
اليمين المتطرف المعتدل
أحمد الونزاني
يعد حزب التجمع الوطني الفرنسي الجمهوري، من الأحزاب السياسية ذات التوجه الوطني الراديكالي و العلماني والعنصري والإقصائي و لكن بشكل معتدل. و بعد فوز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بولاية ثانية بنسبة لا تقل عن 58% من مجموع الأصوات المعبر عنها من قبل الناخبين، فيما حصلت ماري لوبان على ما نسبته 42%من مجموع أصوات الناخبين الفرنسيين، و يعد هذا رقما قياسيا يحصل عليه ممثل حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، و هذا مؤشر على مدى تنامي ظاهرة العنصرية داخل المجتمع الفرنسي.
وهي ظاهرة متجذرة في أوروبا عموما و تشكل مذهبا فكريا يمجد العنصر البشري الأبيض حتى التقديس و يرى في المختلفين مجرد رعاع و عبيد ،لا يستحقون الحياة، فمابالك باي حق من حقوق الإنسان.
وبهذا يمكن ان نتحدث عن فرنسا العنصرية ذات الوجهين المعتدل والمتطرف. المعتدل إلى حد التضييق و التمييز، والمتطرف إلى حد الإقصاء و الكراهية و الغاء الآخر والمطالبة بفرنسة فرنسا، أو فرنسا للفرنسين فقط و كذلك سن سياسة الترحيل لكل المغتربين و الأجانب من اعراق غير أوروبية.
تعمل كل التيارات السياسية اليمينية بأوروبا بوجهين: وجه معتدل و آخر متطرف .إلا أن لكلا الوجهين نفس الأهداف :الإقصاء و إلغاء الآخر سياسيا و ثقافيا و اجتماعيا .
و النتائج الأخيرة للانتخابات الرئاسية الفرنسية، تظهر ذلك بصورة أوضح من ذي قبل. كما أن صعود نجم الأحزاب السياسية اليمينية بأوروبا بدى جليا في العقد الأول من الألفية الثالثة، و بصفة خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 أو ما سمي بغزوة نيويورك. و يعد هذا مؤشر على تنامي ظاهرة العنصرية و الكراهية في الغرب عموما.
فرنسا الأنوار و بلاد الحريات و حقوق الإنسان و الحق في الاختلاف ، عادت إلى عصور الظلام بنخبها السياسية الضيقة الأفق و الفكر ،عادت إلى تبني خطاب الكراهية و الإقصاء و الحقد و الاستئصال و تبني الفساد السياسي و الاستبداد السلطوي في جهات خارجية من أجل الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والتجارية والاستثمارية ،دون مراعاة حقوق الشعوب في الحرية و العيش بكرامة و الندية في المعاملات الاقتصادية منها و حتى الإنسانية.
فرنسا ذات التاريخ الاستعماري الدموي، و السيئ الذكر، عليها أن تقدم اعتذارا رسميا و مكتوبا على اجرامها في حق شعوب الدول التي استعمرتها و على سياساتها التعسفية بتدخلها الغير مرغوب فيه في سياسات والشؤون الداخلية لمستعمراتها القديمة، ونهبها لثروات تلك الشعوب.
كما على فرنسا أن تشكر و تشعر بالفخر من اولائك المهاجرين الذين ساهموا في صنع و بناء الدولة الفرنسية، و هم متجردين من كل شيء له علاقة بتاريخ فرنسا الاستعماري.
على فرنسا أن تعيد تقييم سياساتها الخارجية و ذلك بعدم حشر انفها في سياسات مستعمراتها و خصوصا ما تعلق بحقوق الشعوب السياسية و الاجتماعية ،كما يجب على فرنسا أن تغير سياساتها الداخلية أيضا و ان تسن قوانين جديدة تسمح بالحق بالادماج و الحق في الاختلاف ،مع التخفيف في إجراءات الهجرة مراعاة للجانب الإنساني و الوضع الهش السياسي و الاجتماعي و الإقتصادي الذي تعيشه معظم دول العالم الثالث و المنطقة العربية.
النخب السياسية الحاكمة في أوروبا والنخب المثقفة، عليها أن تخرج من تقوقعها السلبي، قبل فوات الأوان و ان تنتج فكرا تحرريا مناهضا لكل أشكال التمييز والعنصرية و الإقصاء و الكراهية للغير و المختلف عرقيا و دينيا و ثقافيا .
أوروبا التي تزداد قاعدة الشيخوخة في هرمها السكاني، ستجد نفسها في غرفةالإنعاش ولا مفر لها إلا بجعل الإدماج سبيلا و التعايش مع الآخر هدفا لإنقاذ ساكنة أوروبا من الزوال .
الفشل السياسي للنخبة الحاكمة في فرنسا، فشل في تدبير الأزمات المجتمعية الداخلية، فشل في تحقيق الإدماج للجاليات المغتربة، فشل في كبح جماح العنصرية المتصاعدة، فشل اقتصادي و أخلاقي وقيمي، حتما سيؤدي إلى إسقاط الدولة الفرنسية. ومن دون مراجعات فكرية ترسم خطوط المستقبل للدولة الفرنسية و خطة إنقاذ، ستتسع الهوة المجتمعية، مما قد ينبئ بالانقسام المجتمعي بين مكونات الشعب الفرنسي.