خبراء المناخسياسة

هل يكفي خفض الانبعاثات الكربونية لحماية العالم من آثار التغيرات المناخية ؟

عبد العالي الطاهري

تضع معظم دول العالم هدفاً مفصلياً بمرجعية بيئية، وهو المتمثل في تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وخفض الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، في أفق حماية كوكب الأرض من التغيرات المناخية الضارة التي يتسبب فيها ثاني أكسيد الكربون، وهو الأمر الذي تؤكد دراسة حديثة أنه غير كافٍ للوفاء باتفاقية باريس للمناخ.

وقالت وكالة الأنباء الفرنسية إنَّ تقريرًا تاريخيًا للأمم المتحدة، صدر الإثنين 4 أبريل/نيسان 2022، يُظهر أنَّ خفض الانبعاثات الكربونية لم يعد كافيًا «إذا أردنا إنقاذ العالم من ويلات تغير المناخ، بل سيتعين استخراج ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي ودفنه».

وأضافت الوكالة الفرنسية: « ذكر التقرير بوضوح أنَّ الجهود المبذولة للحد من الانبعاثات المسببة لغازات الاحتباس الحراري كان ينبغي اتخاذها قبل 20 عامًا من الآن ».

زيادة الانبعاثات الكربونية في العالم

قال تقرير وكالة الأنباء الفرنسية إن خفض الانبعاثات الكربونية بنحو 2% سنويًا حتى حلول 2030، كان من شأنه أن يُسهِم في وضع العالم على الطريق الصحيح، وعلى الرغم من صعوبة الأمر؛ فإنه كان من الممكن تنفيذه.

لكن على العكس من ذلك، شهد العالم قفزة بنسبة 20% في الانبعاثات الكربونية، التي بلغت أكثر من 40 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون في عام 2021.

ولمعالجة التغيرات المناخية الحالية، يتطلب الأمر خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 6 إلى 7% للوفاء باتفاقية باريس بشأن تغير المناخ.

وتُعَد اتفاقية باريس للمناخ أول اتفاق دولي شامل لحماية المناخ، جرى التوصل إليه في 12 ديسمبر/كانون الأول 2015، ويُلزم الاتفاق الدول الموقعة عليه -197 دولة- باحتواء معدل الاحتباس الحراري، وتخفيضه إلى ما دون 1.5 درجة مئوية سنويًا.

وفي عام 2020، انخفضت الانبعاثات الكربونية بنسبة 5.6% فقط بسبب حالة الإغلاق التي سيطرت على الاقتصاد العالمي لمكافحة فيروس كورونا، بحسب الخبراء.

ويتوقع العلماء أنه حتى في حال نجاح خفض الانبعاثات الكربونية، سيحتاج العالم إلى استخراج عدة مليارات من أطنان ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وحرقه، وفقًا لموقع مينت.

وتُسهِم هذه التكنولوجيا في تحقيق الحياد الكربوني في قطاعات مثل الطيران والنقل البحري وصناعة الأسمنت.

وفي الوقت الحالي، لا توجد منشأة يمكنها تحقيق هذه الأهداف، حتى أكبر منشأة في العالم لامتصاص الكربون من الجو، تستغرق عامًا كاملًا في القضاء على ثاني أكسيد الكربون الذي ينبعث من البشر في 3 إلى 4 ثوانٍ.

الحياد الكربوني في الهند

تعهّد رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، خلال قمة المناخ «كوب 26» في غلاسكو، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بخفض الانبعاثات الكربونية في الهند بمقدار مليار طن بحلول عام 2030، بالإضافة إلى تقليص كثافة الكربون في اقتصاد البلاد بأقل من 45% بحلول نهاية العقد، وتحقيق الحياد الكربوني في البلاد بحلول عام 2070.

وخلال العام الماضي، برزت الهند باعتبارها واحدة من أقوى الداعمين للحد من آثار تغير المناخ وتحقيق الحياد الكربوني، عندما تعهدت باتخاذ خطوات جدية في هذا الاتجاه؛ حيث أعلنت الهند تبني خطط للتحول إلى الكهرباء ووقود الهيدروجين للنقل.

