
هاكا آ ماما … أغنية من الثرات المغربي الشعبي!
ندى موطى*
“هكا آ ماما” أغنية ثراتية مغربية، تندرج ألحانها و كلماتها ضمن الثرات الشفاهي القديم و الموسيقي اليهودي في شمال إفريقيا الغني بمضمونه، فتتميز هذه الأغنية التراثية عن غيرها لكونها قدمت في أطباق فنية عديدة دون أن تفقد قيمتها التاريخية و الجمالية. حيث كلمة “هاك” بالدارجة المغربية تعني “خذ” و كلمة “ماما” هي لقب و نعت كانت توصف و تدلع به الحسناوات العذراوات في حواضر المغرب الأقصى أنذاك.و من آخر الفنانات اليهوديات التي غنتها هناك الاسرائلية من أصل مغربي “نتا الكيام”.
تعود جدور الأغنية حسب بعض المهتمين و الباحثين في التراث الشفاهي الشمال إفريقي، إلى قصة شاب قروي بسيط من أحواز متواجدة على الأرجح بين مراكش و فاس، و كان يتاجر في القماش، و عانى خلال ريعان شبابه من عدم إيجاده شريكة كما يتمناها، لكن عانى أكثر بسبب صلابة التقاليد و الأعراف الدينية التي لا تسمح بالزواج من خارج العائلة و القبلية و الدين أيضا. و في رحلة تجارية له إلى أحد المدن التجارية الكبرى التي كان يجلب و يشتري منها بضائعه و سلعه، أصيب حين ذاك بوعكة صحية إستدعت مكوثه فيها إلى حين شفاءه و تعافيه. و هذا ما وقع حين دعي إلى أحد قصور تجار اليهود الكبار للبقاء فيه إلى أن تتحسن حالته الصحية، و خلال نزوله بالقصر وقعت بينه و بين إبنة التاجر العذراء قصة حب أبدية، تختزنها عمق معاني كلمات الأغنية حكاية عشقهما و ما رافقها من تجاذبات و قيود و براءة و حب أفلاطوني جمع بين إثنين، و هذا ما أرغمه على البقاء في المدينة مكافحا صامدا من أجل حبه الذي إصطدم بواقع مذهبي و قبائلي و كيدي معقد و مقيد بمجموعة من القواعد و القوانين مجتمعية.
حيث بدأت قصة عشقهم بأول مرة قابلها فيها، نظر إليها طويلا حتى كاد أن يأكلها بعينيه، فأحمر وجهها خجلا ثم أشاحت بوجهها عنه و أدارت ظهرها و كلها أمل أن يكف عن النظر إليها بتلك الطريقة أو يدخل إلى غرفة الضيوف فقد طال مقامه في فناء الرياض منذ أكثر من ساعة و هو يراقبها. بقيت كذلك برهة من الزمن و ساد صمت مطبق في فناء الرياض لم يكسر سكونه إلا أصوات المارة في الزقاق القريب من المنزل. وضع شجعها على الاتفات لترى ما يحصل، تسمرت المسكينة في مكانها و عجز لسانها عن الكلام و سحبت وجهها من يديه بصعوبة ثم ركضت بسرعة إلى غرفتها و نبضات قلبها تتسارع حتى كاد أن يتوقف قلبها عن النبض، وما هذه إلا البداية لأن قصة حبهما العاصفة تداولها الناس في شتى بلاد المغرب في القرون السابقة، لهيب حبهما الصادق نسجت حوله الحكايات و نظمت حوله الأشعار و القصائد و القوافي و غنى كلماته مطربي المغرب في البوادي و المدن أيضا، فأصبحت قصة حبهما جزءا من التراث الشفهي اليهودي المغربي الذي يحفظه جيل بعد جيل.
كما سبق و أن ذكرنا أن قصة العاشقين نظمت في شكل قصيدة شعرية تغنى بها كبار المطربين المغاربة أمثال “زهرة الفاسية” التي أدتها سنة ١٩٠٥ و “حاييم وبطبول” و غيرهما و آخرهم المطرب المغربي “فيصل العزيزي” الذي أبدع فيها. و ربما يعود الفضل إلى إعادة إحياء هذه الأغنية القديمة المغربية من جديد، و شيوعها في صفوف الشباب للفنان المغربي “فيصل أعزيزي”، الذي أعادها بتوزيع جديد و حديث يلائم ذوق أجيال اليوم.
يقول مقطع من القصيدة الشهيرة:
آ للا ماما، إذا عصينا حنا لله تايبين
الزين الزين ما نفوتو واخا و نموت بالحديد
و تكون السنسلة عليا و يكون رسامها جديد
و يكون رسامها جديد
دك الخلالة
خراص كبار و نبالة و ميات ريالة
باش نكافي حسان ماما
هاك آ ماما
شرح بعض من كلمات الأغنية: مبتدئين بمولاي إبراهيم صاحب الفوقاراء (الفوضى) راه يقضي حوايجي و نقولو لفعالة. للإشارة فهناك من يستعمل لفظ الفوقاراء في القصيدة، و هناك من يلفظها بالفوضى و كيفما كان اللفظ فهو لا يغير في معناها شيئا، مدامت اللفظتين تشيران إلى أصحاب الكرامات و التصوف، و في مطلع القطعة بيت يتوسل به ولي صالح يعرف باسم مولاي إبراهيم المعروف بكراماته و قدراته الروحية و العلاجية، ويمده بالعون و التيسير في حياته ليعقد القران بمحبوبته و يتقي من خلال دعواته شر الحاسدين و الحاقدين. ثم نجد دك الخلالة خراص كبار و نبالة و ميات ريالة باش نكافي حسان ماما، فدك الخلالة تعني حين يعيدها أكثر من مرة فهو يؤكد على تمسكه بالإرتباط بها، و هي عبارة إستعارية كانت تقال كوعد لدلالة على نية الإرتباط و الإقتران بين الشباب، و يمكن أن نقول أن مرادفها الآن في الثقافة الشعبية المغربية هي “نديرو الخاتم” أي نتزوج. و خراص كبار و نبالة و ميات ريالة، الخراص هما حلقتي الأذن و ربما يكون كبارهما كرمز على قيمة الهدية التي ستقدم لها، مادام كلما كبرت الخراص كلما ارتفع ثمنها، و النبالة هي من أنواع الحلي الأمازيغي المغربي النسائي أو ما يسمى حاليا “بالبراسليات” أما ميات ريالة فهي تعني ببساطة مبلغ ضخم من المال أنذاك الذي سيقدمه لحسنائه كصداق و مهر، بالنسبة لباش نكافي حسان ماما أي الإشارة إلى أن محبوبته في قمة الروعة و الجمال التي برر بها قيمة المهر و الهدايا التي يريد أن يكافئها بها…و غيرهم من كلمات الأغنية المغربية الشعبية الشهيرة.
*صحفية متدربة،
طالبة المعهد العالي للصحافة والإعلام مراكش.