سياسة

خطاب البرهان عن انسحاب القوات المسلحة من مفاوضات الحكم في السودان … انقلاب لم يحدث (1-2)

 د. عبد الله علي إبراهيم

يدور حوار متعدد المستويات حول الخطاب الذي القاه الفريق أول عبد الفتاح البرهان على الأمة يوم 4 يوليو 2022 ليعلن فيه مغادرة القوات المسلحة مائدة المفاوضات التي تشرف عليها الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي، ومنظمة الإيقاد) لحل الأزمة في السودان. وعليه، في قوله، أفسحت القوات المسلحة للمدنيين في القوي السياسة والمكونات الوطنية الأخرى ليتداولوا أمرهم، ويبلغوا الغاية منه بتشكيل حكومة من كفاءات مستقلة بتيسير من الثلاثية. وأعلن في نفس الوقت عن إنشاء مجلس أعلى للقوات المسلحة يضم الجيش وقوات الدعم السريع لقيادة القوات النظامية للدفاع والأمن مع مسؤوليات أخرى يتباحث حولها مع الحكومة بعد تشكيلها.
كان أحد مستويات الحوار الذي دار حول الخطاب عن صدقية عودة القوات المسلحة لثكناتها خروجاً عن السياسة. وهي صدقية لابد أن تشغل بال السياسي المدني الذي ما فتئ، ولستة عقود، يطالبها عبر ثورات ثلاث (1964، 1985، 2018) وما بينهما بمطلب العودة للثكنات. فصار المطلب هتافاً دارجاً على لسان شباب المقاومة في الشارع اليوم: “مدنية مدنية والعسكر للثكنات”.
لم يجد شيعة العسكريين، ممن آزروهم في انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي أطاح بالحكومة الانتقالية لقوى الحرية والتغيير، صعوبة في تصديق البرهان عن عودة قواته للثكنات. وهو موقف ربما احتاج إلى إيضاح من قوى كانت اعتقدت أن وجود الجيش في السياسة صمام الأمان الذي لا غيره لاستكمال الانتقال الديمقراطي حتى الانتخابات المنتظرة. ولا يعرف المرء كيف لم يأت لهم خروج القوات المسلحة من السياسة كما قالت كمفاجأة غير سعيدة قبل هذا الاستكمال.
واختلفت الجماعات السياسة، الذين عقيدتهم الأصل عودة الجيش للثكنات، في صدقية البرهان اختلاف مقدار لا نوعاً. فمَثّل اختلاف النوع بحذافيره الحزب الشيوعي الذي لم ير في البيان، ووعد العودة للثكنات ضمناً، سوى استمرار لانقلابات البرهان في 11 أبريل 2019 و25 أكتوبر 2021. فحيّا على الكفاح لإسقاط النظام برمته.
ونظرت الحرية والتغيير (المجلس المركزي) إلى هذه العودة للثكنات كتراجع من البرهان أمام المطلب الجماهيري. عدتها مراوغة أفرغها مع ذلك بإجراءات أخرى مثل الوصاية بالأمر بتشكيل حكومة مدنية واضعاً الشروط لتكوينها ناهيك عن قيام المجلس الأعلى للقوات المسلحة الغامض ما يزال المنذر بالمخافة منه. ويكمن من وراء سلبية الحرية والتغيير حيال عودة الجيش للثكنات سوء ظنها بالجيش، وربما البرهان خاصة، خلال تعاملهما معهما في حلف الحكومة الانتقالية.
وجدت من الكُتاب من تمهل عند عودة الجيش للثكنات لا مؤيداً، بل محللاً لحيثياتها في الزمان والمكان. فعودة الثكنات عندهم فشل داو لانقلاب 25 أكتوبر لا استمراراً له، أو لمن سبقه، استحق التفاتة من الساسة المدنيين. فخطاب البرهان كما يراه فيصل محمد صالح، الصحافي ووزير الإعلام الأول في الحكومة الانتقالية، ليس تراجعاً عن انقلاب 25 أكتوبر وعودة عنه للثكنات، بل هو مجرد اعتراف بأن الانقلاب لم يكتمل. واحتفظ البرهان للقوات المسلحة، من الجهة الأخرى، بمجلس أعلى سيخيم شبحاً على الحكومة المنتظر تشكيلها بعد مفاوضات القوى السياسة والمجتمعية الأخرى. وقال فيصل عن شرور هذا المجلس القادمة إن الجيش أراد به أن تكون له الولاية على السياسة الخارجية وبنك السودان بجانب اختصاص الدفاع والأمن. وتسربت هذه المعلومة عما يريده الجيش لمجلسه من مذكرة كان البرهان تقدم بها خلال مفاوضاته الأخيرة مع الحرية والتغيير (المجلس المركزي) بوساطة نائبة وزيرة الخارجية البريطانية والسفير السعودي في السودان. ويتوقع فيصل أن تكون صلاحية العلاقات الخارجية وبنك السودان مما ينتظر الجيش ليفاوض الحكومة المدنية القادمة حولهما.
ورأى عبد الرحمن الأمين، الصحفي المخضرم، العودة للثكنات بمثابة فشل للبرهان. فانقلاب 25 أكتوبر، في قوله، لم ينجح في كسر المقاومة له التي لا تكف عن التصاعد. فتجسدت في مظاهرة الثلاثين من يونيو الماضي والاعتصامات في الميادين العامة القائمة ليومنا. ولم يوفق الانقلاب بعد ثمانية شهور من قيامه في تكوين حكومة تحل محل الحكومة الانتقالية التي حلها. وكانت أكبر خسائر الانقلاب في الحكم هي امتناع الدول التي التزمت بتوفير أكثر من 4 بليون دولار لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان بعد أن دفعت منها 269 مليون دولار حتى وقوع الانقلاب، أي 6 في المية فقط من مال الدعم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق