ثقافة وفن

الجنرال الأفريقي الوحيد الذي أذل «روما» حنابعل قائد القوات القرطاجة

ولدت هذه الحضارة فعلا قبل حوالي ثلاثة آلاف عام، لترث تاريخا فينيقيا أوجد قبلها بآلاف السنين. فماذا بقي اليوم من تجوال سفنها؟ … وماذا بقي من بصمات ذلك الشعب الحذر والمغامر في آن واحد، والذي اقتدى برواده البحريين؟

بيد أن هذه القوة كانت تقترب من نهايتها، إذ أن مصادر قوتها كانت في طريقها إلى السقوط بين يدي منافستها «روما» لقد كان ذنب قرطاجة أنها كانت عظيمة في وقت كان فيه شأن روما يرتفع.

(* فرانسوا ديكريه/ كتاب/ قرطاجة أو إمبراطورية البحر )

إن حقيقة قرطاجة مغمورة في تشويه روما وأحقادها الموروثة فاتخذها الوارثون الغربيون، واللاتين بالأخص، كأنهم مبهورون و مجذوبون بالتارات التي اختزنتها روما ضد قرطاجة!! وبالمخاوف التي عانتها من هانيبعل!!

إن التاريخ الباقي لقرطاجة هو من صنع أعدائها أعداء إيل وسورية وكنعان …

وكيف يمكن لإمبراطورية الروم التي قامت على الغزو والسيف والنهب؛ روما ! أن تفهم وتدرك وتستوعب أسرار إمبراطورية قرطاجية دامت برا وبحرا ألف عام بدون حروب داخلية ولا ثورات اجتماعية ولا ردات قبلية ولا دينية ولا طائفية، ولا طبقية، بل بدون أزمة اقتصادية أو مالية أو نقدية؟

إرتبطت قصة قرطاجة بأميرة كنعانية فينيقية من صور تدعى «إليسا» هربت من أخيها بعدما قتل زوجها، وأبحرت نحو الغرب بمجموعة كبيرة من الموالين لها؛ ووصل أسطولها إلى أفريقيا، قرب مدينة تونس الحالية وعند وصولها استقبلت بالترحاب من القبائل المحلية، وكان ذلك في سنة 814 ق.م.

وكانت صور قد تعرضت لحصار طويل من جيوش الملك البابلي نبوخذ نصر مما شجع أهلها على الهجرة و هناك على أرض تونس أسسوا لإمبراطورية قوية دامت نحو سبعة قرون ..

– حروب الجمهورية القرطاجية من التأسيس حتى السقوط ١٤٦ق.م»

– أصل الفينيقيين والكنعانيين

وإضافة للمصادر أعلاه كنا نبحث عن مصدر آخر يؤكد هجرة شعوب من اليمن إلى ساحل الشام؛ ثم منه بعد ذلك إلى أفريفية؛ فقد استطلعنا ما كتبوه واستطلعنا كتاب الدكتور جواد على «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام» …

و إضافة لكل هؤلاء يقول «جان مازيل» في كتابه الفخم « تاريخ الحضارة الفينيقية الكنعانية» ص ٣١ ،٣٢ :

إن البحث عن أصول فينيقيي الشرق يتعلق بعلم الآثار بمقدار ما يتعلق بالاسطورة .

هذا الشعب المقدام الذي استقر على سواحل لبنان الحالي لم يلبث أن أثبت مزاياه المتفوقة خلال الألف الثاني قبل الميلاد وشرع بالغزو السلمي لبحار العالم بين القرنين.الثالث عشر والتاسع قبل الميلاد.

لكن من كان بالفعل أولئك الرجال الذين كانوا يزعمون بأنهم «الرجال الحمر»؟…

كان الإغريق بشكل خاص هم الذين أطلقوا عليهم تسمية «Phoenikin» التي لها عندهم مدلول الرجال الحمر .

وبما أن الفينيقيين كانوا خلال ذلك الزمن قد ابتكروا الصباغ الأرجواني فقد اعتقد.بعض الباحثين بأن هذا الاسم قد أعطي لهم لتخليد صناعة قومية اقترنت بهم.

و(لكن) الرجال الحمر: في الواقع كان لهذه التسمية أصل أقدم من ذلك بكثير. إذ كانت الأسطورة تقول.بأنه في الألف الثاني قبل الميلاد جاء ليستقر فوق رقعة الأرض الضيقة بين البحر.الأبيض المتوسط وجبال لبنان شعب قادم من شبه الجزيرة العربية… وهذا الشعب كان يدعي ب «الشعب الأحمر» أو الحميريين.

إننا نجد بالواقع في لفظتي (حمير و حميريين) الجذر الثلاثي (ح م ر) الذي مازال في أيامنا هذه يعني في العربية الإحمرار.

وليس مستبعدا أن يكون هؤلاء الحميريون قد أعطوا اسمهم أيضا للبحر الأحمر الذي كانوا يقصدونه والذي لابد أنهم قد عبروه أثناء رحلتهم الطويلة إلى الغرب.

وقد كان الحميريون يشكلون في العصر القديم من القرن العشرين قبل الميلاد وحتى. القرن الخامس الميلادي أشهر تكتل عرقي وسياسي في جنوبي شبه الجزيرة العربية؛ وكانوا يحتلون حضرموت الحالية؛ وكانت أراضيهم تمتد قديما من عدن حتی مسقط .

ويبدو أن مملكة حمير كانت لها علاقات قرابة وثيقة مع مملكة سبأ؛ ومن المحتمل.أن هاتين المملكتين قد شكلتا خلال عصور طويلة مملكة واحدة؛ وإن عدد الهدايا التي تذكر نصوص التوارة أن ملكة سبأ قدمتها إلى سليمان كافية لإعطاء فكرة عن ثراء هذه المملكة. فكان من ذلك: مائة وعشرون وزنة من الذهب وأطياب كثيرة جدا وحجارة كريمة.

ومن الجدير بالذكر دائما أن سواحل حضرموت حملت في تلك الأزمنة اسم «سواحل البخور.

إن لغة الحميريين، التي تدعی أيضا «العربية الجنوبية القديمة» تبدو وكأنها اللغة الأم للفينيقيين؛ والكتابات التذكارية التي وجدت في النقوش الحميرية لها بعض الصلات مع الكتابات الفينيقية والعربية.

كان المصريون القدماء يطلقون على مملكة حمير اسم «بلاد البون».

وإذا رجعنا إلى قصة «ماسبيرو Maspero» وجدنا أن هناك ألفاظا مثل «بون» أو «بوانیتي» أو.«بويني»، وكل هذه الكلمات تعني أيضا الفينيقيين، كما تعني بالتالي البونيين أي سكان.قرطاجة.

زد على ذلك أن الحميريين قد سبقوا الفينيقيين في إقامة علاقات تجارية، مع الهند وشبه الجزيرة العربية وأفريقيا؛ قبل استقرار الفينيقيين على الساحل اللبناني،. كما سبقوهم في اكتشافهم لمنطقة «أوفير» الغامضة، والتي لم ينجح أحد حتى الآن في التحقق من هويتها أو موقعها.

وأخيرا ببناء منازل عالية مؤلفة من عدة طوابق كالتي سنراها فيما بعد في صور بلبنان.

إن المنطقة التي استقروا فيها، هي هذه الرقعة الساحلية، أو هذا الممر بين البحر وجبال لبنان، كانت فيما قبل ذلك قد استوطنتها قبائل کنعانية متحضرة؛ وقد امتازت هذه القبائل بفنونها الزراعية.

وهكذا نشأت سلالة جديدة شيئا فشيئا وأقامت في بقاع مختلفة من الساحل مراكز حضارية نشيطة جدا، هي علائم حقيقية للإتحاد بين التجارة الساحلية والاستثمار الزراعي؛ ونتج شعب جديد ذو خصائص متميزة ورث عقلية الحميريين المغامرة وصلابة المزارعين الخشنين، واشتهر باسم الشعب الفينيقي».

ويقول د. الدكتور محمد أبو المحاسن عصفور في كتابه معالم تاريخ الشرق الأدنى الكبير ص ٢٧٣ وما بعدها:

الأموريون هم أول شعب سامی عاش في سورية، وقد جاءوا من بلاد العرب في هجرة واحدة مع الكنعانيين حوالى منتصف الألف الثالث ق.م.؛ وأخذوا يتجولون في شمال سورية قبل أن يستقر بهم المقام في أواسط حوض الفرات، وكانت هذه المنطقة تسكنها جماعات سومرية عند وفود الأموريين ثم ما لبث هؤلاء أن أصبحوا يمثلون غالبية السكان..

أما الكنعانيون فقد أشرنا إلى أنهم وفدوا مع الأموريين في هجرة واحدة ولكن هؤلاء الكنعانيين استقروا على الساحل حيث أطلق عليهم الإغريق إسم الفينيقيين ،، ولم تمكنهم طبيعة المنطقة إلتى عاشوا فيها من تأسيس دولة موحدة بل انتظموا في جماعات صغيرة يحكم كلا منها ملك؛ واتركزوا حول مدن محصنة، تحميها أسوار وأبراج قوية ..

وبعض هذه الجماعات كانت تحتل – إلى جانب أماكن استقرارها على الساحل – تحتل جزرا صغيرة في مواجهتها حتى إذا ما اشتد الهجوم عليها إلتجأت إلى تلك الجزر التي كانت محصنة هي الأخرى …

أي أن هذه الجماعات كانت تتبع، وسائل دفاع مزدوجة بفضلها استطاعت بعض مدنهم أن تقاوم طويلا هجمات كتيرة تعرضت لها؛ ووقفت صامدة أمام الفاتحين رغم حصارهم لها سنوات متتالية.

وكثيرا ما كان يكثر التطاحن بين هذه المدن وتنشب بينها الحروب ومع ذلك فإنها كثيرا ما كانت تتحدد أمام المهاجمين من الشعوب الأخرى، وقد تحصل إحداها على الزعامة وتتمتع بنوع من السيادة على الآخرين ..

وكان الفينيقيون أول أمة بحرية في التاريخ، أخذوا يجوبون البحار ويؤسسون الطرق البحرية بين الشرق والغرب وأنشأوا المستعمرات ونشروا حضارتهم وحضارات غيرهم بين مختلف الجهات، وكانوا تجارا نموذجيين ألفت الشعوب القديمة رؤية سفنهم ولذا نجدها ممثلة في نقوش المصريين والاشورين.

ومن أهم ما قاموا به الدوران حول أفريقية في عهد نخاو ( ثاني ملوك الأسرة السادسة والعشرين المصرية) كما ينسب إليهم أنهم وصلوا إلى بريطانيا وكانوا يتاجرون معها إذ كانوا يحصلون منها على القصدير في نظير الخزف والملح والأواني النحاسية ..

وأهم المستعمرات التي أسسوها كانت في قبرص وصقلية وسردينيا وأسبانيا و أوتيكا (تونس ) و قرطاجنة وبلاد اليونان …

وكانت قرطاجة أكثر هذه المستعمرات نجاحا فقد تطورت حتى أصبحت تنافس الوطن الأم في القرن الثامن قبل الميلاد، وكونت منذ القرن السادس ق.م إمبراطورية واسعة امتدت من حدود ليبيا إلى جبل طارق شملت بعض جزر البحر المتوسط حتی نازعت روما السيادة على هذا البحر، وبلغ من تسلطها عليه أن تردد القول بأن الرومان لم يكونوا يستطيعون غسل ايديهم في مياهه دون اذن من قرطاجة.

وتطورت الحرب بين روما وقرطاجة إلى أن دمرت هذه الأخيرة على يد الرومان وأشعلوا فيها النيران لمدة سبعة عشر يوما حتى أتت عليها في سنة 146 ق.م …

ويبدو أن الفينيقيين كانوا أول من استعمل الأبجدية الراقية التي لاشك في أنهم اقتبسوها من الكتابة المصرية القديمة كما أنهم تأثروا بالمصريين في كثير من أمورهم كالآداب والعقائد وفن العمارة وعادات الدفن وغير ذلك..

ويشرح د. شوقي خير الله تفاصيل ذلك فيقول:

إستقر الكنعانيون في لبنان وفي الساحل السوري على صخور أشبه بالجزر، جبیل، ورواد، وصیدون وصور وعلى شريط الساحل امتدادات بغير حدود والسهل الساحلي قليل العرض، متعرج، ويضيق أحيانا …

جميع الطرق البرية التي كانت تصل أفريقيا بأسواق الشرق الأقصى والهند وخراسان وكلدة والعربة والقوقاز، سواء اتبعت الفرات أو البحر الأحمر أم شاءت أن تذهب غربا تمر إجباريا في هذه الممرات الساحلية ..

الكنعاني الساحلي الفنيقي توطن على جانب هذه الطريق العظمی، و لم يمتهن الفينيقي دور قاطع الطرق كما في الممرات الإجبارية الأخرى في العالم، بل التقط السر الجغرافي والجيوستراتيجي فتاجر واستفاد..

الفينيق ليس بالشعب المقاتل والمعتاش من التقاتل؛ فهو شعب مثقف على دقائق الأشياء ولطائفها وعلى أسرار المعاملات والتجارة والنقل والخدمات الثلاثية.

فلذلك قبع الفينيقيون على جانب معمعة الأمم والضجيج والفرقعة، في صور وصيدون وأرواد و جميل، يشاهدون مرور الجيوش شمالا وجنوبا لا يقاومونهم لعدم المصلحة في ذلك.

في البدء ترك الحميريون كبار الأرض يتقاتلون فوق الأرض السورية ويمرون؛ فهم يعتبرون أنفسهم أهل حضارة عتيقة، أوحت لهم حكمتهم و تجارب الحياة أنه لمن سخافة التصرف أن يفنوا هم في حروب الآخرين وعلى مذبح الغير في معارك عبثية …

لقد أسدل الفينيقي أشرعته وشغل مجاديفه الدورية ويمم نحو کیلیکيا مکملا سيطرته على الشاطىء السوري، فأسس فيه: الكبيرة، المسورة، رمیکوبس سيليون، مجدل، فازيلوات، وسيديميا ..

ويمم نحو رودس فعمر إزاءها ثلاثة مرافيء على بر الأناضول عند الفيليين، و انشأ حاضرة كبري أسماها عشتيرة؛ وأما رودس فدعاها أولا فينيقيا، والشعب الخليط الذي تولد من السكان الأصليين ومن المستعمرين الفينيقيين سيكتب عليه تاریخ بحري عمراني حافل: وسينشيء مدينة المعرة في العتيقة Atticgue، وسيجوب البحار السبعة، وسيكون نواة لتطوير الحضارة على شواطىء بحر إيجة ..

المعرة: تعني المغارة الماء .

جعل الفينيقى رودس قاعدة عمليات نحو حملة في البحر الأسود، حملة حضارة وتجارة، فاقتحم میلوس واستخرج الكبريت والشبة والأصبغة والمعادن، وفي كوش وأمورغوس ومیلوس أنشأ مصايد الأرجوان والمسابغ ومعامل النسيج.

وفي باتجا من تراقيا استخرج الذهب وطحش نحو ساموتراقيا ولمنوس و طاسوس ومدخل مضيق عسقانيا؛ إذ أمكن له أن يقتحم البوسفور وما بعده وأن يتجه موسقا بالبضائع والمشاريع نحو القفقاس؛ فنزل في هرقلة وسياموس وكارامبيس وسينوب؛ وعلى  مصب نهر الدنيبر؛ فأقام صور الجديدة وجعلها قاعدة عمليات داخلية وتوغل في سهوب روسيا الجنوبية.

وكان على موعد مع قدر جديد في جزيرة كریت (قريت أو قرية)، سرعان ما أينعت الخميرة الكنعانية في أرض طيبة، وإن هي إلا حضارة قديمة ابتعثها القادمون فاستحدثوها وأحيوها؛ ..

وبعد توسيع المطامح والنبوغ نحو بحر إيجه و البحر الأسود وگریت؛ أصبحت القفزة التالية محتمة ومكتوبة في طبيعة الأشياء وحكمة التاريخ، نحو المغرب المشتاق .

كانت العلاقات التجارية مع آسیا برا وبحرا تعقد وتجود بعد صبر ومصابرة وتعامل بالأمانة. وكانت مفازات الأنهار وممرات الجبال هي الإحداثيات الفضلى لإقامة نقاط الإرتكاز والمحطات والمستودعات ومكاتب الصفقات…

إن بعض أسمائها لا تزال باقية:

(لايش) عند منابع الأردن؛ (بیت لهيا) حيث تمر طريق آشور من سورية الجنوبية – فلسطين إلى (جوف سورية) – البقاع حماة؛ في وادي العاصي؛ طبشاق عند مفازة الفرات، نصيبين عند منابع دجلة.

أما التجارة البحرية فسوف تحرض الفينيقيين إلى إنشاء إمبراطورية استعمارية في. شرق في المتوسط ثم في غربه، لا يشبهها أي إمبراطورية أخرى في التاريخ.

يقول ماسبيرو في كتابه «التاريخ القديم لشعوب المشرق في ص 233 :

وتاريخ هذا العمران ونجاحاته المتعددة، إلى أن يصبح المتوسط بحيرة فينيقية، لا يزال شبه مجهول، لقد أتلفت الوثائق والمستندات التي كانت في أرشيف صور في الحقبة اليونانية الرومانية؛ إن الذي وصل إلينا هو أقرب إلى الأسطورة والروايات….

إننا نعرف مثلا أن ملقرت (ملك القرية المدينة) الإله الصوري الأكبر (مثله هرقل اليونان) كان قد جمع جيشا وأسطولا كبيرين لكي يفتح إيبيرية أي إسبانيا والبرتغال.

وفي طريقه افتتح أفريقيا وأدخل إليها الزراعة واسس Iicalompyies واجتاز المضيق الذي حمل اسمه أولا ثم أصبح جبل طارق فيما بعد، وبنى قادش ونظم إيبيرية غربا ولعله كان يود أن ينقلب بعد ذلك إلى الشرق الشمالي نجري سيبيريا، ولذلك عاد إلى وطنه مارا بآسية الصغرى عن طريق غاليا في فرنسا وإيطاليا وسردينيا وصقلية.

يقول ماسبيرو: وأينما حل فينيقي قامت حتما مشاريع عمران و منشأت عمل دائمة والأسماء الفينيقية و وعمرانهم، ومؤسساتهم ومدنيتهم تدوم وتخلد في الملاحم و الأساطير،..

الفينيقيون هم اول من راد قبرص وجاب فيها واستكشفها ثم استقروا فيها وبخاصة في تلال تاماسوس حيث النحاس؛ وقد أسموها جزيرة النحاس بسبب ذلك؛ وأسسوا فيها حماة وكيتيون ودیر بافوس وجولجوس ولاباتوس وقريون وقرباسيا …

وعلى الشاطىء الجنوبي من سورية أسسوا يافا ودور، وعلى تلة كازيوس أسسوا عسقلون قرب الحدود المصرية.

وفي مصر ذاتها، وفي مدن الدلتا أنشأوا مخازن وبنادر في تانيس وبوباست ومندیس وساییس؛ ولأجل أعمالهم وبفضل هذه المنشأت نالوا من السلطات المصرية امتیازات وتسهيلات.

فأينما جاء أو توقف الفينيقي قل قامت ورشة عمل: يبحرون، يصطادون، يتعلمون حراثة الأرض، يزرعون الزيتون والكرمة والقنب والقطن، يدجنون منتوجات أفريقيا في آسيا الصغرى، ومنتوجات آسيا الصغرى في أيبيريا، ويستخرجون المعادن، وينبشون المقالع المطمورة، وينسجون،…

ويعملون الفكر في كل شيء، ويحاولون أن يعيشوا کما تعیش في واحاتها المنظمة شعوب العربة السعيدة ومصر والمشرق. ويقيمون عبادات آلهة رحماء عادلين يحاكمون بعدل يوم الدينونة بغية نيل الأبدية.

الفينيقي يحمل معه فكرة ألوهة تحاكم أعمال الناس، وفكرة روح خالدة، أي أسمى أفكار عن الأخلاق والواجب ومحبة القريب والتضحية الفنيقي يأتي بهذا الدين مع بضاعته المتنوعة من زجاجيات وحاجيات ومنشورات.

وهكذا تسقط الأسطورة البشعة والصورة البشعة عن الحضارة الفينيقية المادية الصرفة التي أشاعها أعداء المدنية الفينيقية .

_________

* المصدر صفحة جواهر التاريخ:

الهوامش:

بقلم / د شوقي خير الله / قرطاجة ص ٢١-٣٢)

– محمد أبو المحاسن عصفور في كتابه معالم تاريخ الشرق الأدنى الكبير ص ٢٧٣

*لفظة البونيين مشتقة من اللفظة اللاتينية «Poeni» أو «Poenic» التي استخدمها الرومان للدلالة خاصة على الفينيقيين الغربيين أي القرطاجيين .. وهي مخففة من اللفظة اللاتينية Phoenic التي اقتصر استخدامها للدلالة على الفينيقيين الشرقيين سكان ساحل الشام .

*كلمة قرطاجة كلمة فينيقية الأصل (قَرْتْ): يعني قرية بمعنى مدينة و(حَدَشْتْ): بمعنى حديثة أو جديدة . إذن قرطاجة: معناها المدينة الجديدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق