ثقافة وفن

بسام كيرلس

مدن من الخيم أبعاد فنية وتساؤلات تعبيرية

بشرى بن فاطمة

التحول من المنحوتة إلى اللوحة يحتاج إلى الكثير من الحرفية والتفوق التعبيري على خصوصيات الجماليات المتفاعلة التي تستنطق العناصر في اللون والخامة واللغة ومزيجها المُنطلق أبعد في الفكرة ومحتواها الإنساني وتلك هي اللغة التي أرادها التشكيلي اللبناني بسام كيرلس وهو يخوض مغامرة التحوّل من مفاهيمية المنحوتة إلى تعبيرية اللوحة واتساع القماش بشكل حر متلازم مع روح المغامرة ضمن المشروع الفني الذي شارك فيه متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية «مدن الخيم» والذي يجمع أكثر من مائة فنان على فكرة الخيمة وجدرانها ومفهوم الوطن وتحولاته المُبهمة من الأرض والثبات والأمان والاستقرار إلى الشتات والبعثرة والبحث الدائم عن ملجأ يستقبل مزيج المشاعر وغربة الملامح.

فقد كانت الخيمة التي شارك بها كيرلس مختلفة من عدة اعتبارات جمالية في رؤاها البنيوية، خاصة وأنه لم يكتف بتقديم فكرته وموضوعه في المنجز الفني بشكل فرداني متحكم في ذائقة المتلقي بل تجاوز ذلك باستفزاز مخيلته ونبش أفكاره التي تنعكس على المسطّح وتحاكيه وتطرح معه تساؤلاته وتناقضاته كمحاورة ثنائية يعتمدها بينه وبين منجزاته والمتلقي وبينه وبين تناقضات الطبيعة والوجود.

فقد حملت تجربة بسام كيرلس رؤيته في تفكيك مفاهيمية البناء والخراب واتباع سبل فلسفة التخريب المقصود للتخلص من نتاجها المرعب والمنتهي مركّزا على اللون الداكن بتفاصيله المتّشحة بالسواد والمتمازجة مع اللون البارد منتقلا من حالة العمار إلى حالات الدمار وما تسبّبه من مخلفات حسيّة وذهنية بصرية على الملامح العامة في الشكل الظاهر للبناء وللإنسان.

ففي تجربة بسام كيرلس الكثير من القيم الفنية التي تبدو رغم حالاتها الكئيبة مُتكاملة في تعابيرها عن الواقع وما يثيره من تمازج مع العناصر التوصيفية للعمل بين التقنية الجمالية والبصرية، فقد ارتقت الجدران التي نفّذ فيها مفاهيم فلسفته ورسوماته بين الظاهر والباطن ونهضت بالمحتوى والفكرة.

فقد جمعت الخيمة التي عمل عليها كيرلس بين رؤى البناء والعمارة ومنطلقات النحت التي تعوّد عليها ليصقلها في تكوينات العمل التشكيلي الذي خرج فيه عن المألوف في تمازج استطاع من خلاله أن يتحمّل الموقف الصادم والمشاعر المتراكمة وتأثيراته بين الذاتي والوجودي والواقعي.

عندما اختار كيرلس النحت كمنطلق للبناء حاول أن يتفاعل مع المفهوم حتى يتمكن من تشكيل ألوانه مع حكايات الماضي ومخلفات الحروب ودورها التهديمي وجمعها ضمن فلسفة الهدم من أجل البناء والتوصل مع انسجامات الحاضر وتناقضاته فبين التاريخ والأرض والسكن تتفجر الطبيعة في القوة الإنسانية التي تمزج الفكرة بالمشاعر وكأنها التربة التي تندمج مع الماء وتتمتن بالهواء والنار تماما مثل تلك الجدران الأربعة التي تفصل الكون عن التكوين، فبين عنصري السكن والشتات تتحوّل صور الخيم وتختلف الرؤية التعبيرية في التعامل البصري معها ليحوّلها إلى فضاء محمل بالهموم حيث الأساطير خالدة والمعمار واضح بمعالمه الباقية والمهدمة، وفي الفوضى والهدم فلسفة يسعى كيرلس إلى تجريدها وتحويرها وتشكيلها.

إن مشروع مدن الخيم الفني جمع في تفاصيله الكثير من التجارب واحتفى بالإنسانية بشكل حمل من التنوع التعبيري الكثير من الحكايات التي سردت الواقع من خلال أكثر من أسلوب.

*الأعمال المرفقة:

متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية

Farhat Art Museum Collections

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق