خارج الحدودسياسة

التمرين الديمقراطي في الغرب وفي أمريكا إلى أين؟ (الجزء الأول)

أحمد الونزاني

بدى أن التمرين الديمقراطي في الغرب عموما قد وصل إلى مداه من حيث الممارسة، سياسيا و اجتماعيا، كما بلغ مداه من حيث إنتاج الأفكار المناسبة لتطور اي تجربة إنسانية في الممارسة السياسية ،و قابليتها للتجديد.

فشلت النخب السياسية في الغرب عموما، من تنزيل نموذج سياسي انساني بالدرجة الأولى، نموذج بآفاق فكرية إنسانية، بعيدا عن كل تصنيف أو تمييز بين الجنس البشري.

مع نهاية الحرب العالمية الثانية ،كانت أوروبا عبارة عن ورش كبير، خضعت لإعادة تأهيل البنية التحتية ،من مرافق عمومية و بنيات أساسية و إعادة إعمار بسرعة فائقة، لتأهيل الاقتصادات، و تأهيل أوروبا حضاريا لتلعب دورها الريادي في العالم.

كان التعليم قاطرة لكل إصلاح مجتمعي وقاطرة لتقدم أوروبا، من جميع النواحي، سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا وفكريا و عسكريا  و حقوقيا.

عادت أوروبا الغربية إلى الحياة، بعد خطة مارشال ،خطة إنقاذ شاملة للبنيات التحتية و الإنسان معا .كانت أوروبا على موعد مع التاريخ ،حيث تشكلت اول نواة لوحدة أوروبا الغربية سياسيا و اقتصاديا و عسكريا سنة 1949، فيما تم انضمام باقي دول أوروبا الغربية سنة 1979 و تم توسيع نطاق الاتحاد الأوروبي ليشمل بعضا من دول شرق أوروبا بعد سقوط جدار برلين سنة 1989. و كان توحيد العملة الأوروبية ،نقلة نوعية في ترصيص الاقتصاد الأوروبي و جعله أكثر تنافسية ضد الغزو التجاري الصيني، و منافسا قويا في السوق الدولية للدولار الأمريكي و كذلك مناعة من أي تفكك للاتحاد الأوروبي في المستقبل القريب، بترسيم سياسات مشتركة و موحدة تحمي المصالح البينية بين دول الاتحاد الأوروبي ومع  العالم الخارجي.

كانت الأجواء السياسية يطبعها نوع من التداول السلمي على السلطة بين تيارات سياسية متعددة المشارب الفكرية والايديولوجية، كان التنافس بين اليسار والليبراليين و أقصى اليسار و المحافظين وكذلك تيار القوميين و بعض التيارات الطارئة أو تيارات تصحيحية لأحزاب تقليدية، ظهرت لتضيف قيمة مضافة لحركية المجتمعات داخل أوروبا. وقد كان التنافس شديدا بين الأقطاب السياسية الكبرى، الاشتراكيين و الليبراليين أو المحافظين الجدد و القوميين، و كانت التناوب على السلطة السمة الغالبة في أغلب الأحيان، لكن ما كان يميز هذا التداول على السلطة، هو المشاركة الفعلية للنخب السياسية في الفعل السياسي و الفعل الرقابي معا، عبر المؤسسات التشريعية والتنفيذية، و هذا يخلق ذلك التوازن المطلوب و حتى التغيير داخل مؤسسات الدولة في إطار قانوني و يضمن نزاهة و سلامة العملية السياسية بشكل عام.

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، برزت في الساحة السياسية الأوروبية الأحزاب السياسية ذات التوجه الوطني الراديكالي والعلماني والعنصري ،أي الأحزاب اليمينية بشكل عام، و كانت لها نجاحات كبيرة في بعض البلدان الأوروبية، خصوصا في شمال أوروبا وشرقها، كما أصبحت أكبر منافس للأحزاب السياسية التقليدية ك الليبراليين و الاشتراكيين بنسختهم الجديدة، بعدما أفل نجم الأحزاب اليسارية في كل أوروبا، بل أصبح اليسار أقرب إلى الأحزاب اليمينية المتطرفة، ويمكن ان نتحدث عن ولادة  اليسار اليميني ذو النزعة القومية و الإقصائية.

و قد سطع نجم الأحزاب القومية مؤخرا في أوروبا الغربية و خصوصا في كل من فرنسا و بلجيكا و ألمانيا و هولندا و أصبحوا قاب قوسين او أدنى من الحكم بأوروبا. وبالتالي يمكننا الحديث عن دخول التمرين الديمقراطي في أوروبا في النفق، و قد تكون لذلك انعكاسات سلبية على الحياة السياسية، و تداعيات خطيرة على السلم المجتمعي.

شكل خروج ابريطانيا من الاتحاد الأوروبي، نكسة كبيرة تهدد انفصام عقد الاتحاد الأوروبي بشكل كامل. و بدى المشهد السياسي الأوروبي  مرتبكا و مشوشا ومنقسما، بعد الحرب الأوكرانية الروسية، كما طغت لغة المصالح الفردية لكل بلد أوروبي، على المصالح المشتركة، بل كان للتيارات القومية رأي جريئ بمناصرة جهة معلومة وتبني وجهة النظر الروسية.

وهنا لابد من الإشارة إلى أن مسألة الهجرة و المهاجرين بصفة عامة و الإدماج داخل النسيج المجتمعي الأوروبي و قضية الإسلام السياسي أو الاسلاموفوبيا، أو أسلمة أوروبا، كانت الشغل الشاغل للطبقة السياسية بأوروبا، كما كان لهذه  القضايا تأثير كبير على الساحة السياسية في أوروبا. وتم استغلال هذه القضايا انتخاباويا و في المزايدات السياسية و في الساحات الفكرية، مما جعلها تطفو على السطح، كلما جد جديد في الساحة السياسية الأوروبية و المجتمعية.

ويبدو ان النخب السياسية الحاكمة في الغرب عموما قد فشلت فكريا و سياسيا واجتماعيا و اقتصاديا و ثقافيا و نفسيا، في تدبير الأزمات الداخلية المجتمعية و في تحصين الجبهة الداخلية و المتنوعة باعراقها ودياناتها و ثقافاتها المختلفة. 

تعاني أوروبا من ضيق افقها الفكري، لهذا فبدل ما تبحث نخبها السياسية عن حلول للمعضلات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق