ثقافة وفن

عالمية التصوير وسحر التعبير

التشكيلية المصرية يمنى دسوقي

حاورها د. محمد بدوي مصطفى

> عرفيني عن نفسك أستاذة يمنى؟

< نشأت لام و أب يعملان بالطب البشري،  و كان والدي معروف وسط أساتذته و زملائه بالرسم الجميل و المتقن حين يطلب منهم رسومات في مادة التشريح. فبدون ذكر اسم صاحب الورقة يكون معروف انه رسم نبيل دسوقي.

و ظللت احمل هذه المعلومات عن والدي في سن الطفولة و امارس الرسم من وقت لآخر كأي طفل و لكني كنت متفوقة فيه فأول معرض اشتركت به كان عندي ست سنوات في احدي نوادي القاهرة.

> استطردي لنا عن طفولتك؟

< بجانب ذلك كانت طفولتي و مراهقتي في مدرسة راهبات في القاهرة حيث الانضباط والالتزام تجاه المجتمع الخارجي و الاسرة بشكل عام فكانت تشغلنا دائما قضايا المجتمع كحي الزبالين (أفضل اسم رجال النظافة) و كيف انهم يعيدون تدوير القمامة ليصنعوا منها حقائب،  و كنا نزورالايتام و المسنين باستمرار و نقوم بخدمتهم و كانت مرحلة مهمة فيها تعلمت ان الاحظ من حولي من من يحتاجون المساعدة و يكون لي دور إيجابي في المجتمع أو من يحيطون بي.

> كيف كانت حياتك في سنوات التعليم المدرسي؟

< و في هذه المدرسة أيضا اكتشفت مدي حبي للرسم و قررت اني سأدخل كلية الفنون في الزمالك (القاهرة).

ففي مرحلة الثانوية و هي آخر سنتين قبل دخول الجامعة، كنا نحضرحصص الرسم مع مدرس شاب ملىء بالنشاط،  فكنت استخدم أقلام حبرية مختلفة عن باقي الطلبة، و لاحظ المدرس اهتمامي الشديد بالرسم فانتجنا عدة رسومات بتكنيكات مختلفة باستخدام تلك الألوان و التي لازلت احتفظ بها حتي الان رغم تلفها.

> كلية الفنون الجميلة وحلم حياتك، أحكي لنا عن تلك الفترة؟

< وقبل دخول كلية الفنون عليك تخطي اختبار خاص بالفنون،  و عندها ادركت خوفي بعدم النجاح في هذا الاختبار. فقمت بالتسجيل في دورة تدريبية تقيمها الكلية لطلبة الثانوية،  و لم اكتفي بهذا فقد اخذت دروس خاصة في مجموعتين مختلفتين قبل دخول الاختبار. و تنفست الصعداء عندما علمت اني تخطيت الاختبار و لي حق دخول الكلية.

عندها سجلت بالترتيب جميع كليات الفنون في مصر، الزمالك في القاهرة، الإسكندرية، المنيا و الأقصر. فربما لاتصيب درجاتي القاهرة و تصيبها في محافظة اخري. و قد كان و دخلت كلية الفنون الجميلة جامعة حلوان الموجودة في القاهرة.

كنت من الطلبة المتفوقين في السنة الاولي و اخترت دخول قسم الفنون التعبيرية (تصميم ديكور و ملابس المسرح،  التلفزيون،  الاوبرا،  و السنيما بالإضافة الي تصميم مسرح الطفل و العرائس). تعلمنا استخدام عدة خامات و تعلمنا ان نعبر عن فكرنا و تصميماتنا بالفرشة و الألوان فقط. فكنا نأخذ نص السينما أو المسرح و نختار مشاهد بعينها ثم نعبر عن الحزن أو الفرح أو الغضب أو أي دراما موجودة في النص من خلال الإضاءة و الألوان و عناصر الديكور علي المسرح و الاكسسوارات، بالإضافة الي ملابس الابطال بالوانها و تناسقها مع عصر الرواية و دورها في سياق الاحداث. و في السنة النهائية كان علينا الاختيار بين عدة نصوص لعمل مشروع التخرج. فاخترت نص او حكاية صلاح الدين الايوبي، لانها تعبر عن هوية بداخلنا سواء اتفقنا او اختلفنا عن شخص صلاح الدين نفسه. فرحت ابحث عن كتب التاريخ التي تخبر بهذه الحقبة و ما حدث فيها من معارك و كيف تصرف صلاح الدين فيها، كما شاهدت الأفلام الروائية و الوثائقية لهذه الفترة. و كان مشروعي عبارة عن ثلاث مشاهد سينمائية و ملابس لست شخصيات رئيسية في الاحداث. و حصلت علي امتياز بترتيب الثاني.

> بدأت تشقين طريقك في سياق الاحترافية … كيف كانت خطواتك الأولى:

< اثناء و بعد الدراسة شاركت بعدة معارض طلابية و معرض للخريجين كما شاركت في ثلاث معارض مع جماعة فنية اسمها اللقطة الواحدة و هي من أروع التجارب الفنية التي مررت بها. فكنا نزور كل جمعة منطقة من مناطق مصر القديمة و نلتقط ما يمكن التقاطه من اسكتشات او لوحات او تصوير فوتوغرافي، و بعد انقضاء فترة نقوم بعمل معرض يكون موضوعه هذا المكان أو هذه المنطقة. و كانت هذه التجربة لها رئيس او قائد هو د. عبد العزيز الجندي الأستاذ بقسم جرافيك، فكان هو من يدفعنا للامام و يلهمنا لنستمر. و يشهد المجتمع الفني انتاج هائل من الطلبة و الخريجين من هذه المجموعة الفنية.

بعد التخرج يبحث دائما الفنان عن هويته الشخصية كما يبحث عن ما يطور له امكانياته و مهاراته.

ففي هذه الفترة دخلت عالم التوظيف و لكنني اصررت ان يكون عملي مرتبط بالفن. فعملت في تصميم ديكورات الافراح من ورود و إضاءات و شكل المسرح .. الخ، و لمدة عدة سنوات.

ثم قررت ان أكون تشكيلية متفرغة، فتعلمت استخدام الوان الزيت و بدأ انتاجي يزداد يوم بعد يوم باستخدام الوان الزيت و الباستيل ايضا و كلما يمر الوقت ازداد ثقة ان قراري بامتهان الرسم كان صحيحا و ازداد حماسا لتقديم الأفضل دائما.

> ما هي القضايا التي تهتمين بها وتشحذ خياليك كتشكيلية محترفة؟

< التجارب الإنسانية من أكثر الأشياء تأثيرا في الإنسان، وعندما تجتمع تشكل شخصية أكثرغني و نضج و قوة في مواجهة الحياه. فتظهر تلك الشخصية علي وجهه و في عينيه من حزن أو حماس أو جرأة… الخ، حتي عمره قد يتأثر فيبدو أكبر أو أصغر من عمره الحقيقي. ولا يمكن الحكم بالصواب أو الخطأ علي أي منهم فكلها تكمن في هذا الإنسان الملئ بالتجارب المختلفة. ومن هنا بدأت رحلتي مع التعبير بالبورتريه. فوجه الإنسان وخصوصا عينيه لا تخفيان ما بداخله. واسميته التعبير بالبورتريه لأني انا والمتلقي نتأثر به على حد سواء. أعيش معه حالته أثناء رسمه، وقد يعبر عني في بعض الآحيان، ويتأثر به المتلقي وقد يعبر عنه في أحيان أخري. تلهمني وتستوقفني كثيرا ملامح البشر، في تأثرها وتعبيرها عن الوداع مثلا أو الشرود، وخصوصا المرأة، فهي في اعتقادي الشخصي رمز الجمال لأرقي كائن خلق، كما أن لديها مخزون لا ينتهي من المشاعر، فهي في كل أحوالها جميلة. قد يختلف العامة في جمال امرأة أو عدمه في أخري ولكن الحقيقة أن المرأة جميلة بالفطرة… فقد خلقت هكذا.

تدور لوحاتي حول هذه المعاني باستخدام ألوان الباستيل بملمسها الخاص الذي يسمح لي بالتعبير بشكل عفوي و فطري عن هذه الشخصية الإنسانية الغير كاملة و التي تظهر في التقنية، فهي تعطي الفرصة للمشاهد ليكوّن قصة هذا البورتريه. كما أعبر بتقنية اخري مستخدمة ألوان الزيت، و لوحاتي الزيتية تعبر عن المصري البسيط سواء عاش في الريف او المدينة. فهو أولا و أخيرا من بيئة بسيطة و لا يدّعي غير ذلك أو يستحي منه. فتراه يرتدي الجلباب و العمة او تربط هي غطاء الرأس بلا تكلف بالوان مختلفة تماما عن ما ترتديه المدنيات و قد لا تدري هذه المصرية البسيطة مدي جمال ملابسها.

> ماذا يمثل لك الفن التشكيلي؟

< لا يختلف احد ان الفن التشكيلي لغة بصرية و لكنها بالنسبة لي لغة بصرية لا تحتمل الكذب او الخداع. فالفن الصادق يظهر و الفن التجاري يظهر فيد الفنان و احساسه باللوحة لا يكذبان بعكس أي حديث ممكن ان يكون كاذب و لكن مقنع. أيضا الرسم هو اول وسيلة فالتعبير، فالطفل ممكن يرسم قبل ان يتكلم في بعض الأحيان، فهو مجرد ما تمكن من القلم تفتح له الحياه ذراعيها. فالاعمال الفنية الخاصة بالطفل فيها كم هائل من النقاء والعفوية ما يبحث عنه الناضجون، بسبب ان رؤيتهم للأشياء بأعينهم و قلوبهم أيضا لم يشوبها شيء.

> كلمة أخيرة

< أشكر الدكتور محمد بدوي مصطفى وصحيفة المدائن بوست التي أتاحت لي الفرصة لأقدم نفسي لقرائها الكرام في كل أنحاء العالم خصوصا بين أهلي وأحبابي في رحاب الوطن العربي. وأتمنى أن ألتقيكم في فرصة أخرى لأعرفكم على جوانب أخرى لفني التشكيلي.

سيرة الذاتية

يمنى نبيل دسوقي

•تاريخ الميلاد: ٢٥ يناير ١٩٨٥

• قاهرية، متخصصة في ألوان الباستيل والزيت، ما بين رسم البورتريه والمناظر والطبيعة الصامتة.

• خريجة كلية الفنون الجميلة بالزمالك، قسم الفنون التعبيرية عام ٢٠٠٧

• تتلمذت علي يد الدكتور الراحل ناجي شاكر بقسم الفنون التعبيرية. تعلمت منه كيفية التعبيرعن دراما أو قصة معينة بالتشكيل والخط واللون. كما تعلمت منه أيضا ان الفن والطاقة المنبعثة من الفنان في عمله هي المعيار الأول لتقييمه.

• تخرجت بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف بمشروع تخرج «تصميم ديكور وملابس لنص قصة صلاح الدين الأيوبي»

• بتقدير امتياز ٩٢٪.

• كما شاركت مع دكتور عبد العزيز الجندي (دكتور بقسم جرافيك) نشاطه الفني في «اللقطة الواحدة» و «القميص»

• لمدة عدة أعوام من ٢٠٠٤ و حتي ٢٠١٣ و شاركت معه في عدة معارض جماعية عن موضوعات مختلفة حول البيئة المصرية الشعبية.

• كما عملت لمدة أربع سنوات بتصميم الديكور الخاص بالحفلات من بناء الموقع وتنسيق الزهور وتصميم الإضاءات المسرحية. كما درست تصميم الأزياء.

• فأثقلت هذه التجارب المختلفة الخبرة الفنية عندها علي وجه العموم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق