سياسة

 يكرم الآخرون مبدعينا ونحن نمص «العرديبة»!!

شوقي بدري

 السودان بلد المحن والمصائب. فرحنا وانتشينا لأن قطر قد اصدرت طابعا بريديا للموسيقار عبد اللطيف خضر رحمة الله الياس عثمان. لعبد اللطيف ود الحاوي أكثر من 300 عمل فني مسجل في الاذاعة السودانية. كان من المفروض أن رئيس الدولة التلفزيون الاذاعة وزير الثقافة اتحاد الفنانين والجميع أن يهللوا وتقام الحفلات وتنصب السرادق ويتقدم الخطباء ويكون هنالك اسبوع تكريم عبد اللطيف. لقد أهمل عبد اللطيف كما أهمل والده خضر الحاوي الذي طاف كل السودان ونشر البهجة والسرور ودغدغ احلام الصغار وحفز روح الكبار لسلوك طرق غير مطروقة فهو من هاجر الى الهند وسكن فيها عشرة سنوات في الثلاثينات تعلم الموسيقى وصار اول حاوي سوداني، في وقت لا يخرج الناس من قراهم. الا يستحق الاشادة والتكريم؟

هكذا نحن مهملون لا نعرف قدر أنفسنا ولا نكرم كبارنا مبدعينا وحتى ابطالنا. يكفي أن نجوم مدريد بعد الفوز اليوم بالكأس بعد هزيمة ليفربول كانوا يرقصون على أنغام اغنية عليكم الله السودانية واغاني سودانية اخرى. نحن لا نعرف قيمة أنفسنا لا نستطيع استغلال مواردنا الطبيعية الادبية. ولهذا يشتري جيراننا قمحنا قطننا مواشينا ذهبنا بفلوس مشكوك في مصدرها وطباعتها. طوبى للأغبياء والغافلين.

 ولو كان جيراننا قد تم تكريم أحد مبدعيهم بطابع بريد في قطر لما نامت عاصمتهم. ولو رقص نجوم ريال مدريد على إحدى اغانيهم لما استطعنا نحن النوم بسبب الصخب والاعلام المرئي المسموع والغير معروف مشكلتنا شنو؟؟ 

 قبل شهور اصدرت الدنمارك طابعا بريديا تخليدا لذكرى الفنانة ناتاشا احمد قسم الله سعد. التي تعرف نفسها دائما كسودانية مولودة في كوبنهاجن. ولها اغنية تناشد فيها اهلها في السودان للالتفات للمصائب التي المت بالسودان، ماي بيبل ان ذا سوداني دو يو لسن.

 ملكة الدنمارك مارقريتا تحب السودان بطريقة فريدة. وقعت في حب السودان وهي في السادسة عشر من عمرها عندما كانت حبيبة جدها الملك السويدي رجل الآثار وعاشق آثار السودان وترافقه في رحلاته الى السودان. عند موته في 1973 نكس السودان اعلامه حداد عليه. السيدة نادية جفون السفيرة عندما قدمت اوراق اعتمادها لملكة الدنمارك، لم ينتهي الامر بالمراسيم القصيرة. احتفظت بها الملكة للدردشة لمدة طويلة. وكانت الجالية في انتظارها عندما اختطفت ملكة الدنمارك سفيرة السودان.

 بدأت الدنمارك مشرعا كبيرا لتزويد اهل الجزيرة بالماء النظيف. بعد اكتمال المرحلة الاولي أصر الكيزان على بيع الماء الذي هو هدية من ملكة الدنمارك. توقف المشروع. قبلها عندما اراد الدنماركيون بناء محطة كهربائية في كريمة، اراد نميري تركيب المحطة في الخرطوم. رفض الدنماركيون. ولا تزال المحطة في كريمة. اتي الدنماركيون لبناء محطة كهرباء كهدية لعطبرة. تعمد عميد جيش كوز اعتقال الدنماركيين وقام بجلدهم بعد تلفيق تهمة شرب الخمر. هذه فرية، كان هذا نكاية بأهل عطبرة الثائرة. رجع الدنماركيون لبلدهم. اعطتنا الدنمارك سفينتين اوتوماتيكيتين بأحدث تكنلوجيا. قام الكيزان ببيعهم. وقبل فترة قصير أتت الباخرة السودانية، مروي، متبخترة الى بورتسودان. حتى بدون تغيير الاسم، وكانت قد بيعت كخردة غير صالحة للإبحار نحن أكبر اعداء أنفسنا.

 عندما كتبت عن ناتاشا قبل عقد من الزمان وجدت الاستهجان عندما نشرت صورة قبرها في مقبرة العظماء. انتقد الكثيرون مظهرها لبسها شكلها الخ. كما اخرجوها تقريبا من الملة لأنها دفنت بجانب مسيحيين. والصحابة مدفونون بجانب الملك الذي لا يظلم عنده أحد، النجاشي، المسيحي ونزلت عند موته سورة آل عمران – وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَٰشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا  أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ  إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ. ٱلْحِسَابِ النبي صلى الله عليه وسلم، كبر أربع مرات وقال للصحابة اخرجوا وترحموا على أخ لكم مات.

الكثيرون منا لا يريدون الخير لأهلهم. وهذا سبب خراب السودان.

من أشهر الشخصيات في اسكندنافية والعالم الاديب هو.. سي اندرسن او هانز كريستيان اندرسون المولود في القرن التاسع عشر. وهو الدنماركي الذي يحمل اسمه أحد أكبر الشوارع في كوبنهاجن. وهو مولود في مدينة اودينسا عاصمة جزيرة فين. ثالث أكبر جزيرة في الدنمارك التي تتكون من عدة جزر.

كل طلبة المدارس في السودان والعالم يعرفون اعماله. منها، شيسارنز نيا كليدر، او ثياب الامبراطور الجديدة. ونعرفها في السودان بفرعون وقلة عقله. فلقد اقنع بعض المحتالين الامبراطور بأنهم سينسجون له ثيابا جميلة من الذهب الذي اتاهم به. لا يستطيع رؤيتها الا الاذكياء. ولم يكن هنالك اي ثياب في الحقيقة. ولكن رجال القصر لم يستطيعوا نكران وجودها حتى لا يوصفوا بالغباء. وكان الامبراطور يتبختر في ثيابه الجديدة، الى ان صرخ طفل صغير ان الامبراطور عاري..

القصة الثانية هي قصة، دن فولا آنك اونقن. بالإنجليزية، ذي اقلي دكلي، او فرخ البط القبيح. وفرخ البط كان يجد الاحتقار والسخرية لاته قبيح منقاره كبير وشكله مختلف. ولكن عندما يكبر يكتشف انه شاب وسيم جدا الا انه مختلف من بقية البط لأنه في الحقيقة من الاوز الذي يعتبر من أكبر وأجمل الطيور، ولهذا كان مختلفا.

من القصص، قصة عروس البحر التي وقعت في غرام شاب من البشر. واعطتها ساحرة يوما كاملا لمقابلته وبدون ان تتحدث معة تجعلة يحبها ويقبلها قبل نهاية اليوم. وتنجح. وشعار كوبنهاجن هو تمثال عروس البحر التي تجلس على صخرة في مدخل ميناء كوبنهاجن، يزوره السواح واهل البلد دائما.

لاندرسون قبر كبير في حي نورا بورت في وسط كوبنهاجن تميزه مسلاة عالية. واندرسون ولد فقيرا كان والده اسكافيا. وارادت والدته ان تجعل منه حائكا للثياب. وقام بحياكة 200 قصة، الفين قصيدة، ست روايات وخمسين مسرحية. ترجمت اعماله الي 150 لغة. ولو حضر اندرسون جائزة نوبل لتحصل عليها بدون منازع. لان الإجازة بدأت في 1900 ومات اندرسون في .1875 .

وبالقرب منه يرقد عالم الفيزياء النووية نيلس بور. وهو الحاصل على جائزة نوبيل للفيزياء النووية. وحصل على الجائزة وهو في الثلاثينات. وتحصل على الدكتوراة وعمرة 26 سنة. وصار بروفسيرا وعمره 31 سنة. كان زميلا لانشتاين وكبار اعلام الفيزياء. يعلو قبره تمثال كبير لبومة ضخمة. والبومة في اسكندنافية تمثل العلم والحكمة.

بالقرب من هؤلاء الفطاحلة ترقد ابنتنا ناتاشا احمد قسم الله سعد. ويذهب الدنماركيون لزيارة قبرها الكبير المميز، باستمرار مصحوبين بأطفالهم. ويوم الجمعة الموافق 9 اكتوبر 2015 كان يوم الثقافة العالمي. وكانت صور ناتاشا في كل مكان ويحملها الكبار والصغار. وهنالك رسم ضخم بحجم حائط يمثل ناتاشا وجملة لن ننساك ناتاشا. الشمع والزهور لا تزال تتجدد حول قبرها وليس فقط من والدتها الحزينة.

ناتاشا ولدت في كوبنهاجن 1975. مع بداية السبعينات سكن مجموعة من السودانيين في شارع نانسينز قازي. بالقرب من البحيرات المستطيلة على تخوم حي نورا بورت الذي سكن فيه مجموعة من السودانيين منهم الاخ وداعة عثمان ابن خالة الفنان الذري ابراهيم عوض وجارة حسن عريبي والعملاق واحد مشاهير كوبنهاجن وصديق بعض اعلامها الريح البلولة. يمكن قوقلة شوقي بدري واسطورة سودانية في كوبنهاجن. والثلاثة من حي العرب رحم الله الميتين والاحياء.

في شارع نانسيز قازي سكن الاخ احمد قسم الله سعد. وشاركه السكن في نفس الشارع مجموعة من السودانيين منهم حمزة محمد مالك، الشفيع السيد، صلاح الامين، سعد الدسوقي وآخرين. وكان السودانيون متضامنين جدا. يلتقون في منتزه فيلا بارك طيلة الصيف، حيث تعزف الموسيقي طيلة اليوم ويتحلق الناس في مجموعات ويتداخلون. وكل سنة يقام مهرجان روسكلدا الموسيقي العالمي الذي يضم قرابة 100 ألف مشترك لثلاثة ايام. وشوارع كوبنهاجن عبارة عن فستفال دائم. في هذه الظروف نشأت ناتاشا. اذكر عملية رفع بيانو الي شقة احمد قسم الله في 1973. وهنا بدأت صلة ناتاشا بالموسيقي. وكنت اسخر من احمد عندما تحدث عن ادخال البيانو عن طريق الدرج الضيق. ولكن بسبب اصرار ام ناتاشا، تمت العملية.

والشقة كانت صغيرة وفي الطابق الرابع بدون مصعد. ووالدتها فنانة تصوير محترفة. وهي سيدة لطيفة قليلة الكلام. انتقلوا قبل ميلاد ناتاشا الي شقة حديثة خلف ملاهي التفولي الشهيرة. وقضيت أكثر من ليلة معهم. والسودانيون لا ينقطعون عنهم. ويحضر عمها جعفر قسم الله أجد مشاهير برلين مصحوبا بزوجته الالمانية.

وبعد ان صارت ناتاشا مغنية عالمية، وفازت بجائزة الرقي متنافسة مع 200 مشترك في جمايكا معقل الرقي، لم تنس اهلها في السودان. اغنيتها المشهورة بمناسبة كوارث السودان والحرب في الجنوب، اسمها. … ماي بيبل ان ذا سودان آر يو ليسنينق … اهلي في السودان هل تسمعون؟

اقتباس من موضوع قديم

* وفاة فنانة الرقي والراب العالمية السودانية

قبل ايام معدودات. شاهدت رسما كبيرا على أحد الحيطان في كوبنهاجن. الرسم كان يمثل المغنية ناتاشا سعد. ولها اجنحة. وتحت الرسم عبارة لن ننساك. اليوم، مرت 6 سنوات منذ رحيل النجمة نتاشا سعد. وحضر والدها احمد قسم الله سعد من السودان، وحضر الرجل الجنتلمان عمها جعفر قسم الله مع زوجنه الالمانية من برلين.

تلك كانت اول مرة في كوبنهاجن اشاهد مدينة تقيم مأتما شعبيا. نامي في سلام ابنتنا ناتاشا سعد.

اليوم الجمعة الموافق 30 يونيو كنا في جولة في كوبنهاجن برفقة الاخ فريد شاتو والأبناء المهندس أحمد محمد الحسن والمهندس البشير محمد البشير وابن أخي عمر بسطاوي وساقتنا الصدفة إلى حفل موسيقى في الهواء الطلق. وكان أحد المستمعين، صديقي وزميل السكن في الجامعة قبل أربعة عقود الزنزباري أحمد عبد الرحمن برهان وعرفت منه أن المناسبة كانت تأبين الفنانة العالمية ناتاشا أحمد سعد التي انتقلت إلي جوار ربها قبل أسبوع بسبب حادث سير في جامايكا. ومقدم حفل التأبين يذكرها بالفنانة السودانية وقلت سبحان الله أهل السودان لم يسمعوا بها وقد لا يسمعوا بها.

ناتاشا ظهرت كمغنية للرقي وكانت تزاملها صديقتها وهي ابنة صديق من زامبيا. وأفترق طريقهن واشتهرت ناتاشا كمغنية عالمية.

الأخ أحمد سعد عاش في ألمانيا في بداية الستينات ثم انتقل إلى الدنمارك وهو من النوع الذي يترك بصماته في أي مكان يتواجد بها وهو من سكان مدني ويرتبط ارتباطا عميقاً بكل ما يخص مدني والجزيرة، والاسرة اصلا من قندتو في الشمالية له لتحية وأرجوا أن يأخذ الله بيده وأن يلزمه الصبر وأن يجبر كسره.

والدة ناتاشا مصورة مشهورة في الدنمارك كُنت أنعم بضيافتهم عندما أزور الدنمارك حتى قبل أن تولد ناتاشا.

ناتاشا كانت مصرة على هويتها السودانية وفخورة بأصلها وانتمائها للسودان تحمل هويتها عالياً وتبرزها في كل مناسبة. أرجوا أن يذكرها أهل وطنها، لقد أعطت السودان اسما في إسكندنافيا وفي خارجها التحية لكل المبدعين في بلادي.

كركاسة

يمكن قوقلة، ناتاشا سعد ,, وسيجد الانسان صورا وفيديوهات رائعة، لإنسانة رائعة.

رقعة 

 جيراننا كانوا سينصبون تمثالي إذا كانت ناتاشا من بلدهم. اليكم احتفال بعض السودانيين بتكريم نتاشا.

 انسان، رقيع، بدون أي اعتبار لمصيبة والد نتاشا اعمامها وكل اسرتها في السودان كانت مداخلته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق