ثقافة وفن

قصة من الواقع

ولادة في الشارع

د. إسماعيل محمد النجار

محمد عبدالكريم، شاب عمره خمسة وعشرون سنة وزوجته سامية عمرها عشرون سنة، حامل في نهاية الشهر التاسع للمولود الثاني، دخل الأسرة متوسط وتسكن في حارة قريبة من حي الزهراوي، ويعرف عن الزهراوي أنها منطقة خدمات طبية حيث يوجد مركز الزهراوي الطبي وفيه تخصصات مختلفة ومنها النساء والولادة، ومنطقة خدمات تجارية (سوق تجاري شعبي) يمتاز بوجود جميع أنواع الملابس وأدوات التجميل والأدوات المنزلية وسوق للخضار، وتوجد فيه معارض وعمارات تجارية ومحلات معمولة من الزنك والطرابيل (النسيج الذي تصنع منه الخيام) وتعج منطقة الزهراوي وتزدحم بالبضائع ويعيش أصحابها ومعظمهم مغتربين من الأرياف داخلها على مدار الساعة، ويوجد الباعة المتجولين للأقمشة والخضروات والفواكه، ويعتبر سوق الزهراوي من أكبر الأسواق الشعبية ازدحاماً في جنوب العاصمة صنعاء، ويوجد في السوق (جامع بدر) من الجوامع المشهورة في صنعاء، كما يوجد حديقة أطفال تسمى (حديقة الزهراوي) ، ومجمع ومواقف للباصات الشعبية لمختلف المناطق في صنعاء، ويعتبر الزهراوي من المراكز الخدمية الحيوية في أمانة العاصمة صنعاء، يحيط بمركز الزهراوي أربعة شوارع رئيسية تجارية، شارع تعز وشارع خمسة وأربعون وشارع الصافية  وشارع حديقة الزهراوي غرب السوق ، ويطل على الشارع أيضا المحلات التجارية الثابتة وايضاً التجار المتجولون والبسطات ومحلات الزنك والطرابيل.

ويباع في شارع الصافية المجاور للسوق الملابس والأدوات المنزلية والخضروات والفواكه وغيرها من مستلزمات الطباخة، ويزدحم فيه المارة ويطل عليه بوابات جامع بدر والحديقة ومواقف الباصات الشعبية وبوابة مركز الزهراوي الطبي.

وصل محمد عبدالكريم وزوجته وكانت تعاني من آلام مخاض الولادة لمركز الزهراوي وتم الكشف عليها من قبل أخصائي النساء والولادة، وبعد الكشف رأت الدكتورة بأن موعد الوضع أو الولادة لم يحن بعد، وطلبت منهما العودة للمنزل على الرغم من أعراض الوضع الواضحة، خرج محمد عبدالكريم وزوجته سامية متكئة عليه وتئن من آلام الوضع ، وما أن خرجت سامية وزوجها لشارع الحديقة أمام المحلات الثابتة والمتحركة والشارع مزدحم بالسيارات والمارة، حتى انفجر صاروخ عطان في تلك اليوم والساعة الموافق الاثنين 20/4/2015م الساعة الحادي عشر صباحا تقريبا، وكان وقع الانفجار شديد على صنعاء وخاصة المناطق المجاورة لمنطقة عطان، و نتيجة الضغط الشديد والصوت المدوي قذف بسامية وزوجها مترين بالشارع ، فجأة حصلت الولادة وبدأ الجنين يندفع للخارج ، وعندما رأى محمد عبدالكريم زوجته تلد، حلق عليها ليسترها من رؤية الناس، لينتحب ويبكي بصوت مرتفع وعيناه تتحرك باتجاه وجه زوجته والناس وهم في حالة ارتباك، فمنهم من انبطح على الأرض والآخر خرج من منزله مع عائلته بدون العبايات أو حجاب وكذلك الأطفال، ولشدة الانفجار الذي هز المباني واقتلع بعض الأبواب والنوافذ وكسر النوافذ الزجاجية واختلط الحابل بالنابل وارتبك أصحاب المحلات والبسطات خوفاً على بضائعهم، لم يعرف محمد عبدالكريم ماذا يعمل وكيف يتصرف فظل مستلقياً على زوجته ، وصوت بكاءه مرتفع ويديه تشير على بعض النساء المارات مستنجد بهن ، اعتقد الناس أن محمد عبدالكريم وزوجته قد أصيبا أثر الصاروخ فهرولوا باتجاههما ،  لكن محمد عبدالكريم يؤشر لهم بالابتعاد بيده خوفاً من انكشاف زوجته ، ومع المتواجدين بنت في العشرينيات من العمر مرت بجوارهم وهي تصرخ وبدون حجاب أو عباية من هول الانفجار وما أحدثه من أضرار ، رأت سامية وهي تبكي وتشير بيدها ، كما رأت محمد عبدالكريم يصرخ ويشير لها مستنجداً فاقتربت منهما وقالت سامية وهيا تشير بيدها: استريني أني أضع (ألد … أني ألد ) لم تفهم البنت إلا بعد أن هدأت وكررت سامية وزوجها العبارة وتبدل صراخها من خوف الانفجار، لتنادي أمها التي كانت على مقربة منها وقالت لها : يا أماه المرأة تلد في الشارع، أغيثيها ، فهرعت الأم باتجاه سامية وزوجها وصرخت طلباً للمساعدة في إحضار البطانيات، وتم جمع  أعداد كبيرة للبطانيات من أصحاب المحلات، وسلمت للنساء وبدورهن سلمنهن للمرأة لتستر سامية، وسحبت بعض النساء محمد عبدالكريم بقوة من على زوجته وتم إزالة كل معيقات خروج  الجنين واصبحت ساحة الولادة نظيفة وسحبت بعض النساء الجنين بلطف للخارج ، ونسى الناس بأعدادهم الكبيرة في تلك اللحظة وقع الانفجار وانصب اهتمامهم على ولادة سامية ، ليرددوا :لا حول ولا قوة إلا بالله، والبعض يقول :سبحان الله العظيم، والكثير منهم يشتم المعتدين وايضاً من كان السبب ، وبمجرد معرفتهم لقصة الولادة انسحبوا من المكان حتى اصحاب المحلات والبسطات المطلة تركوا محلاتهم وابتعدوا عن الموقع ، بل وشكلوا فرق عمل ، فالبعض قام بقطع الشارع من الجهتين والمداخل المؤدية للشارع  والبعض الآخر أوقف حركة سير المشاة ، وأصبح الموقع خالياً تماماً من الرجال والسيارات ، وعن بعد وفي نفس الوقت تجمعت أعداد هائلة من النساء سواءً من الساكنات  في سوق الزهراوي أو في الشارع للتسوق ، ومن بينهم الزوجة التي تركت أغراض التسوق خوفاً وهلعاً من الانفجار والنساء الهاربات من العمارات والمنازل ، وشكلن أكثر من حلقة حول سامية حتى يحجبن الرؤية عنها لتتم الحركة والتصرف بسهولة ويسر ، بل وشكلن فريق منهن للمساعدة ، البعض  يحضر الماء والأخريات شفرة حلاقة حادة لقطع الحبل السري ، والبعض لجلب المطهرات والملابس وأخريات لتنظيف المكان من آثار الوضع، أما السيارات فقد وقفت على مداخل الشارع بعد أن عرفوا بالواقعة ، ومن لديه عائلة أنزلها للمساعدة.

قامت مجموعة من النساء الخبيرات بتوليد سامية، والبعض الآخر إحضار مستلزمات الولادة ، أما اصحاب المحلات أحضروا عبر النساء أعداد هائلة من الملابس للجنين وسامية ، الكثير من المتسوقين وأصحاب المحلات دمعت اعينهم عند سماعهم بموضوع الولادة ، بل وكثير من أصحاب السيارات على المداخل والمحلات والمتسوقين  حلقوا على محمد عبدالكريم وهو يدمع وضموه وقبلوه في رأسه وطمأنوه، والبعض اخرجوا من جيوبهم أوراقاً نقدية يمنية كبيرة أو دولارات أو ريالات سعودية ووضعوها في جيب محمد عبدالكريم ، ليرفضها ويخرجها من جيبه ويدفع بها لجيوبهم أو للأرض قائلاً لهم: الحمد لله مستورة ومرتاح مادياً، لكنهم اقسموا يميناً أن يأخذها ويعتبرها هدية للمولود.

ظل الجميع بانتظار انتهاء الاجراءات الأولية للولادة لتحمل سامية وزوجها والجنين، ووصل الأمر للتزاحم والتنافس على تقديم سياراتهم، ومن بينهم شيخ ينادوه مرافقوه بالشيخ (صومعة) ويبدو أنه شخصية اعتبارية كبيرة يرافقه مسلحين، فقام الشيخ صومعة بإنزال مرافقيه من سيارته والسيارة المرافقة له واقسم يمين مغلظة بأن سيارته من ستحمل المولود ووالديه، وجاءت سبع سيارات أخرى لتحمل الأغراض من بطانيات وملابس كثيرة للمولود وللأم، أهداها أصحاب المحلات وحملت المرافقات من النساء ووصل أعدادهن إلى العشر نساء.

اتجه الجميع بموكب لأحد المستشفيات الأهلية الكبيرة، وهناك خرجت المرافقات لاستدعاء الممرضات وإحضار العربة الخاصة بحمل سامية ومولودها إلى غرفة العناية الخاصة بالولادة ،وتمت العناية والاهتمام بالحالة ، وتسابق الموجودون لدفع التكلفة واقسم محمد عبدالكريم بعدم دفع أي مبلغ ولكنهم دفعوا المبالغ دون أن يعرف ، واستمرت الحالة في المستشفى ما يقارب خمس ساعات، وظلت السيارات والمرافقين في حالة انتظار يضاف لهم أقرباء محمد عبدالكريم وزوجته الذين وصلوا للتو، وتوجهت قافلة الولادة بعد العناية لمنزل محمد عبدالكريم الخاص، ورافقت سامية بعض النساء لخدمتها حتى المساء، وما أن بزغ صباح يوم الثلاثاء 21/4/2015م إلا وبعض السيارات من الريف والمدينة محملة بالحب والعسل والسمن والدجاج تصل إلى بيت محمد عبدالكريم الخاص، وكذلك سيارة الشيخ صومعة محملة بثلاثة خرفان جميع السيارات واقفة أمام المنزل، وما أن فتح باب المنزل حتى دخلت النساء للمنزل وهن محملات بالأشياء ، بينما الرجال في حالة انتظار في الخارج على الرغم من مناشدة محمد عبدالكريم دخولهم، وحاول رد الأشياء ولكنهم لاموه واعتبروا ذلك معيب منه وقالوا له : هذه هدية المولود نشوان، ليستمر بنفس الاسم.

واستمرت النساء التي تعرفت على سامية في السوق في حالة مزار لتفقدها ومساعدتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق