سياسة

مقاييس و مقاسات

أحمد الونزاني

الكل يرى الأشياء من زاويته الخاصة.  الكل يرى الأشياء حسب مقاييس عامة و  محددة متفق عليها بشكل قبلي أو مقاييس شاذة لا تخضع لمنطق معين أو اتفاق مسبق أو مشروط . كما أن زوايا الرؤية تختلف من حيث المضمون حسب الرائي نفسه و حسب ثقافته و وسطه الاجتماعي و نفسيته و حسب استعداده.  ف الخيط الأبيض، لا يشبه ابدا الخيط الأسود، لكنهما يلتقيان من حيث التركيبة لعناصر تكوينهما و يبدو الاختلاف شبه منعدم، لكن اللون يضفي عليهما اختلافا واضحا، و التمايز بينهما جليا. ف مقاييسنا للأشياء تخضع أولا للاعتبارات البصرية قبل الاعتبارات الأخرى، التي هي أحكام قيمة لا غير، قد تكون صائبة أو مجانبة للصواب، قد تخلق توترا نفسيا عند البعض وارتياحا لدى البعض الآخر و قد تدخلنا في متاهات بدون مخرج و تشنجات فكرية و خصومات تافهة.

فيما الأعمى، تتشابه لديه كل الأشياء، فهو لا يستطيع التمييز بين الجميل و القبيح، بين الخيط الأبيض و الخيط الأسود، بين من يحبه ومن يكرهه و تبقى الحواس و احساساته هي من يعطي لونا محددا و تميزا نوعيا للآخر و كل الأشياء. ف مقاييسه تخضع لمقايسات معلومة لديه اكتسبها بالتجربة و الاحتكاك اليومي مع محيطه العام والضيق.  فيما تكون للخلفيات بصمة في ما يخص مقاييسنا و مقاساتنا، خلفيات أيديولوجية و لغوية و عقدية و اثنية و حتى عرقية و غيرها من الخلفيات ، التي تخلق فارقا في نظرتنا للآخر وكل الأشياء.  وغالبا ما نتبنى أحكاما جاهزة، أو تلك النظرة الضيقة للحكم على الأشياء. 

فمقاييسنا تشبه إلى حد ما مقاساتنا، حسب التربية و الوسط الاجتماعي و الثقافي والانتماء الحضاري.

فالعين الناقدة ليست ك العين اللاهية وغير المبالية و ليست ك العين الحاقدة و لا ك العين الموضوعية أو العين الحالمة ،أي تلك التي تملك رؤية استشرافية للمستقبل،دون أن ننسى العين الانتهازية .

فالتجرد يضفي مصداقية أكبر على نظرتنا للأشياء، و فهمها أكثر، كما أن أخذ المسافة الكافية بيننا وبين تلك  الأشياء بشكل تبدو فيه أكثر شفافية و وضوحا، بل تلهمنا إلى ما وراء تلك الأشياء من أسرار،  و من هنا تتضح الصورة لنفهم جيدا الدال و المدلول و تلك  الرسالة السطحية قبل تلك المبطنة و الخفية عن أذهاننا.

قد تبدو الصورة واضحة، لأول وهلة وسهلة الفهم، كما قد يبدو الشخص الذي أمامك،لكن مع اختلاف زوايا النظر نكتشف زيف الصورة و زيف انطباعاتنا حولها من اول نظرة، كما نكتشف عيوب ذلك الشخص في أول تجربة أو احتكاك مباشر معه .

ولهذا ف مقاييسنا للأشياء تكتسب مقاساتها الأخيرة بالتجربة و الاحتكاك، كما أن عامل الزمن يعطينا صورة أوضح حول حقيقة الأشياء والأشخاص.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق