سياسة

خارج المتاهة

الانتخابات المبكرة دعوة خبيثة

محمد عتيق

«هدفنا انتخابات حرة نزيهة» وبعضهم يضيف «المبكرة» فيقول: «انتخابات مبكرة حرة ونزيهة» (وأصل الدعوة أن تكون مبكرة) ، حتى أهل اللذين يُشَارُ اليهم ب (الخلا) أخذوا في ترديد ذلك !!، فماذا يقصدون في كل الأحوال – بوعيٍ أو بدون وعي -؟ .. كيف تكون حرةً ونزيهة؟ ولماذا مبكرة؟ …. إذا كانت الانتخابات ستجري بنهاية الفترة الانتقالية، أليس لتلك الفترة الانتقالية مهامٌّ وبرامج واجبة التنفيذ قبل انتخابات عامة تجري بنهايتها؟ إذن، الشعار؛ أن نصل إلى انتخابات مبكرة حرة ونزيهة» هدفٌ يقف خلفه مختبئاً لأنهم لا يقولونه (خاصةً كلمة مبكرة).. دعنا من الوصفة: حرة ونزيهة «التي لا تُردِّدُها إلا الدكتاتوريات القابضة في افريقيا والوطن العربي، ولا تعني في الواقع إلا ضدها، فإن الإسراع أي «مبكرة» لا تعني سوى القفز على أهداف الثورة والحجر على إشعاعها وعلى وعي شبابها أن تنعكس على الذهن الشعبي العام..

نقول إجمالاً عن الفترة الانتقالية أنها الانتقالُ من حالٍ إلى حال، من عهدٍ إلى عهد (هنا: من الدكتاتورية وثقافتها إلى الديمقراطية وأنوارها) ؛ وضع الأسس التي تمنع عودة أفكار وسياسات النظام الساقط وتحصين المجتمع ضده، وحجرُ الزاويةِ في تلك الأسس هو تمتين الفكرة الديمقراطية ونشر ثقافتها بحيث تنعكس على كل شيءٍ في حياتنا: من التربية والعلاقات العائلية في المنازل والمدارس ومعاهد الدرس إلى مناهج التعليم وفلسفاتها الوطنية والإنسانية إلخ إلخ، أي ترسيخ المعنى الأصيل للممارسة الديمقراطية وكيف أنها نظامٌ متكاملٌ للحياة وليست مجرد انتخابات عامة.. الديمقراطية (الحرية) هي من طبيعة الخلق وطينة البشر، وهي بهذه المعاني لا يكتمل بناؤها لتكون ثقافةً عامةً في السلوك وفي الخيارات إلا في ظل حركة تنوير شاملة، وذلك ما لخّصَه المفكر الكبير الراحل محمد بشير أحمد (عبد العزيز حسين الصاوي) في عبارته الخالدة: «لا ديمقراطية بلا استنارة»..

إذاً نحن أمام مشهدٍ متصارع الأطراف، متناقض الصور:

** ثورة جذرية عمادها جيلٌ لم يَرَ حتى الآن غير البؤس والفساد والاستبداد والآفاق المُعتمة نحو المستقبل، يريد أن يحيا كما أقرانه في كل الدنيا، وأن يبني وطناً ناهضاً حرّاً يملك قراره ويسيطر على ثرواته وموارده إلخ الخ .. وهي أهدافٌ لن تتحقق بين يوم وليلة في واقعٍ هو الطرف الآخر من المشهد؛

** هذا الجيل ورث-ويعيش – واقعاً قائماً على الفساد والبطش والدجل، التديُّن السطحي والاهتمام بالمُتَع الدنيوية الرخيصة، واقعٌ أصبح ثقافةً عامةً، هذا الواقع له قُواهُ التي تقوم مصالحها على استمرار هذا الوضع، تكريسه وإدامته .

والثورة – كما تردد كثيراً – جذرية وضخمة لن تقبل بأقلَّ من تحقيق أهدافها (حرية سلام وعدالة) بما تعنيه من: تحرير البلاد من مآسيها، والعباد من الخوف والمسغبة  وهي أهدافٌ – كما أسلفت- تحتاج إلى إصلاحات جذرية في الواقع الوطني: في التعليم ومناهجه، في الآقتصاد وأهدافه، في الوطن توحيداً واندماجاً وطنياً، في المفاهيم والرؤى على طريق بناء المشروع الوطني الذي يلتف حوله الجميع مع جواز، بل أهمية، الاختلاف في التفاصيل والمناهج التي ستُعَبِّر عنها الأحزاب السياسية في شكل برامج تتنافس بها في الانتخابات العامة ..

على هذا الطريق، بناء مدرسة جيدة مثلاً، تعني دفعاً – ولو محدوداً – في إتجاه التعليم والاستنارة والممارسة الديمقراطية، وسيكون المتضرر من ذلك، والذي سيقاتل لمنعه، هم شيعة النظام الساقط من المتأسلمين الكَذَبَة وحلفاءهم من الانتهازيين والقوى الطائفية التقليدية..

الصراع بهذا المعنى سيكون محتدماً بين قوى الثورة والاستنارة والتقدم وبين الإسلامويين الساقطين والشخصيات والقوى المتحالفة معهم..

– هذا الحلف المهيمن (اللجنة العسكرية الأمنيَّة وحلفاؤهم:

– لن يكتفوا بالقتل والبطش وكل أشكال العنف.

– ولا بقفل ميناء بورتسودان والطرق المؤدية إليها خنقاً للشعب والوطن.

– ولا بمجرد الاستحواذ على موارد البلاد مع الادعاء، والتعلُّل بشُحِّ الإمكانيات، عندما يكونُ المطلوبُ صرفاً على شأنٍ عام!!

لن يكتفوا، وإنما سيعملون على إدامة ذلك النهب والاستحواذ بالدعوة للانتخابات المبكرة التي تعني استمرار الواقع المأزوم لأن الانتخابات المبكرة (دون إنجاز برنامج وأهداف الفترة الانتقالية) يعني فوزهم، فوز نفس القوى المهيمنة فيها وعودتها مجدداً إلى زمام السلطة.. وسيجعلونها بالفعل حرةً ونزيهة (وبإشراف دولي) لأنهم سيضمنون فوزهم في هذه الحالة وعودتهم إلى التسلط بأسماء غير «المؤتمر الوطني» وشخصيات غير التي سادت في السابق وأسقطتها الثورة..

الثقة، لا تحدها حدود، أن شباب الثورة في لجانهم وتنسيقياتهم الممتدة بامتداد القطر، منتبهون لهذه المعادلة، وأنه لا قيد على الفترة الانتقالية، فالعبرةُ بإنجاز الانتقال (بمهامه الضخمة) وليس بعُمْر الفترة .. وفي هذا الانتباه يكمن القصاص الحقيقي لشهداء الثورة، الاعتصام، المسيرات، (الشهداء العِظام)، والانتصار لهم بتحقيق الأهداف التي عشقوها لوطنهم فسكنوا في خُلْده للأبد..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق