•مكيافيللي، ن.، 1998. الأمير: تراث الفكر السياسي قبل الأمير وبعده: د. فاروق سعد. الطبعة الواحدة والعشرون. دار الأفاق الجديدة. المغرب.

•Qian، L.، 2013. ما هي الفلسفة السياسية؟ مجلة جامعة جيانغسو (طبعة العلوم الاجتماعية).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق