
بروفيسور يوسف فضل … في سجل الخالدين
بدر الدين العتَّاق
حقيقة أنا لم أكتب هذه الكلمة؛ وإنما كتبها فضيلة الشيخ البروفيسور العلامة إبراهيم القرشي – حفظه الله ورعاه – رداً جميلاً على كلمتي في هذا الموضع عن أستاذ الأجيال البروفيسور يوسف فضل حسن؛ تحت عنوان: (إمارة الشارقة؛ تُكَرِّمُ أهل العلم)؛ فإذا سمح لي سماحة السيد رئيس التحرير بنشر كلمة البروفيسور إبراهيم القرشي؛ تعقيباً على محل الموضوع أستاذنا يوسف فضل حسن؛ فأنا له شاكر أبد الدهر؛ ودعني سيدي رئيس التحرير أن أتمثَّلَ ممتدحاً أنا بروفيسور القرشي ومقامك الكريم بقول جرير الخَطَفِي حين قال:
فَإِنّي قَد رَأَيتُ عَلَيَّ حَقّاً
زِيارَتِيَ الخَليفَةَ وَاِمتِداحي
سَأَشكُرُ أَن رَدَدتَ عَلَيَّ ريشي
وَأَثبَتَّ القَوادِمَ في جَناحي
وأنا على ثقة أنه لن يخزلني فهذه الكلمة من النفائس الذاخرة بلا ريب في وقت نضبت فيه الكلمات الجِيَاد الرِّصَان وهنا قال أبو تمام الحكمي؛ رحمه الله:
أحذاكها صنع البيان يمده
جفر إذا نضب الكلام معين
ويسيء بالإحسان ظناً لا كمن
هو بابنه وبشعره مفتون
فهو قد عودني على ذلك وعادة الملوك لا تخلف وعدها كما ترى.
كتب بروفيسور / إبراهيم القرشي؛ ما يلي:
تعقيب على بوست المهندس العتَّاق في تكريم بروفيسور يوسف فضل؛ حفظه الله:
طال التعقيب فما أحببت أن أزحم به صفحة أخي الباشمهندس؛ ثم خوفاً من مقص العم مارك ورغبة في أن تشاركوني المطالعة.
أخي المهندس المدني ومهندس الكلمة الأديب بدر الدين العتَّاق؛ لك التحية وأنت تجوب بنا أودية المعارف والثقافة؛ سرني مقالك الضافي الوافي عن أستاذ الجيل بروفيسور يوسف فضل – بوركت أيامه – وهو أهل لكل ما يصنع له وما سيصنع.
قطعاً لا صلة بين الكتابين: ( كاتب الشونة) و( في شان الله) فكاتب الشونة الذي أشرتُ إليه وأشرتَ أنت إليه هو المعروف ب( تاريخ ملوك سنار والحكم المصري في السودان ) تأليف: أحمد بن الحاج أبوعلي؛ المشهور ب(كاتب الشونة) وهي وظيفته التي كان يعمل فيها كاتباً في مخازن الغلال (الشونة: مخزن الغلال أو المحاصيل والحبوب كالذُّرة ونحوها) ثم اشتهرت مخطوطة كتابه هذا بما كان يعرف به صاحبها فقيل: (مخطوطة كاتب الشونة) وهو الذي حققه شيخنا بروف يوسف فضل؛ ولي منه نسخة نفيسة عليها كلمات طيبات وتوقيع كريم ( انظروا قوله في الإهداء: «جهد استمر ربع قرن» أيُّ صبر وأي عزيمة هذه حتى إنني كنت ألقى بعض أحباب البروف فأساله: هل ما يزال أستاذنا مع كاتب الشونة؟ فيرد عليَّ: بليلة الحصحاص؛ هههه؛ فقد نضجت الآن بليلة الحصحاص على نار هادئة.
وقد نسب إلينا فيه فضلاً وإنما الفضل لله ثم له هو الذي علمنا الفضل والتفضل ولكنه تواضع العلماء .
أما كتاب (في شان الله) فقد دلني عليه أستاذ الجيل بروفيسور عبد الله الطيب في رسالته إلى شخصي الضعيف وقد صَدَّرتُ بها الطبعة الثانية لكتابي (عادات سودانية أصولها عربية؛ سنة 2000 م) جاء في الرسالة:
(هل اطلعت على كتاب الشيخ عبد الله عبد الرحمن الضرير «العربية في السودان» و «في شان الله» كتيب صغير فيه جمعٌ نادرٌ من الأشعار البَلَدِيَّة التي كان نَظْمُهَا في التركية السابقة، أحسبه موجوداً في مكتبة السودان (جامعة الخرطوم) وأذكره لك بمناسبة «تدفِنِّي» من كلام النسوان؛ فإن فيه من ذلك أشعاراً) انتهى كلام البروفيسور عبد الله الطيب؛ تعقيباً منه على إحدى مقالات كتابي: (عادات سودانية أصولها عربية) عنونتها ب (أموت ليك وغدر النساء) (انظر: عادات سودانية ص 5 و ص 42 الطبعة الثالثة 2015م)
وقد رجعت إلى مصورة كتاب (في شان الله) المشار إليه، واقتبست منه أقوالاً مهمة وحقائق تاريخية في كتابي: (الشريف محمد الأمين الهندي؛ قطب القرآن وخاتمة المحققين؛ حياته وآثاره [توفي1883م/1301هج]) الذي قدم له أستاذنا بروفيسور الحبر يوسف نور الدايم؛ وأوصى أستاذنا بروفيسور يوسف فضل بإعادة طبعه ضمن مطبوعات سنار عاصمة الثقافة الإسلامية(2017م) وقد كان.
والشريف محمد الأمين الهندي، يا ابن العتَّاق، علم ضخم تحتبس العبرة في حلقي _ والله_كلما مر ذكره لجهل أكثر السودانيين برجل عالم رُحَلَةٍ محقق مدقق ثبت متمكن قال عنه الفحل الفكي الطاهر:
« محيي الدين ومعلم آيات الكتاب المبين؛ توجه إلى القطر المصري فأقام بالأزهر سبع سنوات وفي طنطا ثلاث سنوات في علوم القرآن فجاء السودان فنفع آلاف المسلمين بالقرآن وعلوم الدين يعلم القرآن بالقراءات ويعلم رسمه وتفسيره وأسباب نزوله وإنه بحق لم يطأ بلاد السودان قط من يماثله في نفع المسلمين ونشر الدين « (الفحل الفكي الطاهر؛ تاريخ وأصول العرب بالسودان؛ ص82).
خدم هذا الرجل القرآن أكثر من خمسين سنة وصنَّف في علوم القرآن و القراءات القرآنية أكثر من عشرة كتب ضاع معظمها وعثرنا على خمس منظومات منها حققتُ إحداها ضمن الكتاب المذكور وهي (منظومة الصيانة في علم القرآن) وهي أرجوزة نصف ألفية في رسم القرآن وضبطه وتجويده وقراءاته وقرائه؛ عجيبة غنية مدهشة؛ أبياتها أربعمائة وتسعة وثمانون بيتاً جاء فيها :
قد انتهت منظومة الصيانهْ
جعلتها لإخوتي إعانهْ
أبياتها في رمز (طُفتُ) تنحصِر
من يَحْوِها علماً وفهماً ينتصر
وقوله: (أبياتها في رمز طفت تنحصر) أراد أن عدد أبياتها بحساب (أبجد) او حساب الجُمَّل هو 489 بيتاً؛ لأن حرف الطاء يساوي تسعة، وحرف الفاء يساوي ثمانين، وحرف التاء يساوي أربعمائة فالمجموع: 400+80+9 = 489 بيتاً.
قلت: في هذا الكتاب المنشور سنة 2005م وأعيد طبعه في سنة 2017م، اقتبست من كتاب في (شان الله) الذي دلني عليه أستاذ الأجيال بروفيسور عبد الله الطيب مايلي:
« كان الشريف يوسف [ ابن الشريف محمد الأمين الهندي] أكبر الزعماء مقاماً عندما أعيد فتح السودان وقد ظلّ يقيم في سنار حتى سنة 1908م، ولكن الإنجليز بدأوا يشكُّون في إخلاصه بعد واقعة(كتفية) بسبب إيوائه لفلول أنصار (ود حبوبة) عندما كان في سنار، فدعوه للإقامة في الخرطوم ولولا مكانته الروحية التي تبلغ حَدَّ التقديس في نفوس أنصاره ومريديه من قبائل العرب لمثَّلت به الحكومة كما ضيَّقت على غيره من الزعماء والفقهاء الدينيين « {في شان الله، محمد أحمد الجابري، ص119}
الرجل اسمه محمد أحمد الجابري وغضبك من كتاباته في محلِّه ولعل شيخنا كان يشير إلى كتاب آخر لأن هذا الكتاب ضخم كما ترى ولم أجد فيه شيئاً من الأشعار الشعبية البلدية وكانت لدي مصورة منه ندَّت عني الآن صوِّرت لي من مكتبة السودان؛ رحم الله قبطانها والخبير بمجاهلها عمنا الراحل المقيم الأستاذ عباس الزين عليه ألف رحمة ونور.
نعم الإنجليز دعوا الشريف يوسف الهندي، عليه رحمة الله ورضوانه، إلى الخرطوم ولكنهم حبسوه في سجن كوبر ستة أشهر ثم خيروه في الإقامة فاختار ضاحية بري اللاماب مجبراً فأقام بها وفيها مسيده وضريحه الآن.
أما والده الشريف محمد الأمين فقد زاره الإمام المهدي في مسيده ببلدة الشريف يعقوب شرق الجزيرة وكان يجله وله معه مكاتبات أثبتناها في الكتاب المشار إليه وله مع الإمام والخليفة التعايشي جدل وأخبار ذكر نعوم شقير بعضها وقد رحل إلى الإمام ولقيه بالأبيض ثم أقام قليلاً برهد أب دكنة بشمال كردفان وتوفي قبيل زحف الإمام المهدي إلى الخرطوم سنة 1883م فصلى عليه الإمام وقبر هناك ومسيده معروف فيه مربعة على قبره؛ عليه رحمة الله ورضوانه.
انتهى تعقيب البروفيسور؛ إبراهيم القرشي ويلحق به تعقيبي عليه لاحقاً اتماما للفائدة إن شاء الله .