
عبد العزيز كوكاس
في كتاب جديد له صادر عن منشورات النورس هذا الأسبوع، تحت عنوان «مذكرات مستشار للوزير الأول عبد الرحمن اليوسفي: دروس من تجربة )التناوب( وما بعدها»، يفاجئنا الأستاذ عبد العزيز النويضي بمعطيات جديدة ووقائع كان شاهد عيان في قلبها، بعضها عاشه بصفته مستشارا للوزير الأول اليوسفي، وبعضها الآخر سمعه من فم زعيم التناوب التوافقي، ثمة أسرار عديدة عن مرحلة أثارت ولا تزال الجدل حولها، وتظل بحاجة مستمرة إلى كشف جوانب كثيرة من نواحي غموضها، وقد اخترت للقراء هنا، نخبة مما بدا لي ذا دلالات قوية في فهم هذه المرحلة التاريخية بناء على مذكرات النويضي، أو يضيف جديدا إلى ما تراكم لدينا من معلومات حول تجربة سياسية متميزة مختلف حول تقييمها، قادها اليوسفي وشكلت الكتلة الديمقراطية عمودها الفقري، الكتاب غني بالمعطيات واختيار هذه المقتطفات لا يغني عن الاطلاع على تفاصيل عديدة لا يتسع المجال لسردها هنا.
محنة اليوسفي قبل التناوب: الفشل في إصلاح منظومة الانتخابات
كانت الانتخابات مقررة في نوفمبر 1997، فأعددت سنة 1996 مؤلفا بعنوان «العدالة والسياسة: الانتخابات والقضاء الدستوري في المغرب»، يكشف أهم عيوب النظام الانتخابي وحدود القضاء الدستوري آنذاك وأهم نقط الإصلاح الواجبة. وقد سلمت نسخته الأولى للأستاذ عبد الرحمن اليوسفي الذي كان الحرص على نزاهة الانتخابات من أهم مشاغله، ما دام الحزب قد اختار إستراتيجية النضال الديمقراطي. كان هدفي أن يكون دليل عمل ونبراسا للحزب وحلفائه في المفاوضات من أجل إصلاح القوانين والمؤسسات التي ستؤطر انتخابات 1997.
كان اليوسفي قد أبلى البلاء الحسن قبل ذلك رفقة قادة الأحزاب الديمقراطية، داخل اللجنة الوطنية للسهر على العمليات الانتخابية، التي كانت تتشكل من مستشار الملك أحمد رضا اكديرة، بصفته رئيسا، ووزير العدل مصطفى بلعربي العلوي، ووزير الداخلية والإعلام إدريس البصري، وقادة أحزاب «الكتلة الديمقراطية»: عبد الرحمن اليوسفي وامحمد بوستة وعلي يعتة وبنسعيد أيت يدر، إلى جانب قادة الأحزاب الأخرى: أحمد عصمان والمعطي بوعبيد وامحند العنصر والمحجوبي أحرضان، إضافة إلى القضاة محمد ميكو ومحمد الشدادي وأحمد السراج.
ورغم الجهود التي بذلت لإدخال الإصلاحات التي تضمن النزاهة، ورغم الاتفاق على ميثاق شرف، فقد عرفت الانتخابات سنة 1997 تلاعبات فظيعة لإفسادها وزرع ألغام في طريق التناوب، كما حصل ضد حزب الاستقلال الذي لم يحصل سوى على 32 مقعدا تماما كحزب محمود عرشان المنشأ حديثا، وكما حصل في قضية محمد حفيظ التي سأبدأ بها.
مكيدة البصري لتزوير الانتخابات ضد حزب الاستقلال
كان الهدف من التزوير الذي تم ضد حزب الاستقلال منع أي مشاركة له أو تحالف له مع الاتحاد الاشتراكي في حكومة اليوسفي مستقبلا. وكان قد تم الاتفاق بين الحزبين على ذلك من قبل. أمام الغضب في صفوق حزب الاستقلال، دعت قيادته إلى مؤتمر استثنائي في دجنبر 1997 أعلنت فيه اللجنة التنفيذية رفض الحزب لنتائج الانتخابات وأكدت أن الخريطة السياسية كما رسمتها وزارة الداخلية خريطة مزورة.
كان التلاعب يسعى أيضا إلى تعميق تشتيت باقي أحزاب الكتلة، بعدما كانت قبيل ذلك قد انشقت جبهة القوى الديمقراطية عن حزب التقدم الاشتراكية، وانشق الحزب الاشتراكي الديمقراطي عن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، التي تعرضت لحصار شديد بسبب موقفها من الدستور. وكنت حينها كتبت مقالا تحت عنوان «لا لاضطهاد منظمة العمل الديمقراطي الشعبي»، نشر في «الاتحاد الاشتراكي» وفي جريدة «الأنوار» التي كان يصدرها من الشمال الصحافي محمد الخمسي. وقد تدخل اليوسفي فيما بعد لدى الحسن الثاني لرفع الحصار عن المنظمة، لأنه لم يكن يرضى أن يكون تنظيم أحد أصدقائه في النضال في هذه الوضعية في ظل حكومة التناوب.
بعد الانتخابات، فطنت قيادات الاتحاد الاشتراكي والاستقلال للمناورات الخطيرة لمنع تحالفهما والتي من شأنها إضعاف حكومة اليوسفي. وقد بذل الحزب جهودا جبارة لإقناع بوستة وحزب الاستقلال بقبول المشاركة في الحكومة. أتذكر أنني التقيت الأستاذ فتح الله ولعلو في مطار بجزر الخالدات وكان كل منا في اتجاه. وحدث طارئ عطل الرحلات، والتقينا هناك الدبلوماسي المغربي الأديب الكبير محمد الخطابي. حيث صرح لي ولعلو في المطار قبل ذلك أنهم يعيشون في الحزب معضلة كبرى تتعلق بإقناع حزب الاستقلال بالمشاركة في الحكومة المقبلة. وقد تمكن اليوسفي في الأخير من إقناع امحمد بوستة بأن يقنع حزب الاستقلال بالمشاركة لإفشال مناورات إدريس البصري ومن معه.
هكذا يرى الأمريكيون مغرب انتقال الحكم بعد الحسن الثاني
يمكن أن أفتح قوسا حول بعض فقرات الزيارة التي أطلعت الأستاذ اليوسفي فيما بعد على خلاصاتها، وتهم اللقاء مع مسؤولين كبار بالبنك الدولي وبوزارة الخارجية الأمريكية أستخرجها من مذكراتي. زرت مجموعة البنك الدولي (مكتب المغرب) ومنظمة العفو الدولية (فرع أمريكا) ووزارة الخارجية الأمريكية (مكتب الشغل وحقوق الإنسان ومكتب المغرب) ومنظمة هيومن رايت واتش ومنظمة Human Rights First التي تسمى اليوم «محامون من أجل حقوق الإنسان»، وزرت معهد حقوق الإنسان بجامعة سنسيناتي بأوهايو المعروفة بمجلتها الشهيرة Human Rights Quarterly، وألقيت محاضرة على طلبته ومنحني الأستاذ Bert B. Lockwood مدير المعهد تذكارا كـ»زائر متميز» Distinguished visitor. وفي واشنطن، زرت اللجنة العربية- الأمريكية لمكافحة التمييز، وهي أكبر منظمة للحقوق المدنية في الولايات المتحدة من قاعدة عربية أمريكية،
في 24 مارس 1998 كان اللقاء بوزارة الخارجية الأمريكية مع Robert Sheller مدير مكتب شمال إفريقيا ومصر والشرق الأدنى والسيدة Laura Byergoالمكلفة بالمغرب. انصب سؤالي عن تصورهم للتطورات السياسية في المغرب في أفق خلافة الملك الحسن الثاني.
بالنسبة ل Sheller قالت: «سأبدأ بالحكومة الجديدة، الانطباع الدبلوماسي أن تعيين اليوسفي أمر مهم وخطوة كبيرة، علامة عن جدية الملك الحسن الثاني في البحث عن طريق الانفتاح السياسي. طبعا الحكومة لازالت جديدة سنلاحظ التفاصيل، ولكن تعيين اليوسفي هو علامة جيدة ويبدو أن الأمر استقبل إيجابيا في المغرب نفسه من طرف الشعب وهذا يؤثر على حكمنا. لاحظنا أن تعيين اليوسفي يريد امتصاص الشك ويخفف الشعور بالمرارة من طريقة الانتخابات في السنة الماضية (انتخابات 1997). فيما سألتني لورا بيرغو Laura: «نريد أن نقيم هل هذه فعلا خطوة إيجابية؟ لقد بقيت بعض الوزارات الهامة في نفس الأيدي نريد أن نعرف رأيك؟». وكان جوابي: «استمرار بعض الوزارات يجسد حرص الملك على التقدم بحذر شديد…». فقال Sheller: «اليوسفي رجل له سمعة جيدة. من الناحية الإيديولوجية لست أدري ماذا تعني الاشتراكية اليوم؟ الاتحاد الاشتراكي له إيديولوجية قومية عربية وسوف ننظر كيف سيؤثر ذلك على علاقاتنا؟»
أما بالنسبة لسؤالي حول تقييمهم لمستقبل النظام من منظورهم في حال وفاة الحسن الثاني. فكان جواب Sheller: لا نعرف قدرات ولي العهد في القيادة. ستكون وضعية يصعب التنبؤ بها. في ذات الجلسة سألتهم: ماذا يرون بالنسبة للإسلاميين؟
Laura-: «لا نعرف الكثير، إنهم موجودون في الجامعات…
Sheller-: في هذا المكتب، نرى ماذا يفعل الناس وليس ما يقولون، لا تهمنا الإيديولوجية الإسلامية لأنها شيء واسع. هناك أناس يدعون إلى أخلاق أحسن وهذا جيد، وهناك من يعبد الله وهذا ليس شيئا سلبيا، نحن فقط ضد العنف السياسي.
وبخصوص الموقف الأمريكي إزاء الصحراء، اعتبرت خلال حوارنا «ربما لا تريدون حلا ليبقى المغرب ضعيفا وقابلا للتأثير؟
Sheller-: الأطراف في النزاع وقعوا وقبلوا تسوية الأمم المتحدة. من الواضح أنه يجب أن ندعم الأمين العام وممثله جيمس بيكر والسفير دنبر.
سؤالي: وماذا تتوقعون من نتائج الاستفتاء لو حصل؟
Laura: ليست لدينا فكرة عما سيقع. سنهتم بحصول حل للمشكلة، لأنه سيساعد على الاستقرار ونهاية التوتر بين الجزائر والمغرب.
Sheller: يجب أن تعلموا أن الولايات المتحدة ليست ضد المغرب للتقرب مع الجزائر كما تدعي بعض الجرائد المغربية.
فبادرتني السيدة Laura التي كانت تود معرفة رأيي في العديد من القضايا لذلك كانت تدخلاتها عبارة عن أسئلة تود من خلالها فهم كيف نفهم بعض القضايا الشائكة، بسؤال: ما هي الأولويات في مجال حقوق الإنسان بالنسبة للمغرب؟
فكان جوابي: في مجال الحقوق الأساسية للأفراد يتعين تعويض ضحايا الاختفاء القسري وضحايا الطرد التعسفي لأسباب سياسية ونقابية والكشف عن الحقيقة بالنسبة لعشرات الحالات من الاختفاء القسري منذ الستينيات، وطبعا يتعين إصلاح التشريعات الجنائية ووضع ضمانات ضد التعذيب، وضمان استقلال القضاء وتحسين الحكامة الأمنية ومعالجة التمييز ضد المرأة وضد الفقراء بصفة عامة.
فعلقت Laura: سألت منظمات حقوق الإنسان هنا في أمريكا وقالوا لي: المغرب تحسن بعض الشيء في السنوات الأخيرة. ولكنهم أثاروا نفس المشاكل مثلك تماما. فتساءلت عن طريقة دعمهم للديمقراطية وحقوق الإنسان بالمغرب.. وكان رد Laura: عملنا مع NDI المعهد الوطني الديمقراطي و R.Iالمعهد الجمهوري، لديهم مشاريع في المغرب مع البرلمان والمساطر البرلمانية. سيعطون دفعة لدعم معرفة الرأي العام لعمل البرلمانيين. وسنعمل مع الأحزاب في أفق تقوية نزاهة الانتخابات في المغرب، ولدينا حوار مستمر مع السلطات من خلال التقرير السنوي حول وضعية حقوق الإنسان بالمغرب.
اليوسفي لقياديين من المقاومة: مهمة المقاومة انتهت بعد حصولنا على الاستقلال
كنت مع الراحل عبد الرحمان اليوسفي عندما استقبل مسؤولين بالمقاومة وجيش التحرير. وبعد أن أشاد الرجلان بدور اليوسفي في المقاومة والتحرير وبأنه من كبار رجالاتها ومتتبعا لأوضاعها ومشاكلها… طلبا منه أن يقنع الملك بزيادة ميزانية المقاومة والمزيد من الاعتناء برجالاتها وفتح آجال جديدة لتصفية ملفات مطروحة عليها. ولما انتهيا من مرافعتهما، فاجأهما اليوسفي بالقول إنه وإن كان يعتز بأنه ينتمي لأسرة المقاومة من أجل تحرير المغرب من الاستعمار، فهو منشغل اليوم بمشاكل أكثر استعجالية، وإن كان يقدر دور مؤسسات المقاومة وجيش التحرير، فإنه لم يبق متتبعا لأوضاعها عن كثب كما يعتقدان بعد أن أنجزت مهمتها وتم الحصول على الاستقلال.
البصري يفشل مؤتمر أمنيستي بالمغرب، وحزب الاستقلال الحزب الوحيد الذي ناصر المنظمة الدولية
كانت منظمة العفو الدولية قد طلبت الإذن لها بعقد المجلس الدولي للمنظمة في المغرب. أتذكر أننا اجتمعنا في حوالي الحادية عشرة صباحا من 7 يونيو 1999 بمقر الوزارة الأولى، كنت أرافق اليوسفي، وكان محمد السكتاوي يرافق السيدة جون راي، مسؤولة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمنظمة آنذاك. كانت المنظمة تريد الجواب على طلبها حتى يتسنى لها بدء الترتيبات اللوجستية…وكان اليوسفي قد توصل بمعلومات من الملك تفيد بأن الأمين العام بيير ساني قد قام بتصريحات أثناء زيارته للمغرب في ربيع تلك السنة قد تكون مست بشخص الملك، ربما كان وزير الداخلية إدريس البصري قد دس في صفوف المجتمعين مع الأمين العام شهورا من قبل شخصا أو أكثر سجل كلام الأمين العام، وقد يكون تم تحريفه أو اقتطاعه من سياقه وتقديمه للحسن الثاني. وسوف أسمع الرواية فيما بعد من اليوسفي. لكنه في ذلك اللقاء أشار إليها بشكل غير مفصل، معتبرا أنها تضمنت إساءة للملك وأنها خلقت أزمة في العلاقة بين المغرب والمنظمة جعلت القبول بطلب المنظمة غير ممكن. وأخبر اليوسفي محاورينا بأن الأهم بالنسبة للمغرب هو حل المشاكل، مشيرا إلى الجهود المبذولة للاعتراف بقضايا الاختفاء والاعتقال السياسي وإقرار مبدأ التعويض والجهود التي سيتم بذلها في مجالات أخرى.
وكجواب نهائي على طلب المنظمة، أخبر الوزير الأول أنه تلقى رسالة من الوالي إثر طلب من الفرع بالرباط يخبره فيها أنه لا يرخص بعقد المجلس الدولي. كانت الصيغة التي استعملها الوزير الأول غير مفهومة، وأصبت شخصيا بنوع من الصدمة، لأنني لم أكن أتوفر على كل المعطيات حينها. نظرت إلى السكتاوي ونظر إلي مستغربين الجواب، ونمت عن السيدة جون عبارة أسى عميق، وحسب ذاكرتي فقد قال اليوسفي ما يفيد بأنه كان متمسكا جدا بعقد المجلس الدولي بالمغرب، وأنه يتأسف أكثر من السيدة جون لأنه لن يحصل، وأنه لم يسبق له أن كان في وضعية أسوأ من هذه، وأنها جزء من معركة حقوق الإنسان في المغرب، ولكن هذا لن يمنع من استمرار التعاون مع المنظمة…
وقد علمت من صديق يشغل منصبا رفيعا في منظمة العفو الدولية أن القضية برمتها كانت تصفية حساب بين البصري والمنظمة لم يتردد وزير الداخلية آنذاك في جعل المغرب واليوسفي شخصيا يدفع ثمنه. وقد أخبرني اليوسفي بعد اللقاء مع وفد المنظمة بفترة بتفاصيل أخرى. فقد كان الحسن الثاني، احتراما منه لليوسفي، يريد أن يقنعه بسبب رفضه انعقاد مؤتمر منظمة العفو، فالتقى به وسأله: هل تتوفر سيارتك على مكان للكاسيط؟ أجاب اليوسفي بنعم. صعد الرجلان للسيارة وأطلقا الكاسيط، فكانت الفقرة التي أغضبت الحسن الثاني، وهي ربما تلك التي ذكرها الصديق أن بيير ساني لم يأت لالتقاط صور مع الملك، وربما عبارات أخرى تفيد بأن عقد المؤتمر الدولي لن يغير شيئا من مواقف المنظمة تجاه رصد وضعية حقوق الإنسان بالمغرب. سأل الملك الراحل اليوسفي وهو في حالة غضب: وهل بعد هذا نرخص لهم بعقد المؤتمر؟
بقيت منظمة العفو تأمل في انفراج الوضع وفي تدخل الأحزاب السياسية التي قامت بمراسلتها لتدعم مطالبها. وحسب مسؤول بمنظمة العفو، «كان حزب الاستقلال الوحيد الذي ساند موقف المنظمة بدون تحفظ، لأنه ربما لم ينس إهانة البصري للحزب في انتخابات 1997 التي حصل فيها على 32 مقعدا كحزب عريق وهو نفس عدد مقاعد حزب عرشان الجديد. أما باقي زعماء الأحزاب، فكانوا إما يتأسفون وإما يؤاخذون منظمة العفو. وكان أكثرهم صراحة ثلاثة قياديين قالوا بأن الأمر في يد الملك: محمد اليازغي الذي استمع لممثلي المنظمة المحليين رفقة الحبابي، ولكنه لم ينطق بكلمة، بل اكتفى بأن أشار بأصبع يده للأعلى دليلا على الجهة التي تملك الحل، وكان التهامي الخياري أيضا صريحا في تحديد الجهة المعنية بأنه الملك دون غيره، وقال الدكتور الخطيب: «لا يوجد أحد لاتخاذ القرار، لا الوزير الأول، ولا وزير الداخلية، صاحب القرار هو الملك، والملك مريض جدا ولا أحد يمكن أن يتحدث معه».. كان هذا الكلام مساء يوم أحد حسب ذاكرة محدثي في النصف الثاني من يوليوز 1999 وسيموت الملك بعدها بأسبوعين أو ثلاثة.
في صباح الاثنين الموالي للقاء الخطيب، أبرق الفرع المغربي للأمانة العامة بلندن ما مفاده أنه لم يبق هناك أي أمل في عقد المجلس الدولي بالمغرب. وفي نفس اليوم، توصلت الأمانة الدولية برسالة من السفير المغربي في لندن تفيد الرفض رسميا.
اليوسفي ومسألة العفو عن سجناء الحراك:
فيكم الكفاية وأنا لم تبق لي إلا ثلاثة أيام لأموت!
كمحام لمعتقلي الحراك كنت- إلى جانب المرافعات القانونية وبالنظر للطابع السياسي للمحاكمة- أتابع المبادرات المتعددة للعفو. وكنت ألاحظ الجهود التي يبدلها أشخاص محترمون ومنهم الأستاذ عبد الله حمودي الأنثروبولوجي المعروف والأستاذ بجامعة برينستاون. وقد اقترح علي مرة بسبب علاقتي باليوسفي أن نزوره لنطلب منه بدل مساع لدى الملك محمد السادس – لما نعرفه من محبة وتقدير يكنه لليوسفي- فكرنا في أن يكون الطلب من رجلين من الطراز الأول اللذين جمعهما النضال من أجل الاستقلال مع النضال من أجل الديمقراطية، فوقع اختيارنا على الأستاذ محمد بنسعيد آيت يدر. كان ذلك سنة 2018 . اتصلت بالأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد لتسهيل اتصالنا بآيت يدر فرحبت بالفكرة. استقليت السيارة رفقة الحمودي من الرباط للدار البيضاء وهناك تبعتنا الأستاذة منيب إلى منزل الرفيق بنسعيد، وبعد كأس شاي عرضنا عليه الفكرة فقال ما مفاده أن وزنه لدى القصر لا يماثل وزن اليوسفي ولكنه مستعد لمرافقة اليوسفي في طلب العفو إن قبل الفكرة.
تناولنا الغداء في منزل الأستاذة نبيلة منيب بدعوة كريمة منها. واتصلت باليوسفي لتجديد الموعد الذي كنت أخذته معه سلفا فأكد الرابعة عصرا. وصلت رفقة حمودي في الموعد المحدد بدقة وبعد كأس شاي في ركن بالصالون الكبير فاتحته في الموضوع فاستمع باهتمام كعادته وأخبرته باستعداد بنسعيد لمرافقته في المسعى . كان عرضي جد موجز لأنه بدا لي جد متعب. عندما تكلم فاجأنا بالقول : «أنتوما فيكم البركة» . قلت في استغراب: «وهل لنا مكانتك وتاريخك ووزنك لدى جلالة الملك؟»، أجاب «أنا متعب ولم تبق لي إلا ثلاثة أيام لأموت».
حاول الأستاذ حمودي بدل مزيد من الترافع، وبعد جملتين ضغطت على يده لكيلا يستمر لمعرفتي أن اليوسفي قلما يتراجع في مثل هذه الحالات. ودعناه وعدنا أدراجنا إلى الرباط.
———————————————