
عاصم فقيري
المتاهة السياسية التي يمر بها السودان هي نتيجة حتمية لفقدان العمل السياسي لأوعيته الحقيقية خلال فترة طويلة منذ انقلاب الحركة الاسلامية على الديمقراطية الثالثة، حيث ظلت البلاد دون اوعية سياسية فعالة مرتبطة بالجماهير، وكما عملت الحركة الاسلامية على تفكيك الكيانات السياسية واختراقها من الداخل واحدثت تغيير كبير في المجتمع السوداني من حيث طبيعته المتوارثة من العمل الجماعي ليصبح معظم او غالبية المجتمع متوجها نحو الفردية والذاتية، وهذا ليس عفويا وانما هو تم بتخطيط دقيق ومدروس من قبل الحركة الاسلامية التي اسهمت اسهاما كبيرا في جعل روح الفردية والذاتية متفشيا في المجتمع وكذلك تدمير القيم المجتمعية السودانية بتدبير مع سبق الاصرار والترصد!
لذلك لا عجب، ان تجد خلل كبير حدث خلال فترة حكم الحركة الاسلامية في الخريطة السياسية وكذلك هي الحقبة الوحيدة من الحقب التاريخية في السودان التي حدثت فيها تحولات كثيرة وانشقاقات في صفوف التنظيمات السياسية وفي التنظيمات السياسية نفسها، حيث حتى الاحزاب التقليدية التي ما كانت تشهد مثل هذه الانقسامات (حزبي الاتحادي والامة)، مع تثبيت ان الاتحادي كان قد حدث فيه انشقاق قديم وحيد الى الاتحادي الديمقراطي والوطني الاتحادي ولكن ظل على حاله حتى أتت الحركة الاسلامية بانقلابها وكذلك حزب الامة تشظى أيضا الى احزاب!
الغريب في الأمر أي خلافات داخل حزب تؤدي الى تكوين حزب جديد، لماذا لا يؤدي الخلاف الى انضمام جزء من الحزب لحزب اخر مثلا؟! الإجابة هي ان الية التحزب نفسها هي الية منافسة غير ناضجة مثلها مثل ما يحدث في الفرق الرياضية هلال مريخ مثلا، تعصب في الانتماء دونما حس يقود الى التطور او تطوير الحزب نفسه من خلال تطوير أدوات الحوار لتكون أدوات للتطوير وليس للانشقاق!
نفس الشيء يحدث مع الاحزاب اليسارية والاحزاب الحديثة، حيث ان اي خلافات تؤدي الى حزب جديد، حركة حق مثلا وقياداتها من المؤسسين هي انشقاق من الحزب الشيوعي، وحتى الحركات المسلحة لم تنجو من ذات الازمة وكل خلاف داخلها يولد حركة جديدة بذات الشعارات! فقط شعارات ولا برامج!
هذا هو حال الخارطة السياسية السودانية!
فهل نراهن على هذه الاحزاب السياسية للخروج من الازمة وهي نفسها تحمل عناصر الازمات داخلها بل تحمل جينات توليد وتفريخ الازمات!
المراقب لما يحدث في الساحة السياسية، انها فقدت مصداقيتها لدى جماهير الشعب السوداني، فكيف لديمقراطية وحكم مدني ان يؤسس دون وجود احزاب سياسية؟!
عليه يجب التفكير في البدائل والحلول قبل التشدق بالديمقراطية والمدنية، وعلى الاحزاب السياسية الان قبل الغد ان تحل نفسها وتنتظم عضويتها في صفوف الجماهير في كيانات مهنية وحرفية نقابية وان تتجاوز ايدولوجياتها و ولاءاتها الطائفية العقيمة وان تعمل على مبادئ توحيد الجهود في برنامج حد ادنى اسعافي وتوقع كل الكيانات المهنية والنقابية على وثيقة لا تشمل أي احزاب وهذا بعد حل الاحزاب جميعها ومن ثم لاحقا بعد أن يحدث استقرار يمكن العمل على قانون للأحزاب تتكون بموجبه أربعة احزاب فقط تضم كل الفئات كل منها بوعاء يمثل مجموعة عريضة دون الركون الى ايدولوجيات حادة او انتماءات طائفية، بل يجب أن يمنع تكوين احزاب طائفية او اثنية عرقية بنص القانون، وتكون الاحزاب على شاكلة حزب ديمقراطي وحزب جمهوري وحزب اشتراكي وحزب ليبرالي مثلا!
اما إذا أستمر هذا العبث والمشاحنات والخلافات والصراعات على هذا النحو الراهن فهذا هو الرهان على حصان أعرج!