ودعا رئيس الوزراء الهندي البلدان المتقدمة إلى تقديم تمويلات بقيمة تريليون دولار لمساعدة الدول النامية على الحد من التأثيرات السلبية لتغير المناخ، وتحقيق الحياد الكربوني.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وهي هيئة تابعة للأمم المتحدة، إن مستوى سطح البحر ارتفع بمقدار ضعفين -أي 4.3 ملليمتر سنويًا- بين عامي 2013 و2021، ومن المتوقع أن يقفز معدل الارتفاع بصورة أكبر في العقد المقبل، بسبب زيادة الانبعاثات الكربونية.

الحياد الكربوني.. الطموح البيئي للشركات لم يدفعها لمعالجة انبعاثات سلاسل التوريد

0يحظى الوصول إلى الحياد الكربوني بأهمية كبرى عالميًا في الأونة الحالية، في محاولة للسيطرة على مخاطر تغير المناخ، وحماية كوكب الأرض.

وأشارت بيانات مؤسسة مشروع الكشف عن الكربون «كاربون ديسكلوجر بروجكت» (سي دي بي)، التي تجمع البيانات البيئية نيابة عن مئات المستثمرين، إلى أن كبير مسؤولي المشتريات قد يكون أهم موظف معني بتحقيق أهداف الحياد الكربوني لدى الشركات ذات الصلة.

وكشف تقرير حديث صادر عن مؤسسة الكربون «كاربون ديسكلوجر بروجكت» عن أن الانبعاثات في سلاسل التوريد المنسوبة إلى السلع والخدمات التي تشتريها الشركات تُعدّ، في المتوسط، أكبر بـ11.4 مرة من الانبعاثات التشغيلية.

علاوة على ذلك، تكمن التأثيرات المناخية لمعظم الشركات في سلاسل التوريد لديها؛ حيث تطرح معالجة انبعاثات الكربون (من حيث الاستكشاف والإنتاج) النطاق 3 مشكلات تتعلق بالحساب والتأثير، وفقًا لما نشره موقع «إنرجي مونيتور ».

ويتوقع المستثمرون وأصحاب المصلحة المعنيون أن تضمّن الشركات هذه الانبعاثات في أهدافها للحياد الكربوني، وأن تؤدي دورًا نشطًا في الحد منها.

وتقول رئيسة برنامج سلاسل القيمة العالمية في مشروع الكشف عن الكربون (سي دي بي)، سونيا بونسل، إنه لا يمكن للشركات، التي ترغب في الالتزام بالحد من ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض إلى ما دون مستوى 1.5 درجة مئوية، التعامل فقط مع نسبة ضئيلة من ملف انبعاثاتها.

تقرير انبعاثات سلاسل التوريد

أصدرت مؤسسة مشروع الكشف عن الكربون «كاربون ديسكلوجر بروجكت» (سي دي بيمؤخرًا أحدث تقرير من برنامج سلسلة التوريد الذي أشار إلى أن التقدم في إدارة الانبعاثات في سلسلة التوريد للوصول إلى الحياد الكربوني بطيء.

وتضمّن التقرير بيانات نحو 200 شركة كبرى، بإجمالي إنفاق سنوي على المشتريات يبلغ 5.5 تريليون دولار، وتطلّب جمع معلومات من نحو 27 ألف مورد حول المخاطر والفرص المتعلقة بالقضايا البيئية، بما في ذلك المناخ والغابات والأمن المائي.

ومن أصل نحو 11400 مورد ممن استجابوا للتقرير، تبيّن أن 44% فقط لديهم أهداف مناخية و1 فقط من كل 40 منها وافق عليها؛ حيث تتماشى الأهداف المستندة إلى العلم للوصول إلى الحياد الكربوني مع الجهود للحفاظ على درجة حرارة الأرض أقل من 1.5 درجة مئوية من ظاهرة الاحتباس الحراري.

ويتطلع عدد قليل من المورّدين إلى مواصلة هذا الجهد في سلاسل التوريد لديهم؛ ويتفق 38% فقط من المستجيبين مع مورديهم بشأن معالجة التغير المناخي.

غياب الطموح

توجد أسباب تجارية جيدة لمعالجة انبعاثات سلسلة التوريد بخلاف معالجة انبعاثات الكربون، ويمكن أن تكون مصدرًا للتكلفة المحتملة للمشترين.

وقالت رئيسة برنامج سلاسل القيمة العالمية في مشروع الكشف عن الكربون )سي دي بي(، سونيا بونسل، إن بيانات تقرير برنامج سلسلة التوريد تُظهر أن الطموح البيئي للشركات لا يزال بعيدًا عن تحقيق غاياته.

وأضافت أن الشركات تعطي معلومات ضئيلة عندما يتعلق الأمر بتقييم انبعاثاتها غير المباشرة والتعامل مع مورديها لتقليلها.

ووفقًا لتقرير سلسلة التوريد للعام الماضي من مشروع الكشف عن الكربون (سي دي بي)؛ فإن نحو 1.26 تريليون دولار من الإيرادات معرضة للخطر على مدى السنوات الـ5 المقبلة بسبب التأثيرات الناجمة عن التغير المناخي وإزالة الغابات وانعدام الأمن المائي.

وقدّر المورّدون البالغ عددهم 8 آلاف، الذين استجابوا لهذا الاستطلاع على نقل تكاليف متزايدة قدرها 120 مليار دولار إلى عملائهم.

إضافة إلى ذلك، يطرح تحديد المسؤولية عن الانبعاثات ضمن سلاسل القيمة قضايا حسابية شائكة تتعلق بتقليل الانبعاثات التي ليست لدى الشركات سيطرة مباشرة عليها.

وتندرج تصنيفات انبعاثات المؤسسات ضمن 3 نطاقات، وفقًا لبروتوكول غازات الاحتباس الحراري، وهو معيار عالمي طوره معهد الموارد العالمية ومجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة.

ويغطي النطاق 1 الانبعاثات المباشرة، مثل العمليات الصناعية أو انبعاثات المركبات المملوكة للشركة.

ويمثل النطاق 2 الانبعاثات الناتجة عن شراء الكهرباء أو الحرارة، وتشير انبعاثات النطاق 3 إلى الانبعاثات الناتجة عن السلع أو الخدمات المشتراة -الموجودة في سلسلة التوريد- أو الصادرة عن استخدام المنتجات التي تنتجها الشركة وتتخلص منها.

تحديد نطاق الانبعاثات

ذكر تقرير سلسلة التوريد للعام الماضي من مشروع الكشف عن الكربون(سي دي بي( أنه لا يمكن للشركات، التي تسعى إلى تقديم التزام بمعالجة التغير المناخي، اجتناب معالجة انبعاثات سلسلة التوريد.

ويُعَد توجيه مبادرة الأهداف المستندة إلى العلم )إس بي تي آي( – الذي يمثل المعيار الذهبي لأهداف انبعاثات الشركات- واضحًا؛ فإذا كانت انبعاثات النطاق 3 للشركة مسؤولة عن أكثر من 40% من إجمالي انبعاثات النطاق 1 و2 و3؛ فيجب أن تختار الشركات هدف النطاق 3.

بدوره، يحدد بروتوكول غازات الدفيئة العالمي 8 فئات من الانبعاثات الأولية، هي: السلع والخدمات المشتراة والسلع الرأسمالية والأنشطة المتعلقة بالوقود والطاقة غير المدرجة في النطاقين 1 و2؛ والنقل والتوزيع.

وتليها النفايات المتولدة في العمليات ورحلات العمل وتنقل الموظفين والأصول المؤجرة في أنشطة الاستكشاف والإنتاج.

ويمكن أن تمثل هذه الفئات الـ8 أهدافًا لتقليل الأحجام المطلقة للانبعاثات، أو كثافة الانبعاثات، أو أهدافًا للمشاركة مع الموردين لتشجيعهم على تحديد أهدافهم المستندة إلى العلم.

التعاون في خفض الانبعاثات

تتعاون بعض الشركات مع مورّديها لمعالجة بعض المصادر الرئيسة للانبعاثات، وقد التزم عدد من صانعي السيارات الأوروبيين بشراء الفولاذ الأخضر المحايد كربونيًا من المنتجين؛ ما يمنح الأخير الثقة للاستثمار في منشآت إنتاج جديدة ومتجددة تعمل بوقود الهيدروجين.

وأعلنت شركة إيكيا السويدية لبيع الأثاث بالتجزئة، العام الماضي، خطة لدعم نحو 1600 مورد مباشر في التحول إلى الطاقة المتجددة بهدف الوصول إلى الحياد الكربوني.

وسيشمل البرنامج، الذي أطلقته شركة إيكيا -مبدئيًا- في بولندا والصين والهند، مفاوضات تجريها الشركة بشأن اتفاقيات شراء الكهرباء نيابة عن مورديها، بالإضافة إلى تقديم تمويل مدعوم لتوليد الطاقة المتجددة في الموقع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق