سياسة

في آخر تقرير رسمي لها

وكالة الطاقة الدولية ... إمكانات النرويج تؤهلها لقيادة العالم في الطاقات النظيفة

عبد العالي الطاهري

في أحدث تقرير رسمي لها، أكدت وكالة الطاقة الدولية أن دولة النرويج تتمتع بفرص ومؤهلات كبيرة تساعدها على قيادة العالم بمجال تقنيات الطاقات النظيفة.

وترى وكالة الطاقة الدولية، في تقرير حديث لها عن النرويج صادر يوم الأربعاء (29 يونيو/حزيران) الأخير، أن النرويج تتمتع بوضع جيد بشكل فريد للانتقال إلى الطاقة النظيفة، تساعدها على تسريع خفض انبعاثات إنتاج الوقود وقطاعي النقل والصناعة. وقالت، إن النرويج بحاجة إلى تطوير استراتيجيات للقطاعات التي يصعب فيها تقليل انبعاثاته الضارة بالبيئة.

وفي الوقت الذي تُعَدّ فيه النرويج بلدًا غنيًا بالنفط والغاز، مع وصفها بأنها مُورِّد دولي موثوق به؛ إذ تُصدِّر ما يقرب من 90% من إنتاجها، يؤكد تقرير وكالة الطاقة الدولية أن البلاد تقود جهود الحدّ من الانبعاثات الضارة بالبيئة.

البداية..نظام تسعير الكربون

من جهته، قال المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول، إن النرويج تقود جهود كبح انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من إنتاج النفط والغاز، خصوصًا عبر كهربة المنصات البحرية.

وبحسب التقرير، تستهدف النرويج خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ما بين 90 و 95% بحلول عام 2050، مقارنة بالمستويات المسجلة برسم العام 1990.

كما أشارت إلى نظام تسعير الكربون الذي تطبّقه الدولة، والذي عدّته وكالة الطاقة الدولية نظامًا أساسيًا في تحقيق هدف النرويج نحو خفض انبعاثاتها.

وبحسب ذات التقرير الصادر عن وكالة الطاقة الدولية، فقد نجحت النرويج في خفض انبعاثات توليد الكهرباء إلى ما يقرب من الصفر، وذلك بفضل اعتمادها على الطاقة الكهرومائية.

ورغم ذلك، ترى وكالة الطاقة أن النرويج أمامها جهود كبيرة لتحقيق أهدافها من خفض الانبعاثات، منبّهةً إلى أن خفض انبعاثات القطاعات الأخرى، لا سيما النقل والصناعة، سيكون أكثر تعقيدًا وتكلفة.

وبفضل خبراتها في قطاع الطاقة، تؤكد الوكالة أن ذلك سيساعدها على تحقيق تحول ناجح في مجال الطاقة والمناخ، مشددة على أن النرويج في وضع جيد لإزالة الكربون عبر تقنيات المركبات الكهربائية والهيدروجين واحتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه.

مزايا طبيعية تساعدها على تحقيق أهدافها

وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، تُعدّ النرويج سابع أكبر منتِج للغاز الطبيعي في العالم، إذ تُوفِّر 3% من الاستهلاك العالمي للغاز، كما تُعَدّ مُنتِجًا مهمًا للنفط بحصّة 2.3% من إنتاج النفط عالميًا.

ومع قوّتها النفطية، تتمتع النرويج بالعديد من المزايا الطبيعية التي تساعدها على تحقيق هدفها الطموح نحو التحول للطاقة النظيفة وتقليل انبعاثاتها.

وهو الأمر الذي يمكّنها كذلك من قيادة العالم بمجال التكنولوجيا الجديدة لإزالة الكربون من القطاعات التي يصعب تخفيف انبعاثاتها، ولكن بشرط وضع السياسات والحوافز السليمة مدعومة بتدابير محددة.

وألمح التقرير إلى إبرام النرويج اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي للمشاركة في تشريعاته بشأن المناخ، خلال المدة الزمنية من 2021 إلى 2030.

وتُعَدُّ النرويج من أوائل الدول التي قامت بفرض ضريبة الكربون في عام 1991، لتشمل احتراق الوقود الأحفوري.

وأوضح تقرير وكالة الطاقة أن 85% من انبعاثات غازات الدفيئة في النرويج تخضع لنظام الاتحاد الأوروبي لتجارة الانبعاثات أو لضرائب غازات الدفيئة وثاني أكسيد الكربون.

وتبلغ الضريبة المفروضة في النرويج على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون نحو 766 كرونة نرويجية (78.15 دولارًا) لكل طن من مكافئ ثاني أكسيد للكربون.

وكانت الحكومة النرويجية السابقة قد تقدّمت بخطّة عمل مناخية للبرلمان، تضمنت تقليل انبعاثات البلاد ما بين 50 و55%، بحلول العام 2030.

وتضمَّن العنصر الأساس في تلك الخطة تقليلَ انبعاثات القطاعات التي تمثّل نصف إجمالي انبعاثات النرويج بنسبة 45% بحلول عام 2030، ومنها النقل والمباني والنفايات والزراعة.

وتمثلت الأدوات الرئيسة في خطة العمل المقدّمة من الحكومة السابقة فرض ضرائب الغازات الدفيئة، وزيادة تدريجية في معدل ضريبة الكربون الوطينة.

الكربون المرتفع ليس الأمثل

رغم أن مستويات الضريبة المرتفعة للكربون قد تؤدي إلى تخفيضات كبيرة في الانبعاثات، ترى وكالة الطاقة الدولية أنه من غير المرجح أن يساعد الكربون المرتفع النرويج بشأن أهداف المناخ.

وعدَّت الوكالة الدولية للطاقة أن تفضيلات أسعار الكربون لتحفيز التحولات التكنولوجية لخفض الانبعاثات مع الحوافز التكميلية للقطاعات المستهدفة، سوف يفيد خطة النرويج بشأن المناخ.

وشدَّدت وكالة الطاقة على أن كفاء الطاقة سكيون لها دور مهم ورئيس في سبيل تحقيق أهداف النرويج بشأن تقليل انبعاثاتها.

ودَعَت الوكالة النرويج إلى وضع استراتيجية وطنية لكفاءة الطاقة، تتضمن أهدافًا فعالة من حيث التكلفة، وتدابير تساعد المستخدِمين النهائيين على خفض الاستهلاك.

وعلى الرغم من أن النرويج تستهدف خفض كثافة الطاقة من نسبة الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد بنسبة 30% بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 2015، فإنه خلال المدة الزمنية من عام 2015 إلى 2019 انخفضت كثافة الطاقة ب 4% فقط.

وتسعى النرويج إلى تقليل استخدام الطاقة في المباني القائمة بمقدار 10 تيراواط في الساعة بحلول 2030، مقارنة بمستويات 2015.

وكانت النرويج قد فرضت، منذ عام 2010، إصدار شهادة أداء الطاقة عند بناء المباني أو تأجيرها أو بيعها. وفي السياق نفسه، حظرت الحكومة تركيب أنظمة التدفئة التي تعتمد على الوقود الأحفوري منذ عام 2016، وفي الوقت الراهن أصبحت معظم المباني تعتمد على أنظمة تدفئة كهربائية.

خطة كهربة قطاع النقل

تمتلك النرويج خطة طموحة بشأن نشر السيارات الكهربائية في قطاع النقل. وبحسب وكالة الطاقة، تخضع سيارات الوقود الأحفوري لضريبة تسجيل عالية عند الشراء، بالإضافة إلى ضريبة ثاني أكسيد الكربون وضريبة استخدام الطرق.

وفي المقابل، تدعم النرويج المركبات التي لا تصدر الانبعاثات، وهو ما دفع إلى ارتفاع مبيعات السيارات عديمة الانبعاثات بنسبة 64.5% في عام 2021.

النرويج تصدر الكهرباء النظيفة

يعتمد قطاع الكهرباء في النرويج على مصادر الطاقة المتجددة بالكامل، إذ استحوذت المصادر المتجددة على 98% من الكهرباء المولدة خلال 2020. وبلغت نسبة الطاقة المائية من قدرات توليد الكهرباء بالبلاد نحو 92%.

وتعتبر النرويج أحد أهم مصدري الكهرباء إلى الدول المجاورة لها، إذ سجَّلت الكهرباء المصدَّرة من النرويج رقمًا قياسيًا بلغ 20.5 تيراواط في الساعة خلال 2020، وهو ما يجعلها أكبر المصدّرين على مستوى القارة الأوروبية.

وفي السياق نفسه، ارتفعت حصة الرياح في قدرات توليد الكهرباء بالنرويج 10 أمثال خلال العقد الماضي، إذ شكّلت 6.5% في 2020، لتصبح ثاني أكبر مصدر لتوليد الكهرباء في البلاد.

ومع استهداف البلاد رفع حصة مصادر الرياح، تواجه معارضة محلية لمشروعات طاقة الرياح البرية؛ لتأثيرها الملحوظ في المناظر الطبيعية.

وبعد اتجاه البلاد في عام 2019 إلى وقف مؤقت للتراخيص الجديدة للرياح البرية، أعلنت الحكومة النرويجية في أبريل/نيسان 2022، أنها ستستأنف إصدار تراخيص جديدة لمشروعات الرياح.

وتقوم النرويج حاليًا ببناء أكبر مزرعة رياح بحرية عائمة في العالم، بطاقة إجمالية تبلغ 88 ميغاواط.

سيناريو انخفاض الطلب على النفط

يؤدي قطاع النفط والغاز دورًا مهمًا في الاقتصاد النرويجي، فهو يعدّ أكبر قطاعات البلاد من حيث القيمة المضافة والإيرادات والاستثمارات وقيمة الصادرات.

ودعت وكالة الطاقة الدولية الحكومةَ النرويجية إلى التخطيط لسيناريو انخفاض الطلب على النفط بشكل أسرع من المتوقع، مع الأهداف العالمية نحو حيادية الكربون بحلول عام 2050.

وتُعدّ صناعة النفط والغاز أحد المصادر الرئيسة لانبعاثات الغازات الدفيئة في النرويج، إذ تمثّل ربع إجمالي انبعاثات البلاد.

ونبّه التقرير إلى وجود خطط طموحة لصناعة النفط في البلاد تستهدف خفض انبعاثاتها بنسبة تصل إلى 40% بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 2005، والوصول إلى صافي انبعاثات بحلول عام 2050.

ورأت أنَّ نجاح النرويج في تحقيق أهدافها لن يأتي فقط من ارتفاع أسعار الكربون، ولكن بالتوازي مع انتشار تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه، مع كهربة العديد من القطاعات.

ويعدّ احتجاز وتخزين ثاني أكسيد الكربون أحد المجالات ذات الأولوية للعمل المناخي في النرويج.

إلى ذلك، أكدت وكالة الطاقة أن النرويج أثبتت نفسها دولةً رائدة في نشر تكنولوجيا احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، وموطنًا لعدد من الشركات التي تتمتع بخبرة في مجال احتجاز الكربون وتخزينه.

ومن بين توجهات الحكومة النرويجية كذلك استخدام الهيدروجين، إذ تُقدّم العديد من تدابير الدعم المتعلقة بالبحث وتطوير صناعة الهيدروجين منخفض الكربون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق