
المؤسسات الدينية: تغذية التكفير والهوس الديني
“إن الإسلام بقدر ما هو قوة خلاقة إذا ما انبعث من معينه الصافي واتصل بالعقول الحرة وأشعل فيها ثورته وانطلاقه بقدر ما هو قوة هدامة إذا ما انبعث من كدورة النفوس الغثة واتصل بالعقول الجاهلة واثار فيها سخائم التعصب والهوس“.
محمود محمد طه، ديسمبر 1958
“إن الإسلام سلاح ذو حدين إذا أخذ عن علم ومعرفة رفع الناس إلى أوج الرفعة والإنسانية والرقي وإذا أخذ عن جهل ارتد بالناس إلى صور من التخلف البشع الذي يحارب باسم الله كل مظهر من مظاهر التقدم والفهم “.
محمود محمد طه، نوفمبر 1964
الكشف عن دور المؤسسات الدينية في تغذية التكفير والهوس الديني (5- 7)
السجل التاريخي لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف السودانية العدائي تجاه المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه ودورها غير الأخلاقي في التضليل وتغذية مناخ الهوس والتكفير في الفضاء السوداني والإسلامي (1-2)
يكشف هذا الكتاب، كما يقول مؤلفه المفكر السوداني والباحث الجاد الدكتور عبد الله الفكي البشير، عن دور المؤسسات الدينية في تغذية التكفير والهوس الديني في السودان، وفي الفضاء الإسلامي، وذلك من خلال مواقفها من المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه. طرح طه الفهم الجديد للإسلام عام 1951، وأخذ يفصل فيه ويدعو له، فما لبث أن واجه الحكم بالردة عن الإسلام عام 1968، ومرة أخرى بالردة والإعدام، ليتم تنفيذ حكم الإعدام عليه في الخر طوم صباح 18 يناير 1985. ويقول المؤلف: رصد الكتاب دور المؤسسات الدينية في تكفيره، والحكم عليه بالإعدام، فانتخب خمساً منها، تقصي مواقفها وخاطب القائمين عليها اليوم، والمؤسسات الخمس هي: الأزهر، ورابطة العالم الإسلامي، وجامعة أم القرى، وجامعة أم درمان الإسلامية، ووزارة الشؤون الدينية السودانية، كما عرج على الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وهيئة علماء السودان. التزم الكتاب بمنهج توثيقي صارم، وسعى لإظهار جمود الفكر، وضعف الورع العلمي، وتناقض المواقف في تلك المؤسسات. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، كان الأزهر في 5 يونيو 1972 قد أفتى بكفر محمود محمد طه، ووسم فكره بأنه “كفر صراح“، ليجيء شيخ الأزهر بعد نحو نصف قرن من الزمان، ليعلن موقف الأزهر من التكفير في 28 يناير 2020، قائلاً: “التكفيرُ فتنةٌ ابتليت بها المجتمعات قديمًا وحديثًا، ولا يقول به إلا متجرئ على شرع الله تعالى أو جاهل بتعاليمه، ولقد بينت نصوص الشرع أن رمي الغير بالكفر قد يرتدُّ على قائله فيبوء بإثمه، والتكفير حكم على الضمائر يختص به الله سبحانه وتعالى دون غيره“. وبنفس القدر كانت رابطة العالم الإسلامي قد أصدرت حكماً بردة محمود محمد طه قبل نحو نصف قرن من الزمان، لنجدها اليوم تتبنى قيادة الاعتدال، ورفض التكفير، ومحاربة الغلو والتطرف.
ويضيف المؤلف، قائلاً: أما جامعة أم درمان الإسلامية فقد كانت مطية الأزهر في تغذية التكفير والهوس الديني، وتكييف المزاج الديني في السودان. فقامت بدور خطير في غرس الفتنة وبث ثقافة الردة، ولا يكفي تطهيرها، إلا بإعادة النظر في فكرة وجودها. كذلك تجلى دور جامعة أم القرى في إجازتها لأول أطروحة دكتوراه عن الفهم الجديد للإسلام، مثَّلت الأطروحة أنصع نموذج لنشر الجهل، وتسييل الخرافة والخزعبلات، فضلاً عن تلويث الفضاء الإسلامي والإنساني. وكذلك الحال كانت هيئة علماء السودان، منبعاً للشرور الفكرية، ولا سبيل للتعافي من شرورها إلا بحلها وإعادة تعليم منتسبيها. أما دور وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، فكان على الصعيدين الداخلي والخارجي، ولا يمكن وصفه بأقل من الغدر، والتآمر، على الفهم الجديد للإسلام وصاحبه.
وخلص المؤلف، قائلاً: يُعبر هذا الكتاب بفصاحة عن أزمة الفكر الإسلامي، ويقدم دليلاً ناصعاً على ضعف الوازع الأخلاقي في المؤسسات الدينية، وغياب فضيلة الرجوع إلى الحق في تاريخها إزاء إرثها التكفيري. ولهذا، فالكتاب يدعو إلى الثورة الأخلاقية، لتحرير الشعوب الإسلامية من هيمنة المؤسسات الدينية، ومن وصاية رجال الدين، مُذكراً بأن دور الثورات الشعبية في تغيير الأنظمة السياسية لم يعد كافياً، وإنما المطلوب الثورة الفكرية التي تؤدي إلى الثورة الثقافية.
الدكتور عبد الله الفكي البشير
مؤلف الكتاب
المدائن وانطلاقاً من رؤيتها وواجبها الثقافي والأخلاقي والتزامها الإنساني تدعو إلى دراسة دور المؤسسات الدينية في تعزيز السلام العالمي وتحقيق الاستقرار الإنساني
من مقدمة الناشر، دار بدوي للنشر والتوزيع (ألمانيا)
تنطلق دار بدوي للنشر من رؤية قوامها أن تعمير الحياة وأنسنتها واجب ثقافي وأخلاقي والتزام إنساني، الأمر الذي يتطلب العمل بإتقان واستمرار في سبيل تسييل الفكر والعلم، وتبادل المعارف والتجارب. كما تؤمن الدار بأن الحوار الحر المسؤول هو السبيل الأمثل إلى تعارف العقول وتفاهم الثقافات وقبول الآخر، ومن ثم تحقيق التعايش وبناء السلام… إن الدار تشجع إجراء المراجعات والتنقيب بإعمال الحس النقدي ذي الطابع الاستكشافي، لإلقاء الضوء على المبادرات الخلاقة في الفكر الإسلامي الداعية للتغيير والتحرير والتطوير وإقامة السلام. وقد سعى المختلف مع هذه المبادرات الخلاقة، بالشراكة مع الجاهل بها، والخائف منها، من أصحاب الامتيازات، وعبر تحالف غير مكتوب، إلى طمسها وحجبها عن الفضاء الإسلامي والإنساني، بإشهار سلاح التكفير والردة عن الإسلام.
ولعل كتابنا هذا، والذي أعده المفكر الفذ والباحث الجاد، الدكتور عبد الله الفكي البشير، يخاطب أزمة الفكر الإسلامي، وراهن المؤسسات الإسلامية، ويصب فيما نصبو إليه من إجراء المراجعات، والبعث للمبادرات الخلاقة. فالكتاب يجئ في إطار مشروع بحثي مفتوح ومستمر تعهد به الدكتور عبد الله وهو يتمحور حول الفهم الجديد للإسلام لصاحبه محمود محمد طه، وقد نشر عبد الله العديد من الكتب والأوراق العلمية، وقد تشرفت دار بدوي بنشر أربعة كتب منها، وبصدد نشر كتب أخرى منها.
إننا نقدم اليوم هذا الكتاب، تقديراً واحتراماً للمفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه، واحتفاءً بالعمل البحثي العلمي الجاد والمسؤول الذي قام به المؤلف، والذي جعلنا، ونحن أمام تيار الوعي المتنامي، نقف على كشف المؤامرات، ونشهد ذوبان سردية الكسل العقلي وتناسل الجهل، كما وسمها المؤلف، أمام شمس الحق.
محمود محمد طه: “إلى الشعب السوداني: الذي لا تنقصه الأصالة، وإنما تنقصه المعلومات الوافية.. وقد تضافرت شتى العوامل لتحجبه عنها“
يقول الدكتور عبد الله كنت قد أرسلت إلى السيد/ نصر الدين مفرح، وزير الشؤون الدينية والأوقاف (السابق)، رسالة في 18 أغسطس 2020 كما نشرتها رسالة مفتوحة له في (14) صحيفة وموقع الكتروني، غير أنه لم يصلني منه رداً. ثم اتيحت لي الفرصة أن أقدم مداخلة وأتحدث مباشرة مع السيد/ الوزير في لقاء تنويري قدمه بشأن: الوضع الحالي في السودان والإنجاز التاريخي في مجال الحريات الدينية وخروج السودان من الـ (Watchlist)”، في واشنطن بتاريخ 22 مايو 2021. وفي مداخلتي أثرت موضوع رسالتي له (وسأتناول تفصيل ذلك في حلقة يوم الأحد القادم)، وعلى الرغم من كل ذلك لم يصلني رداً حتى تاريخ مغادرة الوزير لموقعه. كان موضوع الرسالة عن السجل التاريخي لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف السودانية العدائي تجاه المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه ودورها غير الأخلاقي في التضليل وتغذية مناخ الهوس والتكفير في الفضاء السوداني والإسلامي، فكتبت له، قائلاً: انطلاقا من الواجب الثقافي والأخلاقي تجاه السودان وبناء السلام، وإيماناً منا بمبادئ ثورة ديسمبر المجيدة (ديسمبر 2018- أبريل 2019) التي اندلعت من أجل الحرية وكرامة الإنسان واستكمال استقلال السودان، وقناعة منا بدور المثقف في دعم الثورة وحمايتها، عبر العمل على تعميقها وفكرنتها من خلال البحث العلمي والإنتاج الفكري، فإنني أخاطبكم بهذه الرسالة بشأن الموضوع أعلاه، بوصفي باحثاً في شؤون السودان، وقضايا الفكر الإسلامي، خاصة مشروع الفهم الجديد للإسلام الذي طرحه المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه في مساء الجمعة 30 نوفمبر 1951، وهو عندي بمثابة مشروع بحثي مفتوح ومستمر. واستناداً على دراسة متأنية ورصد دقيق لمواقف وزارة الشؤون الدينية والأوقاف من محمود محمد طه ومشروعه، والتي اتسمت بالعداء السافر، والمشاركة في مؤامرات محلية وخارجية، فضلاً عن القيام بأدوار غير أخلاقية، ولا تمت بصلة لمهامها الدستورية، كما سيرد التفصيل الموثق والمشفوع بالبراهين، فإنني أطالب سعادتكم بتطهير سجل وزارة الشؤون الدينية والأوقاف العدائي والتكفيري، عبر التصحيح لتلك المواقف، كما سيرد تفصيلها في مواضعها من هذه الرسالة، ومن ثم تقديم اعتذار، نيابة عن الوزارة، إلى شعوب السودان والإسلام وللإنسانية جمعاء عن دورها في التضليل وتغذية مناخ الهوس والتكفير في الفضاء السوداني والإسلامي.
أود قبل إيراد البراهين والأدلة على ما ذهبنا إليه، من خلال خمسة محاور، التأكيد على المعاني والمرتكزات الآتية:
- إنني في هذه الرسالة لا أتحدث باسم جماعة، أو نيابة عن أحد، وإنما أتحدث بمسؤولية فردية، وتعبيراً عن رأي باحث مستقل، تكشفت له خيوط مؤامرات كبرى، كانت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف طرفاً فيها، وحتى أسهم في تعميق ثورة ديسمبر المجيدة وفكرنتها، اعتماداً على البحث العلمي وأخلاقياته، فإنني أسعى إلى كشف تلك المؤامرات أمامكم وبإشراك الجماهير.
- لا أسعى من خلال هذه الرسالة، وغيرها من الأعمال، إلى الانتصار لمحمود محمد طه، فهو ليس في حاجة للانتصار، ولكننا نتبرأ مما قام به الآباء والجدود عبر العمل على تمليك الشعب السوداني المعلومات التي تنقصه. كان محمود محمد طه قد كتب في إهداء أحد كتبه في العام 1968، قائلاً: “إلى الشعب السوداني: الذي لا تنقصه الأصالة، وإنما تنقصه المعلومات الوافية.. وقد تضافرت شتى العوامل لتحجبه عنها.
- نثمن جهودكم منذ توليكم لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، بعد اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة، وفي تقديري أن الوزارة منذ تأسيسها، وبمراحل تطورها ومسمياتها المختلفة، لم تشهد تفاعلاً وانحيازاً لقضايا الشعب، وبعض الاحترام للتعدد الثقافي، مثل ما هو الحال في هذه المرحلة، بيد أننا نتوق إلى المزيد من العمل من أجل الحرية الدينية. ونطالب الوزارة بالمزيد من العمل كذلك من أجل مواجهة الهوس والخطاب التكفيري، بما يضمن تحقيق التعايش والسلام ويمهد لوحدة السودان على المحبة ومعانقة الآخر، وليس فقط قبول الآخر. ولهذا علينا جميعاً الكثير من العمل حتى نجعل احترام التعدد الثقافي الذي يتمتع به السودان، محوراً مركزياً في رؤية الدولة السودانية وسياسات مؤسساتها، وحتى يكون عنصراً أساسياً في دستورها حينما يتم إعداده والتوافق عليه.
- إن هذه الرسالة تمثل طرفاً من واجب الوفاء لشهداء ثورة ديسمبر المجيدة، من خلال العمل عبر البحث العلمي من أجل استكمال استقلال السودان، ومساندة القائمين على أمر الوزرات والمؤسسات بإجراء المراجعات وتصحيح سيرها ومسيرتها المستقبلية.
- كل ما سنورده في هذه الرسالة يمكن الوقوف عليه مفصلاً في كتبنا: صاحب الفهم الجديد للإسلام محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، (2013) ؛ الذكرى الخمسون للحكم بردة محمود محمد طه: الوقائع والمؤامرات والمواقف، (2020) ؛ محمود محمد طه وقضايا التهميش في السودان، تحت الطبع، وغيرها مما سترد الإشارة إليه في الهوامش.
عليه، تأتي رسالتنا في المحاور الخمسة، الآتية:
يقول الأستاذ سعيد الطيب شايب (1931-2002)، كبير الإخوان الجمهوريين: “وقصة احتراف الدين، قد ظهرت بظهور طبقة (رجال الدين).. وذلك أمر منيت به كل الأديان وأكتوت بناره كل الشعوب.. وقد أسهم عندنا هنا في ا لسودان بنصيب وافر في تعطيل الطاقات الحيوية من أبناء هذه البلاد، الذين فقدوا ثقتهم في الدين والتمسوا هداهم عند سواه، حين حكموا عليه بأقوال وأعمال (رجال الدين) الذين طوعوه سبباً من أسباب الرزق، يلتمسون به هوى الحكام ورضاء الأغنياء… لسنا بصدد اجترار ذكريات الماضي أو تسجيل التاريخ، وإنما نحن في الحقيقة بسبيل من مواجهة صور ذلك الماضي البغيض التي لا نزال نحمل أثقالها، وقد تجسدت أمامنا في هيكل الشؤون الدينية، كأكبر عقبة أمام حركة التغيير الاجتماعي الذي نحن بسبيله“.
مؤامرات فتاوي التكفير وبث خطاب التطرف والهوس الديني
دور وزارة الشؤون الدينية والأوقاف وواجبها تجاه إلغاء فتوى الأزهر بردة محمود محمد طه عن الإسلام، عام 1972
يقول الدكتور عبد الله: كانت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف جزءاً من مؤامرات التكفير والحكم بالردة عن الإسلام على المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه. فعندما أفتى الأزهر بردة محمود محمد طه عن الإسلام، ووصف فكره بأنه “كفر صراح ولا يصح السكوت عليه“، وخاطب وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في السودان يوم 5 يونيو 1972م، قائلاً: “فالرجاء التكرم باتخاذ ما ترونه من مصادرة لهذا الفكر الملحد والعمل على إيقاف هذا النشاط الهدام خاصة في بلدكم الإسلامي العريق“. ردت وزارة الشئون الدينية والأوقاف بخطاب جاء في 23 يوليو 1972م، النمرة: و ش د و/1/1/8/1، قائلة:
“السيد/ الدكتور محمد عبدالرحمن بيصار، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، الأزهر، القاهرة، تحية طيبة،،، بالإشارة إلى خطابكم المؤرخ 5/6/1972م والخاص بكتاب الرسالة الثانية من الإسلام تأليف محمود محمد طه ان موضوع مؤلفات الأستاذ محمود محمد طه ونشاطه الذي يقوم به موضوع دراسة دقيقة بواسطة هذه الوزارة وسلطات الأمن المختصة في جمهورية السودان الديمقراطية وستتخذ من الإجراءات المناسبة بعد إكمال دراسة الموضوع من جميع جوانبه.
هذا وتجدر الإشارة إلى أن المحكمة الشرعية العليا بجمهورية السودان الديمقراطية كانت قد أصدرت حكماً غيابياً في القضية نمرة /1035/1968 في 18/11/1968 ضد الأستاذ محمود محمد طه وحكمت غيابياً بأنه مرتد من الإسلام وأمرته بالتوبة من جميع الأقوال والأفعال التي أدت إلى ردته وتجري الآن عملية جمع هذه الحقائق للمساعدة في الدراسة واتخاذ الإجراءات اللازمة. وشكراً ،،،، محمد أحمد ياجي، وكيل وزارة الشئون الدينية والأوقاف“.
على الرغم من أنه يمكن أن يقال الكثير عن رد الوزارة، الذي يتسم بالتسليم التام للأزهر، وأظهر تعاون الوزارة مع الأجهزة الأمنية في حسم قضية فكرية باستعداء السلطة على مواطن سوداني، وغير ذلك، إلا أنني انتقل مباشرة إلى الحقائق الآتية:
- أشار رد وزارة الشؤون الدينية والأوقاف إلى حكم المحكمة الشرعية العليا الذي أصدرته في 18/11/1968، ومعلوم أن المحكمة العليا/ الدائرة الدستورية في السودان، قد أعلنت في 18 نوفمبر 1986 بطلان الأحكام الصادرة في 18 نوفمبر 1968 وفي يناير 1985، في حق محمود محمد طه واعتبرتها كيداً سياسياً.
- الموقف الجديد للأزهر من التكفير: خرج الأزهر من مؤتمر نظمه خلال الفترة ما بين 27- 28 يناير 2020، تحت عنوان: “مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي“، في القاهرة، بمشاركة 46 دولة من دول العالم الإسلامي، بموقف جديد كلية من التكفير. فقد تلا فضيلة شيخ الأزهر البيان الختامي للمؤتمر وجاء في (29) نقطة، كانت النقطة السابعة، كما جاءت على لسان فضيلة شيخ الأزهر، تقول:
“التكفيرُ فتنةٌ ابتليت بها المجتمعات قديمًا وحديثًا، ولا يقول به إلا متجرئ على شرع الله تعالى أو جاهل بتعاليمه، ولقد بينت نصوص الشرع أن رمي الغير بالكفر قد يرتدُّ على قائله فيبوء بإثمه، والتكفير حكم على الضمائر يختص به الله سبحانه وتعالى دون غيره، فإذا قال الشخصُ عبارةً تحتمل الكفر من تسع وتسعين وجها وتحتمل عدم التكفير من وجه واحد فلا يرمى بالكفر لشبهة الاحتمال؛ اعتدادا بقاعدة (ما ثبت بيقين لا يزول إلا بيقين)”.
- إلغاء مادة الردة عن الإسلام في السودان: لقد أعلن وزير العدل في السودان إلغاء المادة (126) مادة الردة عن الإسلام، وأضاف الوزير بأن المادة الملغاة استُبدلت بتجريم التكفير، قائلاً إن تكفير الآخرين بات “مهددا لأمن وسلامة المجتمع“.
عليه، وبناءً على ابطال المحكمة العليا/ الدائرة الدستورية في السودان، للأحكام الصادرة في حق محمود محمد طه، وبعد إعلان الأزهر لموقفه الجديد من التكفير، وحيث أنه تم إلغاء مادة الردة عن الإسلام في السودان، فإنني أطالب وزارة الشؤون الدينية والأوقاف بأن ترسل خطاباً إلى الأزهر، ليكون الحاقاً لخطابها الذي أرسلته في 23 يوليو 1972، وتطالبه رسمياً بإعلان التخلي عن هذه الفتوى والاعتذار عنها لشعوب السودان والإسلام والإنسانية جمعاء. علماً بأن هذه الفتوى كانت عابرة للأزمان والجغرافيا والأجيال، ولا تزال حية وفاعلة في مساجد السودان، وفي المنابر الإعلامية، وحاضرة في المصادر والمراجع في الجامعات ومراكز البحوث، وهي تغذي في مناخ التطرف والإرهاب وتهديد الأمن والسلام في السودان والعالم. وقد فصلنا كل كذلك بالأدلة والبراهين في رسالة شيعناها إلى فضيلة شيخ الأزهر في 21 يوليو 2020م (مرفق نسخة).
مؤامرات فتاوي التكفير وبث خطاب التطرف والهوس الديني
دور وزارة الشؤون الدينية والأوقاف وواجبها تجاه إلغاء فتوى رابطة العالم الإسلامي بردة محمود محمد طه عن الإسلام، عام 1975
لقد تلقت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في 5 ربيع أول 1395/ [18 مارس 1975] خطاباً بالرقم: (5/17/2631)، من الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، مبيناً فيه بأن المجلس التأسيسي للرابطة قد أصدر حكمه بالإجماع بردة محمود محمد طه عن الإسلام تأييداً لما حكمت به المحكمة الشرعية العليا بالخرطوم “وإنه يجب على المسلمين أن يعاملوه معاملة المرتدين كما يجب مصادرة كتبه أينما وجدت ومنع طبعها“. وأضاف الأمين العام للرابطة مخاطباً وزير الشؤون الدينية والأوقاف، قائلاً: “أرجو من معاليكم التكرم بنقل هذا القرار إلى حكومتكم الموقرة وبذل مساعيكم الحميدة لدى المسئولين فيها للمساهمة معنا في تنفيذه، خاصة وقد صدر عن مجلس يضم نخبة من العلماء والزعماء الممثلين عن معظم الشعوب الإسلامية في العالم“.
عليه، واستناداً إلى ما أوردناه آنفاً، حيث أن المحكمة العليا/ الدائرة الدستورية في السودان أعلنت في 18 نوفمبر 1986م بطلان الأحكام الصادرة في حق محمود محمد طه، وبناءً على إلغاء مادة الردة عن الإسلام في السودان في يوليو 2020، وبناءً على الرؤية الجديدة لرابطة العالم الإسلامي، والتي ستكون كما أعلنها الأمين العام للرابطة، رؤية مستنيرة لقيادة “الاعتدال” و“عصرنة” الخطاب الديني، وتنطلق من تعزيز مفاهيم وسطية الإسلام ونشر قيم التسامح والمحبة والإخاء، والتأكيد على دور العلماء في ترسيخ تلك القيم المترسخة في وعي الاعتدال الإسلامي ومحاربة الغلو والتطرف، فإنني أطالب وزارة الشؤون الدينية والأوقاف بأن ترسل خطاباً إلى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، بالإشارة لخطاب الرابطة التكفيري، آنف الذكر، وتطلب منه رسمياً إعلان رابطة العالم الإسلامي إلغاء هذه الفتوى والتخلي عنها، والاعتذار لشعوب السودان والإسلام والإنسانية جمعاء، لما سببته من أذي وتضليل، ولما تركته حتى يوم الناس هذا من أثر في تغذية مناخ التطرف والإرهاب في الفضاء الإسلامي والتهديد المستمر للأمن والسلام في السودان والعالم.
علماً بأننا شيعنا رسالة إلى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، وطالبناه أمام إعلانه للرؤية الجديدة للرابطة ودعوته لرفض الغلو والتطرف والتكفير، بأن يبدأ بتنظيف سجل الرابطة. فهو سجل ينطوي على هوس وفتنة قوامها فتوى بالردة عن الإسلام مر على صدورها ما يقارب نصف القرن من الزمان، ولا تزال موظفة من قبل الفقهاء والأئمة والأساتذة الجامعيين. ولهذا طالبنا معاليه أن يحوَّل أقواله إلى أفعال بإعادة النظر في فتوى رابطة العالم الإسلامي، والاعتذار، نيابة عن الرابطة، إلى شعوب السودان والإسلام وللإنسانية جمعاء عن الفتوى وعن الأثر الخطير الذي تركته. وقد فصلنا كل ذلك في رسالتنا إليه (مرفق نسخة من الرسالة).
جاء في كتاب: الميزان بين محمود محمد طه والأمانة العامة للشؤون الدينية:
“ونحن نعلم أن السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية، وأضرابه من الفقهاء، والوعاظ، وعامة السلفيين الذين تستخدمهم الشؤون الدينية، ضحايا تفكير ديني خاطئ، وتعليم ديني متخلف، عطل ملكاتهم، وجمد فكرهم، وعزلهم عن تيار الحياة الجديدة” (1974).
بتول مختار، إبراهيم مكي، أسماء محمود، عصام عبد الرحمن [البوشي]، وعوض الكريم موسى
تقرير مدير مصلحة الدراسات الدينية بالأمانة العامة للشئون الدينية والأوقاف حول أفكار الأستاذ محمود محمد طه
يقول الدكتور عبدالله الفكي البشير: في إطار خططها العاجزة والرامية إلى مقاومة الفكر الجمهوري والإخوان الجمهوريين وتشويه صورتهم، كلفت الأمانة العامة للشئون الدينية والأوقاف السيد أحمد البيلي، مدير مصلحة الدراسات الدينية، ليعد تقريراً عن أفكار محمود محمد طه. قام البيلي بإعداد تقريره بعنوان: “تقرير مبدئي حول أفكار الأستاذ محمود محمد طه“، بتاريخ 15 يوليو 1974. سعى البيلي في تقريره، كما زعم، إلى “تقويم (تقييم) أفكاره وآرائه المبثوثة في كتبه ورسائله في ضوء القرآن والسنة والاجماع والتوص ية بما ينبغي اتخاذه“. ولقد رد الإخوان الجمهوريون على تقرير البيلي بتفصيل في كتاب صدر في ديسمبر 1974م بعنوان: الميزان بين محمود محمد طه والأمانة العامة للشؤون الدينية، وكتبوا فيه، قائلين: “أما بعد، فإن ما زعم السيد مدير مصلحة الدراسات الدينية أنه “تقويم وتقييم” لدعوتنا، إنما هو، في الحقيقة، “تقويم وتقييم” للشئون الدينية، يؤكد رأينا فيها، منذ زمن طويل.. وهو أنها إنما تقوم على فهم خاطئ للدين، وتنشر فهما خاطئا للدين، وتستغل الدين في أكل الرزق، واجتلاب الجاه“. وأكدوا بأن التقرير “جاء متهافتاً، فلا قيمة له ولا خطر“، كما وصفوا التقرير بأنه “مثل بليغ في عدم الأمانة، احتشد بسوء النقل، وسوء التخريج، وسوء التعبير أيضا“. فلا حاجة لنا أن نقف عند هذا التقرير بعد التفنيد الذي قدمه الإخوان الجمهوريون في كتابهم المشار إليه أعلاه. فلقد وقفت على التقرير، وعلى الرغم من أنه لا يساوي الحبر الذي كُتب به، إلا أن الإشارة إليه هنا جاءت من باب الحصر والجرد المجمل لجهود وزارة الشؤون الدينية والأوقاف. فالتقرير مثَّل أحد نشاطاتها.
شاع تقرير البيلي، على الرغم من ضعفه وركاكته وعدم الصدق فيه، فورد في العديد من وثائق وبيانات معارضي الفكر الجمهوري، مثل تقرير أعدته وكالة السودان للأنباء (سونا)، كما سيرد لاحقاً، وفي بيانات هيئة علماء السودان، كما سيرد في الحلقات القادمة.
“إن المجلس الأعلى للشؤون الدينية والأوقاف [وزارة الشؤون الدينية والأوقاف] يسعى لأن يستكتب أساتذة يردون على فكر محمود محمد طه وبطلانه الواضح، ولكن هذا لا يعني أن يقبل أي شيء يقدم إليه دون فحص أو تدقيق فيما يقدم إليه“.
الدكتور سر الختم الحسن عمر، أحد المحكمين في استكتاب المجلس الأعلى للشؤون الدينية والأوقاف للأساتذة في الرد على فكر محمود محمد طه وللتأكيد على بطلانه (20 نوفمبر 1984)
وزارة الشؤون الدينية والأوقاف وأعمال تخالف الدستور وتنافي الأخلاق
استكتابالأساتذةللردعلىفكرمحمودمحمدطهوللتأكيدعلىبطلانه
يقول الدكتور عبدالله: ظلت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف/ المجلس الأعلى للشؤون الدينية والأوقاف بالسودان، في حالة عداء دائم للفكر الجمهوري، منذ نهاية خمسينات القرن الماضي، وقد عبَّرت عن ذلك العداء بأشكال مختلفة، وقد بيَّنا طرفاً من ذلك في كتبنا آنفة الذكر. كان من بين تلك الأشكال العدائية، استكتاب الأساتذة ليردوا على فكر محمود محمد طه وبطلانه. وعلى الرغم من أن الوزارة، عبارة عن جهة حكومية، واجبها أن تمثل كل السودان، وتنفق ميزانيتها في خدمة أهل السودان، لا في معاداة فكر أو جماعة بعينها. انصرفت الوزارة من مهامها المنصوص عليها في الدستور، وبدلاً من دعم الحوار بين أصحاب الفكر والرأي، ذهبت إلى القيام بأدوار لا صلة لها بمهامها الدستورية، حيث عملت على استكتاب الأساتذة لإعداد دراسات في الرد على فكر محمود محمد طه وبطلانه، كما تكشف الوثائق. لم نقف على استكتاب الوزارة للأساتذة ضمن تقاريرها السنوية، وإنما تكشف لنا ذلك عندما اختلف اثنان من المحكمين بشأن كتاب تم تقديمه لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف/ المجلس الأعلى للشؤون الدينية، وكان بعنوان: رسالة في الرد على محمود محمد طه.
أعد الكتاب الشيخ عبد الباقي يوسف نعمة، أحد خريجي الأزهر بالقاهرة. وقد وقفنا على مخطوطة الكتاب في المكتبة المركزية بجامعة أم درمان الإسلامية، تحت رقم التسجيل (92844)، ونحتفظ بنسخة منها. تضمنت المخطوطة تقارير من محكمي الكتاب، وهما: الأستاذة أم سلمة عبد الباقي، الأستاذة بجامعة أم درمان الإسلامية، والدكتور سر الختم الحسن عمر، موجهة إلى رئيس المجلس الأعلى للشؤون الدينية والأوقاف. كشفت تقارير المحكمين في ثناياها عن أن مخطوطة الكتاب تقع ضمن الدراسات التي جاءت استجابة لاستكتاب المجلس الأعلى للشؤون الدينية والأوقاف بالسودان، للأساتذة ليردوا على محمود محمد طه. فقد أصدر المكتب التنفيذي للمجلس الأعلى للشؤون الدينية والأوقاف توجيهاً للدكتور سر الختم الحسن عمر، والأستاذة أم سلمة عبد الباقي ليبديا رأيهما حول الكتاب. كتب سر الختم ضمن خطاب موجه إلى السيد رئيس المجلس الأعلى للشؤون الدينية والأوقاف (وزارة الشؤون الدينية والأوقاف)، موصياً بعدم قبول الكتاب للنشر نسبة لغياب التوثيق فيه، وأن المؤلف يستشهد بآراء بدون تثبيت مصدرها.
لم تقبل الأستاذة أم سلمة رأي الدكتور سر الختم، فردت برسالة مطولة تتكون من (8) صفحات، تدافع فيها عن الكتاب، وتسعى فيها إلى دحض آراء الدكتور سر الختم والرد على الأسباب التي ذكرها. ويبدو أن هناك علاقة تربط الأستاذة أم سلمة عبد الباقي بمؤلف الكتاب عبد الباقي يوسف نعمة. حيث ذكرت في رسالتها أن مؤلف الكتاب أوكل لها كتابة مقدمة لكتابه، الأمر الذي قامت به، ثم أوضحت بأنها تعمل أوانئذ في تحقيق المخطوطة. حاولت أم سلمة إقناع المجلس بقبول نشر الكتاب بغض النظر عن مفارقة الكتاب للشروط العلمية التي أشار لها الدكتور سر الختم. ثم في ختام رسالتها الموجهة إلى رئيس المجلس الأعلى للشؤون الدينية والأوقاف، كتبت أم سلمة، قائلة: “في الختام آمل أن يجد هذا الجهد المتواضع منكم الموافقة على صلاحية نشره والعناية والرعاية حتى ينشر ويتاح لجميع المسلمين في دور النشر والمكتبات“.
رد الدكتور سر الختم على رد الأستاذة أم سلمة بخطاب فكتب، قائلاً: “فيما يتعلق بإبداء الرأي حول كتاب: رسالة في الرد على محمود محمد طه، فإني أوضح الآتي:
- إن المجلس الأعلى للشؤون الدينية والأوقاف يسعى لأن يستكتب أساتذة يردون على فكر محمود محمد طه وبطلانه الواضح، ولكن هذا لا يعني أن يقبل أي شيء يقدم إليه دون فحص أو تدقيق فيما يقدم إليه“.
على الرغم من أن الكتاب كان مخالفاً للأسس العلمية، ومفارقاً لمتطلبات البحث العلمي، إلا أنه، وللأسف، ظل متاحاً للطلاب بالمكتبة المركزية بجامعة أم درمان الإسلامية.
تكشف المساجلة بين الدكتور سر الختم والأستاذة أم سلمة حول كتاب: رسالة في الرد على محمود محمد طه، عن حجم المؤامرة ومستوى الكتب والدراسات التي يسعى المجلس لنشرها. فالأساتذة يتفقون على مبدأ نشر الكتب ضد فكر محمود محمد طه، حتى وإن لم تكن تلك الكتب ملتزمة بالأسس العلمية، فالغرض هو إثراء المكتبة الإسلامية بكل ما هو ضد فكر محمود محمد طه وبطلانه، كما ذهبت لذلك الأستاذة أم سلمة.
إن قراءة استكتاب وزارة الشؤون الدينية والأوقاف للأساتذة ضد فكر محمود محمد طه، مقروناً باستكتاب جامعة أم درمان الإسلامية للأساتذة من السودان وخارجه ضد فكر محمود محمد طه والإخوان الجمهوريين استجابة لطلب الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، كما بينا تفاصيل ذلك في رسالتنا إلى الأمين العام للرابطة (مرفق نسخة) ، يكشف ويوثق لحجم المؤامرات التي كانت ضد الفكر الجمهوري، وقد قام بها تحالف إسلامي عريض، قوامه مؤسسات محلية، كوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، وغيرها، إلى جانب المؤسسات الخارجية، وقد فصلنا كل ذلك في كتبنا آنفة الذكر. لم يكن واضحاً من أين كان تمويل استكتاب وزارة الشؤون الدينية والأوقاف للأساتذة ضد فكر محمود محمد طه، فإن كان من ميزانية الدولة فيكون هذا تعدياً سافراً على حقوق المواطنين ودافعي الضرائب، وإن كان التمويل أجنبياً، فيكون تعدي يصب في الخيانة الوطنية. إذ كيف يمكن استجلاب الأموال الأجنبية لاستكتاب الأساتذة ضد مشروع فكري لمواطن سوداني وجماعة سودانية؟ إن استكتاب الوزارة للأساتذة ضد فكر محمود محمد طه يدل على عداء الوزارة السافر ضد الفكر الجمهوري، كما يكشف عن مؤامرات كبرى كانت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف طرفاً فيها، مما يستلزم الاعتذار.
وزارة الشؤون الدينية تنقل فيروس الهوس الديني إلى وكالة السودان للأنباء “سونا”
في لوثة فكرية ظاهرة، وبخطوة لا ينقصها الهوس وغياب الوازع الأخلاقي، قامت وكالة السودان للأنباء (سونا) بإعداد تقرير استناداً على أرشيف وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، ويقع في (46) صفحة. جمع التقرير مراسلات الوزارة مع المؤسسات الإسلامية، الأزهر ورابطة العالم الإسلامي (8 صفحات)، بشأن تكفير محمود محمد طه، ومراسلات رئاسة إدارة المحاكم مع وزارة الشؤون الدينية والأوقاف بشأن الحكم الصادر عن محكمة الخرطوم العليا الشرعية يوم الاثنين 18 نوفمبر 1968 وحيثياته (10 صفحات)، وتقرير أعده أحمد البيلي مدير الدراسات الدينية بالأمانة العامة للشئون الدينية والأوقاف، كما ورد الحديث عنه آنفاً، وقد احتل (10) صفحات من تقرير “سونا“. كما اشتمل تقرير “سونا” على بيانين من بيانات علماء السودان، والتي بدورها تضمنت خطابات الأزهر ورابطة العالم الإسلامي إلى وزارة الشؤون الدينية والأوقاف.
يكشف التقرير بأن وكالة السودان للأنباء “سونا“، وهي مؤسسة قومية، تخلت عن مهامها المنصوص عليها في قانونها الذي صدر في 19 نوفمبر 1973م، لتعد تقريراً جاء بعنوان: “مجموعة من الوثائق التي قدمت من المؤسسات الإسلامية والعلماء داخل البلاد وخارجها ضد المرتد محمود محمد طه ودعوته الباطلة“، ونشرته في 29 ربيع الثاني 1405ه الموافق [20 يناير 1985]، وجاء في صدره:
“تحصلت وكالة السودان للأنباء على مجموعة من الوثائق التي سبق أن قدمت من العديد من المؤسسات الإسلامية والعلماء داخل البلاد وخارجها والتي ظلت تنادي وتدعو لبتر محمود محمد طه باعتباره خارجاً عن العقيدة والشريعة الإسلامية وكافراً ومرتداً وداعية للضلال بطريقة خبيثة شيطانية أملاها عليه سادته أعداء الإسلام“.
يكشف تقرير وكالة الأنباء للسودان “سونا“، عن مدى حجم المؤامرة والشركاء فيها. وإذا ما قرأ تقرير “سونا” مقروناً بما ظلت تقوم به وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، من استكتاب للأساتذة ضد محمود محمد طه، يمكننا أن نستنتج حجم المؤامرات والعمل غير الأخلاقي.
ولمَّا كان تقرير وكالة الأنباء للسودان “سونا” قد أعتمد على أرشيف وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، كما بينا، وبما أن التقرير مصنف بدار الوثائق القومية ضمن مجموعة المنوعات: 1/161/ 2327، بوحدة المكتبة، ويعتمد عليه الباحثون والباحثات حتى تاريخ اليوم، فإنني طالبت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف أن تخاطب وكالة الأنباء للسودان “سونا“، وتطلب منها إعداد ملحق يتضمن حيثيات وقرار وإعلان المحكمة العليا/ الدائرة الدستورية في السودان ببطلان الأحكام الصادرة في حق محمود محمد طه، والتي اعتبرتها كيداً سياسياً. جاء ذلك في 18 نوفمبر 1986م بموجب القضية نمرة: م/ع/ق/د/1406هـ، أسماء محمود محمد طه وعبد اللطيف عمر حسب الله ضد حكومة جمهورية السودان. (هناك تفاصيل أخرى تضمنها كتابنا أعلاه).
يقول الدكتور عبد الله الفكي البشير وقد أجدد التذكير في ختام رسالتي بأنني أسعى من خلال البحث العلمي، والذي حملت هذه الرسالة طرفاً من خلاصاته، إلى الاسهام في تمليك الشعب المعلومات الوافية “وقد تضافرت شتى العوامل لتحجبه عنها“، والكشف عن المؤامرات تجاه الفكر الجمهوري. (للمزيد أنظر كتابنا المشار إليه أعلاه).
سنواصل في الحلقات القادمة استعراض الكتاب والاستمرار في تناول مواقف المؤسسات الدينية من التكفير من خلال موقفها من المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه والفهم الجديد للإسلام.