سياسة

بين المحبوب والمرعوب… هل يصلح العطار.. ما أفسد الدهر؟! (3-3)

د. عمر القراي

(لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ)

صدق الله العظيم

يقول د. أمين حسن عمر (فأن قاعدة الولاء والبراء قاعدة راسخة في وجدان المسلمين. فلا يمكن ان تكون فرنسا ماكرون هي النور في وجدانك وعالم المسلمين هو الموت والظلام الكئيب ثم تظن أنه قد يسمع لك أحد. وانت تزعم أنك تدعو لتجديد يراه سواد المسلمين أنسلاخا وبراءة عن قيم دينهم وأحكام كتابهم المجيد). فهو هنا يلوم المحبوب على إعجابه بفرنسا، وكأنه سافر لها قبل د. الترابي، الذي عاش فيها، وجلس تحت اقدام (كفارها) يعلمونه القانون!! ثم يلوح له بمفارقته لعقيدة البراء والولاء!! والمستبطن من تهديد هو أن قول المحبوب يعني موالاته للكفار أمثال ماكرون، وهذا في عقيدة البراء والولاء، يلحقه بالكافرين، فيهدر دمه في الحكومة الديمقراطية القادمة التي يبشرنا د. أمين أن حزبه سيقيمها. أنظر الى هذا المدى البعيد من الهوس الديني، الذي إنحدر إليه مثقف يتنطع بالديمقراطية مثل د. أمين حسن عمر، ثم أنظر كيف يشهر سيف عقيدة الولاء والبراء، في وجه المحبوب، وكأنه هو نفسه يطبقها فعجباً لهذا النفاق العجيب!!

وعقيدة البراء أخذها علماء السلف من قوله تعالى (بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ).. وفصلوا منها، خاصة ابن تيمية، أنها تعني التبرؤ من أهل الشرك والكفر.. أما عقيدة الولاء، فأخذت من قوله تعالى (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) وفصل منها علماء السلف، ضرورة محبة، ومواددة المسلمين ومعاونتهم. أما شروط تحقيق عقيدة الولاء فهي: 1-الهجرة الى بلاد المسلمين وهجر بلاد الكافرين 2-مناصرة المسلمين ومعاونتهم بالنفس والمال واللسان فيما يحتاجون اليه في دينهم ودنياهم 3-التألم لألمهم والسرور بسرورهم 4-النصح لهم ومحبة الخير لهم وعدم غشهم وخديعتهم 5-احترامهم وتوقيرهم وعدم تنقصهم وعيبهم 6-أن تكون معهم في حال العسر واليسر والشدة والرخاء 7- احترام حقوقهم فلا يبيع على بيعهم ولا يسوم على سومهم ولا يخطب على خطبتهم ولا يتعرض لما سبقوا اليه من المباحات 8-الدعاء لهم والاستغفار لهم. هذه هي شروط عقيدة الولاء للمسلمين، فهل طبقها الاخوان المسلمين مع السودانيين المسلمين حفظة القرآن من أهل دارفور؟! وحين طالبت عقيدة الولاء بالتألم لآلام المسلمين، وعدم غشهم، وخديعتهم، واحترام حقوقهم، هل طبق الاخوان المسلمون ذلك على الشعب السوداني، أم أنهم يعتبرون الشعب السوداني ليس مسلماً ؟! هل طبقوا عقيدة الولاء مع شيخهم د. الترابي أم (مرمطوه) كمال قال الجميعابي، وشتموه، ووصفه البشير بالمنافق، ثم سجنوه، وآذوه، وسجنوا اخوانهم في المؤتمر الشعبي، وجردوهم من كل ما حصلوه قبل المفاصلة؟! هل طبقوا عقيدة الولاء مع اخوانهم، الذين نفذوا اوامرهم في محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك، وحين فشلت المحاولة اغتالوهم، حتى لا ينكشف أمر القيادة التي أمرتهم بالجريمة ؟! ولو كان لأمين حسن عمر ذرة انسانية، أو ذرة ايمان بعقيدة الولاء، لكتب سطراً واحداً، يدين فيه الذين قاموا بمجزرة “كرينك”، أو الذين ضربوا الشباب العزل بالدوشكا، أو الذين دهسوهم بالعربات.

أما شروط عقيدة البراء فهي: 1-بغض الشرك والكفر والنفاق وأهله واضمار العداوة لهم 2-هجر بلاد الكفر وعدم السفر إليها إلا لضرورة مع القدرة على اظهار شعائر الدين ومع عدم المعارضة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (أنا برئ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين) 3-أن لا يناصر الكفار ولا يمدحهم ولا يعينهم على المسلمين 4-أن لا يستعين بالكفار ولا يتخذهم بطانة يحفظون سره ويقومون بأعماله 5-أن لا يشاركهم في اعيادهم وافراحهم ولا يهنئهم بها وقد فسر بعض العلماء قوله تعالى ( ولا يشهدون الزور) أي اعياد الكفار 6-أن لا يستغفر لهم ولا يترحم عليهم 7- هجر مجالسهم وعدم صحبتهم 8-عدم المداهنة والمجاملة والمداراة لهم على حساب الدين 9-أن لا يعظم الكافر بلفظ أو عمل 10-عدم التولي العام لهم 11- أن لا يبدأهم بالسلام لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه لأضيقه)( راجع الولاء والبراء في ar.wikiedia.org/wiki/).

هذه هي عقيدة البراء، فهل طبقها أعضاء حزب المؤتمر الوطني، فلم يسافروا الى دول الغرب (الكافرة)، ويعيشوا فيها حتى حصلوا على جنسياتها؟! هل طبقها الاخوان المسلمون حينما قبلت حكومتهم، أن يكون المرحوم جون قرنق، وهو رجل مسيحي، نائباً لرئيس الجمهورية الذي يدعي أنه يطبق الاسلام؟ هل طبقها البشير حين ذهب يستعين ببوتين الشيوعي، ويطلب منه ان يحمية من الأمريكان؟! بل هل طبقتها حكومة البشير، حين تعاونت مع المخابرات الأمريكية.. فقد جاء (اعترف معاوية عثمان خالد سفير النظام السوداني للولايات المتحدة الأمريكية بتعاون وثيق بين نظامه والمخابرات الامريكية وقال في حوار مع صحيفة واشنطون تايمز أمس الأول أن جهاز الأمن السوداني على تنسيق كامل مع اجهزة الإستخبارات الامريكية C.I.A وسبق أن اعترف صلاح قوش مدير جهاز الأمن السابق في حوار صحفي في يناير 2014م بالتعاون الوثيق بين جهاز الأمن السوداني و C.I.A قائلاً بأن التعاون كان يتم بموافقة واشراف المشير عمر البشير) (حريات 19/5/2016م). هل طبقها د. أمين وحزبه، وهم يرون البرهان وهو يقتل الشباب المسلمين المتظاهرين السلميين ولم ينهوه عن هذا المنكر؟!

يقول د. أمين (لم يقل مالك بما ظنه محبوب بل قال بذات الدعوة التي تقول بها الحركات الاسلامية ان يترك المسلمون تأويلات العصور التي ناسبت زمانهم ويذهبوا للقرآن لينشئوا تأويلا مناسبا لزمانهم وما عمل الحركات الاسلامية وما جهاد مابات المحبوب يسميه الآن الإسلام السياسي الا العودة للقرآن وفهمه بمايناسب الزمان والمكان) هذا ما قاله د. أمين وهو لا يعي معناه !! صحيح إن مالك بن نبي لا يختلف عن حركات الاسلام السياسي، ولكن تلك الحركات لم تترك تفسير العصور القديمة، وتتجه الى القرآن لتستنبط منه تأويلاً جديداً، يناسب الزمان والمكان الحاضر، كما قال د. أمين لأنها لو فعلت، كان أول ما سوف تتجاوزه عقيدة البراء والولاء. فإن البشرية المعاصرة، منذ مطلع القرن العشرين، نظرت الى مرحلة الانسانية القادمة.. ومنذ أن توافقت على الاعلان العالمي لحقوق الانسان، بدأت تتطلع للمجتمع الانساني، الذي يجب أن نحب، ونوالي، ونعاون، ونسالم، ونعايش، كل شخص فيه، على اعتبار إنه انسان، بغض النظر عن عنصره، أو لونه، أو لغته، أو وضعه الاجتماعي، أو معتقده، أو جنسه من رجل أو امرأة. ونحن كمسلمين لن نصل الى هذا، إلا اذا تجاوزنا فروع القرآن، التي قامت عليها الشريعة الاسلامية، وكانت حكيمة، ونافعة في القرن السابع الميلاد،ي والقرون التي تلته مما هي مثله، والتي في ظلها، يمكن أن تكون عقيدة البراء والولاء قائمة. نتجاوزها بالتأويل الجديد الى اصول القرآن، حيث يكون واجب المسلم التخلق باخلاق الله، الذي قال عنها ( إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ). فالرأفة، والرحمة، والموالاه، لكل الناس، وليس هناك براءة من أحد، لأن الاسلام في هذا المستوى، يوفر حرية الاعتقاد (قُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ). وليس فيه جهاد إلا جهاد النفس في الصبر على الدعوة بالحسنى (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).

لقد كان المحبوب جاداً، وصادقاً، وذكياً، حين وصف الحركة الاسلامية بأنها ماتت. والحق أنها ماتت، وتحللت، وتقيحت، وانتنت، وفاحت رائحتها الكريهة، ولم يبق لها إلا أن تدفن وتستر بالتراب.

ولكن مالك بن نبي لن يحل مشكلة المحبوب، واجتهاده لا يكفي لتعمق جوهر الاشكالية.. لابد من تفكير أعمق، وأدق، يميز بين الدين الاسلامي والشريعة الاسلامية، وهو ما اشرت إليها أعلاه، ويمكن الرجوع الى تفاصيله، فيما قدمه الاستاذ محمود محمد طه في كتابه “الرسالة الثانية من الاسلام”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق