سياسة

أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حرية- محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن (مقاربة)، للدكتور عبد الله الفكي البشير، دار بدوي للنشر (ألمانيا)- (2022)

أكبر مقاربة في تاريخ السودان والفهم الجديد للإسلام عن آخر أطروحات الفكر التنموي في العالم: التنمية حرية

والتبشير بالإسلام أمر يتطلب أن يكون المبشِّر، من سعة العلم بدقائق الإسلام، وبدقائق الأديان، والأفكار، والفلسفات المعاصرة، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز امتياز الإسلام على كل فلسفة اجتماعية معاصرة، وعلى كل دين، بصورة تقنع العقول الذكيَّة.. وأن يكون من سعة الصدر بحيث لا ينكر على الآخرين حقهم في الرأي.. وأن يكون من حلاوة الشمائل بحيث يألف، ويؤلف من الذين يخالفونه الرأي…”.

محمود محمد طه، الثورة الثقافية، 1972، ص 17

المرأة والتنمية: فعالية المرأة والتغيير الاجتماعي

طه: هذا باب المرأة وهو باب نحب أن يدخله الداخلون سُجَّداً

طه: المرأة أكبر مظهر للمجتمع الناهض، المُنَمّى، في كَمِه وكَيْفِه

محمود محمد طه مع زوجه آمنة محمد لطفي عبد الله

من غير المرأة يستحق الاحترام والانحناء؟

طه: إذا كانت التنمية غرضها الإنسان، فهي إنما تُنمي المجتمع من أجل أن تُنمي الإنسان، والمرأة هي التي تنجب الإنسان

يقدم الكتاب مقاربة بين المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه، صاحب الفهم الجديد للإسلام، الذي حُكم عليه بالإعدام وتم تنفي ذ الحكم في العاصمة السودانية، الخرطوم في 18 يناير 1985، وعالم الاقتصاد والفيلسوف الهندي أمارتيا كومار سن Amartya Kumar Sen، الحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 1998، وأستاذ الاقتصاد والفلسفة، حالياً، بجامعة هارفارد، الولايات المتحدة. تمحورت المقاربة حول رؤية كل منهما  تجاه التنمية. كشفت المقاربة عن أن ما قدمه سن يتفق إلى حد كبير مع ما طرحه طه منذ خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي، في العديد من كتبه وأحاديثه.                 

يقول الدكتور عبد الله الفكي البشير، مؤلف الكتاب: إن رؤية طه تجاه التنمية، وبالطبع تجاه موضوع المرأة والتنمية: المرأة والتغيير الاجتماعي، كانت أسبق وأشمل وأعمق، من رؤية أمارتيا سن.. كما اتسمت بالأصالة والجدة، وقد فصلن في كتبنا في ذلك. فقد دعا طه للمساواة بين الرجال والنساء، وأوضح بأن استقلال المرأة اقتصادياً يحررها من هيمنة الرجل ويصحح علاقاتها القائمة معه على القوامة والوصاية حيث الانفاق على الزوجة، كما دعا إلى إعادة تقييم عمل المرأة في البيت. كان أمارتيا سن قد دعا لاستقلال المرأة اقتصادياً، وأشار إلى عمل المرأة في البيت، ووصفه بأنه من نوع العمل الذي يقصم الظهر، وأن المرأة نادراً ما تلقى تكريماً أو اعترافاً بشأنه، أو تؤجر عليه. لكن أمارتيا لم يقدم أفكاراً أو مقترحات حول طبيعة عمل المرأة وإنتاجها في البيت، أو تقييمه في التفكير الرأسمالي أو التجارب الاشتراكية، كما ذهب إلى ذلك طه. ولابد أن نتذكر بأن رؤية طه نابعة من القرآن الكريم. ومنها داخل القرآن يدعو طه إلى أن تكون المفاضلة بين الإنسان والإنسان من حيث هو إنسان، رجلاً كان أو امرأة، بالعقل والأخلاق.

المدائن تقدم عرضاً للكتاب عبر عدد من الحلقات مع طرح (15) سؤالاً

ما هي رؤية كل من طه وسن تجاه فعالية المرأة والتغير الاجتماعي؟

ما هي رؤية كل منهما تجاه استقلال المرأة الاقتصادي؟

ما هي رؤية طه تجاه عمل وإنتاج المرأة في البيت؟

يرى طه بأنه يجب على الدولة أن تُدخل عمل المرأة في البيت ضمن تقييمها الاقتصادي، المدائن تتساءل كيف ذلك؟

إنجاب الفرد الحر ، رجلاً كان أو امرأةً، هو غاية التنمية

إن إنجاب الفرد الحر حرية مطلقة هو غاية الفهم الجديد للإسلام، وهو الفرد الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول، ثم لا تكون نتيجة ممارسته لكل أولئك إلا خيراً، وبركة، وبراً بالناس والأحياء والأشياء. ولا يتأتى ذلك، كما يرى طه، إلا بوسيلتين اثنتين: أولاهما وسيلة المجتمع الصالح. فهو وسيلة موسلة لحرية الفرد، كما أنه يقوم على ثلاث مساويات: المساواة الاقتصادية (الاشتراكية). والمساواة السياسية، (الديمقراطية). ثم المساواة الاجتماعية، التي تستهدف محو الطبقات، وإسقاط الفوارق التي تقوم على اللون، أو العقيدة، أو العنصر، أو الجنس، من رجل، وامرأة. فالناس وفقاً لرؤية طه لا يتفاضلون إلا بالعقل، والأخلاق. كما أن المجتمع الصالح، بعد أن يقوم على هذه المساويات الثلاث، يقوم أيضا على رأي عام سمح لا يضيق بأنماط السلوك المختلفة، ولا يحارب مناهج الفكر المتحرر، طالما كانت هذه الأنماط تتسامى إلى الرفعة والتجويد. والوسيلة الثانية هي المنهاج التربوي العلمي الذي يواصل به الفرد مجهوده الفردي ليتم له تحرير مواهبه الطبيعية من الخوف الموروث. ويستوي في إنجاب الفرد الحر، عند طه، الرجل والمرأة، بل على كرامة المرأة تتوقف كرامة الرجال والأطفال، ويقوم بناء المجتمع الصالح والعادل، ويتم تحقيق التنمية. فالمرأة، كما يقول: أكبر مظهر للمجتمع الناهض، المُنمَّى، في كمه وكيفه. وهو يرى وكذلك سن، بأن تقييد فعالية المرأة يضر بالمجتمع والحياة وبالناس جميعاً. كما نادى كل منهما بالاستقلال الاقتصادي للمرأة. غير أن طه زاد على ذلك، بدعوته إلى إعادة تقييم عمل المرأة في البيت، الذي ظل مهمشاً، بما يستحقه من التقييم، وبالوزن والأجر الذي يتناسب معه. وأرجع السبب في تهميش عمل المرأة وإنتاجها في البيت إلى أثر التفكير الرأسمالي والتجارب الاشتراكية. كان سن قد أشار إلى عمل المرأة في البيت، ووصفه بأنه من نوع العمل الذي يقصم الظهر، وأن المرأة نادراً ما تلقى تكريماً أو اعترافاً بشأنه، أو تؤجر عليه. لكن أمارتيا سن لم يقدم أفكاراً أو مقترحات حول طبيعة عمل المرأة وإنتاجها في البيت، أو تقييمه في التفكير الرأسمالي أو التجارب الاشتراكية.

طه: المرأة هي أكبر من اُستُضِعف في الأرض، عبر التاريخ

محمود محمد طه: “هذا باب المرأة وهو باب نحب أن يدخله الداخلون سجداً ذلك بأنه يعالج شأناً هو أخطر شئون الأرض على الاطلاق وهو المرأة، والمرأة في الأرض كالقلب في الجسد إذا صلحت صلح سائر الأرض وإذا فسدت فسد سائره

طه: التاريخ كله ضد المرأة، لكن عهدنا القادم، عنوانه المرأة

عبد الله الفكي البشير: المرأة السودانية هي عنوان ثورة ديسمبر المجيدة

بعثت برمز الانتصارالكنداكةمن جوف التاريخ وجسدته في أفق جديد

يقول الدكتور عبد الله الفكي البشير، مؤلف الكتاب: كانت المرأة عنواناً لثورة 19 ديسمبر السودانية، بل يمكننا، من دون مبالغة، أن نطلق على هذه الثورةثورة المرأة، باعتبار ما قدمته من عطاء وتضحية وحضور مستمر. فقد قدمت المرأة السودانية أعظم نموذج إرشادي للثورة من أجل التغيير. تقدمت صفوف الحراك الثوري، وظلت مقيمة في الميادين العامة من أجل استمرار الثورة، وهي تستنهض الشباب والرجال. نتيجة لهذا الحضور القوي استطاعت المرأة السودانية، ليس استدعاء الإرث الثوري في أكتوبر 1964، وانتفاضة أبريل 1985، وطاقة التعدد الثقافي الذي ينعم به السودان، فحسب؛ وإنما استدعت إرثاً حضارياً يعود إلى آلاف السنين، حيث بعثت اسم الكنداكة وجسدته في أفق جديد. أخرجت المرأة السودانية بقوة عزيمتها واصرارها على الانتصار مفردة الكنداكة من جوف تاريخ السودان. وهكذا كانت المرأة عنوان الثورة، وهذا ما قاله المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه، قبل أكثر من نصف قرن، التاريخ كله ضد المرأة، لكن عهدنا القادم، عنوانه المرأة.

إن شجاعة السودانيات والسودانيين في الدفاع سلمياً عن حقوقهم ورؤيتهم الديمقراطية أثارت إعجابي بشدة“.

المستشارة الألمانيةسابقاًأنجيلا ميركل

كيف ينتفي الاستضعاف والتهميش والإقصاء؟

إن أصول القرآن (الآيات المكية) تتيح الفرصة لوضع الدستور الإنساني كما أنها تحقق ميلاد المرأة الإنسان

المفاضلة بين الإنسان والإنسان من حيث هو إنسان، عند طه ومن داخل القرآن، تكون بالعقل والأخلاق وليس بالعقيدة أو الجنس أو العنصر أو اللون

يقول الدكتور عبدالله الفكي البشير، في كتابه: “يتيح تطوير الشريعة الإسلامية على أصول القرآن، كما يرى طه، الفرصة لقيام الحكومة الإنسانية، ووضع الدستور الإنساني الذي يكفل الحقوق الأساسية للجميع، حق الحياة، وحق الحرية، وما يتفرع منهما، ولا يوجد حجر على حرية المواطنين وعلى حرية الفكر والعقيدة. وفي هذا المستوى، كما يقول طه: “الناس لا يتفاضلون بالعقيدة، وإنما يتفاضلون بالعقل، والخلق، وليس بالعنصر أو العقيدة أو اللون أو الجنس. وفي هذا الدستور، وهو الدستور الإنساني، الذي يسعى لإقامة الحكومة الإنسانية، لا يسأل الإنسان عن عقيدته، وإنما يسأل عن صفاء الفكر، وإحسان العمل“. ومن هنا، كما يقول محمود لا يقع تمييز ضد مواطن بسبب دينه ولا بسبب عدم دينه، وبهذا تنتقل الفضيلة، كما يرى، من قوة العضل، إلى قوة العقل، وقوة الخلق، ولن يكون حظ المرأة، في هذا الميدان، حظا منقوصاً، وإنما هي فيه مؤهلـة لتبز كثيراً من الرجال. وينتفي بذلك الاستضعاف والتهميش والإقصاء فلكل مواطن الحق في أن يعتنق ما يشاء من الأفكار والأديان. وكل مواطن يحمل أفكاراً مهماً كان دينه أو مذهبه، أو كان بلا دين، أو ملحداً، أو لا أدري، أو غير مقتنع بالإسلام، فإن له الحق في أن يدعو إلى أفكاره بالوسائل الديمقراطية. فالملحديطرح أفكاره وإلحاده لمصلحته ولمصلحة المجتمع ويواجه الآخرينفي وسائل الإعلام ومنابر الحوار. كذلك المواطن غير المقتنع بالإسلام ولديه فكر، فمن حقه أن يدعو بالوسائل الديمقراطية للفكر الذي يعتنقه، وعلى من لديهم معرفة بالإسلام أن يواجهونه بالفكر والحجة ويردونه عن أفكاره.

إنها دعوة العقل الواعي بإمكانية الإعادة للإسلام عمق روح ذاته المبدعة المسامحة ومن ثم إعادة تفعيل دوره الحضاري الكبير الذي لعبه في تاريخ محطات مسيرة الإنسانية الكبرى.

الداعية الإنسان الشهيد محمود محمد طه، داعية حق كان يسعى بعقله النيّر، تحقيق قفزة نوعية للانتقال بأمته من فضاء الانتماء الحضاري الخاص إلى الفضاء الكوني الإنساني العام على سعة مكوناته البشرية وتعدد معتقداته الدينية واتجاهاته الثقافية المشمولة بشمول أحكام الثابت في آيات السماح وسماحة معانيها العقائدية الصريحة الداعية لحرية الإنسان المبجل بصيغة الفرد الإنسان والجماعات البشرية المتعارفة كونياً والمتحابة إنسانياً.

توق محمود محمد طه ومنهجه، كان يسعى لبناء رؤية مسندة تاريخيا هدفها الأسمى إعادة النظر ف ي بعض المسلمات المقولات التراثية ومحاجتها برجاحة عقل نيّر ووفق مقاربة تأسيسية جديدة ماهيتها القول الصراح: “إن نسخ   آيات الأصول بفروعها لم يكن إلغاء نهائيا لأحكامها ; بل تأجيل مؤقت لأحكامها لحين توفر الظروف لإعادة الرجوع إليها “. تبقى ظروف التعطيل مرتبطة أصلاً بحال وعي المجتمع ولحظات ظروف إنسان زمان القرن السابع المختلفة كليا عن حالة وعي عصر حقوق الإنسان وطبيعة قضاياه المتراكمة. قضايا ورهنات تدعوا إلى ضرورة حتمية الرجوع للعمل وتفعيل معاني تلك الآيات للضرورة الإنسانية؛ إنها دعوة العقل الواعي بإمكانية الإعادة للإسلام عمق روح ذاته المبدعة المسامحة ومن ثم إعادة تفعيل دوره الحضاري الكبير الذي لعبه في تاريخ محطات مسيرة الإنسانية الكبرى.

البروفيسور الزبير عروس، مدير مخبر الدين والمجتمع

جامعة الجزائر 2 ، الجزائر

لقد كان كتابالرسالة الثانية من الاسلاميشكل ردة فعل ضرورية من شأنها ان تقدم حلاً للشريعة بعد ان اصطدم العرب المسلمون بمقومات الحضارة الغربية ومحاولات التحديث الاوربي الغريب عن البيئة والثقافة العربية بالإجمال.  وتتضح معالم التحديث الفريد والنوعي لدى الاستاذ طه فيما طرحه في هذا الكتاب من تبيان ان مستوى الوحي والفهم المبني على المرحلة المدنية (المدينة المنورة) كان تسليماً للسياق التاريخي للإنسانية في القرن السابع بما ان الانسانية بكاملها تطورت بشكل كبير منذ ذلك الوقت فإنها جاهزة الآن لاستقبال رسالة الاسلام الكونية التي يسميها الرسالة الثانية من الاسلام بالمساواة التامة بين الرجال والنساء والمسلمين وغير المسلمين وتدعو رؤيته للإسلام كذلك إلى نبذ العبودية والعنف السياسي (الجهاد) من وجهة نظر إسلامية“.

الدكتورة: نضال عيسى كريف

                                                                                                       كلية الآداب، الجامعة المستنصرية، العراق

المجتمع المتمدن والمتحضر (التمييز بين المدنية والحضارة)

يلخص طه الأمر، فهو يقول: “إذا وجدت مجتمعا للضعفاء فيه حق محفوظ، وكرامة مرعية، وإذا وجدت مجتمعا للنساء فيه حرية، وحرمة، وتشريف، وللأطفال فيه حقوق، وله بهم عناية، وعليهم رحمة، ولهم فيه محبة، فاعلم أنه مجتمع متمدن، ومتحضر“.

نهضة المرأة تكون بتحقيق كرامتها وحريتها، والحرية تقتضي المسئولية

أوضح الدكتور عبدالله، مؤلف الكتاب، قائلاً: إن رؤية أمارتيا سن تجاه فعالية المرأة، ودورها في إحداث التغيير الاجتماعي، تشبه إلى حدّ بعيد ما طرحه طه.، غير أن الأمر عند طه كان أعمق وأشمل. فهو الذي أهتم بمكانة المرأة، وبحريتها، وبإنسانيتها، ودعا إلى إعانة النساء على الخروج من مرحلة القصور، ليستأهلن حقهن الكامل في المسئولية، حتى تنهض المرأة، وتتصرفكإنسان، لا كأنثى“. ولما كان أساس التنمية، عنده، هو التنمية الاجتماعية، وغرضها تحرير الأفراد، ونهضة المجتمع، فإن نهوض المجتمع، عنده، مرهون بنهوض المرأة. ولا يكتمل، عنده، تحضُّر المجتمع وتمدُّنه، إلا بنَيْل النساء للحرية والحرمة والتشريف. ونهضة المرأة تكون بتحقيق كرامتها وحريتها، والحرية تقتضي المسئولية.  فكرامة المرأة تكون بحريتها، وهي حق أساسي، وحق إنساني. ويجب ألا تنتظر المرأة أن يُعطِيها الرجل الحق، فالحقوق تؤخذ. ومعنى تُؤخذ، كما يرى طه، أي يظهر الاستعداد لها، والاستعداد للحرية يكون بتحمل المسئولية. ولهذا فإن المرأة لابد أن تكون قوية تتحمل مسئولية عملها، وألا ترضى بالعطف إطلاقاً، وإنما ترضى بالنظرة المتساوية التي تُحمل المسئولية. وهو يرى بأنه من رواسب الماضي ومن مخلفات عهد هوان المرأة على الناس، أن أصحبت هذه المخلفات كأنها طبيعة ثانية للمرأة، وهي بُعدها عن أن تكون مسئولة. فالمجتمع البشري نشأ في الغابة، وورث مخلفاتها، وهي مخلفات لا يزال يعيش أخرياتها. “والقاعدة العامة فيها أن القوة تصنع الحق.. فللقوي حق طبيعي على الضعيف.. يستحقه لمجرد قوته.. ويتقاضاه بقوته.. فالقوة تصنع الحق، وتتقاضى الحق.. تلك شريعة الحيوانات“. وكان المجتمع في الماضي قائم على المنافسة في منادح الكسب وعلى المناجزة في مسالك الحياة فخضعت المرأة للرجل وباعته نفسها بيع السوام مقابل أن يغذيها وأن يحميها، وهذا الوضع، كما يقول، سيء ينبغي أن يتغير ويزول بشمول المساواة في الفرص للرجال والنساء على السواء وحينذاك لا تصبح المزيَّة قوة الساعد وإنما قوة العقل وقوة الخلق. وإحداث التغيير يتصل بغرض التنمية الذي هو، كما يرى طه، نهضة المجتمع وتحرير الفرد،ولا يكون اكتمال النهضة إلا بتحرك المرأة لتنهض وتكافح في سبيل حقوقها“. إن فهم دور وفعالية المرأة في إحداث التغيير، كما يرى طه، يتصل بالمسئولية الفردية، التي تقع على عاتق الرجل والمرأة، كما أن التغيير واجب فردي مباشر، ينشد التنمية التي هي نهضة المجتمع وحرية الأفراد. والحرية الفردية، كما يرى، هي الغاية وهي حق طبيعي مقدس للرجال والنساء على السواء، وللحرية ثمن وهو حسن التصرف الفردي والجماعي في تلك الحرية المكتسبة، وتحمل المسئولية عنها. ولهذا فإن دور المرأة وفعاليتها في إحداث التغيير، كما يرى، وكما هو حال الفرد، عنده، سواء كان رجلاً أو امرأة، مرهون بتحمل المسئولية الفردية في القول والعمل والاختيار.

استقلال المرأة الاقتصادي

طه: المرأة لا يمكن أن تكون كريمة في الحق إلا إذا كان عندها استقلال اقتصادي. كون الاستقلال الاقتصادي يصحح علاقة إنفاق الرجل على الزوجة التي نهضت عليها قوامة الرجل ووصايته على المرأة

كتب الدكتور عبدالله في كتابه، قائلاً: “يرى سن بأن المرأة عبر قدرتها على اكتساب الرزق، ودورها الاقتصادي خارج الأسرة، ومحو الأمية والتعلم وحقوق الملكية وغير ذلك، تساهم إيجابياً في تعزيز وتقوية صوتها وصورتها ودورها الفعَّال، من خلال الاستقلال الاقتصادي والتمكين. وأوضح بأن رفاه المرأة يتأثر بقوة، وقدرة المرأة على اكتساب دخل مستقل، ومن ثم استقلالها الاقتصادي. وفي هذا يرى طه بأن المرأة لا يمكن أن تكون كريمة في الحق إلا إذا كان عندها استقلال اقتصادي. ويقول بأن إنفاق الرجل على الزوجة من أهم الأسباب التي نهضت عليها قوامة ووصاية الرجل على المرأة، فعلاقة الانفاق على المرأة من قِبَل الرجل، والموروثة عبر التاريخ، والتي جعلت للرجل على المرأة سلطان، يتم تصحيحها عبر استقلال المرأة الاقتصادي، الأمر الذي يرفع بعض المظالم عن المرأة مقابل الرجل. ويرى طه بأن خير فرص النساء، جميعهن، في الاستقلال الاقتصادي، ولكن، هذا لا يتحقق، كما يرى، إلا بالتنظيم الاجتماعي، الذي يعيد تقويم الانتاج، حتى تدخل المـرأة، الأم المنجبة، والمربية للأطفال، أعلى مراتب التـقدير بين جمهـرة المنتجين، وهي تنتج الإنسان.. وذلك هو ما عجزت عنه الاشتراكية، المادية، القائمة اليوم. ولهذا فإن رؤيته للاستقلال الاقتصادي للمرأة لا يجيء من أن كل امرأة يجب أن تشتغل، وإنما يجيء من إعادة النظر في إنتاج المرأة وإعادة تقدير عملها في بيتها، كما سيأتي تفصيل ذلك لاحقاً.  ومثلما أشار سن إلى أهمية التعليم في تمكين واستقلالية تعزيز فعالية المرأة، وتصحيح المظالم التي تفسد حياة ورفاه المرأة مقابل الرجل، فإن طه، يرى بأن التعليم، هو الذي يعطي الرجال والنساء حريتهم في ظل القانون، ويعلمهم حسن التصرف في الحرية، ويرى بأنالجهل هو عدوهما معاً“. ولهذا لابد من التعليم ليجيء الرجل الإنسان، الذي يحقق حريته، ويحرز فرديته، ولتجيء المرأة الإنسانة أيضاً وبالمثل. والمرأة الإنسان هي التي تمارس حريتها، وتحسن التصرف فيها، لتكون مسئولية عن عملها وخياراتها وقراراتها، وهي تقوم بدورها داخل الأسرة وخارجها.  وينظر طه إلى تعليم المرأة باعتباره السبيل لرشاد الرجال، فهو يقول: “لو تعلمت حواءاتنا لرشد آدمونا فإنك إن تُعلم امرأة تُعلم أمة وإن تُعلم رجلاً تُعلم فرداً“.

وأضاف عبدالله، قائلاً: يرى سن بإن المرأة ومن خلال عملها خارج البيت ودخلها المستقل يكون لها أثراً واضحاً على دعم وضعها الاجتماعي داخل البيت وفي المجتمع. وهنا تكون مساهمتها في رخاء الأسرة أكثر وضوحاً وتكون لها هي الأخرى كلمتها لأنها أقل تبعية واعتماداً على غيرها. علاوة على هذا فإن العمل خارج البيت، يتيح الفرصة للمرأة أن تعايش العالم خارج حدود البيت، ومن ثم تكون فعاليتها أقوى تأثيراً. كذلك امتلاك المرأة للممتلكات يجعلها أقوى فعالية في اتخاذ القرارات الأسرية. ويرى بإن هناك متغيرات متنوعة لها دور في تمكين المرأة. ويتعين ربط هذا الدور باعترافنا بأن قوة المرأة، في استقلالها الاقتصادي وتحررها الاجتماعي، يمكن أن تكون لها آثار بعيدة المدى على القوى وعلى المبادئ المنظمة التي تحكم التقسيمات داخل الأسرة وفي المجتمع ككل. كما يمكن أن تؤثر فيما هو مقبول ضمناً باعتباره استحقاقات المرأة. وهنا تأتي رؤية طه أشمل مما قال به سن. فقد تناول طه عمل المرأة خارج البيت، وعملها داخل البيت كذلك. ولكنه قَدَّم مفهوماً جديداً للبيت ولإنتاج المرأة داخله، ولهذا فإنني أرى من الأهمية بمكان تسليط الضوء على رؤيته لعمل المرأة في البيت.

وأوضح عبدالله، قائلاً: يرى طه بأن المرأة إذا كانت تستطيع التوفيق بين العمل والبيت بحيث يمكنها أن تعمل خارج البيت وفي داخله، فيمكنها أن تعمل. إن عملها يصب في القيام بدورها في الإسهام مع الرجل على قدم المساواة في تنمية المجتمع وبنائه، فضلاً عن المنافع الشخصية من الاستقلال الاقتصادي والمنافع لأسرتها وانعكاس ذلك على كينونتها ومكانتها في الأسرة والمجتمع. ويرى بأن ممارسة العمل تضبط الفكر، وتعمق التجربة، وتُنضج الشخصية. كما أن العمل في الخارج يتيح للمرأة فرصة الاحتكاك وتوسيع التجارب. هذا إلى عديد القِيَم التي تكتسبها المرأة في ممارسة العمل، مما تحتاجه لخـدمة مجتمعها، وبيتها، وأطفالها، ومما تحتاجه لتحرير مواهبها التي بها ارتقـاؤها، وكمالها الذاتي.

إن قضية المرأة كانت من أولى القضايا التي تبناها محمود محمد طه، كما أن دخوله السجن لأول مرة كان دفاعا عن المرأة بسبب ختان الاناث  الذى أراد المستعمر أن يع اقب مرتكبيه جنائيا فقط  وأراد هو أن تحارب  هذه العادة عن طريق التوعية والتعليم، الشئ الذى أغضب السلطات الاستعمارية آنذاك، فيعتبر طه أن  موضوع المرأة من أهم المواضيع التي يجب أن تعالج فكريا، حيث دعا الى تطوير التشريع فيما يختص بشريعة الأحوال الشخصية ، والى وضع المرأة من حيث التشريع في موضعها الصحيح، بعد أن تكون قد تلقت تعليمها و تقلدت مناصب عليا، محاولا تجاوز بذلك التزمت الفكرى الذى ظل ملازما للفكر الاسلامى تجاه وضع المرأة في التشريع الدينى، ومتجاوزا أيضا دعوات تحرير المرأة التى هدفت لتقليد الغرب، ومقدما فهما جديدا مستمداً من داخل المنظومة الدينية، يقوم على مساواة الرجال والنساء أمام القانون كمواطنين، و أيضا من داخل المنظومة الاجتماعية  كأفراد لهم مهام معينة داخل المجتمع، انطلاقا من فكرة تطوير التشريع الاسلامى نفسه، واستلهاماً أكبر لفكرة أن الدين الاسلامي هو دين و دنيا معا و أيضا بإعطاء أولوية كبرى لغرض الفكرة الدينية في المجتمعات التي هي الحياة الحرة الكريمة للنساء والرجال على قدم المساواة.

وقد كان أكبر تجسيدا لدعوته هذه العمل على فكرة المرأة الجمهورية نفسها التي جعلت الكثير من  تلميذات الاستاذ محمود من الجمهوريات التاريخ كأول طليعة من النساء تخرج للدعوة الى الدين بصورة جماعية ومنظمة، في ظاهرة فريدة ميزتها قوة الفكر و الوعي بمتطلبات العصر و قضايا الراهن، هذه المساواة الإجتماعية كان واضحاً بشأنها في خطابه لنساء السودان خاصة  و طبعا النساء المسلمات بشكل عام عندما قال “…اعلمن ان مساواة النساء بالرجال ليست مساواة المسطرة ، ولكنها مساواة القيمةومعنى ذلك أن المرأة ، فى نفسها كإنسان ، وفى المجتمع كمواطنة ذات قيمة مساوية للرجل ، فى نفسه كإنسان ، وفى المجتمع كمواطنوهذه المساواة تقوم وإن وقع الإ ختلاف فى الخصائص النفسية والعضوية فى بنية الرجال والنساءوهى تقوم وإن إختلفت الوظيفة الإجتماعية ، وميدان الخدمة للمجتمع الذى يتحرك فيه الرجال والنساءاعلمن أنه ليست هناك كرامة ترتجى لكُن إلا عن طريق بعث الإسلام ، بأحكام آيات الأصول ، حيث الحرية ، وحيث المسئولية ، وحيث المساواةفإن تم هذا البعث فإن الأرض ستشرق بنور ربها ، وستتم نعمة الله على سكانهاهذا هو وعد الله ، وهو لابد كائن ، فان الله قد تأذن بإنجاز ما وعد..”.

الدكتور سهام الشريف، أستاذة محاضرة في علم الاجتماع

مديرة مخبر الدين والمجتمع، جامعة الجزائر2، الجزائر

عدم المساواة وهيمنة الرجل

طه: مع المساواة فإن ميدان المنافسة سينتقل إلى معترك جديد لا يعتمد على سلاح قوة العضلات وإنماقوة العقل وقوة الخلق وليس حظ المرأة من ذلك بالحظ المنقوص“.

يرى سن بأن ظاهرة عدم المساواة بين الجنسين تتجلى بصورة أكثر سفوراً واستمرارية داخل المجتمعات الفقيرة التي تؤمن بالتحيز ضد الأنثى، وهيمنة الرجل.  ويتأثر هذا الانحياز ضد الأنثى، بالوضع الاجتماعي والسلطة الاقتصادية للمرأة عامة. وترتبط هيمنة الرجل، عند سن، بعدد من العوامل، منها: وضع الرجل باعتبار كسب قوت الأسرة، ومن ثم وبموجب سلطته الاقتصادية يأتي فرض احترامه داخل الأسرة. ويكشف الوجه الآخر للعملة عن دلائل قوية تؤكد أن المرأة حينما تكتسب دخلاً من عملها خارج البيت، فإن هذا يعزز وضعها نسبياً فيما يتعلق بتوزيع احتياجات البيت. كما أن تعليم المرأة وتمكينها، وتمليكها للقدرات، وتمتعها بحق الملكية الخاصة، يجعل من دورها الاقتصادي دوراً مهماً في تطوير منظومة القيم والتقاليد، إلى جانب دورها الحاسم في الأنصبة والحظوظ الاقتصادية (الرفاه والحرية)، وفي استقلالها الاقتصادي. ويرى سن بأن حرية المرأة في التماس وشغل وظيفة خارج البيت، يمكن أن تسهم في الحد من الحرمان النسبي، فالحرمان من الحق في العمل خارج المنزل، يُعد انتهاكًاً صارخاً لحرية المرأة  ويرى بأن الحرية في أي مجالٍ تساعد على ترسيخ الحرية في المجالات الأخرى (تعزيز التحرر من الجوع والمرض والحرمان النسبي). وفي هذا يرى طه بأن المساواة بين الرجال والنساء، ليست مساواة الميزان، والمسطرة.. وإنما هي مساواة القيمة.. الأمر الذي يقوم عليه تقييم دور وإسهام كل منهما. ومعنى مساواة القيمة، عند طه، أن المرأة، في نفسـها، كإنسان، وفي المجتمع، كمواطنة، ذات قيمة مساوية لقيمة الرجـل، في نفسه، كإنسان، وفي المجتمع، كمواطن.. وهذه المساواة تقوم وإن وقع الاختلاف في الخصائص، النفسية، والعضوية، في بنية الرجال والنساء.. و هي تقـوم، وإن اختلفـت الوظيفة الاجتماعيـة، وميدان الخدمة للمجتمع، الذي يتحرك فيه الرجال والنساء. أما بشأن ارتباط هيمنة الرجل بكسب قوت الأسرة، فإن طه يرى، بأن علاقة الانفاق على المرأة من قبل الرجل، والتي جعلت للرجل سلطان على المرأة، يتم تصحيحها عبر استقلال المرأة الاقتصادي، الأمر الذي يرفع بعض المظالم عن المرأة مقابل الرجل، وهي من مخلفات الماضي.

ويرى طه بأنه سيجيئ الوقت الذي يتم فيه تجاوز مُخَلَّفات الماضي والموروث عبر التاريخ، ليقوم فيه القانون مقام القوة، والاشتراكية مكان الرأسمالية، وعندها تَعطي قوامة الرجل على المرأة، بهيمنة الرجل، مكانها للمساواة بلا أدنى ريب. وبشمول المساواة في الفرص للرجال والنساء على السواء، فإن المزية لا تصبح إلى قوة الساعد وإنما إلى قوة العقل وقوة الخلق. ومع المساواة فإن ميدان المنافسة سينتقل إلى معترك جديد لا يعتمد على سلاح قوة العضلات وإنماقوة العقل وقوة الخلق وليس حظ المرأة من ذلك بالحظ المنقوص“.

طه: يدعو إلى إعادة تقييم إنتاج المرأة في البيت ليكون بمثابة تخصص

إشارات سن إلى عمل المرأة وإنتاجها في البيت

يقول المؤلف الدكتور عبدالله: لقد أشار سن إشارات عابرة إلى عمل المرأة وإنتاجها في البيت. فقد تحدث في محور: “الأسواق والحرية والعمل، ضمن الفصل الخامس: “الأسواق والدولة والفرصة الاجتماعيةمن كتابه، قائلاً: إن عمل المرأة في المنزل يمكن أن يكون قاصماً للظهر ، وأضاف بأنه على الرغم من ذلك فإن المرأة نادراً ما يتم تقدير عملها داخل البيت أو حتى الاعتراف به، وبالتأكيد لا تحصل مقابله على أجر. وهذا عين ما قاله طه. وعلى الرغم من إشارات سن هذه، إلا أنه لم يفصل في عمل المرأة وانتاجها في البيت؛ إنتاج الأبناء، إنتاج الإنسان، أهم أنواع الإنتاج كما هو الأمر عند طه. وبالتالي من الطبيعي أنه لم يتحدث عن إعادة تقييم عمل المرأة في البيت، وإعطاء الاعتبار لإنتاجها للإنسان، كما هو الحال عند طه. كذلك أشار سن إلى عمل المرأة في البيت في كتابه ضمن الفصل الثامن: “فعالية المرأة والتغيير الاجتماعي، في محور: “بقاء الطفل وفعالية المرأة، وذلك في إطار حديثه عن موقف الرجل من تلك الأعمال في البيت. وهي أيضاً إشارة تشبه ما قاله طه وبتوسع. لم يذهب سن إلى ما ذهب إليه طه بشأن تقييم عمل المرأة في البيت، وإعادة التقييم لعملها في إنتاج الأطفال. غير أن ما أشار إليه سن بشأن موقف الزوج من أعمال البيت، ناقشه أيضاً طه، قائلاً: مطلوب من المرأة في الأساس أن تؤدي عملها كما يؤديه زوجها بقدر عدد الساعات، ثم إذا ما رجعا للمنزل، يكون من حظ زوجها الراحة، ويكون من حظها هي أن تواصل العمل فيما يحتاج إليه منزلهما المشترك، من خدمات ضرورية، ومن عناية بالأطفال. ومثل هذا الشقاء تكون له نتيجة نفسية واحدة، مُحتّمة، هي الرغبة عن كثرة إنجاب الأطفال.. وهذا الميل النفسي يترك أثراً عضوياً هو انخفاض الخصوبة.

وأضاف الدكتور عبدالله: تناول سن انعكاس ضعف دخل المرأة على مكانتها وتمكينها. وقال إذا كانت المرأة تعمل ساعات طوالاً خارج البيت بدخل قليل أو بلا مقابل، فإن مصير عملها الإهمال غالباً عند حساب إسهامات كل من الرجل والمرأة في تحقيق الرخاء المشترك للأسرة. ولكن حين يكون عملها خارج البيت وكسبها للأجر فإن مساهمتها في رخاء الأسرة تكون واضحة للعيان. كذلك تكون كلمتها مسموعة أكثر لأنها أصبحت أقل اعتماداً على الآخرين. ويبدو واضحاً أيضاً أن المكانة الرفيعة للمرأة تلقي بظلالها على الأفكار المتعلقة بحقوق الطفلة الأنثى. ولهذا فإن حرية المرأة في الحصول على وظيفة والعمل خارج البيت، يمكن أن تسهم في الحد من الحرمان النسبي، والمطلق، للمرأة. ويبدو أن الحرية في مجال ما (في أن يكون من حقها العمل خارج البيت) تساعد على ترسيخ الحرية في المجالات الأخرى (تعزيز التحرر من الجوع والمرض والحرمان النسبي).  وهنا نجد أن رؤية طه تنظر إلى عمل المرأة في البيت وإنتاجها للأطفال، باعتباره حق من حقوقها، وعنصر أساسي في التنمية التي غايتها الإنسان، وهدفها تحريره. ولهذا فقد دعا طه إلى ضرورة أن تُدخِل الدولة في تقييمها الاقتصادي عمل المرأة في البيت، فضلاً عن مناداته بإعادة تقييم إنتاج المرأة في البيت ليكون بمثابة تخصص. وقد نجح الفكر الرأسمالي وكذلك التجارب الاشتراكية في تهميش عمل المرأة في البيت، وتهميش كذلك إنتاج الأطفال الذي تقوم به المرأة، وقد ورد التفصيل في ذلك ضمن كتابنا.

حاجة الدولة لإعادة تقييم إنتاج المرأة في البيت وإدخاله ضمن تقييمها الاقتصادي

يقول مؤلف الكتاب الدكتور عبدالله الفكي البشير:  يرى طه بأن عمل المرأة وإنتاجها في البيت، لا يختلف عن الإنتاج في الحقل أو الورشة أو المصنع أو المستشفى أو المدرسةإلخ. ولكن رسخ عند الناس بأن العمل هو الإنتاج في الحقل أو المصنعإلخ، بسبب أثر التفكير الرأسمالي والتجارب الاشتراكية في تهميش إنتاج المرأة، وقد فصلنا ذلك في كتابنا، بينما العمل في البيت، ليس بعمل لأنه لا يأتي بعائد ملموس، وهذا ما عدَّه طه من آثار التفكير الرأسمالي. كما أن مسألة عدم مساواة أجر المرأة بالرجل وارتباط ذلك بما تحتاجه المرأة من إجازات أثناء العمل نسبة لما تمر به من ظروف ولادة وغيرها، وارتباط كل ذلك بالإنتاجية المادية، فإنه يعود إلى التقييم الرأسمالي. إن الفهم الخاطئ للمساواة بين الرجال والنساء والتي عند البعض تقوم على المقدرة المتساوية على قوة الاحتمال، هو فهم خاطئ وقد تركَّز في أذهان الناس. ويرى طه بأن عمل المرأة وإنتاجها في البيت لا يقف عند حد الأعمال المنزلية التي تقصم الظهر، كما ذهب وصفه أمارتيا سن، وإنما يتصل بدورها في إنجاب الأطفال، وهو أعظم دور في الحياة. هذا الدور،  كما يقول طه، يفوق دور صُنع الطائرات وصنع الصواريخ لأنه به صُنع الإنسان سيد الطائرات وسيد الصواريخ. فالمرأة تنتج الإنسان نفسه، وهو أعلى أنواع الإنتاج. ومع وظيفة الأمومة، فإن طه يدعو إلى إعادة النظر في عمل المرأة وإنتاجها في البيت، باعتباره تخصصاً، يجب أن تُدخله الدولة ضمن تقييمها الاقتصادي، وفي ميزانيتها. فهو لا يقل عن مستوى العمل في المصنع أو الجامعةإلخ. فالأمر، كما يرى، لا يعدو أن يكون عملية تقسيم للوظيفة بين إنتاج الأطفال في البيت والإنتاج في المصنع، فالعملان متساويان في القيمة لخدمة المجتمع، بيد أن ما تميزت به المرأة هو إنجاب الأطفال، إنتاج الإنسان.

نماذج من النصوص المتشابه بين محمود محمد طه وأمارتيا كوما سن

يقول المؤلف الدكتور عبدالله الفكي البشير: حاولت في هذا الكتاب التعريف برؤية المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه صاحب الفهم الجديد للإسلام، تجاه التنمية، من خلال إجراء مقاربة مع آخر أطروحات ما بلغه تطور الفكر التنموي في العالم: التنمية حرية.

إن مظاهر الحرمان النسبية في رفاه المرأة كانت، ولا تزال، حاضرة يقيناً في العالم الذي نعيش فيه“.

أمارتيا سن، 1999

إلى أكبر من استضعف في الأرض، ولا يزال.. إلى النسـاء…”.

محمود محمد طه، 1971

إن ناتج مشاركة المرأة لا يقتصر فقط على أن يدر دخلاً لها، وإنما يحقق كذلك منافع اجتماعية تكون نتيجة لتعزيز مكانتها واستقلالها“.

أمارتيا سن، 1999

المرأة لا يمكن أن تكون كريمة في الحق إلا إذا كان عندها استقلال اقتصادي

محمود محمد طه، 1972

إن العمل خارج البيت، غالباً ما يكون مفيداً (تعليمياً) من حيث معايشة المرأة للعالم خارج حدود البيت، ومن ثم تكون فعاليتها أقوى تأثيراً. ويعزز تعليم المرأة بالمثل دورها الفاعل فضلاً عن أنها تصبح أغنى معلومات وأكثر مهارة. كذلك امتلاك المرأة للممتلكات يجعلها أقوى فعالية في اتخاذ القرارات الأسرية“.

أمارتيا سن، 1999

بالعمل ينضبط الفكر، وتتعمق التجربة وتنضج الشخصية.. هذا إلى عديد القيم التي تُكسِبها ممارسة العمل المرأة، مما تحتاجه في خـدمة مجتمعها، وبيتها، وأطفالها، ومما تحتاجه في تحرير مواهبها التي بها ارتقـاؤها، وكمالها الذاتي“.

محمود محمد طه، 1971

إن الدور المحدود والمُقيِّد للفعالية النشطة للمرأة يضر ضرراً بليغاً بحياة جميع الناس، الرجال والنساء، الأطفال والكبار على السواء. وإذا كانت هناك الأسباب الملحة التي تدعونا إلى ألا نتوانى في الاهتمام برفاه المرأة وشقائها، وإلى أن نواصل الاهتمام بمظاهر معاناة وحرمان المرأة، هناك أيضاً ضرورة ملحة وأساسية، خاصة في وقتنا هذا تدعونا إلى أن نلتزم نهجاً فاعلاً ونشطاً إزاء جدول أعمال المرأة“.

أمارتيا سن 1999

على كرامة المرأة تتوقف كرامة الرجال والأطفال، بل بدون كرامة المرأة، لا يمكن أن تكون للرجال كرامة، ولا يمكن أن يكون الأطفال كراماً، ولا يمكن تحقيق بناء المجتمع الصالح والكامل والعادل، فالمرأة أكبر مظهر للمجتمع الناهض، المُنمَّى، في كمه وكيفه، ولا يكون اكتمال النهضة إلا بتحرك المرأة لتنهض وتكافح في سبيل حقوقها“.

محمود محمد طه، 1972

إن فعالية المرأة وصوتها النابعان من التعليم والعمل، يمكن بدورهما أن يؤثرا على طبيعة المناقشة العامة حول مجموعة متنوعة من الموضوعات الاجتماعية، بما في ذلك معدل الخصوبة المقبول (ليس فقط في أسرة النساء المعينات أنفسهن) والأولويات البيئية “.

أمارتيا سن، 1999

إن المرأة، حين تُعد لتكون أماً، بأن تُعلَم كل ما يؤهلها لهذه الوظيفة الحيوية المتشعبة، لا تقل خدمتها للمجتمع، في نظر المجتمع، عن خدمة أخيها الذي يُعد ليكون مهندساً، أو طبيباً، أو مشرعاً.. وليس لإعداد الأمومة الصالحة حد تقف عنده، فإن الفتاة كلما عَلِمت كلما زادت كفاءتها في ميدان الأمومة نفسها.

محمود محمد طه، 1967

(وفي الحلقات القادمة سنقدم المزيد من النصوص المتشابهة)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق