
ما بين النور حمد والطيب صالح
طارق يسن الطاهر
كنت أتصفح اليوتيوب؛ بحثا عن مادة عن الأستاذ معاوية محمد نور، فوقعت عيناي على برنامج تلفزيوني استمعت للدقائق الأولى، ولم أكمل؛ لأن الضيف كان مهزوزا، ومعلوماته ضعيفة، وأخطأ حتى في تاريخ ميلاد معاوية، فتجاوزته.
واستمر بحثي، فوقعت عيناي على محاضرة قدمها الدكتور النور حمد، علمت أنها تستوجب المتابعة؛ فالمحاضر دكتور النور رجل متمكن من أدواته، ومتفرد في طرحه، خاصة حينما يتحدث عن شخصية عظيمة وأديب مختلف ومتجاوز كمعاوية.
كانت محاضرة مميزة بمحاضر مميز وبموضوع مميز، رحم الله معاوية وجميع مبدعي بلادي الذين أضاعهم إعلامنا الضعيف، طرحٌ راقٍ منك دكتور النور في جميع جوانبه، فقد تناولت جانبا مهما، وهو أن معاوية تخلى عن عقدة الدونية التي صبغت طباع كثير من أدبائنا، وأنه تحدى، وحاجَّ كثيرا من الأدباء الكبار في عصره وتفوق عليهم، ومن النقاط المهمة في المحاضرة -وكلها مهمة- حديثك عن قدرات معاوية الإبداعية، وإلمامه الواسع بأدوات الإبداع رغم صغر سنه .
لكن لم يعجبني حديثك عن أديبنا العالمي الطيب صالح، وهو الذي قدم للسودان ما لم تقدمه وزارات الإعلام منذ الاستقلال، كما قال الشاعر صلاح أحمد إبراهيم، لم يعجبني حديثك عنه باستخفاف، حينما قلتَ إنَّ الطيب صالح كان يخرج مع العائلات الحاكمة في الخليج لرحلات صيد ويحكي لهم عن المتنبي، كأنك تغمز وتلمز أنه أديب السلطان، ما فائدة هذه الجملة في إطار الحديث عن معاوية؟؟
هل نسيت أن الطيب صالح عانى من تطاول سفهاء البشير وحكومته وأتباعه، ومُنعت رواياته من التدريس في جامعاتنا، وهي تدرس في معظم جامعات العالم؟
عِبْتَ عليه أنه لم يقل كلمة في مقتل الأستاذ محمود محمد طه، هذا شأنه، وهذا رأيه، ولابد من أن نحترم موقفه، وظرفه وضوابط جهات عمله، ولابد أن نقدر الدوافع لذلك، فهو ليس كاتب صحفي ليتحدث عن الأخبار، ولا يحمل فكرا أيدولوجيًّا محددا، ينطلق من خلفيته، وإنما هو كاتب للجميع وشخصية عامة، والناس اختلفوا على فكر الأستاذ محمود محمد طه، وعلى حكم مقتله، والناس – يا دكتور النور – لم يُجمِعوا على رب العالمين، ولا على نبيِّه صلى الله عليه وسلم، ولا على كتابه، (ولا يزالون مختلفين…) وكثير من الناس صمتوا يومئذ، وكثير منهم صمتوا بعد ذلك، ولم يتحدثوا، والدماء تسيل أنهارا في شوارع البلاد.
هل تحب من الطيب صالح أن يكون مصادما حتى ترضى عنه؟
ثم ما الفائدة من حشر هذا الكلام في محاضرة عن معاوية محمد نور؟ وماذا يستفيد منها المتلقي؟
يا دكتور النور، لو كان بينك وبين العالمي الطيب صالح شيء خاص، أو خلاف شخصي، فما أظن أن هذا مجاله، والرجل بين يدي ربه، لا يستطيع الرد ولا الدفاع عن نفسه. أنت ذكرت أنك حضرت له محاضرة في سلطنة عمان، لماذا لم تواجهه برأيك هذا؟! لماذا صمت لسانك طوال هذه السنوات، وتأتي الآن لتتكلم عن الرجل، وتقدح في مواقفه بعد وفاته؟!
لكن السؤال المهم مرة أخرى:
المحاضرة عن معاوية محمد نور، ما الذي جعلك تقحم صمت الطيب صالح عن مقتل محمود محمد طه؟! هذه آفة المثقفين السودانيين الذين ما زالت تحكمهم انتماءاتهم الايدولوجية التي تبرَّأ منها الطيب صالح، فكان محلقا في جميع الآفاق، وعاش محبا للجميع، ومات محبوبا من الجميع. أرجو- يا دكتور النور – أن يكون تناولك بعيدا عن التصنيف والإقصاء، وأرجو أن تكون منصفا؛ حتى لا تفقد كثيرا من قرائك؛ فأنت رجل لك رؤية يحترمها الكثيرون، وأنا منهم.